استهداف مظاهر عاشوراء.. ما الذي استجد يا سادة؟

صفاء الخواجة - 2015-10-23 - 2:38 ص

صفاء الخواجة*

بعد سنوات من الصعب حسابها من ممارسة شعائر عاشوراء في البحرين، وزارة الداخلية خرجت أخيرا لتقول أن نشر الأعلام والرايات في الشوارع مخالف للقانون! استندت "الداخلية" في بيانها على مسألتين، الأولى لكون الأعلام مثبتة في شوارع عامة، والثانية ما تضمنته اللافتات من شعارات!

لنطرح هذا السؤال.. هل هناك نص في القانون يمنع وضع الأعلام والرايات الحسينية على الشوراع والمنازل؟ ما اسم هذا القانون وما نصوصه تحديدا؟ لكي لا يخرج أي فرد أو جهة بفكرة مقابلة تقول إن "الداخلية" تختلق حدثا غير موجود! يمكننا هنا أن ندخل في جدلية العرف والقانون في قراءة المشهد الحالي، طالما أن "تكييف" الأوضاع مع القانون سارٍ بمزاج أصحابه، وطالما أننا لم نعرف قانونا محددا يوّصف حالة رفع أعلام عاشوراء في الشوارع والطرقات العامة وفوق المنازل!

أليس للعرف في مثل هذه الحالة سموا على القانون؟ فنشر الأعلام والرايات الحسينية ليس حالة طارئة، بل نمط متبع منذ سنوات وليس بدعة مختلقة يراد منها المناكفة أو الشغب، وهنا سنصل إلى مسألة "التكييف القانوني"!!

فوزارة الداخلية ستعتبر أي مجموعة تتكون من خمسة أشخاص حالة مخالفة للقانون، لتعطي نفسها حق الاعتداء على الشعائر الدينية ومهاجمتها بالقنابل المسيلة للدموع إضافة إلى إزالة اللافتات والأعلام السوداء من الشوارع، فهل وجود خمسة أشخاص داخل حسينية أو خارجها حدثا عارض أو حالة شغب لا تفض إلا بالقمع؟ وبدلا من تطبيق القانون لحفظ الأمن، تجد الداخلية نفسها في الحالة المعاكسة أو المضادة، فهي تقوم بما يؤدي لإحداث البلبة والتوتر بدلا من حماية حقوق الناس في ممارسة شعائرهم الدينية كما ينص الدستور!

لم يكن توزيع الأعلام حدثا مختلفا، بل هو ما يحدث كل موسم، وكل عام، وهو تأكيد جديد على طابع الاستهداف الذي تنفذه الأجهزة الامنية، فهل فوجئت الداخلية بانتشار الإعلام ومن دون مناسبة؟

في 20 أكتوبر 2015 شهدت قرى البحرين اعتداءات على المظاهر العاشورء من قبل قوات الأمن، حيث تم اقتحام عدة قرى في البحرين، هي: كرزكان ، المالكية، صدد، دمستان، دار كليب، السنابس، مدينة حمد، عالي، ابوقوة. ليقدم بعض من عناصر الأمن على نزع السواد أو ازالة الرايات واليافطات الحسينية.

لم تكتف العناصر الأمنية بذلك بل إنها اطلقت الغازات السامة واستخدمت السلاح الانشطاري (الشوزن) على المواطنين الآمنين مما تنج عنه حالتي إغماء لرجلين في الستين من عمرهما، وعدد من اصابات السلاح الانشطاري .

أليس ذلك إمعانا في استفزاز المواطنين لما تمثله عاشوراء من حضور روحي ووجداني لديهم؟ إن مثل هذه الانتهاكات والاعتداءات لا تتعلق بسلوك يهدد أمن الدولة أو يهدد السلم الأهلي، أو يهدد السلم الاجتماعي، بل يتعارض مع الدستور في كونه يمس إحياء لشعائر دينية، وهي ليست بدعة، بل متأصلة منذ عقود من الزمن.

ينص إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية على ان للشعوب الأصلية الحق في الحفاظ على مؤسساتها الاجتماعية والثقافية وتعزيزها.

لنطلع قليلا على نصوص هذه المواد: في المادة 9: للشعوب الأصلية الحق في الانتماء إلى مجتمع أصلي وفقا لتقاليد وعادات المجتمع ولا يجوز أن يترتب على ممارسة هذا الحق تمييز من أي نوع .

في المادة 11: للشعوب الأصلية الحق في ممارسة تقاليدهم وعاداتها الثقافية وإحيائها. ويشمل ذلك الحفاظ على مظاهر ثقافاتها وحمايتها وتطويرها .

وفي المادة 12: للشعوب الأصيلة الحق في ممارسة تعليم تقاليدها وعاداتها وطقوسها والمجاهرة بها والحفاظ على أماكنها الدينية والثقافية وحمايتها.

ما الذي يدفع السلطة للإصرار على انتهاك الحريات والشعائر الدينية؟ ففي العام الماضي حصلت أيضاً اعتداءات وحالات استدعاء لخطباء ورواديد ومسئولي مآتم، وهو ما يؤكد أن الأحداث الأخيرة ليست عفوية ولا مرتجلة! ماهي الرسالة التي تريد السلطة إيصالها للمواطنين جراء كل تلك الانتهاكات الواقعة في قرى ومناطق البحرين؟ زمن حرياتكم الدينية انتهى، وهذا زمن الإذعان للمساحة التي سنحددها لكم؟

في 16 اكتوبر 2015 استهدف مأتمي الهملة ودمستان بالأسلحة النارية خلال إحياء ذكرى عاشوراء الذي يحيى فيه المواطنون ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، فماذا فعلت "الداخلية"..قالت سنحقق في الأمر وطالبت المواطنين بسرعة الإبلاغ عن أي اعتداء! على المواطنين أن يبلغوا عن "مجهول" ستبحث الداخلية عنه، وفي الوقت ذاته عليهم أن يصدقوا رواياتها حين يكون المعتدي منتسبيها، ولا بأس باستهداف المعزين بمختلف الأسلحة النارية الموجهة ضدهم، "شوزن" أو "مسيل دموع"!!  

أليس ذلك قمة التناقض!؟ 

لابد من بذل الجهود من أجل حماية المواطن من كل الأخطار، ولكن الانصراف عنها بتبريرات هزيلة مثل عدم وجود بلاغ أو التعامل معها على أنها مجرد تلفيات، والتوجه بدلاً من ذلك لنزع مظاهر عاشوراء في عدة مناطق بحرينية كل يوم، هو أمر يوضح حجم الهوة بين السلطة والشعب.

ولعل أخطر ما في هذا الموضوع، تزامنه مع حادث إرهابي بإطلاق النار في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية أدى لاستشهاد 5 من المواطنين وإصابة آخرين تبناه تنظيم داعش الإرهابي.

يبقى فقط أن نجدد التذكير بأن الحريات الدينية مكفولة في الدستور وميثاق العمل الوطني ووقبلها الأعراف المرعية في المملكة.

فمن بين ما تعارف الناس عليه نصب السواد بصفة مؤقتة خلال شهري محرم وصفر، وهذا لا يعدو عن كونه مظهراً من مظاهر الحزن والأسى لمصاب سبط النبي وأهل بيته ، وهو تقليد متوارث منذ عقود من الزمن، ولا علاقة له بالأوضاع السياسية المعاصرة ولا يحمل أي إساءة لأي مكون أو جهة أو ملة من الملل" أليس كذلك؟

*ناشطة بحرينية في مجال حقوق الإنسان.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus