والدي إريك آيفبري، قديس قضايا حقوق الإنسان

جون لوبوك - موقع ميدل إيست آي - 2016-03-15 - 6:30 م

ترجمة مرآة البحرين

شكل إريك آيفبري تناقضًا في عدد من الأوجه. وكوريث غير متوقع للقب أرستقراطي مُنِح لجده قبل سبعين عامًا مضت، فقد كان معارضًا للسّلطة الوراثية وصوّت لإلغائها، مع ذلك، تمت إعادة انتخابه من قبل حزبه في وقت كان قد طُرِد فيه أغلب اللّوردات الوراثيين منه في العام 1999.

لقد كان من طراز قديم غير قابل للتّغيير في نواح متعددة، وكان يكره الأحزاب والأحاديث الصّغيرة والعروض القوية للعاطفة، مع ذلك، أصبح أكثر ليبرالية مع تقدمه في العمر، إلى درجة أنّه صوّت ضد قضايا حزبه، في مسائل مثل ضريبة غرفة النّوم.

وكعلماني وملحد ملتزم، كان يتأثر بشدة بالموسيقى الدّينية لباخ، وأًصبح بوذيًا، وهو نظام من المعتقدات قاربه أكثر كإطار أخلاقي أكثر من كونه دينًا. لم يكن لديه هوايات إلى جانب الموسيقى، مساعدة النّاس كانت هوايته،  وقد مارس ذلك كوظيفة لا يمكنه أبدًا تركها. من الصّباح حتى منتصف اللّيل، يكون في مكتبه، يكتب رسالة تلو الأخرى إلى الوزراء واللّاجئين والسّجناء والزّملاء والمنظمات.

الأشخاص المنتمين إلى مجتمعات لم يتم الاستماع إليها أبدًا كانوا مدهوشين من أن عضوًا في المؤسسة الحاكمة كان يوليهم اهتمامه وساعدهم على الوصول إلى البرلمان والتّحدث في اجتماعاته. لقد أعطى الأمل لحركات المقاومة وجعل النّشطاء والثّوار يُدرِكون أن نضالاتهم ليست هباء.

في القضايا التي كان بطلها، لم يحد نفسه أبدًا بمجموعة من الاختصاصات. كان مكتبه في المنزل مليئًا بالصّناديق والملفات بشأن الموضوعات المختلفة التي تصدى لها. لقد حاول المساعدة لإيجاد قرار بشأن نزاع الشّياتاجونج هيل في بنغلادش، وجعل التّمييز الطّبقي غير قانوني في الأمم المتحدة، ولفت الانتباه إلى إبادة قومية الهزارة في باكستان، وكذلك اضطهاد المسلمين الأحمديين والبهائيين والأكراد في العراق وتركيا (ولذلك مُنِع دخوله إلى تركيا من العام 1995 حتى العام 2005)؛ وقد ناضل من أجل الاعتراف بالإبادة الأرمنية ودولة أراضي الصّومال وحقوق السّكان الأصليين للشّاغوس والغجر والرّحل والمساواة في الزّواج في المملكة المتحدة والكشميريين والدّاليت في الهند وسكان بابوا الغربية ... والقائمة تطول.

ولم يكن يُفتَرَض بهذه المقاربة أن توفر له الأصدقاء، لكنّها فعلت. وليس معنى ذلك أنّه لم يكن هناك لديه أعداء. في إحدى المرات، قاضاه حفيد ونستون تشرشل بتهمة التّشهير بعد أن وصفه بالعنصري. وقد وصفته صحيفة مصرية بالإرهابي وتاجر المخدرات (وقد قاضاهم بتهمة التّشهير) وفي أواخر التّسعينيات، دُعِي بـ "عراب الإرهاب"  في منشور لزعيم طائفة أمريكية مجنون يُدعى ليندون لاروش.

في نعي التّايمز لإريك آيفبري، قالت إنّه كان داعمًا للمعارضة البحرينية "المدعومة من قبل إيران". هذا على الرّغم من أن التّقرير الخاص بالحكومة البحرينية لم يجد أي دليل على وجود تدخل إيراني في البحرين. وبالمناسبة، فقد كان إريك أيضًا داعمًا قويًا للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو الحركة الدّولية الأساسية المعارضة للحكومة الدّينية للجمهورية الإسلامية.

إذا أرجعت الأمر للنّاس، على ما يبدو، سيظل هناك دائمًا أحد يريد اتهامك بفعل ذلك من أجل سبب ما، هدف إرهابي، بعض النّاس ساخرون جدًا في القول بأنّهم لا يعتقدون بأن أحدًا سيساعد بصدق المظلومين من دون مكاسب شخصية. لكن، كان إريك هكذا -كان معارضًا للقسوة؛ ولم يستسلم أبدًا بشأن اعتقاده بأنّه يمكن للإنسانية أن تكون أفضل، على الرّغم من إغراقه نفسه في أسوأ إخفاقاتها.

لقد بدأ والدي العمل بملف قضايا الإنسان في البحرين في أوائل التّسعينيات، قبل وقت طويل من إيلائها الاهتمام من قبل أغلب السّياسيين والإعلام الدّولي. في هذه المرحلة، كان النّشطاء في البلاد يطالبون بالإصلاحات الدّيمقراطية منذ الخمسينيات، ومن الملفت للنّظر أنّه لم يتغير إلا القليل في البحرين على مستوى الحقوق التي يتمتع بها المواطنون منذ تلك الفترة.

لإريك آيفبري
إريك آيفبري في شاتيلا، لبنان، 1980

لقد أنجز إريك الكثير من العمل في الشّرق الأوسط قبل تلك الفترة، فزار مخيمات اللّاجئين في صبرا وشاتيلا  في العام 1980 وضغط على منظمة التّحرير الفلسطينية وعرفات لنبذ العنف. في الثّمانينيات والتّسعينيات، زار مسعود بارزاني وجلال طالباني في منطقة الأكراد في العراق، وحاول الإصلاح بين المتنافسين (وجد أن طالباني مثقف وودود، غير أن بارزاني لم يكن كثيرًا كذلك). وقد التقى أيضًا عبد الله أوجلان في دمشق، وحاول إقناع حزب العمال الكردستاني بالمشاركة في العملية السّياسية في تركيا كما فعل شين فين في نهاية المطاف في إيرلندا الشّمالية.

وفي التّسعينيات، كتب والدي رسالة تلو الأخرى إلى الحكومة البريطانية، يطلب فيها منها إثارة مخاوفها مع الحكومة البحرينية والضّغط على الأخيرة للإفراج عن المعتقلين السّياسيين. تم جمع رسائله من ديسمبر/كانون الأول 1994 حتى يونيو/حزيران 1996 في ملف نشرته مجموعة حقوق الإنسان في مجلس النّواب تحت عنوان: "البحرين: حائط مسدود". وهذا مثال يعود إلى ديسمبر/كانون الأول 1995:

النّص الوارد في الصّورة

يبدو الوزراء مترددين بشكل استثنائي في مناقشة الأحداث في البحرين. وعندما أثير موضوع انتهاكات محددة لحقوق الإنسان، يجيبون بالقول إن رسالتي أُحيلَت إلى السّفير في المنامة وهذا آخر ما أسمعه بشأنها. وإن كتبت عن مطالب حركة الإصلاح، يذهبون بعيدًا أحيانًا بالقول إنهم يُشَجعون الحكومة على المشاركة في الحوار، من دون القول مع من، أو بشأن أي موضوعات.  ليس لدي أي علم ما إذا كانت وزارة الخارجية تعتبر أن المشاورات مع المرشحين من قبل الأمير كافية.

لم يتغير أي شيء منذ تلك الفترة. في العام 1999، توفي الأمير وتولى ابنه حمد آل خليفة الحكم، واعدًا بأن يكون مُصلِحًا. الطّلب الرّئيسي للمعارضة كان عندها، كما الآن، الحصول على دستور يضمن بشكل ذي مغزى حرية التّعبير والتّجمع والتّمثيل السّياسي. للأسف، ليس هذا ما تريده الحكومات البريطانية أو الأمريكية للبحرين. إنهم يريدونها أن تكون مكانًا مستقرًا اقتصاديًا يدعم المصالح الغربية، وإن كان هذا يعني قمع المطالب المشروعة للشّعب البحريني، فإن هذا يُشكل إحراجًا خفيفًا لمصلحتهم المُعلَنة في التّرويج لحقوق الإنسان.

اقترح حمد دستورًا جديدًا في العام 2011 وافق عليه 98.4 بالمائة من البحرينيين. عندها، وبسحر ساحر، استُبدِل الدّستور الذي صوّت عليه الشّعب بآخر همّش الجزء المنتخب من التّشريع، وسمح للحكام غير المنتخبين بالمحافظة على نفوذهم. كان والدي في البحرين في تلك الفترة، وأخبرني لاحقًا إنّه بقي مع حمد في المجلس كجزء من محاولاته للنّقاش مع الحكومة. وقال لحمد إن إنشاء نظام ديمقراطي حقيقي لن يكون أمرًا سهلًا ويتطلب أكثر من إصلاحات شكلية. وهز حمد رأسه موافقًا، غير أن والدي لم يكن مقتنعًا بجديته.

بعد انتفاضة العام 2011، تشدد حكام البحرين في قرارهم بشأن عدم التّنازل لأي من مطالب المُصلِحين. أغلب المعارضين الذين عادوا إلى البحرين في العام 2012 بعد عفو عام، أُعيد اعتقالهم ورميهم في السّجن مدى الحياة، مثل عبد الهادي الخواجة. كان والدي رجلًا صبورًا. علم أن تحقيق العدالة سيستغرق عقودًا، ولكن في البحرين، وجد نظامًا لم يكن يريد التّغيير، وحكومة بريطانية لا مصلحة لديها في جعلهم يفعلون ذلك.

هذا هو السّبب الذي دفعه إلى تأييد الحركة المطالبة بالدّيمقراطية بشدة، لأن لا أحد آخر سيفعل ذلك. الحقيقة هي أنّنا قد لا نرى أبدًا الإصلاح قادمًا إلى البحرين، على الأقل إلى أن يتم إجبار الدّكتاتوريات الخليجية على ذلك عند نفاد النّفط لديها. لكن هذا لا يعني أنّ أي شخص يناضل لجعل البحرين مجتمعًا أفضل سيستسلم، لمجرد صعوبة الأمر.

الطّريق إلى الحرية طويل وشاق، وفي الطّريق، تكون أحيانًا محظوظًا إن وجدت دليلًا يساعدك على تحمل الأعباء ويرشدك إلى الطّريق. مثال إريك سيلهم عددًا من الأشخاص الذين سيتبعونه لالتقاط الشّعلة التي حملها، وأينما كانت شعلتهم تسلط الضوء على الظّلم ليراه العالم، ستكون روح والدي حاضرة.

*جون لوبوك هو صحافي وصانع أفلام، أنهى مؤخرًا فيلم "بعد مائة عام". وهو حاصل على ماجستير في السّياسة الدّولية من جامعة لندن.

التّاريخ: 18 فبراير/شباط 2016

النّص الأصلي 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus