"مرآة البحرين" تحاور مريم الخواجه: غيّرني 14 فبراير.. أنا لن أعود قبله!

2012-01-09 - 2:45 م


مرآة البحرين (خاص): لم يحن الوقت بعد لكتابة سيرة 14 فبراير/ شباط، أو شخوصها. فهي ملحمة لم تنته بعد، ما تزال تتفاعل، منشغلة وشاغلة كل من حولها، أكانوا معها أو في الضد. على أن ذلك لايعفي من محاولة فهم بعض من محركيها، وخلفياتهم، خصوصاً أولئك الشباب والشابات، الجنود المجهولون الذين يقيمون على هوا مش المشهد، حيث لايجلسون على كراسي الساسة، على الرغم من أنهم في الصلب منه. حول ذلك، فقد سعت "مرآة البحرين" إلى الوصول إلى "صاحب الأحبار"، صاحب دعوة التظاهر في فبراير. وتحاور اليوم شخصية أخرى، هي الناشطة مريم الخواجه، حيث تفتح معها جانباً من ملفات "الثورة المنسية". وهي فرصة للغوص معها بعيداً، في تفاصيل عائلة مكرسة للعمل و"الألم"، سواءاً بسواء. في مارس/ آذار الماضي كانت في القطار في طريقها من نيويورك إلى واشنطن حين تلقت الرسالة التالية، عبر هاتفها: والدك (عبدالهادي الخواجه) اعتُقل. أرادت أن تقوم بشيء، عجزت، القطار "السريع" ما يزال يذرع المسافات كما لو أنه لايريد أن يصل! "مرآة البحرين" حاورتها، وفيما سيلي مقتطفات:

مرآة البحرين: بِمَ تعرف مريم نفسها؟

مريم الخواجه: أستطيع أن أعبر عن نفسي بتعريفين: تعريف ما قبل ثورة البحرين 14 فبراير/ شباط وتعريف ما بعدها فبعد ثورة البحرين الكلمة التي اختارها لاعرف بها عن نفسي هي حقوقية ادافع عن حقوق الانسان، قضيتي الأولى هي البحرين، إذ كرست نفسي بالكامل لأجل البحرين. أنا الآن أعرّف نفسي بقضية البحرين. أما قبل الثورة؛ فقد كان الوضع مختلفا.

المرآة: هلاّ وضّحتِ أكثر؟

الخواجه: قبل الثورة، كنت قد تخرجت للتو من الجامعة، وكان همي هو البحث عن عمل مناسب. كنت أعرّف نفسي بأنني شخص مهتم بحقوق الإنسان. كما كانت لدي هوايات واهتمامات عديدة؛ إذ كنت أدرب الطلبة على مهارات القيادة والتواصل أثناء دراستي في الجامعة. أما الآن؛ فقد أصبحت قضية البحرين كل حياتي.

المرآة: لابد أن هويتك قبل الثورة قد أثرت في إعادة تعريف هويتك بعد الثورة. هل كان لتربيتك السر الذي جعلك تسلكين طريق الثورة؟

 
مع والدها، أ.عبدالهادي الخواجة
الخواجه: لقد نشأت وأنا أرى والدي يعمل في مجال حقوق الإنسان، فمنذ طفولتي أنا وإخوتي نعرف جيدا أن الوالد يعمل في قضايا تعذيب سجناء البحرين. كبرنا ونحن نسمع عن عمنا المعتقل الذي يُعذب في السجون البحرينية. ويا للمفارقة فهو حاليا في السجن مع أبي تحت قضية واحدة.   لقد تربينا على هذه العقلية، عقلية الدفاع عن حقوق الإنسان. ولم يكن أبي وحده الذي يعمل في هذا المجال؛ فقد كانت أمي أيضا مهتمة بحقوق الانسان ولطالما دارت بيننا حوارات حول الوضع في البحرين وحقوق الانسان. إن حب البحرين وحقوق الانسان يجري في عروقنا.

مسألة الهوية مهمة جدا. لقد كان لدي شعور تجاه شعب البحرين مختلف تماما عن شعوري الآن. سابقا كنت أرى   الناس غير مهتمين بحقوقهم ولا يهمهم ان عاشوا تحت نظام يستخدمهم كعبيد. كنت أحاول أن أكلم الناس عن قضايا حقوق الانسان والقضايا السياسية وكان ردهم الأول دائما: لا علاقة لنا بالسياسة. فحين يخرج الحقوقيون ليتكلموا عن حقوق الانسان يقف معهم قلة قليلة من الناس، اعدادهم قليلة جدا لا تتجاوز خمسين شخصا، هؤلاء عندما يضربون او يسجنون أو يعذبون لا يقف أحد مدافعا عنهم، لذا لم أكن مرتاحة وكنت قد وصلت لمرحلة- بعد ما حصل في أغسطس/ آب 2010- أشعر فيها بأن قضية البحرين لا تستحق كل هذا العناء؛ فلا فائدة من المطالبة بحقوق أناس لا يريدون حقوقهم، كان أبي دائما يشرح لي الوضع في البحرين وكيف يفكر الناس وما مروا فيه من أزمات جعلتهم يفكرون بهذه الطريقة الاستسلامية، مؤكدا لي أنني لا استطيع ان افرض عقليتي على هؤلاء الناس، على أنني لم أكن اعتقد بصحة هذه النظرية.

بعد أغسطس 2010 وبعد الثورة البحرينية، تغيرت نظرتي كثيرا تجاه الناس في البحرين، اصبحت أحترم هذا الشعب ونضاله، وفهمت جيدا الوضع الذي كان يعيشه من قبل، فقد تربيت خارج البحرين. انا الآن لا احترم هذا الشعب فقطـ، بل أفتخر أنني بحرينية، صرت أتمسك بالهوية البحرينية أكثر مما كنت أفعل من قبل.

جنة العودة وقرار البقاء خارجا

المرآة: كم كان عمرك عندما رجعتِ الى البحرين؟

الخواجه: عدنا في 2001 وكنت أبلغ حينها أربعة عشر عاما. كانت لغتنا العربية - وخصوصا أنا- ضعيفة جدا؛ فقد تخرجت من مدرسة انجليزية. حين أدخلوني مدرسة الحورة، كان لدي صعوبة في التأقلم لأن لهجتي كانت عراقية أكثر منها بحرينية؛ فأصدقاؤنا في الدنمارك كانوا عراقيين او فلسطينيين، لم أشعر بأنني مستقرة تماما الا بعد دخولي الجامعة. كانت دراستي باللغة الانجليزية؛ لذا لم أجد صعوبة في الامر؛ مما فتح لي المجال لأبدأ بالاندماج في هذا المجتمع والشعور بأنني جزء منه. الموضوع صعب ولا يتفهمه الا من عاش خارج وطنه. نحن تربينا في الدنمارك ولم نشعر أبدا اننا دينماركيين فقد زرع أمي و أبي فينا البحرين كوطن بالرغم من بعدنا عنه. لكنني عندما عدت الى البحرين شعرت بأنني لا أنتمي الى هذا الشعب لأسباب مختلفة منها طريقة التفكير والشخصية، تربينا على أن البحرين هي الجنة الموعودة من فرط شدة اشتياق أمي وأبي لها. لقد كانا يصوران البحرين كأفضل بقعة في العالم، لكننا حين عدنا وجدنا اختلافات كثيرة بين المجتمعين، فالمجتمع في البحرين مترابط الى الدرجة التي تلغي فردية الانسان في بعض الأحيان . التأقلم صعب لكنني مع الوقت اعتدت الوضع الجديد.

المرآة: كم بقيتِ في البحرين؟

الخواجه: بقيت هنا إلى العام 2009 ثم انتقلت الى الولايات المتحدة مدة سنة واحدة؛ إذ   كنت ادرّس العربية في إحدى الجامعات. ثم رجعت البحرين صيف2010 لاستقر بشكل نهائي ، بحثت عن عمل لكن وضع والدي كناشط و مدافع عن حقوق الانسان حال دون قبولي في أي وظيفة لذلك  بدأت العمل كمتطوعة مع مركز البحرين لحقوق الانسان حتى اغسطس/ آب 2010 حين اضطرت الى مغادة البحرين دون رغبة مني بسبب تحذير تلقيته عن احتمال تعرضي للاعتقال نتيجة عملي مع المركز فغادرت الى لندن، حين تلقيت خبر الثورة على صفحة الفيسبوك؛ قررت أن أعود. عدت في تاريخ 8 فبراير/ شباط وبقيت في البحرين حتى بداية مارس. بعدها سافرت الى جنيف لألقي كلمة هناك ولم استطع ان اعود الى البحرين منذ ذلك الوقت.

المرآة: هل حاولت العودة ولم تستطيعي؟

الخواجه: بغض النظر عن النتائج التي قد أواجهها ان قررت العودة من اعتقال أو اختفاء
الا أن هذا ليس السبب الرئيسي لقراري بالبقاء في الخارج ، فأنا أعتقد أن ما أقوم به من عمل في توصيل قضية البحرين و تعريف العالم بما يحصل هناك هو ما جعلني أتخذ هذا القرار.

المرآة: هل قررت العودة أم أنك لاتستطيعين أن تعودي؟

الخواجه: بداية لم أكن أستطيع العودة؛ فقد كنت متأكدة أنني سأعتقل خاصة بعد اعتقال أبي وعمي وأزواج أخواتي وابن عم أمي، واذا لم أعتقل فربما اختفي. والمسألة الثانية أني لو عدت الى البحرين فلن يسمحو لي بالخروج منها سوف يمنعوني من السفر. لذا قررت ألا أجدد جوازي البحريني لأنه بعد تغيير القانون اصبحت ملزمة بدخول السفارة في حال رغبتي بتجديد الجواز، وهناك يحق لهم اعتقالي داخل السفارة . وأنا الان أتحرك بجوازي الدنماركي.

 سأخرج في 14 فبراير لأجلك فهل ستخرج معي؟

المرآة: عدت في 10 فبراير/ شباط وكان انطلاق شرارة الثورة بعد أربعة أيام من الشهر نفسه. حدثينا عن نشاطك؟
الخواجه: كان عملي اعداد التقارير وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان قبل انفجار الثورة، اضافة الى التنسيق والتواصل بين المركز والجهات الخارجية من حكومات ومنظمات. كنت على اتصال بالأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش وامنيستي لتزويدهم بالتقارير والتنسيق للتواصل مع الحكومات. قبل الثورة كان من الصعب الحصول على مقابلة؛ فقد كان لزاما عليّ أن اقنع الطرف الاخر بضرورة مقابلتي. لكن بعد الثورة انقلب الأمر وأصبح أسهل بكثير، الآن لدي سمعة في الخارج؛ 

من الأشياء التي عملت عليها  قبل عودتي الى البحرين للمشاركة في الثورة  تصميم اعلان للخروج في 14 فبراير بدأت به بسؤال كان بمثابة العنوان لهذا الاعلان و هو :
لماذا يجب ان نخرج في 14 فبراير؟
و حاولت أن أجيب و أشرح للناس عن الاسباب التي أعتقد بانها تستحق منهم الوقوف عندها للمشاركة في الثورة فكتبت ..
أنا سأخرج في 14 فبراير لأتظاهر بطريقة سلمية لادافع عن حقوقك
أنا سأخرج في 14 فبراير لكي لا تتعرض انت أو أي من أحبائك للتعذيب في السجون البحرينية
أنا ساخرج في 14 فبراير لكي أضمن لك حقك بالمشاركة في حكومة بلدك و ان صوتك مسموع
أنا سأخرج في 14 فبراير من أجل كل طفل و راشد من أجل كل أمرأة و رجل ..
أنا سأخرج من اجلك في 14 فبراير فهل ستنضم لي ؟ هذا النوع من الاعلانات تحفيزي لخروج الناس. كان هناك نقاشات حول الفكرة ورفض للموضوع من قبل البعض.   شخصيا لم أتوقع أن يخرج الناس بأعداد كبيرة. كنت أعلم أنني ربما أعتقل لكن الحكومة لا تريد تأجيج الوضع في هذا الوقت، فلن يعتقلوني حين أرجع لذا قررت أن أكون موجودة وأن أشارك في عمل المركز لتوثيق الانتهاكات التي كانت متوقعة أنها ستحصل من الحكومة البحرينية.

الدوار: شهقة الضوء الأولى

المرآة: هل كنت تتواجدين باستمرار في الدوار؟

 
الخواجه: كنت حاضرة كل يوم. ومنذ أول يوم كانت مسؤوليتي مرافقة الصحافيين من كل أنحاء العالم، اترجم لهم المقابلات ترجمة فورية بين العربية والانجليزية. كنت موجودة في اول يوم تم الاعتداء على المظاهرات بالقرب من دوار الدراز. وتعرضت للتهديد من قبل أحد أفراد الأمن بكسر هاتفي النقال واعتقالي انْ لم اتوقف عن التصوير.   اتذكر أنه كانت هناك مسيرة للحقوقيين عند منزل نبيل رجب   في بني جمرة؛ لذا ركبت السيارة برفقة أحد الصحفيين متوجهين الى هناك. ولا انسى الموقف الذي أصابني ومعي الصحفي في الكرسي الامامي من السيارة، عندما وصلنا كانت قوات الأمن قد اعتدت على المسيرة.   تقدمت قليلا ورأيت أفراد الامن واقفين في الامام والناس تركض، توقفت على جانب الطريق حيث كان من الصعب التقدم. اندفعت باتجاهنا سيارة دفع رباعي تابعة للأمن بسرعة جنونية وتوقفت عندنا فجأة، بعد أن التفّت على نفسها.   قام أحدهم بإطلاق النار على سيارتنا حتى ظن الصحفي برفقتي اننا ميتون لا محالة وبدأ بالصراخ، قال لي إنها المرة الأولى التي يرى فيها شيئا كهذا، وهنا أدركت أن الوضع تغير في البحرين، لأني طوال العشر سنوات التي عشتها في البحرين لم يقم أحد من أفراد الامن باطلاق النار علينا وبرفقتنا صحفيين، كان مستحيلا، كانوا يحذرون لئلا يرى الصحفيون شيئا، لكن هذا الموقف اختلف تماما. كان جالسا   إلى جانبي شخص أبيض بشعر أشقر، ومع ذلك أطلقوا النار علينا مباشرة، هنا أنا عرفت بأن تكتيكهم تغير وأن طريقة تعاملهم مع الناس قد تغيرت.

كنت موجودة في المستشفى عندما أعلن عن اول شهيد؛ علي مشيمع. قمت بتصويره، كنت حاضرة في الدوار بشكل يومي بعدما استعدناه. كنت هناك في المركز الاعلامي يوم 17 فبراير عندما هُوجم المعتصمون في الثالثة فجرا. إذ كنت معتادة على العودة للمنزل فجرا لأنام لبضع ساعات ثم أعود للدوار في الصباح. عندما يكون هناك هجوم على الدوار أذهب الى المستشفى لتوثيق الحالات. الأطباء هناك يعرفونني جيدا؛ فقد كانوا يسمحون لي بالدخول للتوثيق.

المرآة: كيف تشكلت صورة الدوار في مخيلتك؟

الخواجه: أشعر بأن الصورة التي رسمها والداي عن البحرين تحققت ورأيتها في الدوار، رأيت أشخاصا لم أتوقع أن أراهم في مظاهرة ولم اتوقع حتى ان يتكلموا في السياسة لأنهم يخافون.   حاضرين في الدوار. شيء لا يوصف. حين أُسأل في الخارج عن عقلية الناس في البحرين، أشبهها لهم بشخص وضعوا رأسه تحت الماء مدة طويلة بحيث نسي كيف يتنفس وتعود على وضعه تحت الماء ثم أُعطي فرصة للخروج فوق سطح الماء واستنشاق الهواء لأول مرة.هنا سيحاول ان يفعل كل ما بمقدرته ليخرج فوق سطح الماء. هذا ما حصل للشعب البحريني الذي خرج فوق سطح الماء ليستنشق هواء الحرية؛ لذا من الصعب أن يتخلى عنه الان.

طبعا، بعد هجمة 17 فبراير وبعد كل ما رأيته ذلك اليوم، كنت مقتنعة 100% أن الشعب البحريني لن يخرج مرة ثانية. ظننت أن الناس بعد العنف والظلم الذي رأيته ذلك اليوم سيذهبون لمنازلهم وستنتهي الثورة، ما فعلوه بالناس  كان رعبا. ولكن، في اليوم الذي تلاه خرج عدد أكبر من الناس وهنا أيقنت بأن الشعب البحريني لن يرضى بالذل مجددا. يؤكد هذا ما حصل في 2001عندما خرج الملك الى الناس بوعود وردية ، فتسامحوا عن ماض قاس و عنيف عانوا منهم بانتهاك حقوقهم و اعتبروها فرصة حقيقية للتغير  ينادون بالنسيان لذا كانوا راغبين في تصديق ما وعد به. كانوا - إبانها - في وضع صعب جدا، لذا عندما جاء لهم بوعود إطلاق سراح السجناء وإرجاع المبعدين وتغيير الوضع؛ هتفوا له بـ: نعم هذه فرصة للتغيير. لكن الأمال خابت بعدها بعد أن تبين أنها وعود وهمية لم يتحقق منها شيء، وعليه فإن الشعب البحريني قد وصل لمرحلة عدم التصديق، وهو ما جعلهم يستمرون بهذه القوة.

ما أحاول أن أوصله للخارج أنه بعد تسعة أشهر ورغم تخلي العالم عن الثورة البحرينية؛ فإن الناس مستمرون فيها، كيف واصلوا بهذه القوة؟ إنها فكرة الكرامة. الثورة البحرينية ليست ثورة مال ولا اقتصاد انها ثورة الكرامة الإنسانية. خرج الناس يطالبون بالإصلاح وليس بإطاحة النظام، غير أن   النظام اعتدى عليهم وقتل منهم من قتل.

بين الإصلاح والإسقاط

المرآة: هل كنت مع خطاب إصلاح النظام أم اسقاطه؟

الخواجه: انا كنت مع مطالب الشباب بالإصلاح في بادئ الأمر، فإن لم يتحقق ذلك نطالب بالاسقاط. هذا هو التفكير السليم لأنك اذا خرجت رأسا بمطلب اسقاط النظام ستفقد نصف الشعب لأنهم ليسوا مستعدين بالمطالبة باسقاط النظام لذا كان لابد من التدرج. ما حصل في البحرين كان معقولا، الناس طالبوا بدستور جديد لأن الملك وعد به ولم يفِ بوعده.   لكن قيام النظام بقتل الناس جعلهم يفكرون   كيف يمكن أن يطالبوا هذا النظام بالاصلاح وهو مستمر في قتلهم؟ لذا ارتفع سقف المطالب إلى اسقاط النظام. اعتقد أن ما فعلوه كان سليما؛ حيث كسبوا أناسا كثيرين لم يكونوا ليكسبوهم لو كان شعارهم الأول اسقاط النظام. كنت أميل للشباب، كنت أؤمن أن هذه الثورة يجب ألا يكون لها دافع ديني أو طابع سياسي لأنك عندما تلصق صفة معينة في الثورة فإنك تسير في الطريق الخطأ. من أسباب نجاح الثورة هو أن ليس لها طابع ديني، ومن أكثر ما أعجبني في الشباب هو أنهم لم يكونوا يتكلمون عن التمييز ضد الشيعة رغم أن هذا الشيء موجود وواقعي جدا في البحرين. إنهم يدركون أنهم اذا ركزوا على أي شيء يخص الشيعة فإنهم سيخسرون السنة. ومن المهم ألا يحصل هذا لأننا في النهاية نعمل من اجل بلد للسنة والشيعة، يجب أن يشعر السنة بأننا عندما نعمل على الاصلاح والبناء فإننا نعمل من اجل المجتمع البحريني كله.

لا يجوز أن يكون هناك طابع سني او شيعي الصفة الوحيدة التي يجب أن تسود هي كلمة " بحريني " و فقط بحريني. ما يعجبني أن الشباب الى الان يخرجون بشعارات: لا سنية لا شيعية . لذا يجب ان نحافظ على ذلك.

عقولنا؛ مرجعيتنا الدينية الأولى

المرآة: ركزتِ على البعد الديني، كيف تصفين تربيتك الدينية؟

الخواجه: نحن تربينا ولم نكن نعرف أن هناك سنة وشيعة كما لم نكن نعرف أن هناك بحارنة وبحرينيين وعجم، رغم أن الدنمارك تحتوى على كل هذه الطوائف.

تربينا كمسلمين؛ فأنا تحجبت في التاسعة، كان والداي يربياننا على أن نعرف ديننا وهويتنا وأن نحترم الاخرين في نفس الوقت. كانا يشجعاننا كثيرا على التعلم عن الديانات الأخرى. كان عمري لا يتعدى الاربعة عشر عاما وكنت اعرف الكثير عن المسيحيين واليهود والهندوس.   تربينا على أن نعرف أنفسنا من خلال معرفة الاخرين.

مدنية الثورة

المرآة: من المؤاخذات التي تطرح على ثورة البحرين، هي: كيف يطالب هؤلاء بدولة مدنية في حين أن نمط تدينهم نمط مغلق، ففي الدولة الديمقراطية هناك تقبل للآخر وشكل جديد للتدين؟


 
الخواجه: في البحرين، الحكومة تعاملت بشكل طائفي مع الناس، و ميزت بين سني و شيعي و هو ما أدى الى ادراك الناس لخطورة الطائفية و مساوئها و أدركوا أن التعايش بين مختلف الطوائف هو الحل ، وهو ما جعلهم يطالبون بحكومة تحترم الشعب بكل طوائفه ومذاهبه وافكاره المختلفة؛ حكومة مدنية عمادها العدالة و المساواة بين الجميع و تحترم مبادئ حقوق الانسان.
الشعب البحريني من اكثر الشعوب المثقفة ولا يحتاج إلى من يعلمه كيف يجب ان تكون الحكومة او ما هو النمط الديني الذي يجب ان يسير عليه. أن تكون متدينا لا يعني ألا تكون مثقفا.   ان تكون متدينا لا يعني ألا تكون منفتحا. ان تكون متدينا لا يعني ألا تفهم في السياسة.   الشعب البحريني   مثقف ويدرك جيدا أن البحرين لا تصلح ان تكون دولة دينية لأننا اذا بنينا حكومة على اسس دينية فهذا يعني اننا نستبعد جزءا من الشعب وهذا   لا نفع وراءه؛ لأننا لن نحصل على الديمقراطية الا اذا كان الجميع مشتركا في الدولة. لو تغير النظام في البحرين فهذا لا يعني ان تكون لدينا حكومة شيعية على اساس ان الغالبية في البحرين هم من الشيعة، بل بالعكس، اعتقد ان أولئك الذين يساندون الحكومة ويقفون ضد الشعب يجب ان يكونوا جزءا من الدولة فيما بعد ويجب ان تحترم حقوقهم؛ لأنها الطريقة الوحيدة للعدالة الانتقالية. إنك عندما تستبعد أناسا فإنك تخلق التطرف، اذا قلت لأي فئة بأنك لن تشركها في سياسات الدولة فأنت تخلق التطرف في الدولة، لكنك حين تشرك جميع فئات المجتمع فإنك - بلا شك - تحصل على الانسجام الاجتماعي، هذه من الاشياء التي يجب ان نضعها في الحسبان في حال تغير النظام. حينها لا ينفع ان نستبعد احدا مهما كان وهذا ما يعجبني في الثورة البحرينية؛ فأولئك الذين تعرضوا للضرب والاعتداء والتعذيب لا زال ينادي كل واحد منهم بأنه يدافع عن حقه وحق الشخص الذي كان يقف ضده.   اذا نجحت الثورة لن يكون الثوار هم وحدهم المستفيدون بل كل الشعب.

أتقن العربية وأتخاطب بالإنجليزية   

المرآة: قلت إنك تعلمك اللغة العربية في مدرسة الحورة؟

الخواجه: عندما كنا في الدنمارك كنا نتعلم اللغة العربية. في البداية كانت أمي تدرسنا في المنزل؛ فقد كان تعلم اللغة العربية من الأساسيات التي لابد منها، لأن والديّ كانا يعيشان حياتهما على أمل الرجوع الى البحرن في يوم ما، ولذلك اختارا أن يدخلونا مدرسة انجليزية وليس دنماركية، تعلمنا الدنماركية والعربية كلغة ثانوية غير أن الانجليزية كانت هي اللغة الأم.   وفي حين كانت الدنماركية الزامية في المدرسة؛ كان أبي يلزمنا ان نتحدث اللغة العربية في المنزل وهذا ما قوى العربية لدينا ثم بعدها بدأنا ندرس في مدرسة عربية كل يوم سبت، عندما اتيت للبحرين كان مستوى اللغة العربية لدي في مستوى الصف الثاني او الثالث الابتدائيين. أكملت الثانوية في مدرسة الحورة ثم درست في جامعة البحرين.

المرآة: هل وجدت صعوبة في تعلم اللغة العربية؟

الخواجه: بالطبع كان صعبا، فأنا انتقلت من مستوى الأوائل في الدنمارك الى مستوى ضعيف في البحرين، كان من الممكن أن أبذل جهدا أكبر، أختي بتول مثلا كانت في المستوى الثاني من الاعدادي واستطاعت ان تكون من الاوائل وتخرجت من الثانوية بامتياز، لكنني لم أكن احب الدراسة،   غير أن أدائي في الجامعة أفضل بكثير منه في الثانوية. كذلك شكل التأقلم الاجتماعي صعوبة؛ إذ أثر على دراستي لكنني لم أرسب في العربية. برأيي لم تكن اللغة العربية "مزعجة" لكنني كنت اكره النحو وكنت اعتقد ان الأساتذة لا يدرّسون العربية بشكل صحيح؛ لأنهم يركزن على النحو بصورة تجعل الطالب يكره العربية.   أمي وأبي كانا يساعدانني كثيرا؛ فأبي كان يطلب مني أن أقرأ له الجريدة عندما يوصلني الى المدرسة   كل صباح وهذا ما طور كثيرا من لغتي العربية، ونظرا إلى أنني منذ طفولتي كنت أحب كتابة القصص فقد ساعدني ذلك كثيرا في التعبير؛ إذ بدأت أكتب مقالات بالعربية. ساعد ذلك على تقدمي في الكتابة والقراءة.

المرآة: لذلك أنت لا تكتبين بالعربية في تويتر؟

الخواجه: سبب ذلك ان معظم المتابعين لي في تويتر هم من الأجانب. لا تنقصني القدرة على الكتابة بالعربية لأنني كنت أدرّس الطلاب في أميركا وأتحدث معهم بالعربية الفصحى. اعتقد أنني مع نبيل رجب نعمل على الشيء نفسه. ومادام هو يكتب بالعربية ويتواصل مع كل الشعب فيجب علي أن اتواصل مع الخارج. ليس لدي وقت للترجمة ويجب أن أختار لغة واحدة ولذا إذا كان نبيل يقوم بالدور بالعربية فانا ساقوم به بالانجليزية.

المرآة: خلال عشر سنوات، كيف تقيمين تطور الخطاب الحقوقي في البحرين؟

الخواجه: اعتقد ان العقلية الحقوقية في البحرين تطورت كثيرا خلال عشر سنوات لعدة اسباب منها: ان الفترة التي تلت التسعينيات بعد توقف التعذيب فُتحت المجال لنشر الوعي الحقوقي في المجتمع، فمن الملاحظ ان مركز البحرين لحقوق الانسان أقام الكثير من الفعاليات.

خطاب الدوار الحقوقي

المرآة: هل يمكن القول إن مجتمعنا البحريني استطاع بناء حاضنة جيدة لحقوق الإنسان؟

الخواجه: ربما، نعم. أصبح هناك الكثير من دورات التعليم والتدريب حول حقوق الانسان، وبدأ الناس يتعرفون على حقوق الانسان. قبلها كانت وجهة الناس سياسية، لكنها بدأت تميل الى الحقوقية اكثر. أتذكر أني لما كنت ادرس تاريخ البحرين رأيت ان معظم الثورات كان يقودها المشايخ لكن هذه الثورة لم يقدها المشايخ. هذه الثورة قادها الشباب، صحيح ان هناك شيوخا من الشخصيات البارزةلكن الشخصيات الغالبة ليست من فئة المشايخ. اعتقد ان هذا اختلاف مهم. هذا تغيير جوهري، الخطاب في الدوار ساهم في خلق هذا التغيير، كان الناس في الدوار يتكلمون عن حقوقهم اكثر مما يتكلمون عن السياسة، كانوا يقولون ان منحقنا ان يكون لدينا كذا وكذا (...) أعتقد ان ما ارتكبته الحكومة من الانتهاكات والأخطاء في حق نفسها قد خلق فئة بارزة من الحقوقيين. من الاشياء التي قالها نبيل رجب واعجبتني كثيرا ان الحكومة من خلال ما قامت به من انتهاكات خلقت شعبا نصفه مواطنون صحفيون ونشطاء سياسيون والنصف الآخر حقوقيون وهذا شيء واقعي، بدأ الناس يوثقون الحالات. لسنا مضطرين الآن للخروج لتوثيق الحالات؛ فقد أصبح الناس يوثقون الحالات ويبعثون بها لنا وهذا تطور ملحوظ.

المرآة: قاد والدك عبدالهادي الخواجه نشاطا حقوقيا بعد عودتكم، هل كنت جزءا من هذا النشاط، من اعتصامات وغيرها؟

الخواجه: طبعا، كنا طوال حياتنا نؤيد الوالد ونقف إلى جانبه ونفتخر به، كنتأنا أمر بمراحل اكون فيها احيانا نشيطة جدا، وفي مراحل أخرى أبتعد. حين كنت أرى أبي يتعرض للضربات ولا يقف أحد معه؛ يصيبني ذلك بنوع من الإحباط. دائما أسأل والدي هل ما تقوم به يستحق العناء، مع الضرب والاعتقال؟ وكان جوابه دائما ان الانسان يعمل أولا لله وليس للناس ويجب ألا يتوقع أن تكون هناك نتيجة من الناس.

 سليلة عائلة حقوقية

المرآة: أنتم كعائلة حقوقية، هل جميعكم منسجمون في هذا الجو؟

مع المفوضة السامية لحقوق الانسان
 
الخواجه: من ناحية حقوقية نعم، أقوى شخصية في العائلة أمي؛ وهي الشخص الذي يستمد الجميع قوته منه، سواء أبي أم نحن الأخوات الأربع. عندما يصيبني الاحباط وأشعر بأني لا أستطيع أن أواصل اتصل بأمي لأتزود منها الإلهام والقوة.   خلال العشر سنوات الأخيرة شاهدنا كيف تتأثر كثيرا عندما يصيب أبي مكروه لكنها رغم ذلك تقف معه وتسانده. من أكثر المواقف التي أدهشتني في شخصية أمي هو عندما كان أبي مضربا عن الطعام في السجن في 2004 كان الناس يسألونها أن تطلب منه فك الإضراب بسبب تأثيره السيئ على صحته، لكن رد أمي أنها تفضل أن تفدنه بيديها على أن تطلب منه التخلي عما يؤمن به، ولأني أعرف علاقة أمي بأبي أدرك أنه من المستحيل أن يقول أي شخص مكانها شيئاً كهذا. القوة في الشخصية والإيمان الراسخ جعلاها تتخذ هذا الموقف، ما دعاني ذلك للقول إنها أقوى شخصية في العائلة.
من الناحية السياسية والحقوقية نحن تقريبا متفقون على كل شيء، كنا جميعا نذهب مع بعضنا للاعتصامات، أخواتي رأين والدي يتعرض للضرب حتى أن أختي فاطمة رمت بنفسها على أبي وحصلت على حصتها من الضرب الذي كان موجها له، لم يكن قليلا ما رأيناه.   من ناحية الانسجام نعم نحن منسجمون.
أكثر ما ضايقني لحظة اعتقال أختي زينب. لم أكن واقفة معها كعادتي مقابل قوات الأمن، فإذا اعتقلنا اعتقلنا معا وإذا ضربنا ضربنا معا.

المرآة: كيف تلقيت خبر اعتقال والدك؟

الخواجه: كنت في القطار بين واشنطن ونيويورك وكان هاتفي مغلقا، ولم يكن لدي شاحن البطارية فطلبته من امرأة كانت جالسة إلى جانبي، وفور تشغيل الهاتف أتتني رسالة نصية تقول: أصحيح ان والدك قد اعتقل؟ ففكرت أن هذا ليس معقولا لأنه كانت تدور إشاعات كثيرة حول اعتقال والدي، بعدها اتصلت بي صديقتي الموجودة في أميركا وهي مقربة جدا من العائلة قالت لي: مريم يجب أن أخبرك بشيء فلا تفزعي، وأخبرتني أنهم اعتقوا والدي وحسين ووافي زوجا أخواتي، وأنهم تعرضوا للضرب أيضا. لم أعرف ماذا أقول حينها أنهيت المكالمة ودخلت موقع تويتر وبدأت أقرأ ما كتبته أختي عن كيفية اعتقال الوالد، كيف ضرب وكيف كان يقول إنه لا يستطيع التنفس وكيف حاولت أن تتدخل وكيف دفعوا والدتي على السلم كيلا تتدخل، هنا كانت لدي ردة فعل قوية جدا. من أصعب الأشياء ان يرى احد موقفا كهذا يحصل أمامه والأصعب ان يكون بعيدا. لأنك عندما تكون موجودا ستحاول ان تعمل شيئا لتؤثر في الموقف لكنك عندما تكون بعيدا تشعر بأنك عاجز، أول ما خطر لي هو أنه يجب أن أحصل على تذكرة وأعود للبحرين. طبعا كنت مرتبكة كليا. هممت بقطع تذكرة بواسة الإنترنت غير أن صديقتي التي استقبلتني أوقفتني وقالت لي لن تنفعي أحدا إذا تعرضت للاعتقال، وما تقومين به هنا مهم جدا، وأني لو تعرضت للاعتقال سأجعل الأمر أصعب بالنسبة لأخواتي وأمي. فجلست تلك الليلة مع مجموعة من أصدقائي نبعث رسائل إلكترونية إلى الصحافة الى أن حلّ الصباح. صديقاتي انقذن حياتي تلك الليلة بالطريقة التي ساندنني بها. أعرف كيف كنت سأقضي تلك الليلة وحدي. كنّ يتصلن بكل صحيفة واذا لم يحصلن على رد يعاودن الاتصال مرات ومرات وهذا ما جعل كل الصحف تعطي اهتماما لموضوع والدي.

المرآة: هل تتواصلين مع المراكز التي تعمل من أجل قضية والدك؟

الخواجه: احاول أن اتعامل مع قضية والدي بشكل احترافي .. لأنني وضعت قانونا لنفسي وهو ألا أتعامل  مع ما يجري في البحرين بطريقة شخصية بل حقوقية ، وانما قضية معتقل ككل المعتقلين وسأعطيها الأهمية ذاتها التي سأعطيها قضية جعفر مكي مثلا الذي أطلق عليه النار في وجهه وفقد عينه ودخل السجن سنتين كما تعرض للتعذيب، وكذلك مثل قضية اي شخص ثان موجود في السجن اليوم. كل القضايا تأخذ الاهتمام نفسه.

المرآة: هل تتواصلين مع عائلتك، خصوصاً والدك في السجن؟

الخواجه: أتحدث مع أمي كثيرا وتحدثت مع والدي مرتين منذ اعتقاله، طبعا كنت أعتمد على والدي كثيرا ونصائحه في عملي الحقوقي، لأنه يحتفظ بكل القوانين سواء الدولية أو الحقوقية وغيرها في رأسه حتى إنني أستطيع أن اتصل به لأسأله عن رقم القانون الفلاني واحصل على الاجابة في الحال، لذلك حصلت فجوة كبيرة في عملي عندما اعتقل؛ فقد كنت أتحدث معه بشكل يومي قبل اعتقاله. بعض المعتقلين يسمحون لهم بالاتصال بأقربائهم في الخارج مثل ابراهيم شريف الذي كان يتصل بابنته هنا في أميركا. لكنهم لم يكونوا يسمحون لوالدي أن يتصل بي. استطعت أن أكلمه مرتين أثناء اتصاله لأمي. كانوا يتصلون بي ويضعون الهاتفين بجانب بعضهما بحيث نستطيع أن نسمع بعضنا من خلال تشغيل السماعة الخارجية ( speaker ).   تواصلي الآن مع أمي فهي تخبرني بكل شيء. إنني أوصل ما أريد أن أقوله لأبي من خلالها أيضا.


المرآة: هل تشعرين أنكم تجاوزتم كعائلة محنة اعتقال والدك وتعذيبه؟

الخواجه: لا، من الأمور التي أحاول أن أفهمها الناس أن التعذيب ليس مرحلة نتخطاها بعد الإفراج. وليست مرحلة محددة بفترة التعذيب. البعض يعتقد أنه مادام الشخص يتعرض للتعذيب يجب العمل   على قضيته، وفور الإفراج عنه ينتهي العمل، لا يعون أن التعذيب قد يحصل خلال ثلاثة او اربعة ايام لكنه يؤثر على الشخص مدى الحياة. هناك مسؤولية تجاه هذا الشخص من جانب الحكومة لأنها عذبته. يجب ان نتأكد ان هذا لا يكون له تأثير على حياته. لكن الكثير ممن يخرجون من السجن يخرجون بشخصيات مختلفة؛ احيانا منكسرين لا يستطيعون الحفاظ على علاقاتهم مع الناس ومع عائلاتهم كأن شخصياتهم تدمرت. هذا ما لا يفهمه الناس؛ ان التعذيب ليس شيئا ممكن تجاوزه بعد انتهائه. واذا كنت سأتحدث عن أبي فهو بحاجة الى اهتمام طبي. يحتاج إلى السفر للخارج ليعالج الكسور في وجهه، هم توقفوا عن تعذيب والدي منذ فترة لكنه لا يزال هناك سجناء يتعرضون للتعذيب. لا توجد ضمانة لتوقف التعذيب في البحرين، في أي وقت يحصل شيء لا يعجب الحكومة ستقرر العودة الى التعذيب، فهو الوسيلة التي تستخدمها الحكومة لارهاب الناس داخل السجن و خارجه.

المرآة: هل عملتم على المطالبة به كمواطن دنماركي؟

الخواجه: نعم، ومازلت على اتصال بالحكومة الدنماركية، المشكلة انه يحمل الجنسيتين البحرينية والدنماركية. من الناحية القانونية ما تستطيع أن تفعله الدنمارك محدود لأن لديه جنسية بحرينية. من جهتنا نضغط عليها. الشيخ محمد حبيب المقداد أيضا مواطن سويدي. هناك أمل أن نستطيع العمل من خلال هذا الموضوع، ليس فقط لأنهما مواطنان أوروبيان؛ بل من الممكن أن يكون هذا مدخلا لجعل الاتحاد الاوروبي يهتم بما يحدث في البحرين وبالانتهاكات التي تحدث. قضيتان قد تفتحان الباب للتركيز على قضية البحرين وجميع السجناء الذين يتعرضون لمثل هذه المعاملة.

تقرير بسيوني لم يسمِّ المسؤولين عن الانتهاكات

المرآة: كحقوقية، كيف تنظرين إلى تقرير بسويني؟

الخواجه:  لا أستطيع ان اعطيك الكثير من التفاصيل لأني لم أنته من قراءته، انا الان أقرأه وأسجل ملاحظاتي ونحن في المركز سنصدر تقريرا عن النتائج التي نتوصل اليها، أرى انه ناقص من ناحية أنه لم يسمِ الأشخاص المسؤولين. في هذه المرحلة لا نحتاج إلى أن نركز على الاختلافات بين تقريرنا وتقرير بسيوني ومن يريد أن يعرف الاختلافات يستطيع أن يقرأ التقريرين، ما يجب ان نركز عليه هو ان التقريرين تكلما عن انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان حصلت في البحرين، فتقرير بسيوني نفسه وثق وأكد حصول جرائم ضد الانسانية خلال العشرة اشهر الماضية وعليه نحن كحقوقيين سنستخدم هذه المعلومات لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم، طبعا رد الحكومة واضح من خلال الهجوم على المتظاهرين بعد التقرير، رئيس الوزراء نفسه قد ذهب الى الداخلية ليشكر الشرطة على ما فعلوه وعلى الحفاظ على "الاسقرار الامني".

أما اللجنة التي ألفت من أجل النظر في توصيات بسيوني فقد ضمت أشخاصا هم أنفسهم مسؤولين عن الانتهاكات والجرائم .. وهو ما يشكك بمصداقية الحكومة و جديتها في التغيير لذلك يجب أن نعمل حتى تتم  محاكمة  أي مسؤول شارك في ارتكاب هذه الجرائم سواء كان موظفا، وزيرا، أميرا أو ملكا.

المرآة: إلى أي مدى تستطيعون كحقوقيين أن تقنعوا العالم بأن هؤلاء الأشخاص فعلا يجب أن يتم التحقيق معهم ومحاكمتهم؟

الخواجه: عندما نتحدث عن حقوق الانسان فلا مجال للمناورة .. ليست هناك منطقة رمادية اما ان تكون مع الحقوق او لا تكون .
المشكلة تكمن أن اللعبة السياسة بين الدول هي التي تتحكم بمسير الأحداث ،هذه الدول تفكر في مصالحها .. فقبل أن تقف مع حقوق الانسان و تفكر فيها تسأل ان كان من مصلحتها أن يحاكم هؤلاء أم لا ! و هنا تكمن الصعوبة .. فكيف تقنعهم من الناحية السياسية أن هؤلاء المجرمون يجب أن يحاكموا؟ .

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus