"أسرة الأدباء" هدفا لعمليات "التطهير".. وأشد المضاضة ظلم ذوي القربى

2012-01-04 - 8:48 ص






مراسلات مستشار الملك "الكيدية" وتوكيلات "الهشك بشك" و"ترزي" على سماعة الهاتف

مرآة البحرين (خاص): ستحق ما حصل إلى أسرة الأدباء والكتاب أكثر من وقفة. ويستحق أن يتعرف الناس على تفاصيل عملية "التطويع" التي قادها أحد مستشاري الملك إلى أقدم كيان أدبي في البحرين (تأسست العام 1969)، عقاباً لها على مواقفها في 14 فبراير/ شباط. تلك اللحظة التي أعادت تدوير البوصلة، لتستقر في النهاية على "وجوه" لم نعرفها من ذي قبل، وعلى "أسماء" كانت في السماء "سهيل". "مرآة البحرين" كانت شاهدة على تفاصيل ما جرى، وتمكنت من وضع يديها على العديد من المراسلات التي جرت بين أعضاء الأسرة وأحد مستشاري الملك، وهي تعرضها أمام القاريء لأول مرة.

في 23 أبريل/ نيسان مرّر المستشار في الديوان الملكي والعضو المؤسس بأسرة الأدباء والكتاب علي عبدالله خليفة، الرسالة التالية إلى عدد من أعضاء الأسرة: "مرفق نص رسالة موجهة إلى إدارة أسرة الأدباء والكتاب بشأن طلب عقد اجتماع الجمعية العمومية للأسرة وقع عليها مؤسسو الأسرة ومن رغب من بقية الأعضاء. إن كانت لديكم رغبة في المشاركة بالتوقيع على الطلب يرجى الإفادة قبل الساعة الثانية عشرة من صباح الأحد 24 أبريل/ نيسان، حيث سيتم تقديم الطلب بصفة رسمبة ونسخة منه إلى وزارة الثقافة".
 
كانت الرسالة التي وقع عليها 37 من أعضاء الأسرة - تبين لاحقاً عدم صحة كثير من التوقيعات! - تنص على طلب اجتماع غير عادي إلى الجمعية العمومية. وأشارت في تعليل ذلك إلى: "مناقشة المخالفات القانونية الفادحة التي جرّت مجلس الإدارة الحالي لأسرة الأدباء والكتاب إلى مواقف سياسية تتعارض مع النظام الأساسي لأسرة الأدباء والكتاب والمرسوم بقانون. واتخاذ الجزاءات المناسبة لذلك" و"حل مجلس الإدارة الحالي وانتخاب مجلس إدارة جديد".

أتت أولى التداعيات على هذه الرسالة من واسطة بيان وقعه أحد أعضاء الأسرة وهو الشاعر علي الجلاوي بتاريخ 24 أبريل/ نيسان، وقد كذب فيه صحة توقيعه عليها. وجاء فيه: "بخصوص الرسالة المقدمة لكم من جانب بعض مؤسسي الأسرة (...) والداعية إلى انعقاد جمعية عمومية غير عادية لأعضاء أسرة الأدباء والكتاب، أفيدكم علما بأنه لا صحة مطلقاً لتوقيعي على الرسالة المذكورة. وقد تفاجأت بالزج باسمي ضمن قائمة الموقعين".


مكالمة هاتفية.. وإيميل!
 
علي عبدالله خليفة
وصل البيان إلى من يعنيهم الأمر، وعلى وقع المفعول الذي أعطاه، جرت في صبيحة اليوم نفسه 24 مارس/ آذار هذه المكالمة الهاتفية بين أحد أعضاء الأسرة وعلي عبدالله خليفة:

"عضو الأسرة: إن مجلس الإدارة قد بدأ فعلا بإعداد الدعوة للجمعية العمومية العادية، فلماذا هذه الدعوة الاستثنائية! خاصة وأننا تعودنا في الأسرة دائما على حصر أي موضوع داخلي وحله بشكل ودي. من حقكم في الجمعية أن تطلبوا إدراج أي جدول أعمال ترونه مهما، بما في ذلك ما يتعلق بالبيانات التي صدرت من الأسرة (بيانا 17 فبراير/ شباط و10 مارس/ آذار) واتخاذ أي إجراء تراه الجمعية العمومية. إن هذا الطلب يعني عقد جمعية استثنائية، وهذا يتطلب أن يكون بطلب خطي موقع من عدد لا يقل عن ثلت الأعضاء وليس بواسطة الإيميل كما في المادة 20 فقرة 3 من النظام الأساسي للأسرة.
علي عبدالله خليفة: إنها جمعية عمومية عادية.
عضو الأسرة: الجمعية العمومية العادية يدعو لها مجلس الإدارة وهو حاليا يعمل على التوضيب لها عبر إعداد التقرير المالي والأدبي. لماذا لا ننتظر من مجلس الإدارة القيام بذلك خلال هذا الشهر. إن بيان علي الجلاوي دليل واضح أن هناك نية لتجميع الأسماء دون أخذ موافقتها الخطية.
علي عبدالله خليفة: يبدو أن اسم علي الجلاوي كتب سهوا وسوف يتم تصحيحه.
عضو الأسرة: أرجو أن تتم مخاطبة مجلس الإدارة وديا. فإن وجدتم تقاعسا، فكلنا على استعداد للدعوة إلى جمعية استثنائية بشرط أن نوقع الطلب خطيا.
علي عبدالله خليفة: سوف أنقل وجهة نظرك إلى الجماعة (؟)".

لم يمض كثير من الوقت، حتى بادر علي عبدالله خليفة في مساء اليوم نفسه إلى بعث هذه الرسالة إلى علي الجلاوي بواسطة الإيميل: "أود أن أبلغكم بأننا قد رفعنا اسمكم من كشف الموقعين على طلب عقد اجتماع الجمعية العمومية لأسرة الأدباء والكتاب. إذ لم تقدم الرسالة بعد لا إلى الأسرة ولا إلى الوزارة، وأنا المسئول شخصيا عن هذا الخطأ غير المقصود".

من "لوند" في السويد، حيث مقر إقامته، كان أستاذ علم الاجتماع الدكتور عبدالهادي خلف يراقب من بعيد نقاط الماء التي تتسرب من بين جدران الأسرة تمهيداً لهد كيانها. وقد رأى أن من واجبه أن يكتب هذه الرسالة إلى قاسم حداد: "ما كنتُ لأكتبُ لك الآن لولا اقتناعي بضرورة الاستنجاد بك للمساهمة في وقف اتساع الحملة الأمنية التطهيرية (...) التي تقف على باب أسرة الأدباء والكتاب لمعاقبتها على مواقفها أسوة بما جرى لجمعيات أخرى تعمل في الحيِّز العام". وأشار في الرسالة المؤرخة في 27 أبريل/ نيسان إلى "التحرك التحشيدي الذي يقوده مستشار الملك للشئون الثقافية الدكتور محمد جابر الأنصاري يساعده في ذلك المستشار بالديوان الملكي علي عبدالله خليفة لعقد اجتماع غير عادي لجمعيتها العمومية بهدف محاسبة أعضاء مجلس إدارة الأسرة على مواقفهم السياسية تمهيداً لاجتثاثهم من جسم الأسرة".

3 استقالات موجعة
كان عبدالهادي خلف يأمل في أن يتدخل قاسم حداد "بما يمثله في حياتنا الثقافية" في وقف ما أسماه "الحملة التطهيرية التي تقف على باب الأسرة". غير أن السيف، فيما بدا إذاك، قد سبق العذل. ففي 25 أبريل/ نيسان، بعد يوم من بيان الجلاوي، سلم كل من قاسم حداد وأمين صالح وخلف أحمد خلف، الرسالة التالية إلى مجلس إدارة الأسرة، طالبين منه تعميمها على جميع أعضاء الجمعية العمومية: "...نجد إنه لم يعد مجدياً بالنسبة لنا، ولا موضوعياً بالنسبة لأسرة الأدباء، استمرار عضويتنا في كيان لم نعد نشعر بانتماء حقيقي إليه، ولا قادرين على الإسهام فيه. لذلك نتمنى منكم تفهّم وضعنا، وقبول استقالتنا من أسرة الأدباء".
 
من بعيد، لكن ليس بعيداً تماماً، كان مجلس إدارة الأسرة برئاسة أحمد العجمي وعضوية كل من كريم رضي وأحمد الستراوي وأحمد الحجيري وجعفر حسن وفريدة خنجي وعبدالعزيزي الموسوي، يمارس مهماته الاعتيادية. وقد انتهى تقريباً من وضع النقاط الأخيرة على التقريرين الأدبي والمالي عن دورته المنتهية (2009 - 2011). وقد ضمن التقرير الأدبي حصاد الأنشطة التي نفذها، من بينها البندين التاليين: "أصدر مجلس الإدارة عددا من البيانات المتعلقة بالشأن العام في كل من تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن، حيث عبر فيها عن موقف أسرة الأدباء والكتاب من التحركات المطلبية في هذه الدول ومساندة أسرة الأدباء لحرية الرأي والتعبير السلمي والإصلاحات السياسية".
 
أما البند الآخر فقد جاء فيه: "قدم الشاعر د. علوي الهاشمي استقالته من عضوية مجلس إدارة الأسرة احتجاجاً على بيان الأسرة الصادر بشأن إخلاء دوار مجلس التعاون، حيث حل مكانه الشاعر أحمد العجمي قائماً بأعمال الرئيس حتى نهاية الدورة". وأعقب ذلك يأيام قيام عدد من أعضاء مجلس الإدارة بتقديم استقالاتهم.
 
سقط مشروع علي عبدالله خليفة في طلب اجتماع استثنائي إلى الجمعية العمومية. وكان عليه أن ينتظر مرغماً حوالي الشهر إلى حين موعد الانعقاد العادي الذي حددته وزارة الثقافة في 9 يونيو/ حزيران، ليباشر تمرير مشروعه. أوعز إلى القاص جمال الخياط الاتصال في بعض الأعضاء لتأكيد حضورهم أو الحصول على توكيل منهم، خصوصاً الأعضاء السنة. وهو الشيء الذي وصفه أحد أعضاء الأسرة السابقين   بالقول: "شيء مضحك ومقزز من نموذج مثقف ومبدع".

 9 يونيو العاصف
انهمك بعض أعضاء مجلس الإدارة عصر يوم الخميس 9 يونيو/ حزيران في إزاحة أكوام الغبار وتننظيف مقر الأسرة استعداداً لانعقاد الجمعية العمومية في مساء اليوم نفسه. أعدوا الشاي ووزعوا البريد المكدس على الطاولات، كما قاموا بنسخ التقرير الأدبي والمالي 50 نسخة ورصفها على الطاولات. تأكدوا من تجهيز السماعات والمؤثرات الصوتية، وكذلك من إرسال "مسجات" نصية إلى الأعضاء. وغادر من استقال منهم، حيث قرر كثير من الأعضاء مقاطعة الاجتماع. وهو الشيء الذي بدا واضحاً على الحاضرين، فبالكاد وصل العدد 18 من أصل 83، وهو مجموع أعضاء الأسرة المسجلين.
 
ومع التوكيلات وصل العدد 34 اسماً، مما يعني عدم اكتمال النصاب، وهو النصف زائد واحد.

نبهت مندوبة وزارة الثقافة زهراء المنصور إلى أن "لكل عضو حق التوكيل لعضو واحد فقط". كانت لدى إبراهيم بوهندي الكثير من التوكيلات ومعظمها عبارة عن "مسجات" على الهاتف ولم تكن توكيلات مكتوبة، عدا اثنين منهما، أحدهما كان إلى مستشار الملك محمد جابر الأنصاري. احتال بوهندي على ذلك بتوزيع التوكيلات على الموجودين واحتفاظه بواحد. أجرت مندوبة الوزارة اتصالا هاتفيا مع مدير إدارة الثقافة عبدالقادر بشأن موضوع النصاب، فعقب: "إذا كان هناك تراض في العمومية فلا مشكلة". وهذه مخالفة أخرى، إذ "يجب أن يكون التوكيل خطياً وموقعاً" حسب قانون الجمعيات.

 "ترزي" على سماعة الهاتف
لم يكتمل النصاب، مما كان يتطلب تحديد موعد آخر بعد أسبوع لعقد الاجتماع حسب قانون الجمعيات. غير أن الحاضرين أصرّوا على عقد الاجتماع. أجرت مندوبة الوزارة اتصالاً آخر بعقيل، فكانت الفتوى جاهزة: "يمكن عقد الاجتماع طالما هناك تراض بين الحضور". وهي مخالفة قانونية أخرى، حيث تنص المادة (19) من قانون الجمعيات على أنه في حالة "عدم اكتمال النصاب يجب أن يحدد موعد آخر له".

ترأس الاجتماع علي عبدالله خليفة فيما عاونه في الإشراف كل من خليفة العريفي وحميد القائد. بدأ النقاش برفض علوي الهاشمي ما جاء في التقرير الأدبي فيما يتعلق بربط استقالته ببيان الأسرة عن إخلاء دوار اللؤلؤة. وقال "استقالتي في الأساس تتعلق بإقحام الأسرة في الموضوع السياسي دون العودة إلى الجمعية العمومية. حتى أنني رفضت مجرد فكرة حضور اجتماع الإدارة نفسه لأنني كنت أهجس بتوجيه الاجتماع إلى هذا الخطأ".
 
هنا تدخل علي عبدالله خليفة "البيان الرئيسي الخاطىء هو بيان الاستغاثة (10 مارس/ آذار)، وليست كل البيانات، وهو الذي أقلق القيادة السياسية كثيرا". وأضاف: "قالوا لنا كمؤسسين أنتم تعهدتم أمام الأمير الراحل (عيسى بن سلمان آل خليفة) لدى طلب الإشهار (1969) بعدم التدخل في السياسة. لذا قمت مع المؤسسين باقتراح بيان باسمهم (4 أبريل/ نيسان 2011) وإلا كانت الأسرة ستغلق حتما". طرحت   فوزية رشيد فكرة ألحت فيها، وهي: "محاسبة الإدارة السابقة على تجاوزاتها". فرد البعض ومنهم راشد نجم متسائلاً: "هل وظيفة الإدارة الجديدة محاسبة إدارة سابقة (...) الإدارات السابقة قامت بتجاوزات كثيرة دون محاسبة". ظلت فوزية رشيد تصر على المحاسبة.

عند ذلك اقترح يوسف الحمدان تضمين بيان العمومية عن الاجتماع، وكذلك المحضر:"تنصلا من مواقف الإدارة السابقة في 14 فبراير/ شباط أو إدانة لانتهاكها النظام الأساسي لأنها همشت الجمعية العمومية ولم تأخذ برأيها واليوم جاء دور العمومية لتحاسب".
  
دافع علي عبدالله خليفة عن "مقترح أن يكون للجمعية العمومية موقف في محضر الاجتماع يدون كملاحظة على التقرير الأدبي". غير أن فوزية رشيد أصرت على "مبدأ المحاسبة" لكن من دون أن تستطيع تمريره. اقترح علي عبدالله خليفة تغيير مسمى الأسرة إلى "اتحاد أدباء وكتاب البحرين". وقد تمت الموافقة على المقترح وكذلك على تحويل اسم أمين السر إلى الأمين العام للاتحاد.
 
بين كل من حضر، كان وحده يوسف يتيم من تصدى لمنتقدي الإدارة السابقة. وقال "على العكس، فقد كان دور الأسرة ترشيديا لحركة الدوار، وهي لم ترفع شعار إسقاط النظام. إن ما يحصل اليوم هو تشويه وطمس لما حصل". وهنا   رد عليه البعض "بغض النظر عن ذلك فنحن ضد إدخال الأسرة في الشأن السياسي". وأضاف بوهندي "نحن ننتقد البيانات التي صدرت باسم الأسرة، أما ممارسة الأعضاء للسياسة كأشخاص فهذا شأنهم". وقد عاد يتيم ليقترح في سياق آخر:"مراسلة قاسم حداد وأمين صالح للعودة عن استقالتهم". انتهى الاجتماع بتزكية مجلس إدارة جديد موال للسلطة بشكل كامل: إبراهيم بوهندي، علوي الهاشمي، جمال الخياط، راشد نجم، يوسف الحمدان وفوزية رشيد.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus