شهيد عيد الميلاد السيد هاشم: يلتصق بالتراب.. في اللحظة الحاسمة!

2012-01-01 - 10:34 ص



…  يقولُ  أَبٌ لابِنِه : لا تَخَفْ. لا
تخف من أَزيز الرصاص ! التصِقْ  
بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
جَبَلٍ في الشمال، ونرجعُ حين
يعود الجنودُ إلى أهلهم في البعيد.

محمود درويش



مرآة البحرين (خاص): ضاقت السلطة بمنظر الشعب ملتصقا بأرضه مفترشا ترابها، فأرسل جنوده ليقتلعوا الناس من فوقها، جسد الفتى السيد هاشم السيد سعيد كان لحظة الصعود كله ملتصقا بالأرض رغم رصاص الجنود وأحذيتهم التي داست فوقه، رسم بدمائه ذروة اللحظة الحاسمة وهي الفعالية التي دعا لها ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير  بخروج الناس والجلوس صامتين أمام بيوتهم وبعدها الانطلاق للشوارع العامة للوقوف مسالمين.

قبل الساعة الثانية والنصف بعد الظهر خرجت العجائز والشابات والرجال والأطفال في أكثر من 65 منطقة وبلدة بحرينية متفاعلين مع نداء إئتلاف شباب ثورة 14 فبراير، فرشوا سجاداتهم وبُسطهم، بعض العوائل بدأت تتناول غذائها ، بعض النساء نصبْنَ دخانهن المعروف بالبحرين ب (القدو) قبل أن يباغتهن دخان السلطة الخانق. كانت الجلسات بسيطة وأخذت طابعا تلقائيا، ضاق الحكم بجلوس أبناء الشعب على الأرض، فأرسل جنوده لينشروا القتل والدمار في عدد من المناطق، كانت أبرز المناطق المستهدفة هي جزيرة سترة، أو عاصمة الثورة كما يسميها الشباب الثوري بل أن ناشطاً سماها "الثورة بلحمها ودمها".

هاجمت قوات المرتزقة  التابعين لأجهزة أمنية أجنبية جزيرة سترة، أطلقت على الجالسين أمام منازلهم بهدوء وصمت، لم تعبأ هذه القوات المرتزقة بوجود أطفال ونساء وعجائز، عاثت فساداً، أمام أعين المجتمع الدولي الغارق في التعامي عما يحدث في البحرين.
بضع مواجهات بين الشباب المتظاهر سلميا وبين المرتزقة الأجانب، في الخامسة والنصف بدأت تنتشر صور شاب صغير خده ملتصق بالأرض ودمه حيث خده. الشاب هو السيد هاشم  أصابه المرتزقة بطلقات مباشرة من عبوات مسيل الدموع، واحدة أصابت رقبته مباشرة، الثانية في الجانب الأيسر من صدره جانب القلب، الثالثة أحرقت يده اليسرى.

شهود عيان رووا حادثة الاستشهاد بالتأكيد على " أن الشهيد حصر في كمين في شارع ضيق وتفاجأ بفرقة راجلة من خلفه أطلق منها مرتزق مسيل دموع من مسافة 5 أمتار تقريباً وخرجت فرقة أخرى من أمام الشهيد وأطلقت عليه  الثانية من مسافة قريبة جداً، سقط الصبي وقام مرتزق بدهسه بحذائه قبل أن تفر الفرقتان لمدخل قرية الخارجية" ذلك المرتزق لم ينس أن يدوس جسد الشهيد بحذائه، لم يتغير التاريخ فالقوم أبناء القوم .

خرّ هاشم، وضع خده الأيمن على الأرض عله ينجو، مد يده التي يلفها قفازه الأبيض، كي يرد عبوات الغاز. سقط شهيد هنا يصرخ أحدهم طالبا الإسعاف كما تظهر لقطات فيديو مصورة، يبكي يصرخ مرة أخرى طالبا الإسعاف، يقترب أحدهم ليصرخ: لا زال به نَفَس!.

تم نقل الشهيد وهو يلفظ أنفاسه إلى المركز الصحي في سترة جرت عدة محاولات لإنعاشه باءت كلها بالفشل، لكن كم كان لافتا منظر الشهيد وهو يجتهد ليرفع أصبعيه البنصر والوسطى، ليرسم علامة النصر، لكل أولئك الذين خرجوا اليوم للحظة الحسم.

وصل إسعاف آخر، تم نقل الشهيد للعناية القصوى في مستشفى السلمانية المستباح من قبل العسكر، لم تنجح كل المحاولات، فتم إعلان استشهاده، إنه الشهيد الثالث والخمسون، تم نقل الجثة للمشرحة وصل حينها الطبيب الشرعي، عاين الجثة، بعده حضرت المحامية زهراء مسعود لمعاينة الجثة ممثلة عن أهل الشهيد، أحاط بها العساكر وأجبروها على الرحيل، خرجت شهادة الوفاة تعلن أن الشهيد توفي أثر تهتك الأوعية الدموية في رقبته دون ذكر السبب.

بجانب الشهيد كانت الطلقات التي أصابته، لكن وزارة الداخلية التي يسميها البحرينيون وزارة المرتزقة أصدرت بيانا في وقت متأخر، زعمت فيه أن مجموعة من (المخربين) هاجموا مركز الشرطة في سترة وأن أحدهم توفي نتجية احتراقه بزجاجات المولوتوف.هكذا هي وزارة الداخلية ليس بها مخرجين سوى للمسرحيات السمجة التي لا يصدقها سوى اتباع النظام القاتل. أضافت الداخلية في بيانها أنها ستحيل التحقيق في نوع الحروق التي أصيب بها الشهيد إلى النيابة العامة التي يرأسها شقيق رئيس جمعية الأصالة السلفية وهي إحدى واجهات النظام السعودي الذي يسيطر على القرار البحريني منذ دخول جحافل جيوشه في 12 مارس 2011 إلى البحرين.
البحرينيون رغم الآلام خرجوا في اللحظة التي أعلنها ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير وملأوا الشوارع الرئيسية كلها، استخدمت قوات المرتزقة مختلف أنواع الفتك والقمع لكي ترجعهم، سقط جريح وهو مازال في حال خطرة اسمه حسن محمد من قرية الخارجية في سترة.  كذلك تم الإعلان عن فتاة اسمها فاطمة الجمري عثر عليها مرمية وهي تنزف من رأسها في قرية النويدرات التي شهدت حملة اعتقالات فجر السبت، وتم الإعلان لاحقا عن خروج الفتاة من المستشفى بعد علاجها.

استمرت التظاهرات والمسيرات ليلاً وتواصل القمع الرهيب، اعتقالات وصراخ، جرحى ودماء، الليل طويل في البحرين ولا يكاد ينتهي، تجوبه ذئاب بشرية.

يرتاح السيد هاشم الآن استعدادا لتشييعه بعد ساعات في عاصمة الثورة سترة، ما زال دمه طرياً على الأرض. صار قفازه الأبيض ذكرى باقية منه، غدا سيكون الخطاب الأخير لوالده على جسده، يعرف الأب ان ابنه تمثل الوصية ( التصِقْ  بالتراب لتنجو) التصق بالتراب واختلط به، غداً يضمّه تراب الوطن ويحتضن جسده الغض، في قبر يجاور قبور ثلاثة شهداء بينهم صديق له، هو شهيد العيد علي جواد الشيخ.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus