إميل نخلة: زلزال سياسي يضرب المملكة العربية السّعودية؟

2015-06-18 - 11:20 م

إميل نخلة، موقع لوبلوغ
ترجمة: مرآة البحرين

في الصّباح الباكر من يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان، أصدر العاهل السّعودي الملك سلمان 25 مرسومًا ملكيًا بشأن تغييرات أساسية في الخلافة وأمور شخصية أخرى، أدّت إلى صدمة في المملكة العربية السّعودية وجميع أنحاء العالم العربي. وتم الإعلان عن هذه المراسيم بعد مرور أقل من مائة يوم على إصداره تعييناته الأولى بعد اعتلائه العرش في يناير/كانون الثّاني من العام الحالي.

وصف بعض المحللين هذه المراسيم بـ "الزّلزال"، في حين أشار آخرون إليها على أنّها "انقلاب ناعم". وبغضّ النّظر عن الوصف، فإن الملك سلمان قد أثار حفيظة السّياسيين في الأسرة المالكة وبشّر بخط جديد من الخلافة.

وشملت القرارات جانبين رئيسيين من الحكم: الخلافة وإدارة السّياسة الخارجية. في الجانب الأول، استبدل الملك شقيقه ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود بالأمير محمد بن نايف، المعروف في الغرب بـ إم بي إنMBN ، والذي عُيّن منذ ثلاثة أشهر خلت نائبًا لولي العهد. بالإضافة إلى ذلك، عيّن الملك ابنه الشّاب محمد، الذي يشغل حاليًا منصب وزير الدّفاع، نائبًا لولي العهد، ما يجعله في ترتيب ولاية العرش السّعودي.

واستبدل مرسوم هام آخر وزير الخارجية المُخَضرم سعود الفيصل بعادل الجُبَير، السّفير الحالي للسّعودية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ما الذي يعنيه كل هذا؟

بغض النّظر عمّا إذا كانت هذه المراسيم "زلزالًا" سياسيًا أو مجرد دليل آخر على الحركيات الدّاخلية المبهمة في الأسرة الملكية السّعودية، فالتّعيينات الجديدة تأتي خضم تحديات محلية وإقليمية، لا سابق لها، يواجهها آل سعود. وعلاوة على ذلك، المراسيم الجديدة دلالة على عدة "أوليات" هامة منذ إنشاء المملكة منذ أكثر من 80 عامًا.

للمرة الأولى، يشير التّغيير السّريع في في خطة الخلافة إلى نهاية حكم أبناء المؤسس ويعلن عن جيل جديد من الأحفاد. ولي العهد المخلوع مؤخرًا، الأمير مقرن، هو الابن الأصغر بين الذين لا يزالون على قيد الحياة من الأبناء الـ 35 للملك عبد العزيز والأخير في امتلاك أي أمل في المحافظة على حكم الجيل الأول. وسيكون الملك الحالي سلمان آخر من يحكم المملكة العربية السّعودية من أبناء المؤسس.

أيضًا، وللمرة الأولى، وجّه المرسوم الخلافة لتذهب خصيصًا إلى اثنين من الأخوة السّديريين. ويعود هذا الاسم إلى قبيلة تنتمي إليها الزّوجة المُفَضّلة لدى مؤسس المملكة. الملك السّابق عبد الله كان من أم ثانية، وبالتّالي أخًا غير شقيق.

علاوة على ذلك، ركّز تعيين الخلافة على أخين محددين، نايف، وزير الدّاخلية السّابق القوي وولي العهد، وسلمان، الملك الحالي.

وتُبرِز تنحية سعود الفيصل عن منصبه كوزير للخارجية تهميش أبناء الملوك السّابقين. وسيكون عادل الجُبير أول شخص من خارج الأسرة المالكة يتولى منصب وزير الخارجية منذ تأسيس المملكة.
ولي العهد محمد بن نايف (إم بي إن) ووزير الخارجية الجُبير هما صديقان مُقَرّبان للولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرّغم من عدم موافقة المملكة على مقاربة واشنطن لإيران، فإن هذين الزّعيمين يشعران بالرّاحة في علاقاتهما مع المسؤولين الأمريكيين. ووفقًا لتقارير إعلامية، كان محمد بن نايف (إم بي إن) على علاقة وثيقة ودائمة، منذ عهد إدارة بوش، مع المخابرات الأمريكية.
وكما قلت في مقال سابق، يمكن أن تُسَهّل مقاربة محمد بن نايف (إم بي إن) العملية نسبيًا في المنطقة وموقفه الصّارم من الإرهاب التّعاون مع الولايات المتحدة وإيران في حال التّوصل إلى اتفاق نووي. ويمكن أيضًا أن يكون في موقع جيد للعب دور محوري في المساعدة على تسوية النّزاعات في المنطقة.

تحديات وخيارات

محليًا، تواجه المملكة العربية السّعودية ارتفاع معدل البطالة بين الشّباب. ويتأثر اقتصادها بأسعار النّفط المنخفضة. كما يشكل التّعليم تحديًا حاسمًا آخر.

لم يهيئ التّعليم التّقليدي السّعودي شباب البلاد للتّنافس على الوظائف في الاقتصاد العالمي الحديث، تاركًا عددًا منهم مُحبَطين ونافرين ومن دون أي شعور بالهوية الوطنية أو الولاء العميق لآل سعود. بعض الشّباب مالوا إلى "الجهاد" والتّطرف. وقد يبدأ آخرون ممن لم يعودوا يستفيدون من السّخاء الاقتصادي ولا صوت لهم في حكم البلاد بالتّحرك من أجل الإصلاح السّياسي.

قد يؤدي الرّد المتوقع والقاسي للنّظام على الاستياء المحلي إلى "ربيع سعودي". وفي حال حصول هذا، فإنّ "الانهيار المقبل للممالك الخليجية"، الذي قدّره البروفسور كريستوفر ديفيدسون من جامعة درهام، قد يحدث في وقت أقرب بكثير من ذلك الذي توقعه الخبراء. ومع تعلمه درسًا من التّحديات الشّعبية العميقة التي تواجه الدّكتاتوريات العربية الحالية، لن يكون الحكم الأسري في الخليج قادرًا على مقاومة هذا المدّ من الاستياء الشّعبي الكاسح والمطالب بإصلاح حقيقي من دون إراقة الدّماء.

وعلى الرّغم من أن إدارة أوباما قد تحاول تهدئة حكام الخليج من خلال صفقات موعودة لبيع الأسلحة في قمة كامب ديفيد المقبلة، إلا أن التّقارير الإعلامية تدل على أن المسؤولين الأمريكيين قد يوضحون أنّه لا ينبغي استخدام أسلحة مماثلة ضد الاحتجاجات المحلية. وقد صرّح الرّئيس بالفعل أنّ التّحدي الأكبر الذي تواجهه هذه الأنظمة يأتي من الدّاخل بسبب الحكم غير الديمقراطي وإبعادهم شعوبهم عن الحكم.

ومع ازدياد عدد أفراد الأسرة المالكة في السعودية ، تصبح المطالبة بإعانات الدّولة أكثر ضغطًا، والفساد أكثر حدة وسيكون الصّراع على السّلطة الاقتصادية والسّياسية بين الأفراد المؤثرين من الجيل الثّاني في الأسرة المالكة أكثر شراسة وتدميرًا.

غريزة البقاء التي دفعت المؤسس وأبناءه إلى الحكم بالإجماع لن تنفذ إلى الأحفاد، خاصة أولئك الذين يشعرون بتهميشهم من قبل النّجمين الصّاعدين، محمد بن نايف ومحمد بن سلمان. ليس للتّحالفات القبلية الدّينية التي أسسها عبد العزيز بن سعود وأبناؤه بهدف بسط سلطتهم في جميع أنحاء المملكة ذات التّأثير على الجيل الجديد من الأحفاد. وفي حال تحولت الغيرة العميقة والصّراع على النّفوذ والثّروة إلى حرب مفتوحة داخل الأسرة، فإنّها ستسبب كارثة للدّولة السّعودية. ولن يكون من المستبعد تصور زوال هذا النّظام الملكي المطلق.

وعلى الرّغم من أن الكثيرين داخل العائلة الحاكمة ينظرون إلى محمد بن نايف (إم بي إن) باحترام بسبب ملفه في مكافحة الإرهاب، إلا أنهم لا ينظرون بالعين ذاتها إلى محمد بن سلمان. فهو شاب، عديم الخبرة، وطموح ويستمد سلطة غير محدودة من علاقته القريبة بوالده الملك.

ووفقًا للتّقارير الإعلامية، فإن الاستياء المحلي والدّولي من حملة الحرب والاضطهاد ضد اليمن آخذ في الازدياد. لم يُهزَم الحوثيون، ولم تضعف إيران، واليمن ليست على وشك الانهيار. القصف والتّدمير اليوميان فاقما فقط المأساة الإنسانية في اليمن، والتي بدأت طبعًا قبل الحملة الجوية السّعودية.

وبسبب المأساة الإنسانية المتعذر فهمها في اليمن، سيُجبِر الضّغط الدّولي السّعودية في النهاية على إنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها. وحين يحصل ذلك، سيُحَمّل عدد من السّعوديين، وبعضهم أفراد من داخل الأسرة المالكة، واليمنيون وغيرهم من العرب الملك مسؤولية مغامرته العسكرية غير المدروسة ذات النّتائج العكسية في اليمن.

بالطّبع قد لا تصمد المخططات الأخيرة التي رسمها الملك سلمان للخلافة. الصّحيفة الإلكترونية الليبرالية مرآة البحرين تنبأت بإمكانية تطور المخطط الجديد للخلافة ضمن ثلاثة خطوط محتملة: أن يغير الملك سلمان رأيه ويعزل محمد بن نايف (إم بي إن) من ولاية العهد ويستبدله بابنه محمد؛ أن ينقل محمد بن نايف (إم بي إن)، في حال أصبح ملكًا، مخطط الخلافة من ابن عمه إلى أسرته المباشرة، أو أن يُشَكّل محمد بن نايف (إم بي إن) ومحمد بن سلمان تحالفًا تكافليًا لتعزيز قبضتهم على حساب أبناء عمومتهم السّديريين الآخرين.

سياسة الولايات المتحدة الأمريكية

بما أنّهم يتفكرون في سياسات جديدة تجاه منطقة الخليج، يتعين على صنّاع السّياسة الأمريكيين الحذر من التّعقيدات الجديدة في الخليج والمجتمعات العربية الأخرى والدّور البارز للطّائفية الدّينية في الحسابات السّياسية للطّغاة العرب. حكّام الخليج عازمون على إظهار خوفهم من الرّئيس الأمريكي في اجتماعهم مع الرّئيس أوباما هذا الشّهر. مع ذلك، بعضهم، خاصة محمد بن نايف (إم بي إن) من المملكة العربية السّعودية، يفهم بالتّأكيد الدّور التّاريخي لإيران في المنطقة والمنطق وراء مقاربة أوباما الدّيبلوماسية لإيران.

وفي الوقت الذي يبدأ فيه محمد بن نايف باستيعاب حماقة ابن عمه في الحرب على اليمن، قد يستكشف سبلًا ديبلوماسية لإيقاف الحرب، الأمر الذي يتطلب مشاركة إيران. يمكن لمحمد بن نايف (إم بي إن) أيضًا لعب دور حاسم في إقناع محمد بن سلمان بابتلاع "حبة السّم" والسّعي إلى تسوية تم التّفاوض عليها في اليمن، على حد تعبير بيان الراّحل آية الله الخميني حول إنهاء الحرب العراقية-الإيرانية في أواخر الثّمانينيات. وسيكون على محمد بن نايف (إم بي إن) إقناع الملك سلمان وابنه محمد بأنّ استقرار الخليج -محليًا وإقليميًا- يخدم المصالح السّعودية.

إن كان استقرار الخليج يخدم العقيدة الاستراتيجية الإقليمية السّعودية، سيتم النّظر إذًا إلى عدم الاستقرار والقمع في البحرين على أنّهما مضرّان بهذه العقيدة، وسيتوجب تغيير ذلك. وفي حال نجا محمد بن نايف (إم بي إن) من المكائد البيزنطية المبهمة للأسرة، سيكون في وضع يمكنه من إجراء تسوية عادلة ومنصفة بين أسرة آل خليفة الحاكمة والمعارضة البحرينية. وبما أن الاستقرار الإقليمي يخدم المصلحة القومية الأمريكية، يتوجب على إدارة أوباما التأهب للمساعدة.


التّاريخ: 4 مايو/أيار 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus