لماذا تساند بعض جيوش الشّرق الأوسط (وليس كلّها) قادتها؟

دوروثي أوهل وهولجر ألبريخت - صحيفة الواشنطن بوست - 2016-04-09 - 1:54 ص

ترجمة مرآة البحرين

لماذا يدعم بعض الجنود  الحكام المستبدين في حين تتم تعبئة الجماهير ضد الوضع الرّاهن؟ في تونس ومصر في العام 2011، ابتعدت الجيوش عن الرّؤساء المحاصرين ودعمت تغيير النّظام. لكن القول إن الجيوش تساند غالبًا شعوبها سيكون أمرًا مُبَسطًا للغاية.

في العام ذاته في اليمن، انقسم الجيش إلى وحدات موالية أو خائنة. وشهدت القوات المُسَلّحة السّورية ترك المُجَنّدين والضّباط ذوي الرّتب المتدنية لمناصبهم. وفي البحرين، بقي الجيش متماسكًا واستخدم القوة لدعم الأسرة الحاكمة. ما الذي يُفَسر هذا التّباين الكبير في سلوك الجيوش؟

من تقارير وسائل الإعلام، قد نعتقد أن هويات الجنود تحدد عملية اتخاذ القرارات لديهم  في الأوقات الحاسمة للأنظمة الدّكتاتورية. وبالنّسبة للبعض، كان لا بد للجنود البحرينيين السّنة من قمع المتظاهرين من الأغلبية الشّيعية في البلاد. العناصر السّوريون تركوا الجيش لأنهم كانوا مسلمين سنة ضاقوا ذرعًا بالنّظام العلوي، وفقًا لهذه الحجة. وقد وحد البعض أنّه من غير المفاجئ أن يساند الجنود المصريون المتظاهرين، نظرًا لعدم وجود انقسامات طائفية  في الشّعب المسلم في البلاد .

لكن في الحقيقة، يظهر بحثنا الجديد أن ديناميات التّسلسل الهرمي في الجيش تذهب أبعد من ذلك لشرح تصرفات الجنود خلال هذه الأزمات. بعد إجراء مقابلات مع أكثر من 100 جندي وشاهد على الصّراع في البحرين واليمن وسوريا، أدركنا أنّه من الأساسي تحليل "الجيش" ودراسة كيف أن وضع الجندي داخل الهيكلية يؤثر على سلوكه خلال هذه الأزمات.

القوات المُسَلحة في كل بلد مُكَونة من مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة التي تمتلك قطعًا مصالح وفرص مختلفة للتأثير على مسار حركة مناهضة للاستبداد. في مقالنا، نركز على انقسام واحد مهم بشكل خاص: ذلك الحاصل بين الضّباط ذوي الرّتب العالية ومرؤوسيهم. عندما أمر الرّئيس بشار الأسد قواته بقمع المحتجين السّوريين في ربيع العام 2011، كان لدى النّخبة العسكرية في الدّائرة المُقَربة من الأسد مصالح وقدرات تناقضت بشكل صارخ مع تلك الخاصة بالمُجَندين في الجيش.

وتمتلك هذه الجهات العسكرية المتنوعة مجموعة أوسع من الإجراءات المُحتَملة تتجاوز تلك المُعتَرَف بها عادة. عدد من المُعَلقين يسألون ما إذا كان الجيش سيدافع عن النّظام من خلال البقاء مخلصًا له، أو الانشقاق عنه. ولكن، في الواقع، لدى العسكريين خيار آخر: يستطيعون الخروج من النّظام بطريقة أقل سلبية من خلال بقائهم في ثكناتهم والامتناع عن استخدام القوة عند توزيعهم.

هذه الخيارات الثّلاث -الخروج والمقاومة والولاء- تعني أنّه كمراقبين، علينا أن نكون أكثر إدراكًا لما يقوم به العناصر العسكريون فعلًا خلال هذه الأحداث. في الأيام الأولى من الانتفاضة المصرية، هل انشق الجنود عن الجيش وانضموا إلى التّظاهرات، أو كان هناك عدد من العناصر الذي تركوا النّظام ورفضوا ببساطة استخدام القوة ضد المصريين؟

في بحثنا، نستكشف علاقتين هرميتين مؤثرتين، حيث، في هذه النّقاط المُحتَمَلة للانهيار، يفر الجنود أو يقاومون أو يبقون مخلصين.

عندما تبدأ انتفاضة ما، فإن المستبد المدني يكلف كبار قادته العسكريين بإخماد الثّورة، ونجد أنّه من المُرجح على نحو كبير أن يطيع هؤلاء القادة هذه الأوامر ويبقوا مخلصين. هذا لأنّه في بداية انتفاضة غامضة على نحو كبير،  يفضل القادة المكافآت المحدودة ولكن الأكيدة على خلفية بقائهم في النّخبة السّياسية على الرّهان على الازدياد المُحتَمَل لتأثيرهم من خلال تركهم النّظام. وكنتيجة لذلك، هناك فقط ظروف ضيقة يعتبر الضّباط أن احتمال النّجاح فيها ضئيل، ولكنها ذات مردود وفير وتُمكنهم من الاستيلاء على السّلطة.

في مرتبة أقل في التّسلسل الهرمي، يأمر عندها القائد العسكري مرؤوسيه بتنفيذ أوامره. ومع ذلك، من الواضح أن اعتبارات المرؤوس مختلفة تمامًا عن اعتبارات الضّابط الأعلى منه رتبة. الخدمة العسكرية هي وظيفة أساسًا، وقد يكون هناك عدة عوائق في وجه التّقدم المهني في الجيش التّابع للنّظام المستبد بالنّسبة لهؤلاء العناصر ذوي الرّتب الدّنيا، وفي الوقت نفسه، هم أيضًا في وضع مختلف خلال الاضطرابات لأنّهم يطلقون النّار ويتم إطلاق النّار عليهم.

على الرّغم من أن هذه العوامل هي التي تدفع مصالح المرؤوسين، بسبب تراتب القيادة، ليس لدى هؤلاء الجنود الكثير من الاستقلالية للتّصرف وفقًا لتفضيلاتهم، سواء كان ذلك لصالح تغيير النّظام أو ضدّه. وكنتيجة لذلك، نجد أن المرؤوسين سيُلَبون على الأرجح أوامر رؤساهم عندما يكون لهؤلاء نفوذ عليهم، مثل القدرة على المراقبة والعقاب.

تحليل الجيش يساعدنا على فهم السّبب الذي جعل الدّول -وكلها تقع في الشّرق الأوسط كما أنها كلها شهدت انتفاضات في العام نفسه وكلها تمتلك تاريخًا من العلاقات الوطنية بين الدكتاتور والقوات المُسَلحة- شهدت رد الجنود على الاضطرابات بمثل هذه الطّرق المختلفة.

في البحرين، استخدم نظام الملك حمد بن عيسى آل خليفة قواته الأمنية والعسكرية لاحتواء  مواقع الاحتجاجات وتفكيكها وإخلائها في العام 2011. والواقع أن كل العناصر العسكريين نفّذوا أوامر النّظام. على الرّغم من أن العوامل، كالدّيناميات الطّائفية، قد تكون أثّرت على مواقف الجنود خلال الانتفاضة، وفهم التّسلسل القيادي العسكري في ذلك الوقت يذهب أبعد من ذلك في الكشف عن مصادر استقرار النّظام. كان للقادة العسكريين في البحرين مصلحة كبيرة في الوضع السّائد في العام 2011، إصلاح النّظام كان سيُكَلّف أعضاء الأسرة الحاكمة مناصبهم. وبغض النّظر عن تفضيلاتهم المحتملة للإصلاحات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم يكن هناك لدى المرؤوسين الكثير من الحرية للتّصرف لأن قادتهم يمتلكون قدرة كبيرة على مراقبة تصرفات الجنود ومعاقبة العصيان في الدّولة الصّغيرة.

لم يكن بمقدور نمط السّلوك العسكري أثناء انتفاضة اليمن أن يكون أكثر اختلافًا. عندما تصاعدت الاحتجاجات في ربيع العام 2011، ازداد الانقسام في الجيش. انضم الجنرال علي محسن إلى المقاومة وتبعه عناصر من كتيبته وآخرون. الصّراع الذي تلا حرّض هذه القوات المنشقة ضد الوحدات الموالية، التي كانت أساسًا تحت قيادة نجل الرّئيس. لم يتم حل الأزمة إلى أن أدى اتفاق بوساطة من مجلس التّعاون الخليجي إلى اعتزال الرّئيس علي عبد الله صالح. لم يكن الجنرال محسن قد اختار المقاومة في الأيام الأولى للصّراع، عندما كان المناخ السّياسي غامضًا على نحو كبير. لكن مع استمرار التّظاهرات، وقد انعكس ذلك بتهميشه شخصيًا بالإضافة إلى احتمال أن يرث نجل الرّئيس السّلطة قريبًا، أصبحت المقاومة أكثر جاذبية. وقد تبعه مرؤوسوه لأنّه كان يمتلك نسبة عالية من النّفوذ عليهم - إذ كان يزودهم مباشرة برواتبهم.

دراسة الصّراع السّوري مرة أخرى تُسَلّط الضّوء على نمط مختلف تمامًا من التّماسك العسكري. فقد اختار الضّباط ذوي الرّتب العالية عدم المخاطرة بالانشقاق عن نظام الأسد عند بداية الصّراع. علاوة على ذلك، كانوا قادرين على الحد من عملية الفرار من قبل العناصر الأقل رتبة في ربيع العام 2011 من خلال استخدام الخدمات الأمنية والاستخباراتية لمراقبة السّلوكيات الخائنة ومعاقبتها. مع ذلك، ومع تطور الصّراع، تحولت هذه الدّيناميات. وعلى الرّغم من أن كبار الضّباط ظلوا موالين للنّظام، إلا أن قدرتهم على ممارسة السّيطرة على مرؤوسيهم تراجعت وانضمت مجموعة من العناصر الأدنى رتبة إلى المقاومة أو غادرت تمامًا البلاد.

يساعد تحليل أنماط التّماسك العسكري عن كثب، في مثل هذه الأوقات، على شرح مسارات هذه الصّراعات أيضًا. كل  من سوريا واليمن انزلقتا إلى حرب اهلية في أعقاب الرّبيع العربي. مع ذلك، فإن طبيعة هذه الصّراعات اختلفت بشكل جذري. عمليات الفرار الجماعي حصلت لدى المرؤوسين، وعلى الرّغم من أن هذا الأمر قوّض القدرات القتالية للجيش، إلا أنه لم يؤد إلى تفكك بنيته التّحتية. وعلى النّقيض من ذلك، شهدت اليمن انشقاق وحدات عسكرية بأكملها، الأمر الذي سرّع انهيار الحكومة وأدى إلى حل ظاهري للأجهزة  القسرية للدّولة. تحليل الهيكليات العسكرية يساعدنا بشكل أفضل في تقييم قوة الأنظمة الدّكتاتورية، وما إذا كانت ستصمد في حال تحدّتها شعوبها.  

***دوروثي أوهل هي طالبة في مرحلة الدّكتوراه في العلوم السّياسية في جامعة جورج واشنطن. هولغر ألبريخت شريك في مبادرة الشّرق الأوسط في هارفرد وأستاذ في قسم العلوم السّياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة.

التّاريخ: 29 مارس/آذار 2016

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus