أيها الملك: نحن رعاياك الذين تباهي بنا الأمم.. لقد سئمنا هذا المجد!

2011-12-17 - 9:49 ص



مرآة البحرين (خاص): لم تذهب كلمات الملك البحريني حمد آل خليفة سدى في خطاب يوم جلوسه على العرش، اليوم المشئوم الذي تُوّج بخديعة الشعب، فكان عنواناً لأزمة متفجرة منذ مطلع الألفينات لغاية الساعة. هناك، في القرى المعدمة، الأكثر فقراً، إهمالاً وقهرية، كان الناس يجربون بالتّماس، عن قرب، معاني الكلمات المفرغة التافهة عن "بلد القانون والمؤسسات والحرية والتعايش والانفتاح"، وباقي سطْل الكذب المخروم.

هناك في أبي صيبع، حيث تجمعوا وراء نعش رمزي لشهيدهم  علي القصاب، المهروس عدواناً، عدوا معه إلى مثواه الأخير. كان جند الملك، يعطون الترجمة الفعلية إلى خطاب يوم العرش، ذوقوا "الأبارتهايد" الذي أعدّ لكم، سكاكين وعصيّ وأسياخ حديد، ولتذهب الكلمات المثلى إلى الجحيم.

لم تنتظر آلة القمع المعطوفة على نازية جديدة، هي آخر "النازيات" المتبقية في هذا العالم، والمعاد إنتاجها بإصرار مملكة منهارة، انتظار وصول جثمان الشهيد: قمعتهم! من جانب، لكن بعيد، كان تلفزيون البحرين يبث، مسبوقاً بكورس الأغاني الوضيعة المبتذلة، الخطاب النائي الآتي من قعر القرون الوسطى: المليك  المشبّع بربوبية بالية، وعبيده.

لم يفاجىء الملك أحداً، وهو اعتاد مثل كل الملوك الخسرانين على ألا يفاجىء أحداً، مكتفٍ بالإنصات إلى جيش المستشارين "الطبول" المسترخين على كرسي البلاط الوثير، وحريره، والتقارير الصفراء التي لا تقول شيئا تقريباً، سوى خيالات الحالم المتوهم. "هذا الانفتاح سيبقى السمة الأساسية لشعبنا ومؤسساتنا"، قال. وقد جرب الناس اليوم معنى "الانفتاح" المكذوب سمة أساسية. من جانب آخر، أبعد من شاشة تلفاز "العائلة العربية" لكن قريب، أقرب من عدسة المايكروسكوب إلى العينة المخبرية، كان جيش نبّالته الجبان، والمرتزقة الحفاة عابرو الحدود، يحكمون غلْق القوس، سمة أساسية لعهد حاكم طاغية اعتاد ألا يرى بشراً مواطنين تحت شرفته، بل حفنة رعايا عرايا يستحقون السحق والعذاب المبير.

هكذا إذن، بهذا الشكل وليس أي شكل آخر، نزل خطاب يوم العرش حمماً مستطيرة فوق رؤوس  الناس الحزانى على فقد حبيبهم، تكراراً ناجزاً إلى طقس العقاب المجنون، والمعاد بطقوسية سادية على أيدي مرضى نفسيين متلهفين بالغريزة إلى إراقة الدم، أبداً. وهي الغريزة المشبوبة، مطلقة العنان، التي يغدو معها حبر "التقرير العتيد" بلْة ماء مشروبة. لم يتغير شيء، ولا حتى شيء!
لم تنس الناس دم الشهيد المهروس علي البدّاح بعد، ولا ساجدة الرضيعة المغدورة، ولا من سبقهم من العشرات من ضحايا أحرار، ورؤوس مفضوخة. وهذه المرة أراد الملك إلقاء الدرس بيد شرطة هم مزيج من عصابات الجريمة  المنظمة وقطاع الطرق والمرتزقة المأجورين.

كان يمكن لهم أن يقتادوا من لجأوا إلى إحدى البنايات في الشاخورة، اتقاء العسْف مطلق العنان والغريزة الحيوانية على السواء، وقد صاروا تحت قبضتهم الآن، بالكلبشات إلى أقرب مخفر شرطة. لم يفعلوا ذلك، وقد أرادوها مذبحة مثلى.

نزلت الأسلحة البيضاء الغليظة والسكاكين وأسياخ الحديد على رؤوسهم وأبدانهم. من شاهد الفيديو الذي صور "الوقعة" كاملة من بعيد، أو تلك التي صورتهم تالياً، مطّرحي الأرض، فيما بقع الدماء تلون الجدران والنزف يلفّ رؤوسهم ويلقدها بالعصائب، يصعب عليه أن يقتنع أن رجال الأمن، أوْلاء، وقد وجدوا إسلوب التنكيل البدائي بحق ضحايا عزّل تحت قبضتهم، باعثاً على التلويح من بعيد بشارة النصر، كما فعل أحدهم، هم من الشرطة النظاميين، الذين تلقوا العظة الأولى من "بسيوني" ولفيفه، بعد "الشرشحة" ومسلسل الفضائح العتيد. لكنهم من أسف: نظاميون تماماً، وسلوكهم نظامي، والقرار الذي يتصرفون بموجبه نظامي، وإرادة التنكيل نظامية، فلا شيء عبثيّ بعد اليوم، ولا شيء فرديّ.

"مجزرة"، هكذا وصفها ائتلاف 14 فبراير/ شباط، في الوقت الذي راحت "الوفاق" تطلق إلى العالم، ما قالت: "نداء استغاثة". نعم، استغاثة. هي أعلى صرخة يمكن أن يرسلها شعب مظلوم أعزل من كل شيء، سوى من إيمانه في حق العيش بحرية وكرامة، والنضال من أجل ذلك، كائناً ما كان الثمن. وهو نضال سيستمر، فلا شيء يمكن أن يوقف شعباً قرر مرة واحدة، وإلى الأبد، أن يلبي توقه إلى حياة حرة كريمة. وهو التوق الذي غدا عنوان كل الشعوب الحرة في العالم. فيا أيها الملك الملتحف بكل أوصاف الجلالة والفخامة: نحن رعاياك الذين تباهي بنا الأمم.. لقد سئمنا مجدك المكذوب..وسنسير!

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus