اعترافات ثائر

2012-01-05 - 12:47 م


مرآة البحرين(خاص): يجب أن أعترف أنني كنت متشائما جدا من مجرد احتمال قيام ثورة في البحرين. لهذا السبب كنتب أتابع أخبار يوم الغضب في 14 فبراير بمشاعر رمادية. في البداية تجاهلت الخبر، واعتبرته مجرد واحدة من عادات البحرينيين في تقليد الآخرين. بعد ذلك، تطور شعوري السلبي إلى استخدام عبارات مليئة بالتثبيط، وأحيانا السخرية القاسية من كل الذين يحشدون ويدعون إلى الثورة، واعتبرتهم – في أحسن الأحوال – يعيشون أحلام يقظة رمادية.

وأود أن أقدّم اعترافا ثانيا. في يوم الاثنين، عندما شاهدت من بعيد الناس تخرج شيئا فشيا خارج القرى، وتعتصم عند المداخل والأماكن العامة.. وجدت نفسي أمام خيارات صعبة. حتى يكون كل كلامي واضحا، لابد من تقديم تعريفات عامة حول نفسي.

أنا سجين سياسي سابق في أحداث التسعينات. وأعترف – من جديد – أنني دخلت السجن حينها لأسباب مفهومة. شاركت في توزيع المناشير، واستخدمت مكان عملي لاستقبال الفاكسات وإرسالها إلى الخارج. وأذكر أنني لم أتمالك نفسي عندما رأيت مجموعة من النساء في قريتي وهي تخرج في مسيرة، فتركت كل شيء وراء ظهري – بما في ذلك موقعي المهني الحساس – وخرجت في مظاهرة انتهت بحرق عشرات الإطارات. بقيت في السجن أكثر من سنتين. وخرجت منه مع العرس الكبير الذي حمل عنوان: الميثاق. اعتبرت نفسي إنسانا جديدا، وبفضل الميثاق اقتنعت بأننا يجب أن ننهي مرحلة العصيان السياسي ونقبل الدخول في اللعبة، ولو بالحد الأدنى.
طوال السنوات السابقة، كنت ناشطا في المنتديات الإلكترونية أدافع عن وجهة نظر الجمعيات السياسية، وطريقتها في العمل السياسي. وأعترف – أيضا وأيضا – أنني دخلت في حرب ضروس للرد على كل من يحمل شعار المقاومة أو الممانعة، واعتبرت كل ذلك هراء وتخيلات وردود أفعال شخصية ضد الوفاق ومرجعيتها الدينية. لم أكن أمثل لا الوفاق ولا أية جمعية سياسية، كنت أمثل قناعتي الجديدة.

استحضرت كل هذا وأنا أرى الناس ظهيرة 14 فبراير. لا أخفيكم أنني تذكرت نفسي في التسعينات. شعرت بأنني أعود إلى الوراء. اهتزت من مخيلتي الوساوس ومشاعر الإحباط المرهقة. ركنت السيارة، وأسرعت نحو المعتصمين عند دوار الدراز. رميت نفسي بينهم. نظرت إلى الوجوه. وجها وجها. رأيت فيهم نفسي المقموعة. صدقوني.. لقد بكيت بكاء شديدا. ظن من حولي أن هناك مسّا عقليا، أو مشكلة نفسية ألمّت بي. لكنهم سرعان ما عرفوا أنني بكيت على نفسي. بكيت دهشةً من هذا الشعب الذي لا يعرف الموت. تظنه يموت. تظنه يمضي للمجهول. وفجأة تراه يعلتي أعلى درجات السلم، ومن حيث لا يتوقع الجميع.

منذ ذلك اليوم وأنا في صفوف الثوار. لم أترك الساحات. كل الفعاليات حرصت على وجودي نفسها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. سخّرت كل ما أملك، وما أعرف لأجل الثورة. أنقذتني الثورة من اكتئاب شديد كنتُ أتجاهله أو أتستر عليه في السابق عن طريق مناهضة كل شيء يمت للمقاومة بصلة. الثورة هي العلاج الذي لم أكن أتصوره. يجب أن أقول، وبغض النظر عن الوضع العام للثورة، فإنها بالنسبة لي شخصيا شكلت إنقاذا فرديا.

أهم ما توصّلت إليه من خلال تجربتي في الثورة، هو أن البشر يمكن أن يصبحوا شيئا جديدا في لحظات، وفي لمح البصر. من المستحيل أن نتوقع ردود أفعال الناس عندما يكون كل شيء حولك فاقدا للمنطق والموازين العقلية. أنا حاليا أعتني بعائلتين فقدتا دخلهما الشهري بسبب انتقام النظام وأعوانه. مع الوقت، بدأت أعيش مع هاتين العائلتين مثل العائلة الواحدة. في الواقع، لم أكن اتصور نفسي في يوم من الأيام قادرا على هذا النحو من الاندماج من الآخرين. استفدت من الثورة هذه الخاصية عندما شاركت مع آلاف الناس الذين لا أعرفهم في أصعب اللحظات، وكنت مع بعضهم على مقربة من الموت أو المصير المجهول.
 
أتمنى أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه الإنسان أن يبوح بالأسماء والأماكن والأزمنة. في الثورة قصص مدهشة، ولعلها فريدة من نوعها في تاريخ الثورات. شكرا لكم.. شكرا لكم  
 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus