محاكمة الطفولة: من أقفاص الطيور إلى أقفاص السجون

2011-12-26 - 10:22 ص

 

 

مرآة البحرين (خاص): يوسف البصري (16 عاماً)، واحد من عشرات الأطفال الذين اختطفوا عن مقاعد الدراسة، ليقضوا في السجن شهورا، وربما سنوات، بين أيد لا تعترف بالطفولة، ولا تعترف بحقوقها، لكنها حتماً تعرف أن ما ستخلفه في نفوس هؤلاء وعلى أجسادهم وفي قلوبهم، أكبر من أن يُمحى. الأطفال سيكبرون ويكبر داخلهم القهر والغضب. هل سيمحو الزمن من ذاكرتهم الصغيرة آثار ما هتكته المعتقلات من براءة طفولتهم؟

"أنا من كنت أقوم بتوصيله لمدرسته معهد الشيخ خليفة، غيبته عن المدرسة طوال فترة الأحداث، كنت أخشى عليه، لم نكن نسمح له بالخروج خوفاً عليه، هو الأصغر في البيت، تربى يتيماً، توفى والدي وكان حينها في الصف الرابع، تعلقه بوالدي جعله يعاني من تأتأة وثقل في اللسان بدأت معه بعد فقده، كان متفوقاً في دراسته، لكن مستواه تأثر بعد فقد والدي،  ورغم كل ما فعلته لأحميه من الاحتكاك والاعتقال، اعتقلوه أيام الامتحانات في 9 يونيو، قالوا لنا فقط سنستجوبه ويعود إليكم، لم يعد من حينها، ولم يُسمح له بتقديم الامتحانات، ضاع عليه العام الدراسي الماضي، وهذا العام، ولا نعرف أي حكم ينتظره غداً"، تقول أخته الكبرى . 

بعد أكثر من 6 أشهر داخل المعتقل، يقف يوسف صباح اليوم، مع 4 من شباب منطقة (رأس رمان)، أمام جلسة المحاكمة التاسعة، والتي سينطق فيها الحكم. التهمة: تفجير اسطوانات غاز وحرق إطارات. قبل 9 أيام من احتجازه في مركز القضيبية، لم تعلم عائلته عنه شيئاً، لم يغفر له حداثة عمره أن يُسمح له برؤية أهله، تعرض فور احتجازه لتعذيب شديد نقل على إثره لعيادة القلعة. غاب عن الوعي إثر التعذيب، وعندما استيقظ وجد نفسه طريح فراش المرض. الغريب، كان أثر حبر باق على أصابعه، لقد بصم فيما هو في غيبوبته على محضر اعتراف لا يُعرف ما هو. 

نُقل بعدها إلى مركز الحورة، وهناك سُمح لعائلته بلقائه للمرة الأولى، بدا شاحباً ومرتعباً ولا يقوى على رفع رأسه " كان مرعوباً ويتحدث بصوت ضعيف، وبدا جسده نحيلاً، وقد تغير لونه، لم يكن قادراً على رفع رأسه، كان يقول لنا: ما أدري ليش جايبيني! أسألهم يضربوني، أقول لهم أريد ماء يضربوني، ما إن أرفع عيني حتى يضربوني، يوثقوني عند النوم، يضربوني على بطني ورجلي، ماذا يريدون مني؟". خرجت العائلة من اللقاء الأول تتعثر بدموعها كمن تعاين فقدها.

ما طبيعة اهتمامات يوسف وأنشطته؟ تسأل مرآة البحرين، تجيب أخته: يوسف يحب الطيور، يربيها في البيت، أمتع أوقاته هي تلك التي يقضيها معها، يهوى الحداق ولعب الكرة، تلك هي اهتماماته التي تشغل أوقاته، تلك هي أنشطته التي يحب ممارستها. 

ترى هل هذه هي اهتمامات يوسف الآن؟ هل هو يوسف نفسه الذي دخل السجن قبل 6 أشهر؟ أم أنه تحول إلى آخر؟ وأي آخر؟ ماذا فعل السجن بيوسف؟ وقميصه الذي لم يشمه أبوه، وعائلته المنحولة بوجعه، وحكمه الذي ينتظره صباح اليوم.  


 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus