14 فبراير، محطات لا تزال مفتوحة

2012-01-01 - 5:28 م


مرآة البحرين(خاص): لكل حدث تاريخي محطاته المفصلية التي تميز بين ما قبلها وما بعدها. المحطات تحدث تحولات حاسمة: تهدئة أو تصعيد أو تعقيد أو مواجهة أو مصالحة. الحدث البحريني الذي بدأ في 14 فبراير بحزمة من المطالب الديمقراطية المتواضعة، مقارنة بمطالب شعوب الربيع العربي، مر بمحطات عنيفة وقاسية، أحدثت انعطافات خطيرة جاء معظمها تصعيدياً، هذه الانعطافات جعلت العودة لما قبل 14 فبراير مستحيلاً، كما جعلت الخيار الديمقراطي الحقيقي هو المخرج الوحيد للأزمة المتفاقمة بين النظام المستبد وغالبية الشعب. كيف تصاعدت حدّة الحدث البحريني؟ وما هي أكثر المحطات توتيراً وتصعيداً؟ وهل هناك منعطفات إيجابية؟ وهل انتهت؟ وإلى أين تسير؟ هذا ما يحاول أن يحصده هذا التقرير.

فتح الشهادة..

في صفحة 14 فبراير التي دشنت الحركة الاحتجاجية في البحرين، عبّرت عن مطالب سياسية شبابية غير منتمية لأي حزب سياسي، حملت شعار " الشعب يريد إصلاح النظام"، مطالبها: إلغاء دستور 2002 الذي فرض على الشعب بشكل غير قانوني، وحل مجلسي النواب والشورى، وتكوين مجلس تأسيسي من خبراء وكوادر من الطائفتين السنية والشيعية لصياغة دستور تعاقدي جديد ينص على أن الشعب مصدر السلطات جميعاً، برلمان كامل الصلاحيات، رئيس وزراء يُنتخب مباشرة من الشعب، البحرين مملكة دستورية تحكمها أسرة آل خليفة ويمُنع على أفرادها تولي مناصب كبيرة في السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، القضائية. إطلاق جميع الأسرى السياسيين   الحقوقيين وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم التعذيب وملاحقة ومحاسبة المسؤولين قانونيا.
 
كما طالبت الحركة بضمان حرية التعبير، والكف عن ملاحقة الصحفيين قضائياً، ومنع حبسهم في قضايا النشر، وعدم التضييق على الإنترنت وفتح المجال أمام التدوين، واستقلالية هيئة الإذاعة و التلفزيون، وعدم تدخل الأجهزة الأمنية في عمل المؤسسات الإعلامية، وضمان استقلالية القضاء وعدم تسييسه. وأخيراً طالب شباب 14 فبراير بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم التجنيس السياسي وسحب الجنسية البحرينية لمن ثبت حصوله عليها بشكل غير قانوني أو بسبب دوافع سياسية.

كثيرون لم يتوقعوا أن تحقق هذه الحركة ضجة قوية، خصوصاً أن أي من قوى المعارضة الرسمية لم تعلن موقفها. كثيرون اعتقدوا أنها لن تتجاوز تحركات شبابية مبعثرة يتم التعامل معها سريعاً. لكن ما حدث كان كافياً ليغير كل هذا، إنها سقوط الشهيد الأول سريعاً نتيجة للقمع العنيف الذي قوبل به المحتجون. علي مشيمع (21 سنة) أول ضحية في الأحداث، وقبل أقل من 24 ساعة، يسقط الشهيد الثاني فاضل المتروك (32 سنة) أثناء تشييع الأول.
 
لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من هذا لتتحول الحركة الشبابية إلى ثورة شعبية غاضبة، وليعلو سقف الاحتجاج: " الشعب يريد إسقاط النظام". بعد دفن الشهيد الثاني يتقرر التوجه إلى دوار اللؤلؤة، المكان الذي تم اختياره موقعاً استراتيجياً، للبدء باعتصام حتى تحقيق المطالب. لا أحد يعرف ماذا ينتظره من مصير، يبدأ الشباب زحفهم بغضب يكاد ينفجر.

اعتذار الملك..

15 فبراير ظهراً، وفيما الزحف سارٍ نحو دوار اللؤلؤة، يخرج الملك على شاشة التفزيون، يعرب عن أسفه للحدث الذي وقع: "على ضوء ما جرى من حوادث متفرقة يوم أمس واليوم وكانت هناك للأسف وفاة لاثنين من أبنائنا الأعزاء، وعليه نتقدم بتعازينا الحارة لذويهما وأن يلهمهم العلي القدير الصبر والسكينة والسلوان. كما ليعلم الجميع بأننا قد كلفنا سعادة الأخ جواد بن سالم العريض نائب رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة خاصة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تلك الأحداث المؤسفة التي جرت". منذ ذلك التاريخ، لم يسمع أحد عن نتيجة واحدة خلصت إليها هذه اللجنة.

الجماهير الغاضبة تصل الدوار، الأمن يختفي من المشهد، الجماهير تتزايد، الصرخات الغاضبة تتعالى: الشعب يريد إسقاط النظام. كانت المطالبة بالإسقاط انفعالية، ولم تكن قد أخذت بعد طابع الحسم بعد، رغم الغضب.

رصاص الجيش..

 كلمة الملك، كان يمكن لها أن تحدث تهدئة تساهم في عودة المطالب للمربع الأول، لو واصل النظام احتواء الغضب بنحو إيجابي. لكنها لم تلبث أن نكثت مصداقيتها بعد الهجوم على المعتصمين وهم نيام فجر 17 فبراير. الهجوم كان وحشياً، شارك فيه رجال الأمن وقوات الجيش. سقط في هذا اليوم المفصلي من تاريخ البحرين 4 شهداء، محمود أحمد مكي (23 عاماً)، وعلي منصور خضير (53 عاماً) بقذائف انشطارية االشوزن، وعيسى عبدالحسن (60 عاماً) بطلق رصاص انشطاري مباشر أدى إلى انفجار في جمجمة الرأس، والشاب علي المؤمن (22 عاماً) بقذيفة انشطارية في الفخد عند الحوض تسببت في تهتك الأوعية الدموية. هذا اليوم شهد أيضاً منع وصول الإسعاف إلى دوار اللؤلؤة صباحاً، بالإضافة إلى التعرض للمسعفين وضربهم، مما أثار الكادر الطبي الذي خرج في مسيرة غاضبة تطالب بإقالة وزير الصحة.

هكذا أصبحت حصيلة الشهداء 6 خلال 3 أيام فقط، وهي حصيلة جعلت الشعب يدرك أن نظاماً مستهتراً بحياة شعبه، لا يمكن أن يؤتمن على وطن. قاد ذلك إلى تحول في الشعار. علت الصرخات: "من يوم الخميس أنهينا الكلام، الشعب يريد إسقاط النظام"، صار مطلب الإسقاط حقيقياً عند البعض، فيما بقي انفعالياً عند البعض الآخر.

لم يقف الاستهتار الرسمي بأرواح الشعب عند هذا الحد، ففي 18 فبراير وفيما انتهت الجماهير الحزينة والغاضبة من تشييع 3 شهداء صباحاً من منطقة سترة، وفيما توافدت عصراً لختام مجلس عزاء عبد الهادي مشيمع من مقبرة حدحفص، خرج الشباب الغاضب رافعاً يده العزلاء أمام دبابات ومدرعات الجيش المنتشرة حول الدوار، تقدم الشباب بصدورهم العارية وبأيديهم الممدودة للأعلى، فكان الجواب طلق رصاص حي من الجيش، وسقوط الشهيد عبد الرضا بوحميد (38 سنة). وكانت فاجعة لن ينساها الشعب للجيش.

تهدئة ولي العهد..

وبينما رصاص الجيش يخترق رأس بوحميد، كان ولي العهد يفاجئ الجميع بزيارة غير متوقعة لتلفزيون البحرين الرسمي، يوجّه خطاباً وَجِلاً ومرتجلاً للجميع: "أقدم التعازي لكل شعب البحرين على هذه الأيام الأليمة التي نعيشها، وأريد أن أوجه رسالة للجميع للتهدئة، نحتاج فترة أن نقيم ما صار ونلم الشمل ونستعيد إنسانيتنا وحضارتنا ومستقبلنا. نحن اليوم على مفترق طريق، أبناء يخرجون وهم يعتقدون أن ليس لهم مستقبل في البلد، وآخرون يخرجون من محبة ومن حرص على مكتسبات الوطن، لكن هذا الوطن للجميع ليس لفئة على فئة، لا هو للسنة ولا هو للشيعة هو للبحرين وللبحرينيين، وفي هذه اللحظات يجب من كل إنسان مخلص أن يقول كفاية ما خسرناه في هذه الأيام، صعب استعادته، لكن أنا مقتنع بعمل المخلصين".

سيعيش المشهد العام منذ 19 فبراير انسحاباً لقوات الأمن ومدرعات الجيش بناء على أوامر ولي العهد، وعودة المعتصمين إلى الدوار بسلام. حتى 3 أسابيع سيبقى المحتجون يمارسون اعتصامهم السلمي بأمان، يعبرون عن آرائهم واختلاف سقف مطالبهم، دون أن يأخذ النظام مبادرة جدية للتغيير، فيما سوى الحوار الذي بادر اليه ولي العهد، ودعمه الملك، وبقي يراوح مكانه حتى دخول جيش درع الجزيرة.

تجمع الفاتح..

21 فبراير، اجتمعت حشود موالية للنظام أمام جامع الفاتح، بموازاة اعتصام المحتجين في دوار اللؤلؤة، ألقى فيه الشيخ عبد اللطيف المحمود خطاباً معتدلاً، قبل أن ينقلب عليه كلياً في التجمع الثاني في 2 مارس. في التجمع الثاني وصف المحمود المحتجين بـ"دعاة الطائفية"، واتهم الحركة الاحتجاجية أنها تسعى لـ " حدوث المواجهات الدامية مع قوات الأمن لأنها كانت تراهن على وقوع قتلى، وتحرص على تأجيج نار الفتنة"، ثم عاد ليؤكد أنها "تحاول أن تؤجج الفتنة بين طوائف المجتمع" وأن لديها "مخططات لنشر الفوضى في البلاد"،    قبل أن يختم كلامه محذراً "فإننا لا نضمن الانفلات الأمني كردة فعل لما يقع على أبنائهم وفلذات أكبادهم".
سيكون تجمع الفاتح نواة لتكوين حزب سياسي يقدم نفسه أنه يمثل الطائفة السنّية في البحرين، ويطلق على نفسه في 19 يوليو اسم (تجمع الوحدة الوطنية)، ليصير بعدها حزب موالاة رسمي، تنحصر مهمته في الوقوف ضد مطالب قوى المعارضة، وفي تبني الرواية الرسمية للأحداث، وحملها إلى كل مكان يمكن الوصول اليه من العالم.

البلطجة..

خطاب المحمود في الفاتح يوم 2 مارس، كان كافياً لتشجيع خروج جماعات من المجنسين في منطقة مدينة حمد (المختلط سكانها بين سنة وشيعة)، جماعات مسلحة تحمل الأخشاب والأسلحة البيضاء، تجوب الشوارع بحثاً عن أي شيعي ليطردوه أو يهددوه أو يهاجموه. استمر الوضع خلال الليلتين التاليتين 3 -4 مارس. وبدلاً من علم البحرين، كان علم القاعدة يرتفع فوق الأكتاف.
 
