دبلوماسي بحريني في مكان تحت الشمس: كلفة البوح الصعب: غرّدتَ فأسمعتَ فسجنت!

2012-01-14 - 12:03 م






مرآة البحرين(خاص): حين أُخطر في عمله إلى حضور لقاء مع رئيس الشئون الإدارية منتصف أبريل/ نيسان 2011، لم يكن يخطر في بال الدبلوماسي البحريني (س. ص)، وهو اسم مستعار اخترناه له لنشر مذكراته نظراً لحساسية موقعه، أن ينتهي به الحال إلى إحدى الغرف الصغيرة المظلمة في واحد من السجون البحرينية. ولم يكن يصدق بالذات، أن بضع تغريدات ناقدة مغلّفة بلغة بيئته الدبلوماسية على "تويتر"، ستضع تاريخه المهني في خبر كان.
 
حين كان المسئول الإداري يردد أمامه "لن نقول عفا الله عن ما سلف"، كان هو يغرق في الذهول، كما لو كان المعني شخصاً آخر غيره. كلمات الوعيد الحادة القوية التي بدت لحظتئذ من قبيل "الزجر" لشخص لم يستطع التعرف إليه جيدا، حتى وإن كان هو نفسه، سرعان ما ستجد ترجمتها الفعلية حين اقتحم ضابطان مكتبه بعد أيام فيما كان يقوم بمهماته اليومية المعتادة. لم ينبسا ببنت شفة، بل باشرا تجريده من مقتنياته، ساعاته وخواتمه ليبدأ منذ الآن، رحلة طويلة من العذاب، سيتعرف فيها على نفسه جيدا، والعالم، مثلما يتعرف على الآخرين. لم لا نستمع له يروي قصته بنفسه:

إن الحديث عن قوة الإعلام الاجتماعي هو حديث ذو شجون! وتلك القوة التي يملكها هذا الإعلام تمكنك من الترويج للأفكار أو الدفاع عن القضايا. وبقدر ما يتمتع به الإعلام الاجتماعي من قوة في الترويج عن الأفكار والقضايا بقدر ما قد يتحول إلى أداة خطيرة قد تزج بك خلف القضبان.

لقد كنت مفتتنا بالإعلام الاجتماعي حيث أتاح لي فرصة عظيمة للمعرفة وتبادل الأفكار ولكني لم أكن أتخيل أن بضع كلمات في تويتر سترميني خلف القضبان! لقد كنت أستخدم تويتر بصورة متقطعة في متابعة الأخبار أو تغريد بعض الاقتباسات ولكن زاد شغفي به في زمن الثورات العربية.

‏لقد كنت متأثرا ومتعاطفا مع ثورتي تونس ومصر ووجدت فيهما إلهاما ونصرا لإرادة الشعب العربي! ولكن عندما وقعت أحداث 14 أبريل/ نيسان تألمت لسقوط الضحايا من المدنيين واشتدت تغريداتي مرارة!

‏‏‏‏عندما وقعت أحداث 14 فبراير/ شباط كنت أحيا حياة وادعة، وكنت بعيدا عن الناس! لقد كنت متأثرا ومتعاطفا مع الناس على المستوى الالكتروني فقط! فقد كنت أتابع تلك الأحداث من وراء شاشة الكمبيوتر، وأتفاعل مع الأحداث عبر تويتر وفجأة وجدت نفسي في بطن المحنة هناك في المعتقلات مع هؤلاء الذين كانوا يتقدمون المسيرات ومع أولئك الذين كانوا في الخطوط الأمامية للأحداث وإذ بي أصبح شاهدا وشهيدا بين ليلة وضحاها.

وهكذا بسبب بضع كلمات في تويتر تم اعتقالي واحتجازي لفترة 66 يوما كنت فيها "ضيف شرف" في سجون النعيم والحوض الجاف والحورة.

إن كل ما كتبته في تويتر وكان سببا في زجي خلف القضبان كل هذه الفترة كان بضعة تغريدات تضمنت نقدا للمقاربة الأمنية التي أعقبت أحداث 14 فبراير/ شباط وتأكيدا على أهمية انتهاج الحلول السياسية لعلاج الوضع.

كما تضمنت تغريدات أخرى كتبتها انتقادا لغياب التغطية المهنية والمتوازنة في الصحافة المحلية والتلفزيون للأحداث، حيث كنت أؤكد على أهمية أن يكرس أصحاب الرأي في الصحافة المحلية أقلامهم لدعم الوحدة الوطنية، وأن يتحاشى التلفزيون ما يثير الأحقاد في تلك الأجواء المتوترة. وهكذا تضمنت تغريداتي نقدا للاستقطاب الطائفي الذي تعمق بعد الأحداث وكيف راحت الطائفية تعبث في العقول بحيث غدت العقبة الكأداء التي تحول دون الإصلاح والتغير!

ما كنت أؤكد عليه في تغريداتي هو أن مطالبات البحرينيين هي في الأساس مطالبات ثقافية واجتماعية وأن التحدي الذي تواجهه البحرين هو تحدي ديموقراطي ولهذا كان من الضرورة إبعاد تلك المطالبات التي تتمثل في الحصول على المزيد من العدالة الاجتماعية والاقتصادية والمساواة والحرية عن العداء المذهبي.

كانت هناك تغريدات أخرى كتبتها في تويتر ساهمت بدورها في سجني تضمنت نعيا للحوار الذي مات في رحم أمه قبل أن يرى النور كما تضمنت نعيا للإنسانية التي فقدت حيث غاب التضامن والتعاطف بين البحرينيين في وقت الأزمة وتعالت تلك الأصوات القاسية التي تطالب بالانتقام والإقصاء!
ذلك النقد البريء العابر الذي كتبته حول المقاربة الأمنية وأهمية إحياء الحوار وانتهاج الحلول السياسية جعل مني خصما وكانت نهايتي خلف القضبان!


لجنة تحقيق واعتقال
 
بدأت القصة في منتصف أبريل / نيسان 2011، في ذروة وضع السلامة الوطنية الذي كانت تمر به البلاد، عندما تم استدعائي في العمل دون سابق إنذار من قبل رئيس الشؤون الإدارية إلى مكتبه، وعندما دخلت وجلست قال لي: "أنت هنا أمام لجنة تحقيق تم تشكيلها بناء على تعليمات القيادة السياسية للتحقيق في الأحداث!". تحدث ذلك المسئول بصفته رئيس تلك اللجنة وكان في مكتبه أعضاء اللجنة وهم مسئول الموارد البشرية ومسئول الشؤون القانونية و مقرر اللجنة.

وأضاف رئيس اللجنة قائلا: "إن كل من يثبت تورطه في الأحداث الماضية سوف يعاقب"، مستشهدا بالعبارة "لن نقول عفا الله عما سلف".

لقد كنت أصغي وكلي دهشة ثم تساءلت: "لماذا يتم استدعائي أمام هذه اللجنة وما علاقتي بتلك الأحداث!". وهنا أخرج مقرر اللجنة ورقة تتضمن بعض التغريدات التي كتبتها في تويتر! ثم أخذ رئيس اللجنة يستجوبني عما قصدته بكتابة تلك التغريدات...تغريدة تلو أخرى!

وسأل: "كيف تكتب هذا الكلام؟ هل أنت تتحدى النظام؟ هل أنت تسخر من الحوار؟"، فأجبت: "أنا لا أتحدي النظام ولم اسخر من الحوار، إنما عبرت فقط عن ألمي لعدم نجاح الحوار! وكل ما كتبته هو وصف لذلك الوضع بصورة مجازية".

استمر استجوابي طويلا بشأن ما كتبته على تويتر وتم توجيه الأسئلة لي بنبرة توبيخية، ومن جانبي بينت بأن ما كتبته كان مجرد تفاعل مع الأخبار ومع ما يتم تناقله في تويتر في هذا العالم الافتراضي، وأني كمواطن عادي يتأثر بالأحداث التي تجري، وما كتبته كان نوعا من الحوار مع من أتبعه ويتبعني على التويتر! أو وصفا لتطورات تلك الأحداث بصورة مجازية..وأني لم أكن أوجه اللوم لطرف بقدر ما كنت أتجاوب مع ما كان يكتب في ذلك الموقع الاجتماعي. كما كنت أحاول الرد أو التعبير عن بعض أفكاري وآرائي الشخصية، حيث كتبت ذلك بحسن النية، دون قصد الإساءة إلى أحد!

وفي نهاية الاستجواب قال رئيس اللجنة: "إن هذا التحقيق هو أولي وسيكون هناك استكمال للتحقيق ثم سيتم تشكيل لجنة تأديبية ستقرر ما يتم اتخاذه ضد المخالفين!".

وعند سماعي ذلك قلت بلهجة حازمة: "أنا لم أقترف شيئا حتى أخضع إلى تحقيق إضافي. لقد عملت في هذه المؤسسة طويلا وكرست نفسي لخدمة بلدي..وإذا كنت الآن شخصا غير مرغوب فيه فلتتخذوا الإجراءات اللازمة كي أترك العمل حالا في سلام".

وهكذا مر حوالي أسبوعان من هذا التحقيق ولم أكن أعرف ما الذي سيتم بهذا الشأن وقلت لنفسي ربما انتهى الأمر على هذا الحد، ولكن بينما كنت في مكتبي أقوم بأداء مهامي المعتادة، فإذا بضابطين يقتحمان مكتبي برفقة مقرر تلك اللجنة، ويقومان بكل فضاضة بإبعادي عن مكتبي وتجريدي من كل مقتنياتي: ساعتي وخاتمي وهاتفي ومحفظتي. كما قاموا بتفتيش أدراج مكتبي وأوراقي وفتحوا كمبيوتري وأخذوا الرقم السري لبريدي الإلكتروني وحسابي على تويتر تحت التهديد. ثم أخرجوني من المكتب لانتظارهم بالخارج مع أحد الحراس. وقام بعدها الضابطان باقتيادي مع كمبيوتري إلى سيارة مدنية عند مدخل العمل.

كان اقتيادي من مكتبي أمام زملائي دراميا... وكانت مشاعري في تلك اللحظة مختلطة، لم يكن الإحساس بالخوف بقدر ما هو الإحساس بالغضب ورغم ذلك فقد بقيت هادئا.

←الحلقة المقبلة (على الموقع وليس الكتاب) : الإقامة في مركز النعيم

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus