موقع فيرست لوك: الولايات المتحدة وبريطانيا تخفيان جرائم الحرب بذريعة "الأمن القومي" في الأسبوع ذاته

2015-06-01 - 9:59 م

غلين غرينوالد، موقع فيرست لوك
ترجمة: مرآة البحرين


كان الكولونيل إيان هندرسون ضابطًا بريطانيًا لُقّب بـ "جزار البحرين" بسبب الفظائع التي ارتكبها مرارًا وتكرارًا على مدى الأعوام الثلاثين التي شغل فيها منصب كبير المسؤولين الأمنيين في هذا البلد الشرق أوسطي. بدأ حكمه الإرهابي في العام 1966 عندما كانت البحرين "محمية" بريطانية واستمر في تولي منصبه بعد أن طلب منه الملك البحريني ذلك عقب الاستقلال. في العام 1996، وصفته صحيفة الإندبندنت بالـ "أكثر إخافة بين رجال الشّرطة السّريين" في البحرين وأشارت إلى "أدلة دامغة على حصول الضرب المبرح وأيضًا اعتداءات جنسية ضد السّجناء أثناء تولي هندرسون منصبه لأكثر من عقد".

ووفقًا لمقال في صحيفة الغارديان، فقد "اعتقل رجاله آلاف الناشطين المناهضين للحكومة" وشملت تصرفات رجاله "نهب القرى والاعتداء الجنسي السادي واستخدام تدريبات القوة لإيذاء السجناء" و"في مناسبات عدة قيل إنهم اعتقلوا الأطفال من دون إبلاغ ذويهم، لإعادتهم لاحقًا في أكياس الجثث".

غني عن القول أن العقيد هندرسون لم يعاقب بأي طريقة: "وعلى الرّغم من أن سكوتلانديارد أجرت تحقيقًا حول هذه المزاعم في العام 2000، فقد تم إسقاط التحقيق في العام التّالي". وقد انهالت عليه مراتب الشّرف من الطّغاة المدعومين من قبل المملكة المتحدة، الذين يحكمون البحرين.

في الفترة التي سبقت المجازر والاعتداءات الجنسية التي أشرف عليها في البحرين، لعب هندرسون دورًا رئيسيًا في قمع تمرد الماو ماو بوحشية في كينيا، وهي محمية بريطانية أخرى. وفي أعقاب جرائمه الوحشية في كينيا، فاز مرتين بميدالية الملك جورج، "وهي ثاني أعلى ميدالية يمكن لمدني الفوز بها". وكانت وحشيته ضد المتمردين الكينيين المقاتلين من أجل الاستقلال السبب الذي دفع الحكومة البريطانية لتسليمه مسؤولية الأمن الداخلي في البحرين.

على مدى سنوات، ناضلت جماعات حقوق الإنسان للحصول على وثائق قديمة، وخاصة برقية ديبلوماسية عمرها 37 عامًا، تتعلق بمسؤولية بريطانيا عن وحشية هندرسون في البحرين. عادة، يتم الكشف عن الوثائق المماثلة بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا عليها، لكن الحكومة البريطانية بذلت كل جهدها لإبقاء هذه البرقية قيد الكتمان.

لكن الآن، حكمت المحكمة إلى حد كبير لصالح الحكومة وأبقت معظم الوثيقة الديبلوماسية سرية. واستند قرار المحكمة على الأقل جزئيًا إلى "أدلة سرية من وزارة الخارجية والكومنولث قدمها مسؤول كبير، هو إدوارد أوكدين، حاجج فيها بأن المصالح الدفاعية لبريطانيا في البحرين ذات أهمية كبيرة"؛ وبشكل خاص، "ألمح السيد أوكدين إلى أن الكشف عن معلومات مماثلة قد يعرض القاعدة العسكرية البريطانية الجديدة في البحرين للخطر".

تحب الحكومة البريطانية تشويه صورة الآخرين لدعمهم للطّغاة، حتى لو كانت تحرص على الحفاظ على علاقة وثيقة بكل طاغية في هذه المنطقة. لحكومة جلالة الملكة علاقة وثيقة مع البحرين، حيث تبني قاعدة بحرية جديدة. والمملكة البحرينية هي موطن أصلًا للأسطول الأمريكي الخامس.

المنطق الذي انطلقت منه المحكمة يفيد بأن "الكشف عن كامل الوثيقة قد يكون له "تأثير سلبي على العلاقات" مع البحرين، حيث تحرص المملكة المتحدة على بناء المزيد من العلاقات الاقتصادية والدفاعية". بعبارة أخرى، الكشف عن هذه الوقائع قد يظهر البريطانيين أو البحرينيين بمظهر سيء، ويسبب لهم الإحراج، ويجعل من الصعب الحفاظ على الصّداقة العميقة بين البلدين. لذلك، يجب منع كل من الشعبين البريطاني والبحريني من الاطلاع على حقيقة ما قامت به حكوماتهما.

هذه هي العقلية الأساسية التي تسود الآن في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لإخفائهما جرائمهما عن شعوبهما وعن بقية العالم: الكشف عما قمنا به سيحرجنا ويسبب لنا العار، ويتسبب بالغضب تجاهنا وبالتّالي سيؤذي "أمننا القومي". وفي حين كانت هذه الحكومات تسلط الضوء من دون هوادة على الأفعال السيئة لمناوئيها، كانت تخفي أفعالها الخاصة بشدة، ومن بعدها تدعو جماهيرها إلى الاعتقاد أنه فقط أولئك -الأطراف الأخرى الموجودة هناك- يرتكبون أفعالًا مماثلة.

هذه هي العقلية ذاتها التي دفعت إدارة أوباما على مدى سنوات لإخفاء صور تظهر تعذيب المعتقلين من قبل الولايات المتحدة. في العام 2009، قال أوباما إنه سيمتثل لأمر المحكمة بالكشف عن تلك الصور، لكنه، بعد أسابيع من ذلك الإعلان، نقض قوله. ومتبنيًا الحجة المقدمة من قبل مجموعة يديرها كل من بيل كريستول وليز تشيني بهدف عدم الكشف عن تلك الصور، أصر أوباما على أن الكشف عن الصور "قد يزيد من تأجيج الرأي المناهض لأمريكا ويعرض قواتنا للخطر". وذهب أوباما أبعد من ذلك فأعلن دعمه لمشروع قانون رعاه كل من ليندسي غراهام وجو ليبرمان لتعديل قانون حرية المعلومات -وهو إنجاز تشريعي قالت لي النائب لويز سلوتر عنه أنه، آنذاك، كان "مقدسًا" لدى الديموقراطيين- لسبب وحيد هو منع كشف هذه الصور.

في شهر مارس/آذار من العام الحالي، عكس قاض أمريكي كان قد ساند وزارة العدل في حكومة أوباما المسار. وفي دعوى قضائية رفعها اتحاد الحريات المدنية في العام 2004، حكم القاضي بالكشف عن آلاف الصور التي تظهر الإساءة إلى المعتقلين في أفغانستان والعراق، بما في ذلك سجن أبو غريب. وحكم بأن وزارة العدل الأمريكية لا تستطيع بعد الآن التحجج بأي ضرر للأمن القومي قد يبرر استمرار القمع.

وبدلًا من القبول بالحكم والكشف عن تلك الصور بعد إخفائها لأكثر من عقد، قدمت وزارة العدل الأمريكية طلبًا طارئًا لوقف تنفيذ الحكم أمام محكمة الاستئناف. وكانت الحجة المقدمة من أكثر الإدارات شفافية:

وفقًا لما قاله الوزير بانيتا، فإن الكشف العلني عن هذه الصور سيعرض المواطنين الأمريكيين وأفراد في القوات العسكرية الأمريكية أو الموظفين الأمريكيين في الخارج للخطر.

لا ديمقراطية سليمة يمكن لها العمل حيث تسود هذه العقلية المشوهة: يحق لنا إخفاء أي شيء نقوم به ويجعلنا نبدو سيئين لأن جعلنا نبدو سيئين يضر بـ "الأمن القومي"، ونحن الذين نتخذ هذا القرار من دون تحدٍ. وكما قال جميل جعفر اتحاد الحريات المدنية:

السماح للحكومة بإخفاء أي صورة قد تؤدي بأي شخص، في أي مكان، للتصرف بعنف، معناه منح الحكومة سلطة شاملة لإخفاء الأدلة عن سوء سلوك موظفيها. سيكون لمنح الحكومة هذا النوع من القوة الرقابية آثار تتجاوز هذا السياق المحدد.

لكن الأمر الأكثر تهديدًا من الخطر على الديمقراطية، هو الجمهور المتأثر بالدعاية، الذي تضمنه هذه العقلية. إن حكومة قادرة على إخفاء جرائمها الوحشية على خلفية "الأمن القومي" ستكون حكومة يركز جمهورها على جرائم الآخرين في حين يبقى جاهلًا بسعادة لجرائم أمته. إنه وصف ممتاز لغالبية الجمهور الأمريكي والبريطاني، وهو جيد كتفسير حول سبب تجاوز غالبية خطابهم العام للتصريحات بأن جانبنا هو الأفضل على الرّغم من العقود من الوحشية والاعتداءات والأعمال العسكرية التي ارتكبها جانبهم.


التاريخ: 21 مايو/أيار 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus