"التقرير" يضرب في النتائج بما يقرره في المقدمات.. غلطة "شاطر" أم "متشاطر"!

2012-01-08 - 3:19 م


مرآة البحرين(خاص): في أول وآخر لقاء عام جمع أعضاء لجنة تقصي الحقائق، ببعض ممثلي الجمعيات السياسية والمهنية و بعض الأفراد، توج أحد المحامين بسؤال لرئيس اللجنة محمود شريف بسيوني مفاده ما إذا ستقوم اللجنة بالبحث في الأسباب التي أدت لأحداث فبراير/ شباط و مارس/ آذار الماضيين، فأجاب بإجابة، صريحة، و محددة، وواضحة، وبكلمة واحدة، "نعم". وبالفعل فقد انتهت اللجنة في ملاحظاتها الختامية عن الفصل الرابع من التقرير، و المتعلق بسرد أحداث شهري فبراير / شباط ومارس/ آذار 2011، و بالتحديد في الفقرة (641) إلى أنه "في سياق العولمة التي تعيشها سائر أرجاء المعمورة، و واقع أن الأحداث التي تقع في بقعة معينة من العالم تأثر لا محالة على الأحداث التي تشهدها مناطق أخرى من العالم، فإن فهم الأحداث في البحرين يتطلب رؤية أوسع نطاقاً، خاصة في ضوء الموقع الجغرافي الفريد للبحرين والذي يتسم بأهمية وثقل إستراتيجي واقتصادي كبير. و بوصفها دولة عربية ومسلمة، فإن البحرين تتأثر بالتطورات التي تقع في العالمين العربي و الإسلامي، و خاصة العالم العربي في ضوء الاتصال المباشر والوثيق للبحرين بمحيطها العربي. لذا، فإن البحرين قد تأثرت بما أصبح يعرف عامة بالربيع العربي. ورغم أن كل دولة  مجتمع عربي تأثر بهذه الأحداث والتطورات بشكل مختلف، إلا أن الثابت أن الربيع العربي شجع شعوب عربية، و منها في البحرين، على الإعراب عن مظالم و مطالب إصلاحية كانت مكبوتة لفترات طويلة. و بعكس الاضطرابات الشعبية التي شهدتها البحرين في فترات تاريخية سابقة، لم تكن الاحتجاجات التي بدأت في 14 فبراير/ شباط مدبرة من قبل جمعيات سياسية معارضة ذات طابع مؤسسي، وقادتها شبكات من شباب غير مسيس وغير منتمي لأي جماعات سياسية ولكنه أحس بالغضب إزاء الأحوال في البلاد. و على غرار نظرائهم في بلدان عربية أخرى، استعان هذا الشباب البحريني بالوسائل التكنولوجية الحديثة، مثل مواقع التواصل الإجتماعي، للدعوة إلى مظاهرات ولنشر مطالبهم. كما تجدر الإشارة إلى أن المطالب التي رُفعت وعُبر عنها خلال التظاهرات التي بدأت يوم 14 فبراير/ شباط 2011 تمتعت، على الأقل في بداية الأمر، بدرجة عالية من الدعم الشعبي الذي تجاوز الحدود الدينية و الطائفية و العرقية".
 
كما انتهت اللجنة في الفقرة اللاحقة رقم (642) إلى أنه "تمتد جذور التظاهرات التي بدأت في الرابع عشر من فبراير/ شباط إلى عقود السبعينيات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. خلال هذه العقود، وقبل ظهور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة، تظاهر العديد من البحرينيين للمطالبة بحقوقهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وفي بداية الأحداث في البحرين، وكما حدث في عقود سابقة، كان المطلب الأساسي هو إجراء الإصلاحات، وليس تغيير النظام، وهو ما كان عليه الحال في المراحل الأولى من المظاهرات والاحتجاجات التي جرت في كل من تونس ومصر وسوريا واليمن. ولكن كما بينت التجربة، فإنه عند عدم الاستجابة لمطالب الإصلاح، فإن الأمر يتطور، ويرتفع سقف المطالب ليكون المطلب هو تغيير النظام، ويتعرض المجتمع لحالة إما من الإستقطاب أو التطرف. وعادة ما يؤدي ذلك إلى ضياع المنطقة الوسطى المعتدلة التي يمكن أن تجتمع عليها الأمة بجميع طوائفها وأعراقها وطبقاتها الإجتماعية والإقتصادية، والتي يمكن أن تشكل أساساً للقيام بإصلاحات على أساس مبادئ وأدوات الديمقراطية والحكم الرشيد وإحترام حقوق الإنسان المحمية دولياً".

 أسباب حقيقية ونتائج متوهمة
ولا نجد داعياً للتعليق على مضامين هاتين الفقرتين، إذ تقطعان بالأسباب الحقيقية للأحداث التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، والتي تعبر عن المطالب المشروعة لشعب البحرين، منذ خمسينات القرن الماضي، في الإصلاح السياسي والدستوري وفي تحقيق المهمة التاريخية، التي يسميها وبحق الدكتور عبدالهادي خلف ببناء الدولة الحديثة في البحرين، وهي الدولة القائمة على مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، وليست دولة الرعايا والمكرمات.

    وعلى الرغم من وضوح مضامين الفقرتين سالفتي الذكر، إلا أن التقرير يصدمنا – مرة أخرى – في ملاحظاته الختامية العامة، فتقرر اللجنة تجاهل هذه الحقائق التي أثبتتها بنفسها في متن تقريرها، وتذهب في الفقرة (1690) إلى أنه "تبدو الأحداث موضوع تكليف اللجنة كما لو أنه لم يكن يمكن التنبؤ بها...". وهكذا، تريد لجنة تقصي الحقائق أن تقول لنا بأن تجاهل المطالب المشروعة لشعب البحرين على مدى ما يزيد عن نصف قرن، هو أمر لا يمكن توقع نتائجه أو التنبؤ به، وهي خلاصة تكشف عن تجاهل لحقائق التاريخ، فالاستبداد مؤذن بخراب الأمم.

    ومن المستغرب، ومن غير المقبول أخلاقياً وقانونياً أيضاً، أنه وعلى الرغم من قطعية التقريرات التي ضمنتها اللجنة في الفقرتين (641) و (642) من التقرير، فيما يتعلق بالأسباب الحقيقية لأحداث فبراير، نرى أحد أعضاء اللجنة ينفي الطابع المطلبي المشروع لهذه التحركات ويزعم – أو بالأحرى يزعم – بأن اللجنة اتفقت على كونها "اضطرابات طائفية"، وذهبت إلى استخدام المصطلح الإنجليزي "Unrest"، وهو أمر نعتقد بأن من واجب لجنة تقصي الحقائق أن تتعامل معه وتنظر فيه.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus