ما السّبب وراء عدم انتقاد الحكومة البريطانية لانتهاكات حقوق الإنسان؟

جين كينيمونت - صحيفة الغارديان - 2016-04-13 - 4:42 ص

ترجمة مرآة البحرين

لن يتفاجأ النّاشطون في الشّرق الأوسط بالنّتائج التي توصل إليها تقرير لجنة الشّؤون الخارجية، والتي تفيد بأن وزارة الخارجية البريطانية قلّلت من أهمية حقوق الإنسان، ذاكرة علاقاتها مع السّعودية والبحرين ومصر كمثال على ذلك. جماعات حقوق الإنسان في هذه البلاد ترى عادة أن المملكة المتحدة أقل اهتمامًا من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي في إدانة القمع داخل الأنظمة.

وتحتج الحكومة على ذلك بالقول إنّها لا تثير قضايا حقوق الإنسان بانتظام مع حلفائها غير أنّها تحتفظ بالانتقادات الأكثر قسوة للمحادثات الخاصة. وتقول إن الانتقاد يغلق الأبواب، محاججة بأنّه يمكن إحداث المزيد من التّطور عند إثارة القضايا الصّعبة بين الأصدقاء، بعيدًا عن الرّأي العام.

أصبحت فكرة أن المخاوف بشأن حقوق الإنسان تثار بشكل أفضل في المجالس الخاصة تقريبًا بمثابة مانترا لدى الدبلوماسيين البريطانيين الذين يتعاملون مع الحلفاء في الخليج ومصر. بالطّبع، تسمية الأمور والتّشهير بها ليسا دائمًا الطّريقة الأفضل أمام الدّبلوماسيين للتأثير على سياسة حكومة أخرى. في بعض الأحيان، تريد جماعات حقوق الإنسان ببساطة من الحكومات أن تندد بانتهاكات الحكومات الأخرى كغاية بحد ذاتها: من أجل الاعتراف بها، أو تقديم أدلة عليها. لكنهم في بعض الأحيان قد يبالغون في تقدير إلى أي درجة قد تستطيع الحكومات الأجنبية إخبار الأشخاص بما يتوجب عليهم فعله مع معارضيهم المحليين. على الرّغم من ذلك، وعلى نحو مناقض تمامًا، تحتاج الحكومة البريطانية بشدة إلى مقاربة أكثر دقة ومستندة على الأدلة لتحديد الوقت والكيفية اللّذين يمكن فيهما للتّصريحات العلنية أن تلعب دورًا مفيدًا.

الدّعوات الدّولية للالتزام بمعايير حقوق الإنسان أكثر فعالية عندما يكون هناك أبطال محليون. الأنظمة المستبدة ليست متجانسة، وهي تواجه عادة انقسامات داخلية بشأن كيفية التّعامل مع المعارضة السّياسية. أولئك الذين يدعمون إطارًا أكثر استنادًا إلى حقوق الإنسان يجدون أنّه من المفيد وجود قواعد ومعايير دولية للرّجوع إليها، مثل اتفاقية القضاء على كل أشكال التّمييز ضد المرأة وعملية الاستعراض الدّوري الشّامل التّابع للأمم المتحدة. يمكن المقارنة بصندوق النّقد الدّولي، الذي تُعتَبَر توصياته أكثر قابلية للتّنفيذ عندما تعكس ما تريده بعض الجهات الدّاخلية بالفعل، أو حتى مع تأثير المزيد من الضّغط الدّولي الشّديد، مثل العقوبات الأخيرة على إيران.

الضّغط المُحتَمَل يستطيع دفع البلاد إلى الالتزام بالمعايير الدّولي. تُقَدّر الحكومات الخليجية سمعتها وهي حريصة على الحصول على مراتب جيدة في التّصنيفات العالمية -سواء كان ذلك على مستوى جاذبية الأعمال أو تصورات السّعادة. سجل قطر في مجال حقوق العمال يبقى ضعيفًا جدًا، ولكن الرّقابة من قبل كأس العالم أدت إلى إدخال تحسينات بالنّسبة لبعض العمال على الأقل. الاستنتاجات التي توصلت إليها اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن أحداث العام 2011 لم يتم تنفيذها أبدًا بشكل كامل، ولكن من دونها، كان القمع سيصبح أسوأ على الأرجح. في السّعودية، تم تعليق جلد مدون ليبرالي، رائف بدوي -رسميًا على خلفية أسباب صحية- بعد احتجاج دولي.

العمل على عدة جهات يساعد في إبعاد الرّقابة على حقوق الإنسان عن سياسة العلاقات الثّنائية ومخلفات الاستعمار. وحقيقة أن السّعودية تترأس الآن مجلس حقوق الإنسان في الأمم  المتحدة تشير إلى أنّها لن تستطيع بعد الآن رفض حقوق الإنسان باعتبارها فكرة "غربية".

وعلى نحو حاسم، ليست الحكومات الجهات الوحيدة التي تهم. فغالبًا، يكون التّقدم في مجال حقوق الإنسان مدفوعًا من قبل الحركات الاجتماعية، والضّغط السّياسي الدّاخلي وحتى أيضًا السّلوك في مجال الأعمال في بعض الأحيان. إنّه لأمر جيد أن يتم استخدام لهجة أكثر نعومة في التّصريحات العلنية، ولكن هذه التّصريحات تكون مُضَلّلة بشكل فاعل أحيانًا. قد يصرح وزير للبرلمان بأن بلدًا ما يسير في الاتجاه الصّحيح في حين يخبر الدّبلوماسيون بشكل سري زملاءهم بأن هناك على الأقل خطوتين إلى الوراء مقابل كل خطوة إلى الأمام. وقد ضغط الدّبلوماسيون البريطانيون على مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لتخفيف لهجته في قرار يتعلق بالبحرين، فمحا كلمة "تعذيب". والأمثلة المذكورة من قبل لجنة الشّؤون الخارجية في تقريرها تتضمن تصريحًا وزاريًا بأن مصر -حيث تم حظر الحزب الحاكم السّابق كمنظمة إرهابية، ومُنِحت قوات الأمن الحصانة في أي أعمال تقوم بها "خلال تأدية واجباتها"- تمضي قُدُمًا باتجاه "ديمقراطية أشد قوة".

إنّه لأمرمحبط للأشخاص الشّجعان الذين يحاولون الجهر بوضع حقوق الإنسان في محيطات شديدة القسوة. ولآخرين أيضًا. في البلاد الدّكتاتورية، هناك دائمًا أفراد محميون من التّأثير المباشر لانتهاكات حقوق الإنسان، وحتى من المعلومات عن مثل هذه الانتهاكات. الكلمات الدّافئة من أجل الإصلاحات التّجميلية تقدم لهذه الفئة من المجتمع إحساسًا زائفًا بالتّفاؤل، وتشير إلى أنّه من المؤكد أن المعارضين المحليين ببساطة يكذبون. إنّه أمر مضلل أيضًا للأعمال، التي تحتاج إلى فهم اتجاه السّير عندما يتعلق الأمر بالقمع، سواء كانوا يقيمون حقوق العمال أو المخاطر السّياسية.

وبطبيعة الحال، لا تبحث عالحكومة البريطانية فقط عن فعالية الانتقاد العلني بشأن حقوق الإنسان، ولكن في ما إذا كانت مثل هذه التّصريحات ستُعرض للخطر مجالات التّعاون الأخرى -خصوصًا التّجارة والدّفاع ومكافحة الإرهاب. وهذا يعني أن المدى الذي يتم من خلاله أخذ قضايا القمع بجدية في المحادثات الخاصة يبقى غير واضح. وقد صرّح وزير شؤون الشّرق الأوسط للجنة الشّؤون الخارجية أنّه لا يستطيع أن يذكر ما إذا كان قد أثار قضايا حقوق الإنسان في زيارته الأخيرة إلى مصر.

معظم الأفراد سيفهمون أن الحكومات تحتاج إلى تحقيق التّوازن بين مجموعة من الأولويات السّياسية المختلفة؛ النّاخبون أيضًا يُقَدمون الأعمال والأمن على حقوق الأشخاص الآخرين. لكن الاستراتيجية الأمنية للحكومة البريطانية تعترف بأنّ الحقوق هي جزء من الأمن. ولتعزيزها، يجب أن تكون التّصريحات العلنية الأكثر وضوحًا جزءًا من منظومة كاملة من أدوات السّياسة.

*جين كينيمونت هي نائب مدير برنامج الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.

التّاريخ: 8 أبريل/نيسان 2016

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus