مذكرات معتقل في (سجن جو) تنشر على حلقات: سأروي لكم عن أيام حياتي الأسوأ

2016-03-10 - 6:29 م

مرآة البحرين (خاص):

المقدمة..

من غوانتانامو الأمريكية إلى عسقلان الإسرائيلية ..

من الخيام بجنوب لبنان إلى بريتوريا بجنوب أفريقيا ..

إلى جو البحرينية وسجنها المركزي.. حيث تطمس الحقيقة ويصرّ على إظهارها الأحرار، يصارعون أحلك الظروف لينيروا شمسها، وليقدموها بين يدي النفوس الحية والضمائر الحرة..

ما الذي يدور داخل هذا السجن؟ وكيف يعامل السجناء فيه؟ أعرف أنكم سمعتم الكثير، وتم تضليلكم عن الكثير. لقد حاولوا دس حقيقة ما حدث ويحدث داخل هذا السجن في التراب، لكنه ليس التراب الذي مرّغوا أنوفنا فيه، دون أن يتمكنوا من دفنا كرامتنا. كعادتهم مارسوا التضليل الإعلامي والكذب والافتراءات، لقد عملوا على حرف الحقيقة وقلبها لكي يصمّوا أُذن العالم عن سماع صرخاتنا الموجوعة.

من أنا؟

شاب بحريني، أحببت وطني كما أحب أمي، وكنت أظنهما شيئاً واحداً، فالوطن هو حيث يكون المرء في خير كما يقال، وأنا أكون بخير طالما أنا في حضن أمي، لكني لم أكن كذلك في وطني، لم أكن بخير، ووطني أيضاً ليس بخير، فوطني مصاب بورمين قاتلين يفتكان بجسده: الفساد والاستبداد.  

أنا الآن سجين سياسي منذ قرابة خمسة أعوام، وما تزال تنتظرني سنوات طويلة ستستغرق أجمل سنوات عمري. كان يمكن أن أحقق الكثير من الإنجازات الجميلة خلال هذه السنوات لو كان وطني بخير. لقد حكم القضاء البحريني عليّ بكل هذه السنوات فقط لأني مارست نشاطاً سياسياً سلمياً معارضاً. انا اليوم أدفع ضريبة نشاطي الثوري في وطنٍ أمسينا فيه غرباء ونحن على ترابه.

لقد تمت محاكمتي تحت قانون الإرهاب، بعد أن نسبت لي تهماً جنائية وتم تحميل فعلي الاحتجاجي السلمي مضامين إرهابية. أنا واحد من مئات غيري أدينوا بجرائم لم يقوموا بها وكانوا أبرياء منها براءة الذئب من دم يوسف، إلاّ أن القضاء البحريني حكم عليهم بالسجن 15 عاماً أو أكثر معاقبة لهم على مبادئهم الحقة ومطالبهم الوطنية المشروعة.

لماذا أكتب؟

تمر هذه الأيام، الذكرى الأولى لأحداث 10 مارس المريرة في سجن جو، وقد أطلق عليه النشطاء في الخارج اسم "غونتنامو البحرين". لقد وجدت نفسي مسؤولاً عن كتابة شهادتي، تلك التي عشتها بنفسي أو عايشتها مع غيري،  ليعرف كل العالم حقيقة ما يقع علينا في هذا المكان المظلم من الجزيرة المنكوبة، وليطّلعوا ولو على صفحة واحدة من صفحات المظالم التي تقع على فئة مضطهدة.

سأروي لكم هنا حقيقة الأحداث التي وقعت في سجن جو المركزي في مارس 2015، الأيام الأسوأ التي مرّت عليّ في كل حياتي وكذلك على باقي السجناء معي. سأبدأ ببيان أسباب وقوعها إلى أن أنتهي بكل مصائبها.

سأروي شهادتي كإفادة حقوقية بطابعٍ روائي لكي لا تندثر ويطوي النسيان صفحاتها بمرور الزمان، ربما سيكون ثمن هذه الشهادة باهظاً لأني ما زلت في قبضة السجان، لكن الحقيقة تستحق أي ثمن يدفع من أجلها، ومن أجل يوم نكون فيه -وطني وأنا- بخير.

دافع الكتابة..

"أعطني حقيقة أكن جيداً ، أعطني ساعة أكن ممتازاً ، أعطني يوماً أكن رائعاً ".. كانت تلك كلمات توقفت عندها متأملاً في مقدمة رواية بعنوان "آدم المقدام" لا تزال رهن التدقيق والطباعة. لقد زرعت هذه الكلمات فيّ الدافع نحو تقديم شيء ولو بسيط لهذا الشعب وثورته وشهدائه وتضحياته الجسام.

لقد صاحب كتابة شهادتي هذه نقل خبر لي عن طريق أحد الأحبة، قد لا يسعني قوله الآن وهنا، لكنه جعلني في سعادة وطمأنينة لم أشعر بها في حياتي، كيف وأنا بالسجن أيضاً.. لقد زادني حماساً ونشاطاً..

ملاحظات..

معظم هذه الأحداث بل جلّها ، كنت أنا شاهداً عليها وحاضراً فيها والبعض الآخر نقلها لي عدد من الأخوة الثقاة الموجودين معي في السجن، عاصروا الحدث وأنا أنقلها بدوري لكم لتكتمل الصورة لديكم. إن الأمانة تحتّم عليّ ذكر ذلك وإن قدمتها بشكل روائي على لساني.

هناك شخصيات لم تأذن لي بذكر اسمائها، وبعضها لم أحصل منهم على الإذن لبعدهم المكاني عني، رغم أهمية ذكر أسمائهم.

أرجو أن تكونوا جميعا بخير وأنتم تقرأون قصتنا التي ما زلنا نعيشها في ظروف لا تعرف الخير الإنساني الذي فطر الله عليه البشر..

الحلقة الأولى.. قريباً


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus