مرآة البحرين(خاص): ‫الذي أفرطوا في ممازحة الناس بألوان شتى من عبوات الغاز يمارسون تعبئة مختلفة للذاكرة، كلما أفرغت عبوة مخزونها من الغاز امتلأت ذاكرة الناس بسرديات طويلة عن وطن هش، يحاول تنضيد هويته عبر خنق الهواء، ومطاردة كل ذرة فيه تفكر بسذاجة في الانعتاق من سطوة الأمن.‬

‫خلف كل غيمة من غاز يصبح شكل الوطن مبهماً، ماضيه متروك للتنازع، وحاضره ذاكرة تعيسه، فيما المستقبل عصي على التأويل، سيشق على الناس في جولات الغاز أن تنسى خوفها من المستقبل، لذلك يضيع مجهود الغاز الذي تريد أن تجعل منه السلطة برهان القوة حين يصبح خيار الغارقين في مسيلات الدموع أن يصارعوها بلا هوادة، وأن يصبح هذا الترهيب مشروعاً دائماً لتدريب الذاكرة على عدم النسيان.‬

‫هذا الشاب الذي يحتمي بقطعة الشينكو⁽¹⁾ في مواجهة مد الغاز يعلم تماماً أن لا حائل بينه وبين الاستنشاق، لكنه يفضل أن يعيش إحساس الصمود على أن يغادر مسرعاً في أول الجولة، ستخترق أنفاسه عما قريب تراكيب كيمائية لا عهد له بها، لكنه على يقين أنها ستمضي، وأن صورة ستمر من هنا ستدفع باتجاه ديمومة الإدانة لهذه الألعاب الغازية التي مازلت تؤكد على أن الوطن معنى مؤجل هناك.‬

‫هناك يضع الشينكو حداً فاصلاً بين الأزمنة، وبين الإرادات، يعيد تذكيرنا بهشاشة المسافة التي تفصلنا عن حزمة الوعود التي مرت مع بسيوني، وأن على الذين انتظروا طويلاً ليقرأو على يد بسيوني فصولاً من الحقيقة، عليهم أن يعملوا الآن بقول صلاح جاهين (الدرس انتهى..لموا الكراريس)‬.

1. الشينكو: تصنع من المعدن أو من الفايبر وتستخدم لصنع أسقف المظلات الخارجية غالبا.