اتحاد ضد الدمقراطية أم اتحاد من أجل تحقيق الديمقراطية؟
إيمان شمس الدين - 2011-12-28 - 2:15 م
إيمان شمس الدين*
يأتي مطلب الملك عبد الله بن عبد العزيز في الانتقال بدول المجلس من التعاون إلى الاتحاد في ظل ظروف تتحكم في مفاصلها حراكات مطلبية بالإصلاح والتغيير وتوسيع المشاركة الشعبية في المنطقة بشكل عام والبحرين بشكل خاص.
ورغم أن التعاون كان على كافة المستويات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والإعلامية والسياسية، إلا أن مقارنة بسيطة بين حجم ما حققه المجلس من إنجازات مع حجم ما أقرته الاجتماعات من قرارت، نجد أن المنجز الواقعي يقتصر على تنقل شعوب المجلس بين دول المنطقة بالهوية رغم عدم قدرتها على استصدار هوية موحدة لدول الخليج، وعدم إحراز أي تقدم واضح على المستوى التنموي فحتى عمل سكة حديد تربط بين الدول رغم الوفرة المالية لم يتم إنجازه ولم يصار إلى صيغة توحد شركات الطيران في الخليج ضمن التعاون الذي يفترض أن يترجم عمليا، بل حتى من الناحية الاقتصادية ما زالت اليد العاملة الآسيوية هي الأكثر رواجا في هذه الدول والاتكاء الرئيسي في مصدر ثروات المنطقة أي النفط على البريطانيين والأمريكيين والفرنسيين.
الانجاز الذي يمكن اعتباره حقق مدلول التعاون ليس على كافة مستوياته وإنما على مستوى واحد كان بعضه مشروعا وبعضه يأتي في سياق الهواجس التي تتحكم ببعض أنظمة المنطقة من الحراكات المطلبية للاصلاح والتغيير، هو الانجاز الأمني على مستوى استعمالات درع الجزيرة من الناحية الشرعية الإيجابية هو ما حصل إبان عملية تحرير الكويت بعد غزو صدام لها أما من الناحية السلبية حينما دخل درع الجزيرة إلى البحرين لقمع حركة الشعب المطلبية مخالفا بذلك شروط الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تسمح بدخول درع الجزيرة في حالة الاعتداء الخارجي.
وفي ظل هذا الإخفاق في تحقيق الإنجازات بعد مرور كل هذه الأعوام على إنشاء المجلس كيف يمكن أن ينتقل المجلس من التعاون إلى الاتحاد؟ وهل هي دعوة تأتي في سياقات طبيعية؟
إن التجربة البحرينية مع قوات درع الجزيرة لإجابة واضحة على كون الدعوة تأتي في سياقات غير طبيعية تتحكم في مفاصلها هواجس مذهبية من جهة ووجودية من جهة أخرى.
فالمذهبية هاجس أوجدته ظروف المنطقة والاقليم الناتج عن الصراع الأمريكي على النفوذ في منطقتنا الغنية بالثروات لإغراق الشعوب وإلهائها في حروب لا طائل منها سوى تفتيت قوى الشعوب وتفريغ طاقتها في الاقتتال المذهبي، لتكون لها السلطة في التحكم بمفاصل الصراع بطريقة تخدم مصالحها، وهاجس الوجود الذي هيمن على ذهنية بعض أنظمة دول الخليج بعد انهيار حلفائهم في كل من مصر وتونس واليمن.
والملاحظ أن الكيانات السياسية لدول الخليج تختلف وتتباين بطريقة تنعكس أيضا على تباين الشعوب. فبينما الكويت دولة ديموقراطية لها تجربتها العريقة في ذلك وللشعب دور بارز في المشاركة في القرار من خلال عملية الانتخاب والترشيح والدور المهم الذي يلعبه مجلس الأمة في الرقابة والتشريع، لا نجد تكرارا لهذه التجربة إلا في البحرين التي كانت كتجربة في المهد وحينما بدأ الحراك من أجل تطويرها والنهوض بها أكثر وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية من خلال حراكات سلمية مطلبية، تم وأد هذا الحراك بمساعدة درع الجزيرة.
وتأتي دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز في الانتقال من مرحلة التعاون بين دول الخليج إلى مرحلة الاتحاد في سياق أحداث تعيشها المنطقة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص تتحرك فيها المطالبات بالاصلاح والتغيير على مستوى أنظمة وآليات الحكم، من أنظمة شمولية يغيب فيها الشعب إلى أنظمة ديموقراطية يكون فيها الشعب أبو السلطات والشريك المحوري في القرار.
ونظرا لكون الكويت الدولة الوحيدة تقريبا في الخليج والسباقة في الممارسة السياسية الديموقراطية يكون من الصعب اتخاذ خطوات حقيقية وعملية في تلبية دعوة الاتحاد للتمايز الواضح بين قابليات شعوب المنطقة وممارسات أنظمتها.وهو ما يتطلب بداية إجراء إصلاحات حقيقية من قبل هذه الأنظمة تتحول فيها إلى أنظمة ديموقراطية يكون لشعوبها دور بارز في الشراكة ومن ثم تسرب هذا الاصلاح إلى كل مرافق الدولة ومع مرور الزمن قد يكون الاتحاد مطلب يأتي في سياقه الطبيعي يغذي حالة التنمية البشرية في الخليج ويرسخ مفهوم الدولة الحديثة على نسق الاتحاد الأوروبي.
أما الدعوة للاتحاد في ظل ظروف قلقة من التغيير وتحكمها فوبيا المذهبية والهاجس من الآخر فهي دعوة تترجم على أنها دعوة أمنية للتعاون العسكري وتحالف أنظمة المجلس ضد شعوبها لكبح جماح أي محاولات للتغيير والاصلاح في النظام السياسي والمطالبة بالتحول الديموقراطي لقيام دولة القانون والدستور.
وهو التفاف جديد على شعوب المنطقة من جهة وعلى الحراك المطلبي في البحرين من جهة أخرى كي يصار إلى كبح جماح هذا الحراك بعد إنجاز الاتحاد، والقيام باصلاحات ترقيعية تمتص غضب شعوب المنطقة وتشتري ولاءات كثيرين بزيادات طفيفة هنا وهنا ومجالس نيابية وهميه غير كاملة الصلاحيات ومبتورة الحراك فقط لأجل أن تكرس من آية وجودها على السلطة للتحكم بمفاصل الثروات ولتبق اليد الضاربة في المنطقة اقتصاديا والممولة للمشاريع الأمريكية والصهيونية في نهب ثروات الشعوب والالتفاف على مشروع الممانعة.
ولكن السؤال :هل ستلبى الدعوة إلى الاتحاد بعد أن تلمسنا واقعا إنجازات مجلس التعاون؟
جواب أتركه في رسم إجابة الشعوب التي يقع على عاتقها موضوع التلبية من عدمه.
*كاتبة كويتية.