تلك بداية المواجهات التي افتعلتها أطراف من النظام، لزج البلاد في فتنة طائفية، تشغل الرأي العام عن القضية المطلبية الوطنية. وبداية ظهور البلطجية، الذين جرى استخدامهم في تحويل البلد إلى حالة من الانفلات الأمني، وإلصاقها بالمحتجين، وهي الحجة التي استخدمت لقمع الحركة الاحتجاجية.
 
في 7 مارس تواصل مسلسل الانفلات مع الحادثة الشهيرة لفتاة البسيتين، التي بصقت على المتجمهرين بالقرب من المرفأ المالي ودهست اثنين منهم، قبل أن تلوذ بالفرار. وما تلاها من فزعة طائفية سنية، تجمع عند منزلها ما يقارب 1000 من المسلحين بالسيوف والأخشاب، وهاجموا كل من مرّ هناك من سكان القرى الشيعية بالمحرق.
كانت تلك بداية   لتشكيل ميليشيات مدنية مسلحة، عند مداخل المناطق التي يقطنها مواطنون سنّة، قبل أن تتطور باتجاه مهاجمة   مناطق الشيعة وقراهم من    قبل مسلحين مدنيين (بلطجية)، وهو ما كان يحدث تحت مرأى رجال الأمن وحمايتهم.
 
13 مارس، شهد تصعيداً جديداً لأحداث الانفلات الأمني التي أريد أن يقصم بها ظهر الحركة الاحتجاجية، مهاجمة جامعة البحرين التي كانت تشهد احتجاجات طلابية، من قبل عدد من البلطجية المسلحين، سُمح لهم بالدخول إلى الحرم الجامعي وتهديد الطلاب وضربهم باستخدام أدوات حادة وأخشاب. وفي مساء اليوم نفسه، انتشرت الجماعات المسلحة ( البلطجية) تعيث بجميع القرى الشيعية، تطور بعضها إلى إطلاق الرصاص الحي، في غياب متعمد من قوات الأمن.

حدث هذا قبل أن يتم استهداف مقر جمعية وعد المعارضة في منطقة المحرق، وحرق مقرها في منطقة أم الحصم، وقبل أن يتم تكسير مطبعة صحيفة الوسط المعارضة في 14 مارس، بالإضافة إلى تكسير محلات "جواد" التجارية المملوكة لتاجر شيعي في كل من مناطق الرفاعين والبسيتين وعوالي.
مبادرة ولي العهد..

"لا أريد أن ألوم أي أحد، أنا أحترم الوفاق كما أحترم الآخرين، اليوم وقت الجلوس والحوار وليس الكفاح"، كانت تلك مبادرة الحوار التي دعى إليها ولي العهد عندما فاجأ تلفزيون البحرين بزيارته في 18 فبراير. أعقبها أمر ملكي "على إثر مبادرة ولي العهد (..) الصادقة والصريحة والنابعة من قلب مواطن بحريني صادق أصيل والتي أعلنها في تلفزيون البحرين هذا المساء (أمس)، وأيمانا منا بعزيمة الشباب، فقد أمرنا بتكليفه بالحوار مع جميع الأطراف والفئات في مملكتنا الحبيبة من دون استثناء وأعطيناه جميع الصلاحيات اللازمة لتحقيق الآمال والتطلعات التي يصبو إليها المواطنون الكرام بكافة أطيافهم".
 
الأحد 5 مارس، التقى ولي العهد بالجمعيات السياسية المعارضة، نقلت إليها رؤيتها للحوار، والركائز الأساسية التي تعتقد أنه لا يمكن أن يكون فاعلاً بدونها. في 13 مارس، أبدى ولي العهد موافقته على المبادئ السبعة وهي مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، التجنيس، محاربة الفساد المالي والإداري، أملاك الدولة، معالجة الاحتقان الطائفي، و غير ذلك من مبادىء ومحاور للحوار الوطني. وأكد على ضرورة الاستجابة الفورية للدعوة للحوار لكل من يريد السلم والأمن والإصلاح من أجل تحقيق مستقبل زاهر ومشرق لكافة أبناء البحرين. كما أوضح عدم الممانعة من عرض ما يتم التوافق عليه في الحوار الوطني في استفتاء خاص يعكس كلمة الشعب الموحدة.
 
14 مارس، عقدت الجمعيات السياسية المعارضة مؤتمراً صحافياً قالت فيه إنها «كانت ولاتزال مع الحوار»، مؤكدة الحاجة إلى تشكيل مجلس تأسيسي، كما طالبت بتوضيحات رسمية من سمو ولي العهد بشأن موافقته على مبادئ الحوار التي أعلنت في وسائل الإعلام المحلية أمس الأول «من أجل أن يكون الحوار جديّاً». كان هذا هو اليوم الذي دخلت فيه قوات درع الجزيرة، ليتم وأد مبادرة ولي العهد،   قبل أن ترى النور.

درع الجزيرة..

في 14 مارس، بدأت قوات درع الجزيرة بالوصول إلى البحرين، أعلنت وكالة (بنا) أنه "بدأت طلائع قوات درع الجزيرة المشتركة بالوصول إلى مملكة البحرين نظراً لما تشهده البحرين من أحداث مؤسفة تزعزع الأمن وتروع الآمنين من المواطنين والمقيمين"، هذا يؤكد أن الانفلات الأمني الذي أُخذت اليه البلاد، كان مقصوداً لتبرير دخول الجيوش، والبدء بالقمع الهستيري للحركة الاحتجاجية.

السلامة الوطنية

في 15 مارس يصدر المرسوم الملكي بإعلان حالة السلامة الوطنية، والسبب كما يقدمه «الظروف التي تمر بها مملكة البحرين والتي جرت فيها تصعيدات أمنية مست أمن البلاد وعرضت حياة المواطنين للخطر وأضرت بمصالحهم وأرزاقهم وتعدت على ممتلكاتهم وطالت مؤسسات الدولة ودور العبادة وأساءت لمنابر العلم في المدارس والجامعات وحتى وصلت لتطال مهنة الطب الإنسانية وحولت المستشفيات إلى بؤر رعب وترهيب كما عملت على الإضرار بعجلة التنمية والاقتصاد البحريني».
مدير القضاء العسكري بقوة دفاع البحرين يصدر تصريحاً بإعلان حالة السلامة الوطنية   اعتباراً من 15 مارس ولمدة ثلاثة أشهر، واتخاذ الإجراءات بحق الخارجين على القانون وفرض هيبة الدولة، وتكليف القائد العام لقوة الدفاع بالتنفيذ. ومنع التجول في أماكن وأوقات معينة، وإخلاء بعض المناطق، ومنع التجمعات، ووضع ضوابط على ارتياد بعض المناطق أو الخروج منها وكذلك التفتيش والقبض على المشتبه بهم.
ستكون هذه البداية المفتوحة لارتكاب أبشع أنواع الانتهاكات والجرائم في حق طائفة كاملة من الشعب، وهو ما أسماه تقرير بسيوني تخفيفاً "سوء فهم حالة السلامة الوطنية"، فيما هي استباحة مطلقة ومحمية من المسائلة.

استباحة سترة

في اليوم نفسه، تعمد جماعات مدنية مسلحة بمهاجمة عدد من المناطق والقرى الشيعية مستخدمة الرصاص الحي دون أن تواجه من قبل الأمن. وتتعرض جزيرة سترة إلى الهجوم الأعنف بين تلك المناطق الذي استمر لساعات أطلق خلالها الأهالي نداءات الاستغاثة وتدخلت بعدها قوات مكافحة الشغب والتي قامت بالتدخل لإطلاق مسيلات الدموع والرصاص المطاطي والشوزن على الأهالي الذين كانوا يقاومون الجماعات المسلحة. تمارس قوات الأمن والجيش ضدها قمعاً عنيفاً، ينتج عنه سقوط أحمد فرحان (30 عاماً) برصاص فجر رأسه بشكل مريع، وبنغالي الأصل حاول حماية نساء سترة، وأكثر من 250 مصاباً، بينهم 65 حالة حرجة.    واحتجاجاً على هذا التعاطي الأمني الوحشي في أول أيام السلامة الوطنية، فإن جملة من الاستقالات من المناصب الرسمية في الدولة    يعلن عنها أصحابها كرد فعل مباشر.

التطهير..     

في 16 مارس تتم مهاجمة المعتصمين في كل مكان، القيادة العامة لقوة دفاع البحرين في بيانها "صباح هذا اليوم الاربعاء الموافق 16 مارس 2011م بدأت قوات من الأمن العام والحرس الوطني وبمساندة من قوة دفاع البحرين بعملية (تطهير) دوار مجلس التعاون والمرفأ المالي ومستشفى السلمانية وما حولهم وإخلائهم من الخارجين عن القانون الذين روعوا المواطنين والمقيمين وأرهبوهم وأساءوا للاقتصاد الوطني وقد تم تنفيذ العملية حسب الخطة الموضوعة لها بكفاءة واحتراف مع مراعاة السلامة للجميع". في هذا اليوم    سقط جعفر محمد عبد علي سلمان (41 سنة)، وأحمد عبدالله حسن (23 سنة)، وجعفر عبدالله معيوف (30 سنة)، كما قتلت رصاصة حية آسيويا (48 سنة) يعمل حارسا في إحدى الشركات في قرية الحجر. تمت محاصرة الدوار بالكامل من قبل الجيش، كما تم احتلال مستشفى السمانية بالكامل من قبل الجيش، وتحويل إدارته في يد العسكر.

إزالة الدوار..

في تجمع الفاتح الثاني بتاريخ 2 مارس، وبعد خطاب المحمود التحريضي ضد المحتجين، صرخت بعض الأصوات: الشعب يريد إزالة الدوار، وكرر الباقي الهتاف مراراً. 18 مارس، وبعد يومين من مهاجمة الدوار ومحاصرته، تمت أسرع عملية من نوعها في تاريخ البحرين، إزالة الدوار واستبداله بإشارة ضوئية، وفي تبرير مضحك سخر منه الرأي العالمي، قالت السلطات إن سبب إزالة الدوار هو استبداله بإشارات ضوئية لتخفيف الضغط على الحركة المرورية في الحي التجاري في العاصمة. المضحك الأكثر أن المنطقة التي أُريد تخفيف الضغط على حركتها المرورية، واتهم المحتجون بأنهم عطلوها، لا تزال مغلقة بكاملها ومحاصرة بقوات الأمن من كل جهة، وغير مسموح بالعبور خلالها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

حوار التوافق..

بعد الضغوط الخارجية على النظام البحريني من أجل البدء بحوار وطني مع المعارضة من أجل الخروج من الأزمة، التف النظام بتمرير ما أسماه بـ(حوار التوافق الوطني) خلال شهر يوليو الماضي. جعله أشبه بملتقى عام أو لقاء مفتوح بين القوى المجتمعية المختلفة، فيما غاب هو عنه. وكأن الأزمة هي بين اطراف الشعب، لا الشعب مع النظام. تضمن (اللقاء المفتوح) دعوة أكثر من 300 جهة مشاركة، غُيّب الهدف الرئيسي، وضيع الأزمة بين الرتوش الشكلية، ما أدى إلى إعلان الوفاق كبرى جمعيات المعارضة انسحابها منه في 16 يوليو، وأعلنت باقي الجمعيات السياسية عدم جديته، ما كشف أمام العالم تحايل النظام وعدم جديته في القيام بأي إصلاح حقيقي.

تقرير بسيوني..

ومع استمرار الضغوط العالمية على النظام أمام فضائح الانتهاكات التي ارتكبها في حق الشعب، ومع الجهود الحقوقية الداخلية والعالمية في فضح الانتهاكات والمطالبة بمحاسبتها، كان النظام مع تحايل آخر لتخليص نفسه وتبرئتها، أصدر الملك في 29 يونيو، أمراً بإنشاء لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث فبراير ومارس، أطلق عليها اللجنة الملكية المستقلة لتقصي الحقائق، تتألف من شخصيات حقوقية دولية برئاسة محمود شريف بسيوني (عينه الملك)، وعضوية كل من فيليب كيرش، ونايجل رودلي، وماهنوش ارسنجاني، وبدرية العوضي، على أن ينشر التقرير كاملاً بعد عرضه على الملك قبل 30 أكتوبر. وأن يتضمن الانتهاكات الحقوقية التي وقعت خلال تلك الفترة.
أكد الملك في كلمة ألقاها في مجلس الوزراء في ذلك اليوم، أنه "لن يتم التهاون أو التساهل حيال ثبوت أية انتهاكات لحقوق الإنسان من أيٍ كان، فهذه الأفعال لا تساعد أحدا، بل تؤذي الجميع".

يتأخر تسليم التقرير حتى 23 نوفمبر، وفي محفل رسمي يحضره الملك وولي العهد ورئيس الوزراء، يلقي بسيوني خلاصة تقرير اللجنة وتوصياتها، يتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت: التعذيب، الاستخدام المفرط للقوة مما أدى إلى القتل، أساليب التعذيب المرصودة من الصعق بالكهرباء والحرمان من النوم واللكم والضرب بخراطيم المياه. اعترافات انتزعت تحت التعذيب، الاستناد إليها في المحاكمات، سجناء رأي، الاعتداءات اللفظية والتهديد بالاغتصاب وإهانة الطائفة الدينية للمسلمين الشيعة وهدم مساجدهم، قطع بعثات مئات الطلاب الجامعيين، وقطع أرزاق آلاف الموظفين من مختلف الوزارات والشركات التي راحت تتبارى بفصل المزيد من الخونة والمجرمين والعملاء. ينفي التقرير وجود أي إثبات على تورط إيران في الحدث البحريني. تسرد اللجنة توصياتها، من بينها تشكيل لجنة مستقلة لمتابعة تنفيذ التوصيات.
بعدها مباشرة وفي المحفل نفسه، يلقي الملك كلمته، وعلى خلاف ما جاء في التقرير المعتمد من قبله، يؤكد الملك التدخل الإيراني، ويأمر بتشكيل فريق عمل حكومي (!) لدراسة التوصيات. تكون هذه الكلمة بمثابة الصفعة الجديدة للشعب، وتأكيداً أن الحكومة رغم كل ما ثبت من تورطها، باقية ومحمية من قبل رأس الدولة، وأن التقرير ما هو إلا ورقة لتجميل صورة النظام في الخارج، وأنه لا لإصلاح أي وضع في الداخل.

وماذا بعد..

لم تنته محطات سيرة 14 فبراير بعد، لأن الثورة نفسها لم تخمد ولم تفتر،   لا تزال مفتوحة على الحدث الذي يصنعه الشعب في الساحات، ولا يزال القمع المفرط والقتل والاعتقال والتعذيب وقطع الأرزاق مستمراً، ولا يزال الشعب مصر على تقديم المزيد وتقرير مصيره بيده، ولا يزال حلمه الوصول إلى مطلبه الديمقراطي المحدد، ولا تزال الأحداث ترسم نفسها على أرض الواقع كل يوم وكل ليلة وفي كل منطقة صمود، ولا تزال المحطات المفصلية آتية أكثر..


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus