البحرين في زمن "داعش": اللجان الشعبية مرفوضة وبرامج الحميّة مسموحة

2015-06-09 - 1:02 ص

مرآة البحرين (خاص): ما الذي سيمنع "داعش" التي طاول إرهابها المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية من أن تصل يدها البحرين ذات الأغلبية الشيعية؟ إنها فكرة مفزعة بحد ذاتها، لكنّ مواطني البحرين الشيعة وجدوا الحل في تشكيل لجان شعبية لحماية مناطقهم ودور العبادة الخاصة بهم. إلا أن السلطات الأمنية سارعت برفع ورقة فيتو كبيرة في وجوههم «لا لتشكيل لجان شعبية».

خلال أيام استدعت أغلبيّة من تصدّوا لأعمال حراسة المساجد أو تشكيل فرق للمراقبة. وجاء أول تصريح في هذا الإطار لوزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة لدى لقائه السبت 31 مايو/ أيار الماضي وفداً من إدارتي الأوقاف الجعفرية والسنية وراعي الكنيسة الإنجيلية القس هاني عزيز «في ضوء ما نشهده من أحداث نؤكد على دورنا في حماية دور العبادة، والتصدي لكل من يهدد حياة الناس، وإننا بعون الله سنقوم بما هو مطلوب منا، وهذه مسؤولية يتحملها الأمن العام».

بدوره، اعتبر مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية العميد إبراهيم الشيب أن «تشكيل اللجان الشعبية فكرة غير قانونية في ظل وجود المؤسسة الأمنية ورجال الأمن الذين يقومون بواجبهم».

كما أكد مدير عام الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني على أن وزارة الداخلية «ماضية في تحمل مسئولياتها تجاه حماية الأمن الوطني والسلم الاجتماعي من خلال حزمة من التدابير الوقائية والإجراءات الأمنية».

إن فكرة حماية الدولة لمواطنيها هي فكرة مقبولة. كما أن قدرة أي دولة على إبعاد خطر تنظيم ارهابي خطير كداعش هي ذات ترحيب. لكن انظروا من يتكلم عن رفض اللجان الشعبية وتشكيل ميليشيات!

دعونا نتذكر هنا شيئاً من مفردات القاموس الذي صاغته السلطات إبان الأزمة التي عصفت بالبحرين. هل يتذكر أحدكم قصة «الفزعة البحرينية» على الطريقة النيويوركية؟ أو مرّ على مسامعكم شيء اسمه برنامج «الحميّة»؟ والشخصية الكبيرة التي رعت حفل تخريج أول دفعة من دفعات برنامج «الحميّة»؟ والمصطلحات الأخرى الرديفة كـ«القوة الاحتياطية» و«استدعاء المدنيين» و«المتطوعين».

العناوين أكثر من أن تحصى لتبيان مدى الازدواجية والنفاق الذي تمارسه وزارة الداخلية والمؤسسات الرسمية في البحرين. إن وزارة الداخلية هي من كانت تدير المليشيات التي انتشرت في العاصمة المنامة وبقية مناطق البحرين في خلال فترة «السلامة الوطنية». إن من قتل الشهيد مجيد عبدالعال في السهلة لم يكن سوى عسكري سوري يعمل في «الداخلية» .

وقد سبق للمحامي عبدالله الشملاوي أن صرح "مما ورد بشأن خطف الشرطي مشعان أنه قاتل الشهيد مجيد عبد العال وما مسرحية خطفه إلا لتغطية جريمته كهجوم في دفاع".

لقد نسقت وزارة الداخلية عمل الميشليات تحت مسمى «المتطوعين»، وقدمت لهم التسهيلات بما في ذلك السلاح لأجل قمع ثورة 14 فبراير/ شباط. ولنتذكر هنا أن من أعلن عن برنامج "الحمية"، وهو برنامج لاستيعاب الميلشيات المدنية، هو عبدالله بن راشد آل خليفة، النجل الأكبر لوزير الداخلية ومحافظ المحافظة الجنوبية.

من أجل ترويج الفكرة قال المحافظ الشاب في لقاء مع صحيفة "أخبار الخليج" إنه "استوحى الفكرة من أهالي مدينة نيويورك الأميركية". وقال "كنت في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، عندما أتيحت لي فرصة التعرف على تجربة فريدة خاضها أهالي نيويورك، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن دون الدخول في التفاصيل أو تحليل هذا الحادث، فقد شعر أهالي نيويورك بالخطر الشديد على حياتهم وممتلكاتهم بعد هذا الحدث، فقرروا أن يبتدعوا نظاما يحمون به أنفسهم وممتلكاتهم بأنفسهم، فقاموا بابتكار برنامج يعتمد على طاقات المتطوعين وأصحاب الخبرات العسكرية من المتقاعدين، وقد أعجبتني هذه الفكرة التي اطلعت عليها منذ سنوات".

ويستطرد آل خليفة قائلا «عندما وقعت الأحداث الأخيرة في البحرين، وجدت أهل الجنوبية يتطوعون في جماعات للمشاركة في حماية أنفسهم وممتلكاتهم، وكونوا نقاط تفتيش ومراقبة، وقد تابعت هذه التجربة بنفسي وكانت لي عليها ملاحظات، ورأيت أنها لو نظمت - كما فعل أهل نيويورك - لحققت نتائج أفضل، ليس فقط في وقت الأزمات، ولكن بشكل دائم وعلى مدار العام».

وواصل محافظ الجنوبية خلال مؤتمر صحافي بأنه «سيتم مكافأة المتطوعين ماديا عرفانا منا على المواقف المشرفة التي وقفوها خلال الأزمة التي تعرضت لها مملكتنا الحبيبة وحماية أمن مناطقهم والعمل على طمأنة القاطنين بها من مواطنين ومختلف الجاليات».

ربما هناك من يعتقد أن برنامج الحميّة قد انتهى إلا أن ذلك ليس صحيحاً، فوزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة هو نفسه الراعي لهذا البرنامج الخطير. فهو من رعى حفل التخرج الأول، لبرنامج الحمية، والحديث عن الدفعة الأولى كان واضحاً في الإشارة لدفعات متتالية.

ولغاية الساعة، ما تزال المحافظة الجنوبية عبر موقعها الرسمي تستقبل طلبات الراغبين في الانتساب لهذا البرنامج الذي أسس لاستيعاب البلطجية.

ودخل تيار الإخوان المسلمين ممثلاً في جمعية "المنبر الإسلامي" على خط تشكيل الميلشيات. وخلال العام 2013 صرح النائب الإخواني محمد العمادي أن "سكان مدينة حمد ووجهاءها ونوابها وأصحاب المجالس فيها اجتمعوا وشكلوا نوعا من الترتيبات لمواجهة أي طارئ تتعرض له المدينة، خلال الفترة المقبلة، في إطار المساندة الشعبية والاجتماعية للدور الذي تبذله قوات الأمن بمملكة البحرين".

وشهد العام 2013 تطورا خطيرا في هذا السياق تمثّل في إعلان ذلك رسميا وإضافة الصبغة القانونية عليه!

وكانت أعمال "البلطجة" قد انتشرت في البحرين منذ مارس/آذار 2011، لضرب الحركة الاحتجاجية وإنهاء الاعتصام المركزي في دوار اللؤلؤة. والتقطت كثير من مقاطع الفيديو المصوّرة مشاهد لمدنيين مسلّحين بأسلحة نارية وبالسلاح الأبيض وهم يقتحمون جامعة البحرين للاعتداء على الطلاب الذين كانوا يتظاهرون هناك.

وقبيل احتجاجات تمرّد (14 أغسطس/ آب 2013)، أقرّت الحكومة البحرينية قانونا يبيح "البلطجة" فعلياً تحت مسمى "التطوع لخدمة الأمن العام"، فيما يمكن أن يعدّ أول قانون لشرعنة تشكيل المليشيات. وبرّرت الحكومة ذلك بأنه يأتي لـ"دعم ومساندة الشرطة في أداء واجباتها ومسئولياتها بما فيها أعمال الحماية المدنية والسلامة العامة والوقائية".

بدوره، فقد أعلن وزير البلديات السابق جمعة الكعبي عن تشكيل مليشيات مدنية في المحرق للعمل إلى جانب القوات الأمنية النظامية في مواجهة المحتجين. وأكد في هذا السياق "قيام الشرطة بإصدار بطاقات هوية خاصة لأعداد من أهالي المحرق، تخولهم صلاحية توقيف مرتكبي أعمال التدمير والتخريب إلى حين وصول الشرطة".

خاتمة القوانين المشرّعة لاستخدام الميلشيات المدنية، كان تحرك الجيش عبر تقديم قانون لمجلسي الشورى والنواب لمشروع قانون تم إقراره بسهولة من قبل المجلسين، وهذا القانون هو قانون "القوة الاحتياطية"، وهو يتيح للجيش أن يستدعي عند الحاجة العسكريين المتقاعدين، وكذلك استدعاء المدنيين لاستخدامهم كجنود في القوة الاحتياطية.

هذه هي «دولة المؤسسات والقانون» التي تتحدث عن عدم جواز تنظيم الناس لأنفسهم حماية لمناطقهم ودور عبادتهم. في زمن "داعش" الدموي، انظروا لمن يتكلم!

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus