قبل أن يصير متهماً بالترويج لقلب نظام الحكم.. الملك للشيخ علي سلمان: كل ما تتطلّع إليه سيتحقق (1-3)

2015-06-16 - 3:59 ص

مرآة البحرين (خاص): الانقلابي لا يصارح النظام الذي ينوي الانقلاب عليه، بل يباغته. لا يناصحه ويكاشفه، بل يجاريه حتى يوقعه. لا يبصّره بمأزقه ويمد يده للمساهمة معه في إخراج البلد من عمق مأزقها، بل يكيد له ويراكم عليه ويؤلب. أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان متهم اليوم بـ"الترويج لقلب النظام السياسي وتغييره بالقوة والتهديد بوسائل غير مشروعة". التهمة أُسقطت عليه (بُغتة)، بعد 4 أعوام من الحراك الثوري البحريني في 2011.

قبل أن يقرر الحكم إلصاق هذه التهمة بسلمان؛ كان يعترف به على رأس أكبر جمعية سياسية معارضة مرخّصة رسمياً. يلتقيه بهذا المسمّى، ويتعاطى معه على هذا الأساس. التقاه الملك وولي العهد ورئيس الوزراء ووزير الديوان واستمعوا إلى مناصحاته التي كان يقدمها من أجل إخراج البلد من عمق محنتها السياسية المستدامة. كما تمت دعوة جمعيته في كل مرة للدخول في حوارات السلطة المزعرمة من أجل حلحلة الأزمة المترسّخة. لم يتغّير خطاب الشيخ علي سلمان ولا مطالبه قبل 14 فبراير وبعده. فمن أين استجدّ الانقلاب؟! وهل كان النظام يتعاطى مع زعيم معارض يعلم أنه انقلابي طوال هذه السنوات؟!!

القضايا والأزمات التي يعيشها البحرينيون والتي تشكّل جوهر أزماتهم السياسية الكبرى هي موضوعات سلمان الوعرة والشائكة منذ ما قبل جلوس الملك على كرسي عرشه. وما زال بعدها يدفع أثمان طريقه الطويل نحو تحقيق مملكة دستورية كما قدّم لها ميثاق العمل الوطني. في لقاءاته بالملك وولي العهد ورئيس الوزراء ورئيس الديوان كانت المناصحة والمصارحة هي أدواته لتحريك عجلة الإصلاح المتردية للخلف. كان ذلك يتكرر في اللقاءات الخاصة والدعوات العامة أثناء التجمعات والاعتصامات والمسيرات الجماهيرية. لكن كل ذلك لم يحمه من التهمة (القاضية)، التي يستخدمها النظام كلما همّ بالاطباق على صوت معارض عصيٌ على الترويض، وزجّه داخل السجن لسنوات طويلة. وما كانت محاكمة أمين عام جمعية وعد ابراهيم شريف بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، إلا نموذجاً.

انتخابات 2002

في العام 2002، وبعد إجراء الانتخابات البلدية، وقبل اجرء الانتخابات النيابية بأشهر، اجتمع الملك برؤساء الجمعيات السياسية وعدد من الشخصيات الوطنية. قال الملك أنه قد سمع نصيحة علي سلمان والآخرين: "لقد عدلنا الدوائر الانتخابية ليكون للمحافظة الجنوبية 6 مقاعد بدل 8 مقاعد"، فأجابه سلمان "إن كنا نريد عدالة توزيع الدوائر فإن المحافظة الجنوبية لا يتعدى عدد الناخبين فيها 13 ألف صوت ونصيبها الطبيعي مقعدين وليس ستة، أما الموضوع الأهم حسب نظري قبل إجراء الانتخابات النيابية الحاجة إلى التوافق الدستوري".
لم تجد الجمعيات السياسية المعارضة أذناً صاغية لمطلبها في التوافق الدستوري قبل الدخول في الانتخابات البرلمانية، فقررت المقاطعة.

انتخابات 2006

وفي 2006، وبعد قرارها المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية، أعرب الملك لسلمان عن سروره الشديد بهذه المشاركة، وفي أول اجتماع بينهما بعد المشاركة ناصح سلمان الملك: "إن هذه المشاركة تشكل فرصة وتحدي وخطر عليك وعليّ، فإن لم يتحقق للمواطن ما يصبوا له من تطلعات عبر هذه المشاركة فإنه سيكفر بك وبي، وهذا خطر على البلاد"، ثم أكمل موجهاً حديثه إلى ما يتطلّع إليه الشعب من هذه المشاركة: "في مقدمة ما يتطلع إليه المواطن التوافق الدستوري، وقف التمييز والتجنيس، وتحسين وضعه المعيشي". فأجابه الملك: "كل الذي تتطلع إليه يا علي سيتحقق وسيكون إن شاء الله".

بعد انتخابات 2006

وبعد عامين من انتخابات 2006 والتي حصدت فيها الوفاق 17 مقعد وقرابة 64% من أصوات الناخبيم، طلب سلمان الاجتماع بالملك، وأطلعه خلال اللقاء أن التجربة البرلمانية بصيغتها الحالية محبطة للشارع والمواطنين، وأنه "يجب ابقاء الأمل بهذه التجربة لنقول للمواطنين أن الإصلاح الدستوري والتطور ممكن، كما يجب علينا أن نسرع في إصدار القوانين"، وشكى سلمان للملك بطء العملية نتيجة للصيغة الدستورية واللائحة الداخلية. كما بين له بأن عددا من القوانين معطلة في مجلس الشورى وأن عددا من مشاريع القوانين متأخرة عند الحكومة، وأن الكثير من الخدمات التي يجب أن تصل للمواطن معطلة في بيروقراطية عقيمة وأداء حكومي ضعيف وفاشل. ثم قدّم سلمان للملك رسالة مكتوبة فيها توضيح لهذه الأمور والمقترحات للمعالجة.

أبدى الملك استغرابه من الحقائق التي عرضها سلمان، وجدّد كلمته: "إن شاء الله يا علي كل اللي تبيه بيصير"، وأمر وزير الديوان الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بالنظر في هذه الأمور والعمل على حلها، كما أمره بتنظيم لقاءات مع الحكومة لحل الأمور المتعطلة. وانتهى الأمر بجلستين مع خالد بن أحمد في مكتبه وجلسة مع الحكومة في مقر رئاسة الوزراء دون نتائج عملية تذكر.

مع دخول 2011

ومع بداية ما عرف بالربيع العربي، وقبل يومين من موعد اطلاق الثورة البحرينية، التقى سلمان بالملك في قصر الصافرية في 12 فبراير 2011. كان بين الحضور وزير الداخلية راشد بن عبد الله آلخليفة. وكان مما نصح سلمان به الملك "خذ زمام المبادرة كما فعلت في سنة 2001 وافعل مثل ما يفعل ملك الأردن الملك حسين من تغيير الوزارة كلما تبين فشلها في تحقيق طموحات الشعب، وبذلك تجدد الثقة والأمل عند الشعب عبر وزارة جديدة".

وكان مما أجاب به الملك: إنني مع شعبي في تطلعاته الديمقراطية إلى آخر حد، لكن علينا أن نراعي بعض ظروف المنطقة، وأضاف أني أخبرت أخواني أمراء المنطقة بأنني لدي شعب حيوي وسياسي ويطالب بالديمقراطية منذ زمن طويل وأن ظرف البحرين مختلف عن ظروف جيرانها. فأيده سلمان على الملاحظة قبل أن يضيف: "لكن أيضا لنا ظروف ليست لديهم، ومنها تمتعهم بثروات هائلة وعدد شعب صغير نسبياً، بينما نحن ظروفنا الاقتصادية مختلفة؛ لذا تحتاج علاج مختلف عنهم، مع المراعاة التي أشرت لها يا جلالة الملك".

بعد 14 فبراير

وبعد انطلاق حراك 14 فبراير وسقوط شهيدين، اجتمع سلمان مع الملك بتاريخ 19 فبراير 2011 في قصر الصافرية عصراً، وثمّن له تعزيته بالشهيدين قبل أن يطلب منه مجدداً أن يأخذ المبادرة بتغيير الحكومة، وإعطاء أمل للشعب في التغيير الإيجابي. وقد أبدى الملك حينها تفهما لما طرح سلمان والحاجة إلى أخذ مبادرة سياسية جريئة تجنب البلاد الاحتقان السياسي المتصاعد. وكان ذلك آخر لقاء يجمع بين الملك وسلمان.

من المناصحة للانقلاب

بقت المناصحة منهج سلمان مع رأس السلطة في البحرين. المناصحة التي لا يفتأ يكررها في كل لقاء وكل محفل تصب في محورين أساسيين؛ يرى أنهما أصل المشاكل التي تعاني منها البلاد:

  • الحاجة إلى التوافق السياسي والتحول إلى النظام الملكي الدستوري الديمقراطي.
  • ضرورة التوقف عن التمييز وإشاعة المساواة بين المواطنين.

وبقت إجابات الملك على مطالب سلمان تتكرّر بأكثر من طريقة: "كل الذي تتطلع إليه يا علي سيتحقق وسيكون إن شاء الله".

كان سلمان يترقّب أن يفي الملك بوعوده التي كررها أمامه كما كررها أمام الشعب حين وعده بأجمل الأيام التي لم تأت بعد، بقى سلمان يترقّب مبادرة حكيمة تحرك الوضع المخنوق في البلاد، فكان الجواب بعد حين: أنت متهم بالتحريض على قلب نظام الحكم يا علي سلمان.

ربما فات سلمان أن الحكم المتعنّت، والمتشدّق بالرعونة وحدها، يرى في المصارحة تحريض، وفي المناصحة تهديد، وفي رفض الخضوع والتزلّف عدم انقياد للقوانين العامة، وهي الجريمة الحقيقة التي يحاكم وفقها الشيخ علي سلمان اليوم، وينتظر بسببها إمضاء عقوبة قاسية.

  • في الحلقة القادمة: جانب من لقاءات سلمان بولي العهد وورئيس الوزراء ورئيس الديوان .
  • الحلقة الثانية

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus