كريستين ديوان سميث: الإعداد المحدود للإخوان المسلمين في الخليج

2015-08-11 - 5:17 م

كريستين ديوان سميث، معهد الدّول الخليجية في واشنطن

ترجمة: مرآة البحرين

مقابل التّحدي المزدوج لمواجهة بروز إيران من تحت ظل العقوبات الدّولية و"دولة إسلامية" تزداد ترسخًا على حدودها، تعيد أكثر من دولة خليجية إصلاح علاقاتها مع الإخوان المسلمين وحركات سنية ناشطة أخرى. فالتوّاصل مع فروع الإخوان المسلمين-  وهي عملية تترأسها السّعودية- يعيد على نحو ملحوظ تشكيل النّظام الإقليمي. وكانت الآثار المترتبة عن هذه التّحركات الاستراتيجية على الصّعيد السّياسي داخل الدّول الخليجية - حيث كان الإخوان المسلمون في حالة دفاعية، خصوصًا منذ الإطاحة بحكومتهم والرّئيس محمد مرسي في مصر في العام 2013- أقل لحظًا.

مسار التّغيير لدى الملك سلمان

مرت السّنتان الفائتتان بصعوبة على الأخوان المسلمين في الدول الخليجية. ففي حين اصطفت السّعودية وحلفاؤها لدعم الحكومة العسكرية في مصر، تبنوا إجراءات قانونية جديدة لإسكات المعارضة وتجريم الدّعم لحكومة الإخوان المخلوعة وداعميها من الإخوان المسلمين. سنّت السّعودية والإمارات العربية المتحدة قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب في العام 2014، سلكت نقطة تحول غير عادية مفادها وضع الإخوان المسلمين على لائحة المجموعات الإرهابية المحظورة. باشرت الدولتان عندها في حملة - لم يسبق لها مثيل - الضغط على قطر لتخفيف معارضتها حكومة عبدالفتاح السيسي في مصر و دعمها للإخوان المسلمين و حركات إسلامية سنية أخرى ناشطة سياسيا منها في الشرق الأوسط. وبدا أن الدولتين تنويان - على الأقل، الإارات العربية،  تخفيض المساحة المتاحة للنشاط الإسلامي المستقل.

بعد مرور سنة أخرى, برهنت هذه الحملة  مدى صعوبة استمرارها نظراً للموقف المحوري لحركة الإخوان المسلمين و غيرها من الحركات السياسية السنية. القدرة ذاتها على التعبئة الشعبية التي جعلت من هذه الحركات تهديدًا خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها معظم الشوارع العربية في نهاية 2010، جعلت من هذه الجماعات مجموعة ذات قيمة في توحيد الصف السني في مواجهة إيران والمليشيات الشيعية الصاعدة، ومناهضة الفتنة الإسلامية للدولة الاسلامية في العراق و الشام (داعش).

يبدو أن هذه الاعتبارات بدّلت الموقف السياسي للقيادة الجديدة في الرياض. ففي حين تمسّك ملك السعودية السابق عبد الله-  بسياسة الإمارات في عزل الإخوان المسلمين سياسيا في المنطقة، قام خليفته، الملك سلمان، بزيادة التعاون مع قطر لتنفيذ تجاوز محدود للحركات الإسلامية الإقليمية. في الشهرين الماضيين، استضافت السعودية القيادي في حركة النهضة التونسية رشيد الغنوشي، و نائب حركة الإصلاح الإخوانية اليمنية مجيد الزنداني، وعلى نحو أبرز، القيادة السياسية لحركة حماس الفلسطينية. العلاقات مع الحكومة التركية، بقيادة حزب العدالة و التنمية، تحسنت أيضًا، ما سهل المزيد من التعاون لدعم الجماعات الثورية السورية.

في ندوة معهد دول الخليج العربي في واشنطن, قال الصحافي السعودي جمال الخاشقجي إن تغير سياسة المملكة حيال الإخوان " ليس اصطفافًا أو تحولًا نحو الإخوان المسلمين، إنما هي فقط تطبّع علاقتها معهم."  فمع ازدياد قناعة السعودية بأن دورها الاقليمي يتمثل في توحيد الصف العربي لمواجهة الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية, أصبح منطق التقارب أو على الأقل إنهاء الخلاف مع الحركات السياسية الإسلامية السنية، جليًا.

هناك أيضًا إشارات مماثلة، عن  التّخفيف الطّفيف على القيود المحلية المفروضة على النشطاء الإصلاحيين الاسلاميين النّافذين، تمامًا كما على عودة النّاقدين المحافظين إلى أحضان الحكومة. وعلى نحو أكثر وضوحًا، العالم المعروف سلمان العودة، الذي رُفع عنه حظر السفر المفروض في شهر أبريل/نيسان الماضي بعد تولي الملك سلمان العرش.  والعلماء الرّسميون المستثنون من مناصبهم في الحكومة أُعيد تأهليهم كالشيخ سعد الشتري الذي انتقد جامعة الملك عبدالله للعلوم و التكنولوجيا، في استراتيجية  تذكرنا بتلك التي اتبعتها المملكة في نهاية التسعينيات. بعدها، أٌفرج عن قادة التمرد الإسلاميين, أو "مشايخ الصحوة", وتم تثقيفهم ليكونوا حلفاء للسلطة وليدعموا الشرعية الإسلامية للحكومة. في الألفية الجديدة. هؤلاء العلماء المعروفون، الذين يتمتعون بالمزيد من الحريات،  قدّموا الدعم في محاربة هجمات القاعدة. حاليًا، قد يُتوقع من العلماء المستقلين و شبكة الإخوان في المملكة، أن يمارسوا الدور ذاته في مواجهة داعش.

الحركات الإسلامية السنية تسعى  للعودة إلى الجماعة  

مبادرات المصالحة ليست أحادية الاتجاه. فالإخوان المسلمون وغيرها من الحركات السياسية السنية يرون مصالحهم منسجمة بشكل متقارب مع الدور القيادي الإقليمي للسعودية. انطلاق الحملة العسكرية "عاصفة الحزم"  التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن شكلت نقطة تحول في المشهد، فالحملة تلقت عبارات الدعم من نشطاء سعوديين بارزين، و كذلك حظيت باهتمام و تأييد جماعات سياسية إخوانية في الكويت والبحرين.

الحملة  الإرهابية المتصاعدة لداعش  داخل الدّول الخليجية  شجعت، بطريقة مماثلة، المصالحة وأمنت لها  فرصة. التفجير الانتحاري في مسجد شيعي  في الكويت في 26 يونيو/حزيران  أنتج أول لقاء بين سياسين من الحركة الدستورية الإسلامية المنبثقة عن الإخوان المسلمين والأمير منذ العام 2012.

دوافع الإخوان المسلمين  للتصالح مع حكوماتهم كثيرة. فهناك تكاليف جلية للبقاء في دائرة الاستياء الحكومي، والكثيرون  في الحركة ازداد سأمهم من  تحملهم.  في حين تعتبر هذه الحسابات السياسية في غاية الأهمية، ينبغي عدم التقليل من حس الوحدة مقابل الإحساس بالتهديد الإيراني، وكذلك القلق الحقيقي بشأن الوحدة الوطنية مقابل التهديدات العابرة للأوطان. هذا الأمر بارز  بشكل خاص في الكويت، التي واجهت صدمة خسارة سيادتها الوطنية في حرب الخليج الأولى.

لكن الأجنحة لا تزال مقصوصة ...

مع ذلك، من الخطأ اعتبار الانفتاح المحدود على الاخوان المسملين وسيلة لاستعادة التفوق السياسي في المنطقة. فعلى صعيد المشهد المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي، من الممكن عودة الإخوان المسلمين إلى الواجهة السياسية ولكن بأجنحة مقصوصة.  خلال السنوات القليلة الماضية، مجتمعات الإخوان المسلمين وشبكاتهم السياسية خسروا الكثير من المناصب الحكومية البارزة. والأهم من ذلك، لقد واجهوا تغيرات بنيوية في المشهد السياسي. تهديد الملاحقة القضائية من خلال تشريع قانون جديد للإرهاب واتفاقية تسليم الإرهابيين من خلال الاتفاقيات الأمنية الإقليمية في مجلس التعاون الخليجي، سيبقيان أداة لتأديب الإخوان و احتوائهم. علاوة على ذلك، التغييرات في الأنظمة الانتخابية - في الكويت، والبحرين، والسعودية - ستعيق قدرتهم على التعبئة من خلال صناديق الانتخاب. في أي حال، مصالحتهم مع حكوماتهم بالرغم من إخفاقهم  في الفوز بامتيازات سياسية واضحة ستُضعف وقوفهم  بجانب المعارضة الملتزمة.

في المدى القريب والمتوسط، سيتوجب على الإخوان أن يخفضوا سقف مطالبهم السياسية المحلية لصالح المحيط الإقليمي المتحدي. في السعودية، من المحتمل أن تكون شبكات الإخوان المسلمين أكثر مراعاة للحكومة السعودية، التي تتمتع بدرجة من الدعم الشعبي. ستكون الجهود موجهة لتقوية علاقاتهم مع القيادة الجديدة خصوصًا على حساب منافسيهم السياسيين. في الكويت، يبدو أن الحركة الدستوية الإسلامية الإخوانية تتحضر لإنهاء مقاطعتها للانتخابات والعودة  إلى البرلمان.  تسوية حكومية بشأن التغييرات المثيرة للجدل في النظام الانتخابي ستمهد الطريق لعودة أوسع للمعارضة إلى الجو السياسي، غير أن هذه العودة قد لا تكون قريبة.

إقليميًا، لا يزال المدى الذي قد تبلغه إعادة الاصطفاف غير واضح. مصر لا تبرز أي علامة على المصالحة مع الإخوان المسلمين. وتجد الدّعم لموقفها هذا من أكثر الدّول الخليجية رفضًا لإعادة إعداد الإخوان المسلمين: الإمارات العربية المتحدة، التي تبدو ملتزمة استراتيجيًا وأيديولوجيًا بتقليص نفوذ الإسلام السّياسي. في السّنوات الأخيرة، سعت الإمارات العربية المتحدة لاستبدال التأثير العابر للأوطان للإخوان المسلمين من خلال إنشائها جبهة علمائية، تابعة للدّولة، على صلة بالأزهر الشّريف في مصر. الدّليل على التّوتر في العلاقة بين القيادة الإماراتية الطّموحة وحليفتها السّعودية بسبب تباين منهجهم في هذه القضية سيكون مؤشرًا أساسيًا لمراقبة مدى تطور الحظوظ وإعادة إنشاء الإسلام السّياسي في مجلس التّعاون الخليجي وعلى مدى أوسع، في الشّرق الأوسط.

التّاريخ: 31 يوليو/تموز 2015

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus