مارك أوين جونز: ممنوع من دخول البحرين

2015-10-10 - 8:20 م

مارك أوين جونز/ موقع منظمة إنجليش بن
ترجمة: مرآة البحرين

انتفاضة البحرين، كتاب لآلاء الشّهابي ومارك أوين جونز يروي قصصًا شخصية منسية خلف الجبهة المنسية في الرّبيع العربي. في هذا المقال، يشاركنا مارك أوين جونز، الذي ترعرع في البحرين، تجاربه في البلاد آنذاك كما في الوقت الرّاهن.

ما زلت أذكر عندما اكتشفت للوهلة الأولى أني ممنوع من الدّخول إلى البحرين. كنت في نيوكاسل، شمال شرقي إنكلترا. كان عصر يوم خريفي ممطر. كان من المفترض أن أسافر إلى البحرين خلال بضعة أسابيع، لكن صديقًا لديه علاقات في مكتب الهجرة البحريني أبلغني أن اسمي مدرج على لائحة ما، وإلى جانبه عبارة "ممنوع من الدّخول إلى البحرين".

كانت الحكومة البحرينية تواصل منع الصّحافيين والمعلقين والنّاشطين من الدّخول إلى البحرين في حال شككت في كونهم منتقدين للنّظام. قُتِل عدة صحافيين وعُذّب آخرون، وصُنّفت البحرين من قبل مراسلين بلا حدود على أنّها واحدة من أخطر عشرة أماكن للصّحافيين في العالم.

مع ذلك، لم أعتبر نفسي أبدًا صحافيًا أجنبيًا. لقد ترعرعت في البحرين، وذهبت إلى المدرسة هناك. بالنّسبة لي، لقد كانت المكان الذي أشعر بأنّه الوطن. لقد كانت أرض حبي الأول ومعركتي الأولى والمكان الذي تذوقت فيه أكلة المچبوس للمرة الأولى.

وكلما استنشقت رائحة الياسمين أو زهرة العسل، أعادتني مخيلتي إلى فترات ما بعد الظّهيرة الجميلة تلك في أواخر الرّبيع، حيث كان الضوء ذهبيًا، وكانت الصّحراء تترامى خارج بابي الأمامي بحيث تلقي الشّمس المنخفضة بظلالها الطّويلة التي تمتد على طول الطريق إلى الأفق. لقد كانت المرة الوحيدة التي أحسست فيها فعلًا بأني طويل القامة.

أنا ابن عامل منجم من جنوبي ويلز، لكن النّفط وليس الفحم هو الذي جلب عائلتي إلى هذه الجزيرة الصّغيرة. للجزء الآخر من عائلتي جذور ريفي في ديربيشاير. وثيقة وفاة جدتي أدرجتها كمجرد مدبرة منزل. أدى كل من جدّاي خدمته في الشّرق الأوسط -فلسطين وشمالي أفريقيا- وبالتّالي أعتقد أننا نواصل هذا التّقليد مع بعض الاحترام. مع ذلك، ربما كان جدي الشّيوعي الويلزي الذي ترك أثرًا في توجهاتي السّياسية. على نحو ما، وبعكس الكثير من الأشخاص الذين عرفتهم في البحرين، وجدت نفسي في حالة معارضة دائمة، حتى في أتفه الأمور. في المدرسة في البحرين، حُظر نشر مجلة فكاهية بالرّسوم كنت قد أعددتها في الكتاب السّنوي على خلفية انتقادي قرار المدرسة بمنع استخدام مثبت الشّعر. تحججوا بكونها ستثير الشّغب. إنها ذكرى سخيفة، ولكني أتذكرها لسبب ما.

بالرّغم من مثبت الشعر، كان هناك توقع عام بأن الأجانب، وعلى وجه الخصوص الغربيين منهم، مثلي أنا، قدّموا صوتهم السّياسي في مقابل الحصول على وسائل الرّاحة ومنها رواتب معفية من الضّرائب. حتى القادمون من جنوبي آسيا كان لديهم ميل إلى عدم انتقاد الحكومة. بالنّسبة لأغلبهم، كان يمكن عادة التّوقع بأن الأجانب سيبقون أفواههم مغلقة، في العلن على الأقل. وبالطّبع، كان هناك استثناءات، كالأسترالي طوني ميتشيل، الذي وُثّقَت شهادته عما رآه في العام 2011 في كتاب انتفاضة البحرين. البعض، مثل توني، أعادوا تقييم موقفهم السّياسي على ضوء ما شهدوه. وهذا هو سبب كون شهاداتهم مهمة وشجاعة.

مع ذلك، توني وأنا لم نُسجن أبدًا ولم نُعَذّب أو يتم تعنيفنا، على عكس المواطنين البحرينيين الذين انتقدوا النّظام. هناك أشخاص لم أعرف عنهم الكثير حتى العام 2009، حين بدأت بالتّعرف إلى بحرين جديدة، فيها أشخاص مثل ابراهيم شريف، الذي سُجِن وعُذّب ببساطة على خلفية نقده العلني. يرد اتهامه القوي للسّياسات البحرينية في الكتاب. يشارك آخرون أيضًا قصتهم. علي الجلاوي، على سبيل المثال، أحد أفضل الكُتّاب في البحرين، يصف، بفصاحة مدهشة، الفترة التي أمضاها في سجن البحرين.

ومع ذلك أتساءل، كم يبلغ عدد الأشخاص الذين يعرفون هذه الأسماء. حين أتت كيم كاردشيان إلى البحرين في العام 2012، لتروج لنفسها، تجمع آلاف المعجبين الذين توافدوا لرؤيتها وكانوا يصرخون. أتساءل كم يبلغ عدد الذين يعلمون من بينهم باسم ابراهيم شريف. وفي حال فعلوا، ما رأيهم به؟ أتعجب مما كانت حكومة بلادي تفعله لضمان الإفراج عنه. لا شيء؟ على الأرجح. إن تواطؤ الحكومة البريطانية صاعق. شركات الأسلحة البريطانية وأدوات العلاقات العامة والشّركات القانونية عملت كلّها بجهد لإضفاء الشّرعية على الحكومة البحرينية وإخفاء جرائمها عن بقية العالم. ولذلك، في حين أحتفي بحقي في انتقاد نظام من دون تعريض نفسي لخطر فعلي، لا أستطيع إلا أن أشعر بوجود سلطة أكثر قوة تعمل على جعل كل ما أريد قوله تافهًا تمامًا.

على الرّغم من منعي الآن من السّفر إلى البحرين، أقدر تجربة البحث وكتابة انتفاضة البحرين، لأنها جعلتني أقرب إلى البحرين مما كنت عليه يومًا. لقد نقلتني إلى وراء واجهة الامتيازات وعرّفتني على شعب يناضل من أجل معالجة نظام سياسي تمييزي استخدم التّعذيب والإكراه. البحرين التي عرفتها كطفل ومراهق وشاب يافع استُبدِلت الآن ببحرين أُخرى، بواحدة تلقي ظلالها على المكان الشّاعري الذي استمتعت به والذي يبدو الآن كما لو أنه كان حياة سابقة. مع ذلك، وكما آمل أن يظهر الكتاب الأمر، لطالما كانت هذه البحرين موجودة، فقط غالبًا خارج نطاق الرّؤية لكثيرين اختاروا غض الطّرف عنها. في حال استطعت العودة إليها يومًا، بعيدًا عن زيارة موطن طفولتي، ورؤية أحبتي، سأقوم على الأرجح بزيارة ابراهيم شريف في السّجن، فقط لأصافحه.

التّاريخ: 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus