ماذا يفعل جمال خاشقجي في قبرص اليونانيّة؟ السيناريو الأسوأ بعد البحرين للجزيرة المقسومة!

جمال خاشقجي في أفغانستان خلال مرحلة الثمانينات  (صورة أرشيفية)
جمال خاشقجي في أفغانستان خلال مرحلة الثمانينات (صورة أرشيفية)

2016-01-10 - 11:40 م

مرآة البحرين (خاص): لم تتأكد التسريبات التي تحدثت هذا الأسبوع عن قيام جمهورية قبرص اليونانية بطرد قناة "العرب" المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال والتي يديرها الصحافي جمال خاشقجي. أغلب التسريبات تولى نشرها موالون للحكومة البحرينية التي كانت لها الأسبقية في طرد القناة، وعملوا على ضخها في الشبكات الاجتماعية. لكن بعيداً عن ذلك: ماذا يفعل حقاً خاشقجي، ذو الهوى التركيّ والذي لا يتوانى عن الدفاع عن فكر الجهاد في قبرص ذات التركيبة السكانية المنفتحة والتي تغلب عليها المسيحية الأرثوذكسية؟ 

في العام 1974 قامت تركيا باحتلال الجزء الشمالي من الجزيرة التي تطفو هادئة شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط بحجة الدفاع عن المواطنين من أصول تركية وأغلبيتهم من المسلمين السنة.

وأعلنت في العام 1983 عن قيام دولة عميلة لها على نحو ثلث من التراب القبرصيّ تحت مسمى "جمهورية شمال قبرص التركية". لم تعترف بها أي دولة في العالم عدا تركيا نفسها التي ما تزال تحتلها حتى الساعة. وتقوم بإدارة علاقاتها الخارجية كما تربط اقتصادها بها وتفرض عليها استعمال العملة التركية كعملة رسمية لها. فيما لم تتوقف مطالبات قبرص الأم بإنهاء الاحتلال التركي لها وإعادة ضم الجزء الشمالي إلى بقيّة التراب القبرصي.

في هذا المكان المنقسم بالذات، ذو التركيبة الديمغرافية القلقة والحساسة، المتناقض سياديّاً بشكل كلي مع تركيا نتيجة الاحتلال، سيقوم عميل لتركيا ذو ميول إسلامية متطرفة وهو السعودي خاشقجي بإطلاق قناته التلفزيونية.

لا يترك خاشقجي فرصة من دون أن يؤكد انحيازه التام للدور التركي في المنطقة. وهو أحد صنّاع الرأي العام المقرّبين من العائلة المالكة السعودية الذين عملوا على الدفع بقوّة من خلال الخطاب الإعلامي، على تخفيف حدّة التناقض السعودي التركي عقب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، والترويج لشراكة بينهما تقوم على قيادة المسلمين السنة والتفرغ لدعم "المجاهدين الإسلاميين" في سوريا. هو زائر شبه مستمر لتركيا، ويحفل حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بأنباء لقاءاته مع المسئولين الأتراك من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، والإشادة بهم وسياساتهم في المنطقة.

لقد شكلت تركيا التي تواصل احتلال ثلث مساحة قبرص محطة مرور لمعظم المقاتلين المتشددين الأجانب إلى داخل سوريا. وهي ما تزال حتى اليوم تمثل السوق الأبرز للنفط المهرّب الذي يقوم تنظيم "داعش" الإرهابي ببيعه. وهذا يتلاقى مع هوى خاشقجي الواقع في غرام تركيا ورئيسها طيب أردوغان الذي يحلو له تصوير نفسه كسلطان عثماني.

لقد قامت البحرين في العام الماضي بطرد "قناة العرب". وبين الأسباب التي علل بها المسئولون اتخاذهم مثل هذا القرار هو إعلان مديرها خاشقجي في مقابلة تلفزيونية عن الاستعداد لاستضافة الإرهابي أبي بكر البغدادي، أمير تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في حوار على القناة. لا يعلن خاشقجي عن تأييده الصريح لتنظيم "داعش" الإرهابي؛ لكنه يؤيد بشكل صريح الإرهابي الآخر زهران علوش، قائد جيش الإسلام الذي أعلن هو الآخر عن رغبته في إقامة دولة إسلامية في سوريا وتطبيق الشريعة قبل أن يحوله الطيران الروسي إلى رماد الشهر الماضي.

يحلو لخاشقجي وصف علوش بـ"المعتدل"، وعارض باستمرار تصنيفه على لوائح الإرهاب. في الوقت الذي يزدحم موقع "يوتيوب" بفيديوهات كثيرة له يظهر فيها بالصوت والصورة متوعداً الشيعة الذين يسميهم "الروافض" بالقتل وتطهير سوريا منهم. ومثلهم المسيحيين والعلويين. هذا مثال واحد على نوع الاعتدال الذي يؤمن به مدير قناة "العرب".

في الواقع إن خاشقجي لا ينفكّ عن تكرار تأييده لمن يعمد باستمرار على تسميتهم "المجاهدين الإسلاميين" في سوريا من أمثال الإرهابي "علوش" وغيره. وهو لديه رؤية صقوريّة إلى النزاع الدمويّ هناك مفادها أن "المجاهدين الإسلاميين" هم من يتوافرون على العصبيّة اللازمة القادرة على حسم المعركة في سوريا. وينبغي دعمهم إلى آخر الطريق مهما كلّف الأمر.

بل أنه يذهب إلى مدى أبعد من ذلك عبر تبني كامل مفردات أيديولوجيا الجهاد الإسلامي. وقد صرح "الجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة وقد حان الوقت لإعادة الاعتبار له". لقد أتاحت حرب أفغانستان في الثمانينات لخاشقجي أن يحتكّ بشخصياّتها الفاعلة ومن يسميهم "المجاهدين الإسلاميين" جيّداً. وبين هؤلاء التقى مؤسس تنظيم "القاعدة" الإرهابي أسامة بن لادن في العديد من المناسبات قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر. لقد أخذ منهم تصريحات جيّدة لتغطياته. لكن أيضاً أخذ متعلقات بيئة مشبّعة بالمفاهيم المتطرّفة والغلوّ. وقد قام العام الماضي 2015 باستدعاء بعض مقتنياته من المرحلة "الأفغانية" مثل الكتب والتذكارات إلى حسابه الشخصي في "تويتر" كنوع من الماضي المشرق الذي عاشه. وقد كتب حول ذلك "تجربة أفغانستان في الثمانينات كانت ناجحة على رغم كل التشويش الذي يمارسه البعض عليها الآن، وأقول ذلك عن تجربة ومعرفة". 

يمكن للمسئولين في جمهورية قبرص اليونانية الذين منحوا خاشقجي ترخيصاً للإشراف على إعادة إطلاق قناة "العرب" أن يتوقعوا السيناريو التالي. إن خطاباً متطرفاً مثل دعم "المجاهدين الإسلاميين" من أمثال الإرهابي "علوش" وغيره لن يقتصر ترويجه من على منصة حسابه في شبكات التواصل إنما صار هناك مقر له فوق الأراضي القبرصية. وليترقبوا مزيداً من الدفاع عن تركيا التي تحتل ثلث بلادهم، وسياساتها في المنطقة. ومزيداً من توريط بلادهم في الصراعات الدموية والطائفية المسلحة التي تمزق الشرق الأوسط. الأسوأ من كل ذلك، ما يمكن أن يرشح من مخاطر في بيئة ذات مزاج مسيحي مدني عبر إتاحة حرية العمل لشخص متطرف متشبع بفكر الجهاد. بل أنه لا يتوانى عن التعبير صراحة عن هذه الميول.

لقد فشل خاشقجي في إطلاق قناة "العرب" من المنامة ولندن وبيروت. بل حتى من اسطنبول التي تلقى نصيحة من حزبها الحاكم بطرق باب قبرص. إذا لم يكن مغزى هذه الرّسالة قد وصل إلى المسئولين القبارصة حتى الآن فليتأملوا جيّداً في الجزء الشماليّ من البلاد وليبدأوا بتحسّس مواقعهم في الأجزاء الوسطى والجنوب!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus