توني ميتشل،من شقته المطلة على دوار اللؤلؤة:إنهم يستحقون أكثر من ملكهم وأن يعيشوا في مجتمع حر وديمقراطي

2012-01-04 - 3:32 م


توني ميتشل كما يعرف نفسه:

توني ميتشيل(1)، أسترالي يعيش حالياَ في تايلند. كان مدرسا للغة الانجليزية في البوليتكنيك في البحرين قبل إقالته من العمل بعد نشر الفيديو الأول لانتفاضة شباط/فبراير على موقع يوتيوب وكتابة تعليقات حولها في فيس بوك، والتي لا يأسف عليها.

 إنه داعم بقوة للمتظاهرين البحرينيين الذين يسعون ببساطة للديمقراطية في بلدهم، بحيث يمكن في نهاية المطاف أن يكون لهم رأي في إدارة البحرين وفرص حياة أكثر عدلا لأنفسهم وعوائلهم. العائلة الحاكمة في البحرين لا تمتلك حاليا سوى 30 ٪ من المؤيدين من الشعب ولهؤلاء الناس تذهب لهم صفوة الوظائف والامتيازات. تتألف الحكومة في البحرين من وزراء يختارهم الملك شخصيا وليس الشعب، ومعظمهم من عائلته. رئيس الوزراء هو عم الملك، ويتولى هذا المنصب منذ أربعين عاما. يتم تزوير البرلمان البحريني بحيث إن المعارضة لا يمكنها أن تحقق أغلبية كاملة.

 صدر مؤخرا عن اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين تقريرا كشف عن سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في البحرين بما في ذلك التعذيب والاعتقال والسجن غير القانونيين والمحاكمات في المحاكم العسكرية. ولم تجد على الإطلاق أي تورط لإيران في أي من الاحتجاجات السلمية التي جرت والتي لا تزال تجري في البلاد. في المقابل، اعترف الملك فقط بأنه "قد ارتكبت اخطاء" ولم تكن حتى لديه اللباقة للاعتذار لشعبه في سوء الإدارة الصارخ لمملكته. أخيرا، ذكر أنه على الرغم من أن اللجنة لم تجد أي صلة لايران إلا أنه لا يزال يعتقد أن إيران متورطة.

  عشت في البحرين لمدة ثلاث سنوات وأنا أفتقدها بشكل محزن وأحس بمعاناة شعبها الرائع الذي لا يزال يعيش في خوف دائم. إنهم يستحقون أكثر من ملكهم، كما أنهم يستحقون أن يعيشوا في مجتمع حر وديمقراطي.

عيد الحب
لقد بدأ مشواري مع يوم عيد الحب (الاثنين 14 شباط/فبراير 2011 م).يوم الاثنين أكون عادة متواجداَ في العمل، إنني أعمل في كلية البحرين للبوليتكنك  كمدرس للغة الإنجليزية، وفي هذا اليوم والذي صادف إجازة منتصف الفصل، كنت قد خططت أن أقضي يوما هادئاَ مع زوجتي في شقتنا التي تتواجد في الدور العاشر من أبراج اللؤلؤ.
في الأشهر السالفة والتي قادت إلى هذا اليوم كان هنالك الكثير من الحراك السياسي في تونس ومصر، حيث تمت تنحية حكام كانوا يعيشون خارج الزمن. اكتشفت من خلال (فيس بوك) أن هناك حركة احتجاج (في البحرين)، أعد لها أن تكون في دوار اللؤلؤة، وكنت منتظراَ  ما الذي سوف يحدث ؟...   إنني خجل نوعاَ ما وأعترف الآن أنني خلال تلك الأيام لم أكن أعرف أن دوار اللؤلؤة هو ذلك الدوار المثير للإعجاب،  مع نصب اللؤلؤة الكبير وهو الدوار القريب من المبنى الذي أقيم فيه. فشقتنا  تطل كذلك على مجمع الدانة التجاري، وأسواق اللولو توجد داخل مجمع الدانة، وكنت أعتقد أن الاحتجاج سوف يكون في الدوار الصغير، الواقع لدى مدخل مجمع الدانة، ولذلك فقد بقيت أراقب من شقتنا ماالذي سيحدث؟

بعد برهة،  لاحظت وجود أعداد كبيرة من سيارات الشرطة رباعية الدفع في الساحة الكبيرة والخالية المواجهة لمجمع الدانة، لم يمض وقت طويل حتى سمعت أصوات انفجارات قوية، والكثير من الدخان الأبيض، اتضح لي أن الشرطة كانت تحاصر مجموعة من الناس في شارع جانبي،  بالقرب من الدوار المؤدي لمجمع الدانة، وافترضت أن هؤلاء الناس هم نفس أولئك الذين دأبوا على إشعال الحرائق بالإطارات في المنطقة المحيطة بالسنابس (وهي أقرب منطقة إلى مجمع الدانة ودوار اللؤلؤة). بالنسبة لي بدا الأمر كما لو أنهم فجروا بعض القنابل الدخانية، وفروا بسرعة. وكما بدا أن الأمر ليس بذي أهمية كبيرة. ومع مضي الوقت تلاشى الدخان... ولم يبق أحد، وغادرت سيارات الشرطة المنطقة. أدركت لاحقا أن هنالك الكثير من الاحتجاجات المشابهة في أنحاء مختلفة من البحرين في ذلك اليوم. والتي أدت إلى مصرع  أحد المحتجين. ذلك ما كان يفسر تواجد الشرطة الضئيل العدد إلى حد ما بالقرب من محل إقامتنا.

80 مركبة
في ذلك اليوم أحصيت من خلال نافذة شقتنا ما لا يقل عن 80 مركبة رباعية الدفع تابعة للشرطة، وقد تمركزت في المساحة الكبيرة المواجهة لمجمع الدانة. دوار اللؤلؤة (ليس ذلك المفضي لمجمع الدانة) كان قد تم قطعه عن الشوارع المؤدية إليه، وكان محاطا بالشرطة. كنت أستطيع أن أرى من مواقف السيارات المفتوحة في الطوابق الثلاثة السفلى من أبراج اللؤلؤ أن لا أحد يستطيع الدخول أو الخروج من الدوار، وكان رجال الشرطة يُرجعون أي سيارة متجهة لناحية الدوار من شارع السيف، وكان هنالك الكثير من الإزدحام المروري على الشوارع المحيطة، كان واضحا أن الشرطة لم تكن ترغب في وجود أحد بالقرب من الدوار. سيارات الشرطة المتوقفة في المساحة المفتوحة توزعت إلى مجموعات من عشر مركبات، وكانت تهم بالخروج من الموقع في اتجاهات مختلفة (اتضح لي لاحقا أن تلك السيارات كانت تتوجه إلى القرى الشيعية المختلفة، حيث كانت تتصادم مع المتظاهرين) وبعيدا عن الإرباك المروري حولنا كان اليوم هادئا بدون حوادث.


الصورة أعلاه توضح قرب شقتي من دوار اللؤلؤة. شقتي كانت في البناية اليسرى، حيث كنت أسكن في الدور العاشر. الأدوار الثلاثة الأولى كانت مواقف سيارات حيث قمت بتصوير أفلامي.

اليوم التالي، الثلاثاء، 15 شباط/فبراير 2011 م كان غريبا إلى حد كبير. كنت لا زلت في إجازة من العمل ورأيت بعيني المئات من الناس يتدفقون باتجاه دوار اللؤلؤة حيث يوقفون سياراتهم في المساحات الواسعة المحيطة، ويترجلون حاملين الأعلام البحرينية. توجهت فوراَ إلى موقف السيارات في محل إقامتنا لأنظر مباشرة للدوار، اختفت قوات الشرطة بالكامل، وكان المكان يعج بالناس، بدا المزاج العام للناس أنهم مبتهجون بوجودهم هناك، وخلال فترة قصيرة أصبحت هنالك خيام... ميكرفونات... منصة إلقاء.. وحتى كنبات، أدركت لاحقا أن آلة لتحضير الفشار (النفيش)  قد نصبت هناك. وكنت متفاجئا أن أرى الكثير من النساء اللاتي يلبسن عباءاتهن السوداء يتواجدن بجانب الرجال يهتفن وينشدن. وبشكل سريع كان هنالك الكثير من الناس إلى درجة أن السيارات لم يعد بإمكانها استخدام الشوارع الجانبية. ورغم كل ذلك كان المزاج العام سلميا هادئا، ورغم أنني لم أدرك بعد ماذا يحصل إلا أنني كنت أشعر بالأمان، ولم أشعر بتهديد إطلاقا. ومع تنصيب الكثير من أنظمة التخاطب الجماعي كنا نستطيع سماع الأغاني والهتافات والخطابات (كلها بالعربية بالطبع) من شقتنا، وفي المساء يأتي المزيد والمزيد من الناس وخاصة العوائل. الأصوات (لا أحب أن أسميها ضجيجاَ) استمرت حتى وقت متأخر من الليل، وكنت متفاجئاَ أن أرى الكثير من الشباب الذكور كانوا قد نصبوا الخيم، وكانوا يمضون الليل هناك.

"احتلال" دوار اللؤلؤة استمر لليوم التالي، يوم الأربعاء، وأعداد الناس تضخمت بشكل كبير، كل بوصة مربعة من الدوار كانت محتلة من قبل الناس، وظهرت مدينة صغيرة من الخيم، وقد أعدت منصة للإلقاء، وكان اليوم مليئا بالخطب والأناشيد والهتافات. كانت المشروبات والمأكولات توزع على الناس، والتواجد النسائي كان مرة أخرى لافتاَ. كان المساء يجلب الأعداد الأكبر من الزوار، حيث العديد من العوائل تصل الدوار لتشارك في الاحتجاجات السلمية، وكانت المنطقة لاحقاَ تتجه للهدوء حيث المزيد من الناس - أكثر من اليوم السابق -  يتجهون للمبيت هناك.

في تمام الساعة الثالثة صباحاَ، يوم الخميس 17 شباط/فبراير أيقظتني زوجتي لتخبرني أن شيئاَ ما كان يحدث في الدوار، كنا نسمع أصوات انفجارات قوية (كتلك التي سمعتها في يوم 14 شباط/فبراير) حتى من خلال نوافذنا المغلقة، وكانت السيارات تهرع خارجة من المواقف المحاذية للدوار، وكان هنالك الكثير من الناس يخرجون راكضين بعيدا. لبست سريعا، وتناولت كاميرا الفيديو، وهرعت إلى المصعد، لا أستطيع أن أتذكر، لماذا أخذت معي كاميرا الفيديو؟!.. ربما لأنني استشعرت أهمية توثيق وتصوير مايحدث، أو لأنني لسبب غامض كنت أعلم أن شيئا سيئاَ كان يحدث. خلال إقامتي في أستراليا وتايلند وعُمان لم أكن واجهت أي نوع من الانتفاضات أو الاحتجاجات من قبل، ولم يحصل لي أن شهدت شخصيا استخدام الغاز المسيل للدموع، ولذلك أظن أنني كنت أريد أن أسجل ذلك. لكن شيئاَ ما أخبرني أن الأمر لن يكون موقفاَ بسيطاَ عن طريق دعوة الناس بأسلوب راقٍ لحزم أمتعتها والبعد عن الدوار. كنت أدرك أنه سوف يكون أمراَ سيئاَ.

رائحة الغاز
عندما وصلتُ للدور الثالث، حيث موقف السيارات في البرج الذهبي، في أبراج اللؤلؤ اصطدمت مباشرة بالرائحة الغريبة للغازات المسيلة للدموع، لم تكن قوية بالدرجة التي تعيقني أو تعيق زوجتي التي كانت ترافقني، وبدأت التصوير. رأيت مجموعات كبيرة من قوات مكافحة الشغب الذين يلبسون القبعات البيضاء، والناس -  كانوا كلهم رجال على حد ما كنت أرى -  كانوا يحاولون البقاء والمقاومة. رأيت الغازات المسيلة للدموع تطلق ورأيت وهجها وهي تصطدم بالأرض، وبالتالي إطلاق محتواها من الغاز. إنفجارات أخرى قوية كانت تتوالى، اكتشفت لاحقا أن تلك كانت قنابل صوتية، والتي كانت أشد صخبا من قنابل الغاز المسيل للدموع، وللأسف اكتشفت أن طلقات نارية كذلك أطلقت، وعرفت فيما بعد أن أربعة رجال قد قتلوا . وبالرغم من سُحب الدخان والفوضى لم أر محتجاَ واحداَ حاملاَ أي شيء أو متشاجراَ مع الشرطة بأي شكل كان.


انتقلنا إلى موقع آخر في موقف السيارات، وصورنا المزيد من الناس يهرعون إلى سياراتهم بعيداَ عن الدوار باتجاه مجمع الدانة، كانت الشرطة تلاحقهم، وكانوا لايزالون يطلقون الغازات المسيلة للدموع. أفراد قلة من المتظاهرين كانوا يحاولون البقاء تحديا لقوات الشرطة، ولكن كثافة الغازات أجبرتهم على الانسحاب والتواري. ما أسرع أن هبت على مكاننا الغازات، وبدأت أعيننا تحرقنا من أثر الغازات، اعتقدت أن تهيج العين سوف يتلاشى، ولكن حتى في موقف السيارات  المفتوح ظلت الغازات متركزة بصورة حادة، ومن ثم غادرنا موقف السيارات عائدين إلى شقتنا. كانت تلك التجربة الأولى لي مع الغاز المسيل للدموع والتي لا أنصح بها. لا يجدي نفعا إغلاق عينيك أو دعكهما، والشيء الوحيد الواجب عمله حينها أن تنسحب وتبحث عن مكان تلتجئ إليه.



بعد وصولنا لشقتنا بدأت أعيننا تعود لحالتها الاعتيادية والطبيعية، وبدأت بعدها فوراَ في تحميل أفلام الفيديو التي صورتها إلى يوتيوب. لماذا فعلت ذلك؟... حينها لم أكن أدرك لماذا؟ لكنني الآن أدرك السبب، كنت في غاية الإنزعاج والغضب، لم أكن متوقعا ذلك الفعل من حكومة كنت معتقداَ أنها تنشد التطور وبرؤية مستقبلية، الأداء الذي رأيته من قِبل الشرطة وقوات مكافحة الشغب كنت أسمع عنه فقط في أوروبا الشرقية الشيوعية، عندما كنت صغيراَ، وذلك أكد لي ما رأيته بشكل مقتضب في يوم عيد الحب (14 شباط/فبراير)،  بأن قوات الأمن كانت تنظر للمتظاهرين كشيء ينبغي إخضاعه بأسرع وقت ممكن.

قمت بتحميل كل ما لدي من أفلام ، وبقيت مع زوجتي أشاهد آخر المتظاهرين وهم يخلون المكان مشيا على الأقدام، حيث كان من المستحيل أن يغادروا المكان بسياراتهم دون أن تنالهم يد الشرطة. كان واضحا أن قوات الأمن لم يكونوا سعداء بإخلاء المكان فحسب، بل كانوا مصممين حتى آخر لحظة على إصابة أكبر عدد ممكن من المعتصمين. الأعداد الأخيرة من المعتصمين تراجعوا إلى الشوارع المحيطة بالسنابس، ومع ذلك لازالت الانفجارات تتوالى على الرغم من أن الهدف الأساسي من إخلاء الدوار قد أُنجز.

كان من الصعوبة بمكان أن تخلد إلى النوم بعد هذه المشاهد الوحشية، وكنت لا أزال حزينا ومستشيطا غضبا على ما رأته عيناي. حاولت تتبع الأحداث من خلال التعليقات على فيس بوك، وكنت متفاجئا أن الكثير من أصدقائي (الكثير منهم طلاب في كلية البوليتكنك) قد شاهدوا الفيديو على يوتيوب، وكنت كذلك متفاجئا من رسائل الشكر التي وصلتني، والكثير من الطلاب كانوا ينقلون عبارات الشكر من والديهم إليَّ، حينها لم أكن مستوعباَ بعد أهمية ما فعلت، وكذلك استلمت رسائل تحذير لأكون حذراَ. أكدت لأصدقائي أني بوضع آمن، وأن العنف قد انتهى، ولكني واصلت تلقي رسائل التحذير بأنني قد أُعتقل إذا لم أكن حذراَ. من وجهة نظري لم أقم بعمل خاطئ، وأنني صورت بكاميرتي عملية ناجحة لقوات الأمن (وإن كانت بقسوة ووحشية)!!.. ولذلك فعلى الحكومة أن تكون مشجعة وداعمة، أليس كذلك ؟!...  إلا إذا كانت بطبيعة الحال لاتريد أحداَ أن يعلم حقيقة ما جرى.

إخلاء الدوار
خلال يوم الخميس كان الدوار قد أُخلي بشكل سريع من كل ما تركه المعتصمون هناك. السيارات الكثيرة والتي تُركت من قبل أصحابها سُحبت بواسطة أسطول من شاحنات سحب السيارات. الكثير من تلك السيارات كانت مفرملة بالكابح اليدوي أو ناقل الحركة فيها كان معشقاَ، ولذلك كان يسمع صوت الإطارات وهي تصدر أصوات احتكاكها بالأسفلت اثناء سحب تلك السيارات. السيارات التي تُركت في أطراف الشارع كانت لها الأولوية في الإخلاء، وقد استمرت هذه العملية طوال النهار وامتدت إلى الليل.

في الأيام التي تلت تلك الهجمة وإخلاء الدوار، تم الاتصال بي من قبل الـسي إن إن والـبي بي سي بواسطة البريد الإلكتروني طالبين مني الإذن في استخدام أفلام الفيديو التي أرسلتها إلى يوتيوب، وقد أذنت لهم على الفور، في نظري كلما زاد عدد المشاهدين لتلك الأفلام كان ذلك أفضل. إحدى وكالات الأنباء في الولايات المتحدة أرادت مني أن أعطيها حقوقاَ حصريةَ لاستخدام أفلام الفيديو، الأمر الذي رفضته. لاحقا، غمرتنا (أنا وزوجتي) حالة من الفرح والنشوة عندما رأينا الفيديو الذي صورته كجزء من تقرير البي بي سي المميز حول ما حدث.

 في الأثناء كل المنطقة حولنا تمت محاصرتها من قبل قوات الأمن، باعثين برسالة ضمنية بأن المعتصمين ليس مرحباَ بهم للعودة ثانية للمكان. وتلقيت رسالة من إحدى طالباتي، كانت حزينة للغاية وخائفة  بعد رؤية مجموعة من الدبابات على ظهر شاحنات نقل المدرعات، تمر أمام منزلها، ومتوجهة إلى المنامة (العاصمة، ملاصقة مباشرة لدوار اللؤلؤة). كانت مصرة على ماتقول، وبالفعل في صباح اليوم التالي كان هنالك طابور من حاملات الجند المدرعة والدبابات تشق طريقها باتجاهنا وبشكل بطيء على امتداد الشارع السريع (فيلم الفيديو الذي صورته وجد طريقه سريعا للبي بي سي).

 بعد ذلك كان هناك تواجد أمني وعسكري كبير في المنطقة المجاورة للدوار. باشر الجنود إقامة معسكرات (كما فعل المعتصمون) مع وجود مولدات للطاقة الكهربائية وشاحنات نقل الماء، وكما يبدو أنهم كانوا يعدون للبقاء لفترة طويلة. الغريب أن منطقة توقف سيارات المعتصمين قد حلت محلها الدبابات والمدرعات، وكذلك  فإن منطقة  مواقف السيارات هذه قد أُحيطت بسياج من الأسلاك الشائكة كما لو كان التواجد الأمني والعسكري الكثيف لا يكفي لردع المحتجين عن العودة، وكان كل ذلك رسائل قوية لمن تحدثه نفسه بالعودة للدوار. رغم كل ذلك قررت أنا وزوجتي التوجه مشياَ إلى مجمع الدانة حيث كنا بحاجة لشراء بعض الأطعمة. كان الكثير من سيارات المحتجين لايزال قابعاَ على أطراف الممشى ، أصحابها قد تركوها على عجل لينجوا بأنفسهم. جميع السيارات كانت مهشمة النوافذ. واصلنا طريقنا إلى المجمع ذهاباَ وإياباَ دون مشاكل، وعدنا لمواصلة مراقبة الوضع من خلال نوافذ شقتنا، وكذلك من خلال الزيارات المنتظمة إلى أدوار مواقف السيارات.

18 فبراير
في يوم الجمعة 18 شباط/فبراير، بعد الظهر، اكتشفت من خلال رسالة على فيس بوك بأن مجموعة كبيرة من المتظاهرين كانوا متوجهين من مستشفى السلمانية إلى دوار اللؤلؤة. مستشفى السلمانية أضحى مأوى للكثيرين ممن قد أُصيبوا ومأوى لعوائلهم وأصدقائهم، حيث إن مجموعة من الطواقم الطبية ومساعديهم قد اتهموا لاحقا، وقبض عليهم بسبب مساعدتهم للمحتجين وعلاجهم، على حساب المرضى المؤيدين للحكومة (حسب الإدعاء الحكومي). توقعت من خلال تلك الأخبار أن يكون هنالك المزيد من العنف، ولذلك هرعت إلى موقف السيارات ونقطة المراقبة للأحداث من هناك، ولكن مدى رؤيتي للمتظاهرين قد حُجبت بسبب وجود الأشجار.

 قمت بتقريب الصورة باستخدام كاميرا الفيديو لدي، وتمكنت من رؤية رجال وبعض السيارات وهم يتقدمون نحو الدوار، والذي كان يحرس آنذاك بالعربات المدرعة وعدد غير معقول من مركبات الشرطة. الجنود المسلحون كانوا يتوارون خلف حواجز بالقرب من المركبات المدرعة. وللمرة الثانية، ومن خلال المنظار المكبر لم أر أياَ من المحتجين مسلحا بأي صورة من الصور. ولكن فجأة كان هنالك صوت يصم الآذان لرشقات من الرصاص أطلقت من جهة الدوار، وبدون الكاميرا كنت أرى المحتجين وهم يرجعون راكضين إلى جهة مستشفى السلمانية. أدركت لاحقا أن عددا من المحتجين قد أصيبوا جراء تلك الطلقات، وقد أخبرت من قِبل طلاب مساندين للحكومة بأن تلك الإصابات لم تكن سوى أمر مفبرك وخادع. في الواقع لم يكن هذا الكلام معقولا بالنسبة لي. قوات الأمن لجأت مرة أخرى لنفس التكتيك السابق باستخدام الغازات المسيلة للدموع وملاحقة المحتجين بعيدا عن المنطقة. بقيت المركبات المدرعة مكانها، ولكن مركبات قوى الأمن انطلقت بسرعة لملاحقة المحتجين.

خلال هذا الحدث طلب مني موظفو المجمع السكني (أبراج اللؤلؤ) عدم  استخدام كاميرا الفيديو التي بحوزتي أو أي كاميرا، وأن أذهب إلى الداخل من أجل المحافظة على سلامتي. الموظفون (وبالدرجة الأولى المنظفون) أخبروني بأنه قد طلب منهم أن يخبروا القاطنين بأن لا يصوروا وأن لا يتواجدوا في موقف السيارات، تجاهلت تلك النصيحة بشكل تلقائي.


  1. الحلقة الأولى مما نشره توني ميتشل على مدونته : http://tonydmitchell.wordpress.com

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus