فريدريك ويري: مد الجسور بين دول الخليج: السلام الإقليمي بعد اتفاق إيران

2015-08-01 - 12:22 ص

مجلة فورين أفيرز: فردريك ويري[1]، ريتشارد ساكالسكي[2]
ترجمة: مرآة البحرين

قبل أن يجف حبر أوراق الاتفاق النووي التاريخي بين الشركاء المفاوضين، الدول الخمس زائد واحد، وإيران، شرع معارضو سياسة إدارة أوباما في الترويج لاستراتيجيات لتحجيم إيران وتقليص طموحاتها في السيطرة على المنطقة. بالرغم من أن الاتفاقية ستقلص فرص إيران بامتلاك سلاح نووي على الأقل في العقد القادم أو بعد ذلك، إلا أن صوت هذه الطبول سيصبح أكثر قوة أكثر عندما تبدأ الخزائن الإيرانية، شبه الخالية بسبب سنوات من العقوبات، بالامتلاء بالمال. على الرغم من كون إيران تلعب على نحو أكيد دورا خطيرا جدا في سوريا وكذلك دورها المؤزّم في دعم المليشيات العراقية، فإن أكثر الأصوات المطالبة باستراتيجية تحجيم دور إيران تبالغ في تصوير مدى سيطرتها على أتباعها أو وكلائها في المنطقة بشكل واقعي، و كذلك تقلل من قيمة الجذور المحلية للصراع الدائر في الشام. لكنها محقة في التأكيد على حاجة الولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة تحركات إيران التي تهدد مصالح مهمة للولايات المتحدة في المنطقة.

ما ينقص في تصورها لاستراتيجية تقليص دور إيران هو أي فكرة بأن الالتزام البناء معها -ودمجها في هيكل أمني جديد أكثر شمولية في الخليج- يمكن لها المساعدة في كبح سلوكها الخطر. في الواقع، منذ التسعينيات، كان سلوك إيران في الخليج هادئا نسبيا، مقارنة بفعاليتها حاليا في العراق و الشام. بدا أن الدبلوماسيون الخليجيون أنفسهم يعترفون ضمنيا بإمكانية تجزيء تنافسهم مع الجمهورية الإسلامية. أحد الدبلوماسيين السعوديين قال في العام 2007 "تفاعل معهم في الخليج، احتوهم في العراق، وحجّم دورهم في الشام".

مجلس التعاون الخليجي المكوّن من البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، و الإمارات، يعد الملتقى الأمني الوحيد المتعدد الأطراف في المنطقة. على كل، يستثني هذا الملتقى العراق وإيران. في الحقيقة، إنه تحالف دفاعي واقعي يستهدف إيران. هو يستبعد أيضا القوى الخارجية التي لها مصالح عظيمة في أمن الخليج و مصادر الطاقة، ما يشمل الصين، الهند، اليابان، الاتحاد الأوروبي، روسيا، و الولايات المتحدة.

وعلى نحو أكثر أهمية، لا يوفر الهيكل الأمني الحالي لمجلس التّعاون الخليجي آلية متعددة الأطراف لإدارة الأزمات وتجنب الصّراعات، وتقليص التوترات في المنطقة، وتنظيم التنافس بين دول الخليج، و وتطوير سقف التوقعات السياسية المستقبلية و الاستقرار في المنطقة، أو حتى آلية توسيع التعاون المتبادل حول أزمات المنطقة المتطايرة من كل حدب و صوب. وأسوأ من ذلك، لا يعطي المجلس أصحاب المصالح الرئيسيين في الأمن الإقليمي فرصة لتبادل وجهات النظر بشكل صريح وشفاف حول تصورهم للتهديدات ومخاوفهم الأمنية.
مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ينبغي أن يتغيّر هذا الوضع.

ملتقى أمني إقليمي جديد، أكثر شمولا في الخليج، يمكن أن يساعد في معالجة النواقص الموجودة في مجلس التعاون الخليجي، ويوفر فرص لبناء الثقة مع إيران، أيضا. فكلما جنت إيران فوائد واضحة أكثر من هذا الملتقى الأمني الجديد أصبح لديها الكثير لتخسره في حال كان سلوكها يضع مكتسباتها في خطر، وازدادت أهمية دورها في إحلال الأمن في الشرق الأوسط، على الأقل في منطقة الخليج.

وبتشجيع من الولايات المتحدة، ينبغي - أولا - على الدول الخليجية و إيران العمل باتجاه حوار جاد في القضايا الأقل إثارة للخلاف، والأكثر تقنية. وتشمل هذه القضايا محاربة تهريب المخدرات، وكل أشكالها غير الشرعية، ومراقبة حركة الزلازل وخطط إغاثة للكوراث الطبيعية، والإصلاح البيئي، وإدارة الموارد الطبيعية، والتعاون في مجال الصحة و الطب، والتعاون في الشؤون الامنية البحرية.

سيكون تجمع شهر ديسمبر/كانون الأول القادم في حوار المنامة السنوي مكانا ملائما لإطلاق وتحريك هذه المناقشات. عندها، في حال أنتج هذا الحوار أشكالًا ملموسة من التّعاون، وزيادة في الثقة بين الأطراف، يمكن حينئذ للملتقى الخليجي أن يكون رسميًا أكثر، و يمكن لأجندته أن تتوسع لتشمل تعزيز الثقة بين الجميع و الاتفاق على إجراءات أمنية بناءة، ويمكن حتى الاتفاق على إجراءات تقليص الأسلحة في المنطقة.

سيتعيّن على دول الخليج إدارة هذه العملية، وأن تأخذ زمام المبادرة، و لكن ينبغي بالطبع على أصحاب المصالح الخارجية الحث والسعي والتّملق والضغط والتحفيز على التعاون. وتحتاج الولايات المتحدة في حاجة إلى أن تكون جزءا في هذه المحادثات، لإقناع دول الخليج العربية الممانعة - و على رأسها السعودية - بالمشاركة فيها، ولتقديم قوة معادلة لإيران. مع ذلك لا يمكن لأمن الخليج أن يكون "من صنع أمريكا"، ولذلك، سيتعين على واشنطن أن تكون حذرة في عدم تجاوز رأي المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.

إضافة إلى ذلك، سيشكل ملتقى التعاون الاستراتيجي المقبل بين أمريكا و دول الخليج، و المزمع عقده في شهر سبتمبر/أيلول على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، فرصة مثالية لأمريكا في البدء بمحادثات صعبة مع حلفائها في الخليج. من الممكن استثمار هذا الاجتماع في إجراء محادثات هادئة بين وزير خارجية أمريكا جون كيري ونظيره السعودي، ما سيؤدي، وفقًأ لمدى تقدم وتطور هذه المحادثاتـ إلى تفعيل مبادرة دبلوماسية ثلاثية بين إيران و السعودية وأمريكا. ويمكن أن يشكل الخروج بمسودة من المبادئ تتيح هيكيلة أمنية جديدة النقطة المركزية لهذه المحادثات.

أيضًا، لا يجب على صناع القرار الأمريكي الوقوع تحت تأثير الأوهام المتعلقة بمصاعب تجاوز عقود من انعدام الثقة تجاه إيران و المتجذرة في دول الخليج، بمعنى آخر، تصور نظام أمني جديد شيء، وتطبيقه شي مختلف تماما. فغالبية هذه التصورات ستتوقف على توازن القوى بين المحافظين والبراغماتيين في طهران، وخصوصا، حسابات القائد الأعلى. كذلك، سوف تعتمد على مدى تخفيف السعودية وطأة حدة النقد الطائفي في الإعلام ومن الترويج للتهديدات الإيرانية، و الذي - للأسف - أنتج مستوى غير سليم من القومية السنية.

لكن سياسة ما بعد الاتفاق، التي تركز بشكل خاص على تقليص دور إيران ستؤدي إلى مواجهة بدلا من تقليلها أو إنهائها. تشكل سياسة تتضمن جهدا موازيا لبناء هيكل شامل أكثر في الخليج- في حين تظهر في الوقت ذاته موقفا متشددا تجاه الأخطاء الإيرانية في سوريا و منطقة الشام - فرصة أفضل لتحقيق ذلك النوع من الاستقرار الذي يستحقه شعب هذه المنطقة.

[1] فريدريك ويري باحث أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي. تركّز أبحاثه على الإصلاح السياسي والقضايا الأمنية في دول الخليج وليبيا، والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

[2] ريتشارد سكالسكي باحث أول في برنامج روسيا و ويوراسيا في في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي. تركّز أبحاثه على سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا و الازمة الحصالة بينها و بين اوكرانيا.

رابط المقال الاصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus