الاحتلال العسكري لمجمّع السلمانية الطبي

2012-01-02 - 8:56 ص


مرآة البحرين(خاص):   كانت عقارب الساعة تشير إلى 5.20   صباحاً. وقبل بزوغ نور الشمس على سماء البحرين، سُمع صوت مروحيات عسكرية تحوم على مقربة من أجواء مجّمع السلمانية الطبي.. ولوحظ انقطاع الإتصال في الهواتف النقالة وكأن خللاً في الشبكة، حتى خدمة ( البلاك بيري ) بدأت تفقد تردداتها في بعض الهواتف..! أحدهم لم يذق طعم النوم لأكثر من 24 ساعة.. كان يحمل مكبر صوت أصابه هاجسٌ بأن شيئاً ما يُحاك في ظلمة هذا الصباح..! ونادى في في المكبر محذراً الجميع من هذا الخلل، وتوجس الجميع خيفة من هذا الأمر وحاول الجميع الاتصال بالمعتصمين في دوار الشهداء وتحذيرهم.. ومع هذه المحاولات اليائسة واستيقاظ الجميع على هذا النداء والقلق الشديد المستشري في قلوبهم، أشارت الساعة إلى 5.45.واقترب صوت المروحيات العسكرية أكثر فأكثر من ساحة مواقف السيارات التابعة لقسم الطوارئ، وبدأ الناس في الانتشار في هذه الساحة وأعينهم متجهة إلى سماء الدوار، فرأوا وبكل وضوح سرباً من المروحيات العسكرية أيضاً تحلق وهي في مكانها والنيران تنطلق منها باتجاه الدّوار.

 
هذا ما ذكره شاهد عيان خلال حديثه   لـ (مرآة البحرين) عن تفاصيل قيام الجيش البحريني وقوات الأمن بعملية احتلال مجمع السلمانية الطبي وعسكرته عقيب فض دوار اللؤلؤة من المعتصمين بالقوة في الأربعاء 16 آذار/مارس 2011.

ويتابع شاهد العيان في سرد مشاهداته "في تلك الأثناء انطلقت بعض سيارات الإسعاف لإدراك ما يجري.. فبعض سيارات الإسعاف (4) كانت متوقفة في الموقف المقابل لموقف سيارات قسم الطوارئ، وهي غير صالحة للاستعمال بسبب اختطافها من قبل (رجال الأمن) وإحداث أضرار فيها في اليوم السابق أثناء مجزرة جزيرة سترة والتي كان الضحية فيها الشهيد أحمد فرحان".

يواصل "وبالفعل.. عادت هذه السيارت من الدّوار في غضون دقائق محملة ببعض المصابين والجرحى، هذا بالإضافة لبعض السيارات الخاصة التي تحولت إلى إسعافات خاصة، عادوا وهم مذعورون من منظر قصف الدّوار بالمروحيات العسكرية ووصفوا أن هناك مجزرة جديدة تدور رحاها هناك.. ولم يعلم الموجودون ماقد يحصل في المستشفى أيضاً".

    وعن بدء عملية السيطرة العسكرية على مجمع السلمانية الطبي ُيفصّل الشاهد: "في تمام الساعة السادسة وخمس دقائق تقريبا.. ازدادت أعداد الناس وحوت موظفين ومتظاهرين ومصابين وغيرهم وتفاجأ الجميع بانطلاق النيران عليهم من المروحيات العسكرية والقنابل الصوتية في باحة المستشفى كما تم إغلاق جميع البوابات الرئيسية من قبل قوات مكافحة الشغب ومحاصرتها ومنع دخول أو خروج أي سيارة   سواء كانت سيارة إسعافِ أو حتى سيارة خاصة، كما تم منع أي فرد من الدخول أو الخروج للمستشفى.. ظهرت قوّات أمنية مسلحة من جانبي مواقف السيارات قادمين من جهة جامعة الخليج العربي إلى المبنى الداخلي للمستشفى وهم شاهرون أسلحتهم وبعض هؤلاء الأفراد قد صوب سلاحه فعلاً وأطلق النار على أحد المواطنين أمام مدخل طوارئ الولادة، محدثاً إصابات وجروحاً ".

يفصّل أكثر: "دبّ الخوف والهلع والدهشة في نفس الوقت في قلوب الجميع، ودخلوا مبنى المجمّع وأغُلقتْ الأبواب الآلية من الخارج وسيطر على كل باب 3 إلى 4 أفراد من قوات الأمن.. هروب مخيف، بحثٌ عن أماكن آمنة للاحتماء ولكن ما من مفر، بعدها بدأت مجموعات من أفراد الجيش في الظهور بدباباتهم ومدرعاتهم وآلياتهم وعتادهم العسكري وكأنما حوصر المجّمع الطبي من الداخل والخارج وتم تطويقة تماماً من قبل هذه القوات والجيوش".

 

بداية الانتقام والحصار

بحسب المعلومات المؤكدة، هاجمت قوات الأمن 4 من الموظفين (إسماعيل يوسف الحداد، إبراهيم سيد طاهر، منير صالح مهدي، علي عبدالله حبيب) في مكتب إدارة قسم التنظيفات في المستشفى في المبنى الشمالي القديم واعتدت عليهم بالضرب والشتم وإدماء أحدهم، وهو رئيس القسم (علي الحداد) الذي كسرت رباعيته، ومن ثم اقتيادهم للبوابة الرئيسية (رقم 1) وهؤلاء كانوا بمثابة أول لقمة لهم، فقد تواصل الضرب المبرح عليهم على الحشائش القريبة من مواقف سيارات الأطباء وفي نفس الوقت والمكان احتُجزت سيارة إسعاف واعتدي على من فيها، السائق وممرض وطبيب، هذا الحدث توثق بكاميرات الهواتف المحمولة من بعض نوافذ الأجنحة المطلّة على الموقع.

في الجانب الآخر من المجّمع الطبي رصد شاهد عيان آخر فبركات تمثيلية في ساحة مواقف السيارات بقسم الطوارئ، أهم فبركة هي فتح باب خلفي لإحدى السيارات التي تشبه الإسعاف، بنيّة اللون ووضع أسلحة فيها وتصويرها للإيحاء بأن هذه أدلة ضُبطت بها، ثم إحضار مجموعة من المواطنين يبدو لمن يشاهدهم أنهم عائلة بحرينية كانت محتجزة كرهائن في المستشفى حسب ما أشيع في الوسائل الإعلامية في وقت سابق.

وما أظهرته بعض الأفلام والصور الفوتوغرافية   في هذا السياق "قيام قوات الجيش بعد ذلك بتكسير زجاج بعض السيارات وتدمير الخيام المنصوبة وإتلافها وبعثرة محتوياتها من أدوية وأدوات وأجهزة طبية، وكانت هذه الخيام قد نصبت – بحسب ما يؤكده جميع الأطباء والممرضون -   بموافقةٍ من إدارة المستشفى ومكتب وكيل الوزارة على علمٍ بها، بغرض تخفيف الضغط على الطوارئ وتخصيصها للحالات غير الحرجة من المصابين والجرحى واستغلالها كمخزن للأدوية التي صُرفت بترخيص رسمي وليس كما ادعت الحكومة وبعض الاستشاريين المحسوبين على النظام أنها مسروقة. 

وهنا يؤكد عدد من العاملين في قسم المغسلة بالمجمع "أن القسم هاجمته قوات الجيش والأمن واعتدت على منتسبيه بالشتم والضرب والإهانة واختيار عشوائي للموظفين وإلباسهم الأكفان المكتوب عليها (أنا الشهيد التالي ) وتصويرهم.

 ويسترسل شاهد العيان في شرح ما حدث: "في هذه الأثناء.. توجّه الشخص الذي أنذر الجميع في الصباح الباكر لمكاتب إدارة مجمّع السلمانية الطبي يستنجد بطاقم أفراد الإدارة الذين كانوا مجتمعين في غرفة الاجتماعات مكتوفي الأيدي وفي حيرة من أمرهم وقد بان على وجوههم أنهم لايستطيعون فعل أي شيء، بل اكتفوا بالتعليق أن الوزير ( نزار البحارنة) ذاته حضر ولم يسمح له بدخول المستشفى وأن الجيش قد أخبره بأن عليه الحصول على إذن من المشير (خالد بن أحمد آل خليفة) للدخول وأنه لاسلطة الآن له كوزير للصحة، فأعلن استقالته في نفس اليوم".

ويؤكد عدد من العاملين في المجمع ممن كانوا في الداخل: "سلّم الجميع بأنهم محاصرون داخل مبنى السلمانية ولايسمح لهم بالخروج، وأُطلقت نداءات استغاثة بثتها قناة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية وبعض وكالات الإعلام والاتصال ببعض النّواب والشخصيات الحقوقية، ولكن ما من حلولٍ تلوح في هذا الأفق المرعب.. فقضوا أسوأ ليلتين داخل المبنى دون مؤن غذائية أو إمدادات أخرى مساندة. وقد أثر ذلك على الطاقة الاستيعابية للمبنى الضخم الذي ظل يعمل بأقل من نصف طاقته الكهربائية المعتادة، مما خلّف نقصاً في كميات الأوكسجين وتعريض حياة مرضى العمليات الرئيسية والعناية القصوى والقلب للخطر".

الطاقم الطبي والتمريضي وكل منتسبي وزارة الصحة منهكون لقلة النوم وللذعر الذي أصابهم، حتى أن هذا الذعر تسرب إلى نفوس المرضى وفارقت إحداهن الحياة خوفاً ورعباً وقلقا على أبنائها الذين كانوا يتناوبون على رعايتها في وحدة العناية بالقلب.

 

أطفال ونساء في بكاءٍ وعويل وترقبٍ للمجهول.. وبعد هذين اليومين العصيبين جاء الفرج.
 

الفرج المؤلم
 بعد هذا الحصار المطبق على كل المنافذ والأبواب والتغلغل التدريجي لعناصر المخابرات المدنيين أشرقت على المستشفى شمسٌ مظلمة ومسلّحة، يكسوها أقنعة لعناصر ملثمة تجوب كل أرجاء المستشفى بأسلحتها التي كانت أطول من قامات حامليها.. والتلويح باستخدامها في أي لحظة.. فظن الجميع أنه حانت لحظة التصفية وغربلة الموجودين، فقد تناقلت مكبرات الصوت في جميع أروقة المستشفى إعلاناً يقول: "إن من أراد الخروج فعليه أن يتوجه لباب الطوارئ فقط وان يبرز هويته الرسمية أو الوظيفية، ولكن عليه أن يتحمل مسؤلية نفسه وسلامته"، وبالفعل.. فإن من ينوي الخروج يعود مصاباً جريحاً ليتم اعتقاله لاحقاً بعد تفتيشه تفتيشاً دقيقاً ومصادرة الهواتف ذات التقنية المطورة منهم وتفتيشها.. وهذا شمل كل فرد دون تمييز بين طبيب أو مريض، بين امرأة أو رجل فالكل نالته (عدالة العقاب).. وعليهم أن يختاروا.. بين العذاب أو البقاء تحت الحصار، فقد كان فرجاً مؤلماً.

 

اعتقالات عشوائية

صاحَبَ هذه الأحداث الغريبة والدخيلة حملة بحث مكثّف عن طريق التدقيق في الصور وقوائم للأسماء عند البوابات الرئيسية لدى أفراد الجيش وكل أقسام وأروقة المستشفى وتفتيش دقيق وحازم لكل المترددين للمستشفى أو الموظفين، وخصوصاً الطبيبات والممرضات، فقد شكا بعضهن لاحقاً تعرضهن للتحرش الجنسي من أفراد الجيش.

 
 أفراد الجيش وقوات الأمن لم يكترثوا للضوابط الصحية وحرمة المبنى الطبي حين قاموا بمباغتة الدكتور علي العكري في غرفة العمليات أثناء إجرائه عملية لأحد المرضى والإعتداء عليه بالضرب والشتم والإهانة وللأطباء المتواجدين معه أثناء العملية ومنعه من مواصلة العملية وتعريض حياة هذا المريض للخطر، وتلا اعتقاله ملاحقة أطباء وكوادر تمريضية ومسعفين وموظفين ومصابين ومترددين أيضاً واعتقالهم أو التحقيق معهم وبث الرعب في نفوسهم.

 
وُيوضح عدد من موظفي المجمع "أن   الإدارة العسكرية الجديدة للمستشفى اخترعت أنظمة جديدة تقوم على   الاستهداف والعقاب الجماعي لمعظم الموظفين، بإعداد قائمة يومية من الموظفين الذكور والإناث ومفاجأتهم بأنهم مطلوبون للتحقيق، وإما أن يعودوا أو لا.. فمن لا يعود يكون مصيره المعتقل، ومن يعود فيروي ماتعرض له على يد أفراد قوات عناصر الداخلية والدفاع، المدنية والعسكرية".

 

نقطتان للتحقيق والتعذيب، المشرحة والغرفة الواقعة أمام باب الطوارئ لاستكمال عملية التعذيب بكل فنونه والإهانات في الدين والعقيدة وإجبار المتهمين على القيام بأفعال غريبة كالنباح وتقليد أصوات الحيوانات ولعق الأحذية العسكرية وتقبيل صور رموز النظام والشتم والتهديد بالاغتصاب والتعرض لذويهم أوالقتل وكل ما لا يخطر ببال المرء يكون في ذلك التحقيق.. ومن ثم يخيرونهم بين العمل (مُخبراً) لحسابهم أو التعري الكامل أو الاعتقال وخصوصاً النساء، والقاسم المشترك هو إصدار أمرٍ بعدم الإفصاح عما جرى وإلا.... ويكون ذلك وهم يقومون بتصوير المتهمين بهواتفهم النقالة وبطريقة استفزازية واستمتاع علني منهم بهذه الممارسات.

 

شهادة عاملة

 روت عاملة صحية في مجمع السلمانية الطبي لـ (مرآة البحرين) ما تعرضت له من ظروف الاعتقال والتعذيب   بالقول " في نيسان/أبريل تحققت مخاوفي، عندما جاء إلى منـزلي أكثر من 30 رجلاً ملثماً ويحملون الرشاشات واقتادوني أمام ناظري ابني، الذي أُرغمتُ على تركه وحيداً. حيث تعرضتُ لإساءة المعاملة الجسدية والنفسية؛ فقد عصبوا عينيَّ وقيدوا يديَّ وانهالوا عليَّ بالضرب بالأيدي والأرجل وأوسعوني صفعاً وضربوني بخرطوم الماء وصعقوني بالكهرباء".

 

وتتابع "كما هددوا باغتصابي وقتلي كي أعترف بتهم ملفقة، وتعرضتُ للتحرش الجنسي والإذلال، وخامرني شعور بالوحدة والخوف والخجل، وأحسستُ بأن كابوساً يجثم على صدري مرة تلو أخرى. وطوال الوقت كان يساورني القلق وأفكر في مَن سيُطعم ابني ويعتني به".

 

توضح "بعد قضاء 22 يوماً في السجن استدعوني وقالوا لي إنه سيتم إطلاق سراحي بكفالة .. عندما رأيت ابني توقفنا دقيقتين قبل أن يهرع إلى حضني، فضممتُه إلى صدري وأجهشتُ بالبكاء". (1)

 

عسكرة الطابق السادس
 العاملون في المجمع يؤكدون: "أن  قوات الأمن احتجزت جناح  62 و63 اللذيْنٍ كانا مليئيْن بالمصابين والجرحى، خصوصاً إصابات الرأس، ومنعت أي أحد يدخل إليهما إلا بإجراءات مشددة وتفتيش دقيق، وقد نقل بعض الشهود أن هذه العناصر تتسلى أثناء المناوبة الليلية بالاعتداء بالضرب على رؤوس هؤلاء الجرحى وتهديدهم بالقتل، كما هو الحال بالنسبة لبعض الأجنحة كالعناية القصوى- جناح 205، فإنك ترى عناصر الأمن تقف خارجها والتضييق على مرتاديها". (3)

هذه الحملة الانتقامية، أفصح أفراد الأمن والجيش عن أسبابها أمام المتهمين أثناء تعذيبهم، كان أهم هذه الأسباب هي نزولا عند مطالبات أغلبية الشعب بتطهير المستشفى وتخليص الرهائن (حسب وسائل الإعلام المحلية) وأنكم أنتم من فضحتم الحكومة وشوهتموها بتصويركم للمصابين داخل المستشفى وأثناء العلاج ونشر هذه التسجيلات على المواقع الإلكترونية والفضائيات وأن هذا (فبركة إعلامية حسب تعبيرهم)    وهم يردّون الآن بالمثل، ومن الأسباب أيضاً أن هذه الثورة لم تجعلهم يستمتعوا بأوقاتهم المعتادة وأصبحوا لاينامون جيداً وأنه يجب الثأر الآن والرد على ذلك بالمثل أيضاً.. وإن هذا الحصار الذي حوّل المستشفى إلى ثكنةٍ عسكرية خلق عزوفاً ورعباً لدى المواطنين فضلوا فيها الذهاب للمستشفيات الخاصة وتلقي العلاج أو حتى الولادة خوفاً على سلامتهم.

 


هوامش
  1. العفو الدولية: شهادات من البحرين: اعتُقلت بسبب معالجتها الجرحى
     
  2. شهادة الدكتور علي العكري
     
  3. البحرين: الجيش والشرطة يطلقان النار على المتظاهرين
     
  4. شهادة الدكتور علي العكري لهيومن رايتس ووتش:عاملون بالمجال الطبي يصفون التعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز
     
  5. البحرين: ضرب واحتجاز المتظاهرين الجرحى، يجب أن يتوقف استهداف المرضى المصابين في الاحتجاجات

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus