فاطمة @iFattema منذ التسعينات وحتى الآن: أكرهكم!

2012-01-21 - 6:49 م


مرآة البحرين (خاص): التحريض على كراهية النظام، هي تهمة من لا تهمة له في البحرين. لكن من الذي يحرض على كراهية النظام؟ من يحرض من؟ وهل يحتاج المواطن من يحرضه على كراهية رائحة الدم والتعذيب والتحرش؟ هل يحتاج لمن يحرضه على كراهية الكراهية والحقد والاستهداف؟ هل يحتاج لمن يحرضه على كراهية من يستهدف أهله وأصدقاءه وجيرانه وشعبه؟

فاطمة ناصر، شابة مغردة لم تكد تدخل العقد الثالث من عمرها، وجدت أن "بداخلها وبداخل كل منا قصة حرضته على كراهية النظام"،  كيف لها أن تبتسم في وجه نظام ارتكب ما ارتكب في حق والدها وأهلها. أعلنت فاطمة عبر حسابها في تويتر اعترافها بأنها محرَّّضة على كراهية النظام، وعبر تغريداتها التي أثارت عدداً كبيراً من المغردين وحركت ريتويتاتهم وتفاعلاتهم، راحت فاطمة تسرد قصتها مع هذه الكراهية على هاش تاج #BHStory.

أرادت فاطمة أن ترينا من خلال تجربتها، أن كراهية النظام لا تأت عبر تحريض طرف هنا أو هناك، كراهية النظام هي تراكم من وقائع وقصص وتجارب وتاريخ يعيشها الإنسان البحريني، عبر الظلم والانتهاك اللذين يتعرض لهما بشكل تعسفي وبلا توقف. عاشت فاطمة طفولة حرضتها على كراهية النظام منذ التسعينيات، حين اعتقل والدها وفقد بصره بفعل التعذيب، ولا تزال تعيش التحريض ضد هذا النظام بشكل يومي ومستمر عبر الأحداث التي تستجد بها وبمن حولها. من يحرض فاطمة؟

حرضتني عين أبي..  

تقول فاطمة في تغريداتها التي جاءت مزجاً بين الحرقة والألم والمعاناة: "من يستكثر علينا الصراخ، أو حتى البكاء، لا يعلم، حقا لا يعلم، أن في داخل كل منا قصة (حرضته على كره النظام). العام 1996 تبدأ حكاية الكراهية، حرق مطعم الزيتون في سترة، راح ضحيته الكثير الكثير، منهم والدي" ثم توضح فاطمة تفصيل ما تعنيه، تقول " استيقظ أهالي سترة على النبأ في التلفزيون الرسمي: عدد من المخربين يحرقون مطعما في سترة شارع رقم واحد يودي بحياة 7 آسيويين. في ذات الصباح، رئيس الوزراء الحالي خليفة بن سلمان يصدر أوامره بتمشيط المنطقة، اعتقل الآلاف. لم يشفع لوالد فاطمة عودته للتو من رحلة علاج في الخارج لعينيه. اقتحم المنزل زوار الليل، ولكن لحسن الحظ لم يكن في المنزل حين كسروا أبوابه، أعادوا الكرة في اليوم التالي على منزل جدها، كسروا الأبواب وضربوا جدها العجوز. اعتقلوا عمها (15 عاما) رهينة مقابل والده". تضيف فاطمة: "هددوا الرهينة  بالاغتصاب زوجتك، ابنتك فاطمة، أخوتك، ولن تسلم من ذلك أمك"، سلّم والدها نفسه في اليوم التالي ليحفظ عرضه.

قبل أشهر من اعتقال والدها اعتقلوا خالها، كان صبيا لم يتجاوز 14 ربيعا، حسب فاطمة. أفرجوا عنه بعد 4 أعوام من اعتقاله. لكنه عاد لزنزانته التي عاد إليها معتقلا في ثورة 14 فبراير.

ظل والدها معتقلا مع الآلاف "في قضية ارتكبها النظام"، ليبرر هجمته على سترة واعتقال أبنائها ليخمد أنفاس احتجاجاتهم ومطالبهم، لم يراعوا حالته الصحية، تلقى ما تلقاه الآخرون من تعذيب، تدهورت حالته الصحية، وجدوا ضرورة الإفراج عنه ففعلوا، وما كادوا يفعلون. تشرح فاطمة ما حصل لوالدها: "انفصلت شبكية عينيه وفقدهما، أجرى عملية في الخارج، ليحافظ على جزء من نظره فقط، بلطف الله كان ذلك".

حرضني طغيانكم..

تصرخ فاطمة "الآن بكل غباء وتفاهة، يكرر النظام على مسمعي (الوفاق حرضتكم). بل حرضنا طغيانكم. إبعادكم أبي عني وبكائي عند اقتحامكم منزلنا. حرضني رؤية والدي مغمض العينين لا يستطع رؤيتي حين أبكي، ولا حين أضحك. بكاء أمي مفجوعة منتصف الليل. اعتقالكم خالي وعدم رؤيتنا له حتى بلغ 18 سنة. لتعودوا لاعتقاله بعد الـ 30".

وهل تحتاج للتحريض على كراهية النظام، من اعتقلت خالتها ثلاث مرات من قبل النظام، وتم إنزالها في الشارع وضربها ثم رميها أمام مرأى الجميع؟ وحكمهم على ابن خالها بالسجن 18 عاما بأكبر من سنين عمره التي لم تتجاوز 17 عاما؟. تواصل فاطمة تفاصيل تحريضها: " حرضني رؤية ابن خالي (ياسين العصفور 11 سنة) في العناية المركزة بين الحياة والموت. بسبب إلقاء عصاباتكم مسيلات الدموع في منزله. ولم يجف حبر ألمها لمعاناته مريضا لتسمع نبأ استشهاده. حرضني  قتل قريبي (الشيخ جمال العصفور) بعد دس السم في دمه حتى مات في سجونكم ويتم أطفاله الثلاثة في ثمانينات القرن الماضي. حرضتني صرخة والدتي: في القرن العشرين "فجروووووووووووا رأس أحمد فرحااااااااااان.. شفته بعيوني شفته".

لا تحتاج فاطمة لمن يحرضها على كراهيتك أيها النظام، هي تكرهك "لأنها شهدت انهيار أخت علي الشيخ وهي تحتضن صديقتها وتبكي: "فقد الأخو غااااااليييي..غاااالي". لأنها تشاهد نساء تزغرد فرحا في تلفزيون البحرين، بينما ترعد الأرض من تحتها بدبابات كانت خلف جدار دارها، وإصابة أخيها بقنبلة دخانية كادت تسرق حياته، وسقوطه على الأرض.. وصراخه "خلوني أطلع ما فيني شي" بينما دمه يغرق الأرض.

حرضني رقصكم..

كل هذا حرّض فاطمة، لكنه ليس هذا كل ما حرضها، هناك أكثر: "حرضتني دموع أمي وهي ترى أخي ذا الثلاثة أعوام، يبكي ويتقلب مختنقا بقنابل تسللت من يد الشرطة لمنزلهم. تسترجع ذاكرتها، "أكرهكم لاتهامكم والدي الذي لا أملك غيره الحنون الطيب.... بالحرق والقتل..والدي؟ والدي؟!!! 

تسترجع ألماً من عائلتها، أخرى من ناسها، تعود أخرى لأخت علي الشيخ التي تستيقظ لترى سرير أخيها الصغير خاليا من طفولته، وكرسي صديقتها المعتقلة خديجة ناصر خاليا في مدرستها... حرمتموها من كل شيء! الحرمان هو الذي حرضها. صديقاتها اللاتي يراقبن باب المدرسة خوفا من اقتحام عصاباتكم للمدرسة وهتك أعراضهن.. وقتل أمهاتهن حسرة وخوفا. الخوف هو الذي حرضها.
لا تتهموا أحدا بالتحريض غير سؤال أختها الصغيرة "ليش الشرطة ما تقتل إلا الشهداء؟!".... عدم استيعابها لمعنى الشهداء، وظنا منها أن بطشكم يستهدف من اسمه "شهيد".

هو التحريض الذي حرّكه فيها"والد الشهيد علي المؤمن، حين يفتح باب غرفة أبنائه الثلاثة وقت صلاة الفجر، ليتذكر أن الأول شهيد، والثاني معتقل، والثالث أيضا، ولأجل أصغرهم (11 عاما) الذي افتقد أخوته: شهيدا ومعتقلين اثنين"
حتى الهواء والطرقات، لا تفتأ تحرض فاطمة على كراهية النظام، فكل "نسمة هواء مملوءة بمسيل الدموع. بكل شارع مغلق خوفا من دهس مركباتكم للشباب أجد ما يحرضني على كرهكم. ضحككم حين يعلو بينما تُحرم البسمة. الرقص في قنواتكم ويتلوّى أطفالنا مختنقين"

كفى..

يغلبها ألمها لوالدها فتعود: "كل زيارة لطبيب العيون مع والدي تحرضني ضدكم. كلما أراه يمتنع عن قيادة السيارة في الليل لأنه بالكاد يرى"، تضيف "ألمي لأصابع خالتي التي كُسّرت. صعقكم خالي بالكهرباء. صراخكم على أمي، كل ما اقترفتموه من إجرام يحرضنا جميعا لتفضيل رائحة القنابل المسيلة على التزام منازلنا واستنشاق رائحة طغيانكم المقززة. كل ما ارتكبتموه من جرائم بحق الإنسانية يجبرنا على الصراخ ضد ظلمكم. ضد طغيانكم. ضد إجرامكم. لنصرخ بأعلى الصوت: كفــــى!".

كان هذا ما دونته فاطمة في تغريداتها قبل يوم الجمعة 20 يناير. لم تشأ قصة التحريض على كراهية النظام أن تنتهي بفاطمة عند هذا الحد الذي ليس له حد، والذي يكسر كل حد، كان هناك ما ينتظر فاطمة في يوم الجمعة ليزيدها تحريضاً، وليزيدها كراهية للنظام، إنه خبر استشهاد ابن خالها الطفل الجميل ياسين العصفور (11 عاماً) مختنقاً، لم تكد تكمل فاطمة قصة ألمها، الممتدة منذ التسعينيات، حتى زاد النظام فصلا من فصول الكراهية التي خلقها في قلوب الجميع. على حسابها في تويتر كانت حكاية قصة ياسين، لكنها لم تكن تعرف أنها ستبكيه لاحقاً.

انتهى ما دونته فاطمة، ولن ينتهي ألمها، فالمسلسل مستمر، وقد تعود لتروي فصولا أخرى من حكاية ألم جديد ما دامت آلة البطش هي التي تحكم، ولغة الدم هي التي تسود... وسوف لن تنتهي إلا إذا استطاع المُحرضَون على كراهية النظام أن يمنعوا ويحاسبوا أدوات التحريض عن الاستمرار في القتل والسلخ والتعذيب والانتهاك.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus