للمنامة وجهان: "صمود - خمسة" وضوء خادع في صالة مغلقة!

2012-02-03 - 7:02 ص






مرآة البحرين (خاص): ليس بعيداً من متحف البحرين الوطني، حيث نظمت احتفالات إطلاق المنامة عاصمة الثقافة 2012 بحضور ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة؛ ففي المنامة، على بعد أمتار قليلة فقط كان آلاف المتظاهرين يدشنون "عاصمة الصمود - خمسة". كان بوسع حاضري الحفل المكلف، الذي جهز بكل أساليب الخدعة، وجلّهم من أصحاب الفخامة والأبهة، أن يمنحوا أنفسهم دقائق للإطلالة من بعيد على أعمدة الدخان الكثيف المتصاعد من الحواري القريبة.

أضيء مسرح مصطنع على بحر المتحف بمصابيح النيون، وتتالت لوحات السينوغرافيا الملونة والمزركشة على إيقاع "طريق اللؤلؤ" - هكذا اختير لها أن تكون ثيمة الحفل!-، فيما راحت فرقة قلالي الشعبية تطرب الحاضرين ببعض من أغاني البحارة القدماء، مستعيدة  بحنين مصطنع، بعضاً من ليالي "النهمة" في الدور الشعبية، وفي الخارج على بعد مئات الأمتار فقط، كان مكان نصب اللولو، الشاهد الرمزي على ملحمة البحث "الحقيقية" عن اللؤلؤ في قاع البحار، خالياً سوى من ذكرى وغبار طلل.

بنفس "طالباني" متطرف، أرادت الدولة أن تمحو كل ذكرى "سيئة" له، لا لشيء سوى أن دماء الناس البريئة، هي من منحته المعنى وتأويله. وبنفس "كاريكاتوري" ممعن في المسرحة، والخداع، أرادت أن تقنع الحاضرين: إنه هنا، نحن من يمنحه المعنى والتأويل في آن، انظروا إلى هذه الألوان "السخيفة" الفاقعة، إنها اللؤلؤ، وسنينه!

على خط آبائهم، في رحلة البحث المضني عن "اللولو" في هيرات الخليج، وشعب المرجان، كان المتظاهرون البسطاء، الآتون من القرى الفقيرة المعدمة، يرسمون في المنامة لوحة السينوغرافيا الأشد واقعية، لا تمثيل فيها أو ألوان زائدة ولا أي مسرحة. عرفوا أن "اللؤلؤ" الذي استقتل في سبيله آباؤهم، ومنهم من مات في لجج البحار، أو غطس بين الشعب العميقة، فلم يرجع، وضاع في النسيان، عرفوا أنه هناك في اللحظة التي يستعيدون فيها حريتهم وكرامتهم ووطنهم من أيدي النواخذة "النهابة" والمستأثرين بالخير العام. ومثل آبائهم، فقد يموتون من أجل ذلك، أو يسبحوا في ظلمة الهيرات واللجج العميقة، لكنها لجج من الدم، وهيرات من الألم المر. زمنان وجيلان، كل يبحث عن لؤلؤه، لكن الآن هو الآن.

هكذا راحت الهتافات اللاهبة تصخب في سماء المنامة. أرادوها أربعة - باب البحرين، الكنيسة، الصفافير وسلوم -، وقد فعلوا، تماماً كما خطط لذلك ذكاؤهم الوقاد، لكن آلة القمع الوحشية جعلتها "أربعة و... أربعين". من كل صوب، كل زاوية، كنت تستطيع أن ترى تدفق المتظاهرين، وهم يواجهون بصدور عارية، عدوان الأسلحة الجهنمي في أيدي الرجال الجلفة الغليظة، المفرغة، كالطبول، من أي واعز إنساني، والمغلفة بالخوذات البيض، غلافاً على القلب، قبل أن تأخذ مكانها على الرأس والجمجمة.

قاد نبيل رجب محور باب البحرين، وقادت الطبيبات على رأسهن ندى ضيف محور الصفافير، وعند محور سلوم يوسف المحافظة ونادر عبدالإمام، في حين تصدت زينب الخواجه إلى محور الكنيسة. خطة محكمة، هكذا بدت، وكانت كذلك فعلاً. التحمت المسيرات الأربع ببعض، صارت واحدة. جاء الغاز الخانق من كل صوب، تمازجت الهتافات الحرّى الداعية إلى سقوط الطاغية، والمطالبة بالديمقراطية والحياة الكريمة مثل باقي الشعوب الحرة ملء العالم، مع صوت القنابل الصوتية الكريه، النشاز.

هكذا كانت المنامة الليلة: غازات خانقة، صدامات وساعة جلجلة. لكن داخل صالة ظلماء مغلقة، جهزت بكامل طقم الخدعة المركبة وعصاة رجل "السيرك"، في مكان قريب جداً، على بعد مئات الأمتار فقط، كانت السلطة، تريد أن تقنع، بمكابرة، من هو مقتنع أصلاً، بغريزة "الاستغباء" أو حتى ب"الفلوس"؛ أن هنا تحديدا، في هذا المكان الصغير الضيق، المفرغ من أي حس واقعي، أن هنا البحرين، وحتى ليست المنامة فقط. فيما كانت البحرين خارجاً، تموج بصرخات الأحرار، والألم المر المحفور في كل نفس وبيت.

ومثل أجدادهم: إنهم يبحثون عن "طريق اللؤلؤ"، لكنه ذاك، المصقول بغنى الحقيقة؛ حيث حرياتهم وكرامتهم وكرامة أبنائهم؛ وحيث يعيشون ويتعايشون مع إخوتهم في المواطنة والحقيقة، وليس ذاك، الممسرح المزيف، المعاد توليفه "هارمونياً" من سيرك وحزمة خدع ضوئية، في الصالة الصغيرة الظلماء والمغلقة!

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus