"دويحة" أنس الشيخ: لم نعد نخشى إرهاب المكارثية

2012-02-02 - 8:33 ص


مرآة البحرين (خاص): هذا هو وجهي، وهذا هو رأيي، وأنا مشارك في الاحتجاجات المعارضة للنظام. هذا ما تحمله "دويحة" أنس الشيخ التي ملأت تويتر ضجيجا.

"الدوّيحة" هي كلمة دارجة يعرفها كل بحريني منذ صغره، وتعني "الدائرة الصغيرة". كان الطلاب البحرينيون يستخدمون هذه الكلمة للتعبير عن رسوب الطالب في إحدى مواد المدرسة، باعتبار أن علامة هذه المادة ترسم عليها دائرة حمراء.

يعتبر أنس الشيخ أحد العلامات  في الفن البحريني كرسام ومبدع في العمل التركيبي والفيديو آرت وغيرها.على المستوى الإنساني فأنس الشيخ مليء بالإحساس ومشاعر الحب للجميع. أراد من مشروع "الدويحة" أولا أن يظهر ما يكتنزه قلبه من مشاعر ألم وتضامن مع كل من تسببت له "دويحة" النظام بأذى من الشهداء والمفصولين والمعتقلين والمعذبين والقائمة تطول.

يقول أنس "سأرسم على وجهي ذات الدائرة التي رسمت على وجوههم، وتمكنت من تحديد هوياتهم". لم يستيقظ ضمير أنس الشيخ متأخرا، ولم يكن متأخرا في قول كلمة الحق. لقد تواجد فعلا للتضامن مع المفصولين منذ أول اعتصام لهم في وزارة العمل. كم كانت ابتسامته بلسما عليهم حين عرفوا أن "أخاهم البحريني من الطائفة السنية الكريمة" متأثر بشدة وسيظل يقف في صفهم مدافعا عنهم بكل ما لديه.

لن ينس البحرينيون أبدا برامج التلفزيون اليومية التي خصصت لمحاكمة كل من تعرف هويته منهم مشاركا في احتجاجات فبراير السياسية، فترسم "الدويحة" الحمراء على وجهه في شاشة البث إلكترونيا، إنه فلان "الرياضي، أو الطبيب، أو الناشط، أو المدرس، أو السياسي، أو المهندس، أو النقابي، أو.. أو....."

يتم الاتصال  به على الهواء ليدان في محاكمة مكارثية، ولتقول له "الدويحة" الحمراء بأنه "ساقط" لا محالة، فقط لأنه طالب "بإسقاط النظام". يصل الأمر إلى أن يدعا المسئولون عبر التلفاز إلى عدم العفو عنه ومعاقبته وملاحقته أينما كان، وفي اليوم الثاني يعتقل، سواء من مقر عمله أو بمداهمة منزله قبيل الفجر! سيتعرض لأبشع صنوف التعذيب بالطبع، ثم سيحاكم في "القضاء"، وسيكون قد خسر وظيفته أو دراسته حتما.

فيصل هيات، الإعلامي والرياضي الذي نشر تجربة اعتقاله عبر مرآة البحرين[1]، أشار إلى أن الناس كانت تتابع تلفزيون البحرين لتعرف "من هو القادم؟" أي على من سيأتي الدور؟ يشارك هيات في حملة "دوحوها" ولكن بصورته التي نشرها تلفزيون البحرين، حيث الدائرة جاهزة ومن التلفزيون نفسه!



كان الإعلام الأمني قد أعلن عبر التلفزيون عن "رقم ساخن" للوشاية بأي شخص من هؤلاء. كذلك كانت الأمور في صفحات "فيسبوك" و"تويتر"[2] التي أنشئت خصيصا لهذا الغرض، والمنتديات التي كانت تغذيها الحكومة وتشرف عليها وتدعمها بقوة.

الصورة التي لا يعرف أصحابها كان تنشر ويكتب عليها "مطلوب التعرف عليه" بالإضافة إلى مجموعة صور مضغوطة في مجلد وموجودة للتحميل من أحد المواقع في ملف اسمه "صور الخونة".

حين تتم العملية بنجاح سترى في تويتر اسم الرجل "أو المرأة" مختوما ب "شحوال". كل هذا، ولا زال هناك أناس يتساءلون عن أسباب الانقسام الذي دب في المجتمع؟

قبيل الذكرى الأولى ل 14 فبراير، قطع أنس الشيخ الطريق على تلك النفوس المريضة، في إظهار أوهام قوتها وقدرتها على الانتقام والتنكيل. فلا مجال للبحث عن الوجوه و"تدويحها"، كل الوجوه في تويتر مكشوفة كما كانت في دوار اللؤلؤة وكلها عليها "دويحات" سلفا!

كثير من أصدقاء البحرين الأجانب في الشرق والغرب استغربوا انتشار ظاهرة الدويحات التي اشترك فيها عدد كبير من المغردين بينهم شخصيات معروفة مثل النائبين خليل المرزوق وعبد الجليل خليل، والناشطين نبيل رجب ومريم الخواجة. كانت الأسئلة التي تستفهم عن فحوى هذا الأمر الغريب تتوالى على رئيس تحرير الوسط منصور الجمري الذي شارك هو أيضا بدويحة على وجهه – وقد نالته هو نفسه حلقة انتقامية خاصة في تلفزيون البحرين-

حدث دونته مفكرة البحرين ولم يكن له مثيل في التاريخ سوى حملات جوزيف مكارثي في خمسينيات أمريكا[3]، ولكن إذا كانت غرابة تلك الأفعال الانتقامية لمجتمع "المخبرين والوشاة"[4] وفظاعتها قد وصلت إلى وسائل الإعلام الدولية[5]، لتعبر عن امتعاضها وذهولها لهذا السلوك الهمجي فإن الإعلام الدولي سيصله حتما أن ذلك يقابل اليوم ببراءة اختراع بحرينية، إذ ينفرد البحرينيون دائما بالإبداع في كفاحهم المدني، وسيكون عمل "الدويحة" ماركة بحرينية مسجلة أخرى.

 
هوامش:
  1. تجربة سجن الصحافي فيصل هيات: صورة و84 يوماً.
  2. اضطلع حساب "حارقهم" في تويتر بالدور الأكبر من هذه المهمة، وذكره تقرير بسيوني بالاسم وتحدث عنه مطولا.
  3. أحمد البوسطة: مكارثّية بنكهة بحرينية.
  4. تسمية أطلقتها المدونة أحلام عون في مقالها عن دويحة أنس الشيخ.
  5. المقطع الخاص ب "دويحة النظام" من فيلم قناة الجزيرة الوثائقي "البحرين..صرخة في الظلام".

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus