» رأي
مجنون الحي... لا يحكُم
عادل مرزوق - 2012-01-30 - 11:39 ص
مجنون الحي، شخصية مقبولة، شريطة أن لا يقتل، وأن لا يحكُم!
عادل مرزوق*
حسناً، كلما تعمقت أكثر في قراءة الوثائق البريطانية، نصوصاً أصلية أو ترجمات، أدركت أن ما شهدته البحرين منذ إعلان حالة السلامة الوطنية في الخامس عشر من مارس 2011 من أحداث لم تكن أحداثاً استثنائية البتة. وأعتذر إذا كنت قد كتبت أو صرحت سابقاً في مرآة البحرين أو أي قناة تلفزية أن ما شهدته البحرين كان استثنائياً.
سابقاً، كنت أتصفح وأراجع الوثائق البريطانية وترجماتها بطريقة انتقائية، غالباً ما ترتبط بالحوادث والمتغيرات السياسية في البحرين منذ العام 2001. وهو (إهمال) و(تقصير) تسبب في أن تغيب عن مخيلتي وحساباتي كصحافي العديد من الصور والمشاهد التي قدمتها تلك الوثائق عن تفاصيل وسلوك وذهنية هذا النظام الكارثي الذي عايشه أبناء هذا الوطن، واكتوى بجاهليته، وعنصريته، وهمجيته، جيلاً بعد جيل.
ومثلما وثق مركز البحرين لحقوق الإنسان والعديد من المؤسسات الحقوقية داخل البحرين وخارجها حالات الاعتداء والتعرض على شرف الفتيات والنساء في مدن وقرى البحرين، فلقد شهدت العديد من قرى البحرين (سترة/السنابس/ الديه) حالات الاختطاف للفتيات، وتؤكد الوثائق أن منهن من كن نساء متزوجات، تم اختطافهن واغتصابهن وابتزاز أزواجهن بعد ذلك. وتذكر الوثائق البريطانية في أكثر من حقبة حالات الاختطاف والقتل وقطع الرؤوس والسرقات والسطو المسلح. وأمام تلك الجرائم والانتهاكات كان أرباب هذه الأسر يضطرون لإخفاء وكتم شهاداتهم خوفاً من الفضيحة وستراً للأعراض المنتهكة، وحدها الوثائق البريطانية من أثبتت هذه الوقائع التي لا تزال بعضها غير مترجمة.
سرقني الانغماس في قراءة وتفحص وتتبع هذه الوثائق البريطانية الملعونة وترجماتها خلال الأسبوعين الأخيرين عن الانشغال بالضحايا الجدد لهذا النظام. ولولا دفء صوت "ياسين" على الإذاعة وهو يطلب العلاج فيرد النظام عليه بالقتل خنقاً لما عدت للعام 2012 لأعاين مستجدات المكارثية الخليفية على هذه الأرض. المفارقة فعلاً، أن الموضوع والحوادث والجرائم والانتهاكات لم تتغير، فما اشبه اليوم بالبارحة.
أعود لفضاء العام 2012 لكن أحمل من تلك الوثائق والشهادات سؤالاً لا يغادرني: كم من الأوجاع تحمل إنسان هذه الأرض؟ كم من الأسرار القديمة والجديدة اضطر لكتمانها والتستر عليها؟ والأهم: كيف تناست بيوتاتنا وذاكرة هذا الشعب تلكم السنوات السوداء؟ أسئلة لا تنتظر إجاباتها، لكنها تستحق أن أحرص وأن يحرص الجميع على إثارتها وإعادة إحيائها في ذاكرة هذا الشعب، جيلاً بعد جيل. ليدرك وليفهم – وهو حقه – مع أي نظام يتعامل على هذه الأرض.
اليوم، ونحن في هذا التوقيت الحرج من عمر هذه الثورة التي لا تزال حيويتها وعزيمتها واثبة ثابتة على مطالبها العادلة، لا بد من استرجاع فصول التاريخ دون انتقائية أو فواصل. وأعتقد جازماً أن مثل هذا الاسترجاع ضروري لفهم تفاصيل الحدث في توقيته اليوم، وبما يشمل الوصول لفضاء وسقف المطالب التي بات من واجب المكونات السياسية والاجتماعية أن تتوافق عليها.
إن حلاً سياسياً يبقي لمؤسسة الحكم السيطرة على مفاصل السلطة التنفيذية هو بمثابة التفويض لهذه العائلة الحاكمة بارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات في حق الأجيال القادمة من هذا الشعب. وحريٌ بكل بحريني أن لا يقبل التوقيع على مثل هذا التفويض. وهو أيضاً، نتيحة لقراءة قاصرة لذهنية هذه العائلة التي لم تستطع الألفية الجديدة أن تغير في عقليتها شيء. وهو أخيراً، تقويض لآخر فرصة تاريخية لتحقيق هذا الانتقال الديمقراطي لهذا البلد المسحوق.
إن كان بقاء العائلة الخليفية قدراً محتماً تفرضه معادلات الإقليم الكبير المريض ببقايا الجاهلية، فإن على المعارضة ان تربط هذا البقاء بتقليم أظافر هذه العائلة، وتطويق سلطتها المفتوحة لانتهاك حقوق الشعب وسرقة ثرواته وامتهان كرامته. وإن كان ذلك غير ممكن أو ضرباً من المستحيل، فتعساً لمن سيضع توقيعه على تفويض الدورة الجديدة من المكارثية الخليفية في البحرين.
* كاتب بحريني.