ساحات المحاكم في البحرين: الفاشية هنا

2012-01-02 - 8:40 ص




" يجب أن لا يتعرض المحامون بمن فيهم الموكلون للدفاع عن المتهمين بارتكاب أفعال إجرامية لاية مضايقة أو لتدخل غير مناسب وهم يؤدون واجباتهم المهنية"
دليل المحاكمات العادلة


     في منتصف مارس الماضي، دخلت قوات درع الجزيرة بأنفاس الغزاة المتلهفين للدّمار. تحلّوا بصفات الجيوش المؤدلجة التي تفوح بعقيدة الفتح. استندت هذه القوات على قانون الطوارئ الذي يتضمن بنودا غير معلنة رآها الناس ملطخة في الشوارع والطرقات وفي منازلهم وعلى الأجساد. لم يُنظر إلى المواطنين باعتبارهم بشرا يستحقوق الحياة، فضلا عن الاحترام والحقّ في العدالة والمساواة. تولّى الإعلام الحكومي مهمته المفضّلة والمتكرّرة، وقدّم للقوات الغازية ما يحثّها على مزيد من البطش وارتكاب الإهانات الفاحشة.

     أخطر ما أثبتته ثورة 14 فبراير، أن البحرين لم تعد تملك جهازا قضائيا مستقلا. في المعنى السياسي، فإن البلاد باتت غابة يحكمها الوحوش والراغبون – لأتفه الأسباب – في ارتكاب المجازر. يؤكّد المحامون وخبراء القانون أن ما يُسمى بمحاكم السلامة الوطنيّة (المحاكم العسكرية) لا علاقة لها بالدستور، ولا بأصول المحاكمات الجنائية. لا ضمانات تُذكر للمتهمين، ولا حد أدنى للعدالة في سير المحاكمات وإجراءاتها.

     فيما يلي استعراض لأهم المخالفات التي شهدتها المحاكمات في الدعوى رقم 124/2011 (قضاء عسكري – التحالف من أجل الجمهورية)، بحسب ما أفاد المحامون.
 
 المتهمون قبل الجلسات: تعذيب برعاية القضاة

     تؤكد شهادات المحامين – وتعززها أقوال الأهالي والنشطاء - أن جميع المتهمين كانوا يُعرّضون لوجبات من التعذيب الجسدي والنفسي قبل مثولهم أمام المحكمة، وهي "حفلة" يُحاط بها من يُقاد إلى الجلسة الأولى خاصةً، وتتم بأيدي الشرطة العسكرية التي تخضع للنيابة العسكرية، وبالتالي لأوامر المحكمة نفسها. الإهانات المهينة لكرامة الإنسان، والتوقيف في أشعة الشمس الحارقة؛ هي الحدود الدّنيا التي نالها المتهمون قبل أن يستقبلهم القاضي!
     لا يتطلّب الأمر الدخول في جدلية: هل تعلم المحكمة بذلك أم؟ هل هناك أوامر عليا أم أنها تصرفات شخصية؟! تلك هراءات يلوكها الذين يحملون رغبة مفادها: "سنواصل التعذيب، وسنتبرأ منه!" لذلك، لا يخالج أحد الشك في أن أعمال التعذيب التي شهدتها الجدران اللصيقة بكراسي القضاة؛ كانت بأوامر وتوجيهات من النيابة العسكرية، وبرعاية من هيئة المحكمة أيضا. ويؤكّد ذلك أن الأخيرة كانت ترفض مرارا السّماح للمتهمين للتحدث عن التعذيب الذي يتعرضون له، رغم إدراكهم أن مثل هذه المعاملة تخدش العدالة وتُسقطها. الصورة الواضحة التي ارتسمت للمتهمين، أنهم كانوا يمثلون أمام شركاء في التعذيب، وليسوا قضاة عادلين.


 أوراق الدّعوى: إعاقة العدالة

      يؤكد عدم تسليم محامي الدّفاع لنسخ من أوراق الدّعوى؛ النية المشبوهة بشأن تحقيق العدالة. لم يرغب القضاة، ابتداءً، أن ينال المتهمون الفرصة الحقيقية لإظهار براءتهم. وهذه وحدها فضيحة كبرى، تنمّ عن تواطؤ القضاة مع الجلادين. لقد حُرم المحامون من الإطلاع على القضية قبل أول جلسة محاكمة، وذلك رغبةً في قطع الطريق عليهم في إبداء الدفوع الشكلية أو مناقشة المتهمين قبل تلاوة التهم عليهم. وحين اضطرت المحكمة، فإنها اكتفت بتوفير نسحة واحدة من الدعوى – وهي تشتمل على أكثر من خمسة ملفات كبيرة – يُفترض أن يتقاسمها ما يزيد على خمسة عشر محاميا! علما أن مواعيد الجلسات كانت متسارعة، ويفصل بين الجلسة والأخرى أيام معدودات. وإضافة إلى ما يتطلبه نسخ الملفات من وقت، فإن طبيعة قضية الدعوى – غير المسبوقة في القضاء – تتطلب وقتا وجهدا مضاعفا لكي يُتاح للمحامين إعداد دفاع حقيقي لإظهار العدالة. إلا أن المحكمة، ومنْ يُديرها في الخلف، لم تكن معنية بالعدالة وإنصاف المتهمين، وأُريد لها أن تكون أداة بيد السلطة لإنزال عقوباتها الجاهزة.

 منع المتهمين من كشف التعذيب: نعلمُ وتستحقّون!
     
     من الإجراءات الفاضحة التي أرتكبت في ساحات "العدالة" المفترضة، هو عدم السماح للمتهمين بالتحدّث أمام المحكمة، وإظهار ما تعرّضوا له من تعذيب جسدي ونفسي، كما أنه لم يُستجاب لهم لمعاينة ما بهم من آثار التعذيب أثناء التحقيق. وهو إجراء شمل الجميع دون استثناء، حيث أصرّت المحكمة – وبنحو مريب – على عدم التحدّث في الجلسة إلا لوكلاء المتهمين، علما أن الوكلاء لم يُتاح لهم الجلوس مع المتهمين قبل الجلسة، رغم إبدائهم ذلك مسبقاً. وممّا يكشف الخلفية السياسية لهذا الإجراء، أن المحكمة قامت بطرد المتهمين الذين بادروا للحديث عن إصاباتهم تحت التعذيب. واكتفت بتحويلهم للطبيب الشّرعي، وهو موظف في وزارة الداخلية، وغالبا ما تربطه علاقات ود وتعارف مع الضباط والجلادين.

     وليس بخاف على أبسط محام ومطّلع، أن هذا الإجراء يعدّ حرمانا لأبسط حقوق المتهم. وهو مخالف صراحةً للعهد الدولي والاتفاقية الأمريكية. التفسير ليس صعبا، فالمحكمة العسكرية لم تكن ترى المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، كما هي المواد المعروفة في العهود والمواثيق. بل كانت تراه مستحقا للعقاب والتعذيب ومن غير الحاجة لإثبات تهمة ما، حقيقة كانت أم متخيّلة!  


 سرعة المحكمة: لا وقت لدينا.. الأحكام جاهزة!
 
     من غرائب الأمور التي كشفها المحامون، أنهم لم يُمنحوا الوقت الكافي لتقديم الدّفاع وإعداد المرافعات. كانت المحاكم العسكرية تتحرّك "بسرعة متناهية"، تناغماً مع الإيقاع السّريع للفضاعات التي شهدتها البلاد طولا وعرضا. يفيد المحامون أن المهل التي تُمنح لهم لا تتعدى يومين أو ثلاثة أو خمسة أيام في الحدّ الأقصى. ومن المثير ما ينقله المحامون عن رئيس المحكمة عند تعقيبهم بمنح الآجال الكافية، قوله بأن:"الوضع السياسي في البلد لا يسمح بالتأجيل وأن على المحكمة ضغوطات يجب أخذها في الاعتبار".
     إذن، كان كلّ ما يرتديه القضاة مسيساً. كانوا تحت ضغوطات العسكر الذين نشروا الرعب في القرى والمناطق.
     لا يفهم هؤلاء القضاة لغة الدفاع، وحقوق المتهمين، والضمانات الكافية لهم. لقد جاؤوا بأوامر واضحة: "عليكم بهم. ليس لكم سقفا، أعلاه مثل أدناه". فماذا يضير هؤلاء، بعد ذلك، لو أخّلت السرعة في إتمام المحامين لدراسة القضايا، أو لو رفضت المحكمة سماع شهود النفي، أو رفضها الاستفزازي لعرض المقاطع الفلمية كاملةً وأمام المتهمين، وقطع الطريق أمام طرح المحامين لأدلتهم!؟ لا يهمّ أبداً! فكلّ شيء جاهز، والمطلوب إنزاله بسرعة.

 المحامون: ضغوط واعتقالات.. نريدكم بصّامين صامتين!
     كيف ينال المتهم دفاعا حقيقيا فيما لو تعرّض المحامي للضغط والاعتقال؟ وهل كان المطلوب أصلا – في محاكم العسكر – ينال المتهم شيئا من الدفاع!؟ قدّم المحامون جملة من الممارسات التي أوضحت حجم المضايقات التي تعرّضوا لها خلال الأشهر السابقة، ما يُسقط الضمانات المطلوبة في الدفاع، خلافاً للمواثيق الدولية ذات الصّلة. وفيما يلي شواهد على ذلك:

- اعتقال المحامين: اعتقل المحامي تيمور كريمي في الأيام الأولى لإعلان الطوارئ، ووُجّهت له تهمة التجمهر وإثارة الشّغب. وبعد حوالي شهر، اعتقل المحامي المعروف بالدفاع عن المتهمين السياسيين، المحامي محمد التاجر، وقد تعرّض للتعذيب، وتم تكسير منزله وتخريبه. وكان يُراد من ذلك، إرسال رسائل تهديد مباشرة للمحامين وصرفهم عن تولي الدفاع عن المتهمين السياسيين.

- اتهام واستدعاء المحامين: وُجّهت تُهم تجمهر وخلافه لثلاثة من المحامين النشطاء في مجال حقوق الإنسان، وهم المحامون حافظ حافظ ومحمد أحمد ومحمد الجشي. كما تمّ استدعاء المحامين حسن رضي وجليلة السيد وسامي سيادي، وذلك بقصد ترهيبهم وتخويفهم، ما حدا ببعض المحامين للعزوف عن الدفاع عن المتهمين في المحاكمات العسكرية، كما أن البعض لم يُقدِّم دفاعا حقيقيا خشية ردود فعل السلطة.

- تهديد المحامين واستفزازهم: ينقل المحامون أن الضباط المتواجدين في المحكمة، كانوا يدأبون على تهديدهم بالاعتقال، وكان بعض ضباط الجيش يقول للمحامين بأن "الدور سيأتيكم، كما جاء على الأطباء والمعلمين وغيرهم". كذلك، كانت المحكمة نفسها تتعمّد الاستهزاء بالمحامين، وتتعامل معهم وكأنهم خصوم لها، وتعمّدت جرحهم نفسيا والتأثير على أعصابهم قبل تقديم الدفاع. ولأجل مزيد من التأثير، لجأت المحكمة إلى قطع كلام المحامين في نصف المرافعات، ولم تسمح لهم بالاسترسال والترافع الشفوي، ما يمثّل قمعا مباشرا من المحكمة، وهو تتمة لأساليب الضغط والإهانة التي يتعرض لها المحامون قبل الجلسات من جانب الشرطة والضباط، والذين يعمدون إلى تفتيشهم بطريقة مهينة، وتوجّه إليهم أسئلة اتهامية من قبيل: "أنت رحت الدوار؟"،"ماذا كانوا يفعلون في الخيام؟"،"أنت قلت بإسقاط النظام أيضاً؟". والغرض كل من ذلك، إشعار المحامين بأن مصيرهم قريب من الاعتقال مثل متهميهم.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus