» رأي
ما بعد الساحات والميادين... الحراك العمالي المفقود
حسين يوسف - 2012-02-09 - 4:18 م
حسين يوسف*
تحول ميدان اللؤلؤة بعد هدمه إلى أيقونة، وحولت أسيجة العسكر ساحته إلى رمزية طاغية، بل صار الوصول إليه رديفا للثورة. لم تكن هذه حالة بحرينية صرفة، فقد عانى المصريون من إبعادهم عن ميدان التحرير و "صينيته" بعد فض اعتصامهم بالقوة في سبتمبر الماضي ، صار الثوار يتغنون بصينية التحرير إلى درجة أن فتحه أمام الناس دعا الناشطة البارزة نوارة نجم إلى التوجه إليه بسجدة طويلة فور وصولها لمطار القاهرة.
لا يمكن تجاوز رمزية الميادين، الصديق والمدون المصري علاء عبد الفتاح الذي اختار "التحرير" وجهته الأولى بمجرد خروجه من المعتقل، والذي كان يعلق على جمعة "الهوية" للقوى الإسلامية بقوله: "لقد علمناهم الطريق للتأثير"، وبرغم أن ميدان التحرير و"صينيته" مفتوحان للاعتصام اليوم تشغله ومجموعة من النشطاء الدعوة للإضراب العام في 11فبراير القادم(1). الثوار المصريين يذاكرون تفاصيل ثورة 25يناير فيجدون أن المفصل الأهم بعد نزول الكتلة الحرجة للشارع كانت الحركة العمالية. الحركة التي بدأت سلسلة إضرابات أدت لأسرع تغيير لم يتوقعه أكثر المتفائلين بالثورة المصرية.
ولأن التجربة النقابية المصرية أكثر نضجا وتجربة، لم تكتف دوائر الرئيس المخلوع بالمقاومة التقليدية لحملات التغيير والتطهير فيها بعد 12 فبراير 2011. ولكن سهام الضغط حاصرت الإضرابات والحركات التصحيحية، وصمتها ب"الاعتصامات الفئوية، وصنفتها مسارا موازيا، إن لم يكن مضادا، للصورة النمطية ل"ثورة ميدان التحرير". "ثورة ميدان التحرير" التي تريد القوى التقليدية المصرية حصرها في "برلمان الثورة"، كانت ترى في تفاعل الحركات العمالية طيلة العام الماضي "تعطيلا لعجلة الإنتاج" و"عرقلة" لمسار الثورة!
وكانت البحرين أسوأ حظا، فقد اصطدمت ثورتها بجدار الثورة المضادة في أيامها الأولى. ولم تعد تستذكر السيرة العمالية البحرينية إلا في صور مكارثية السلطة! ما كان شتات النقابيين مختلفاً عن شتات القوى الثورية طيلة فترة الطوارئ، إلا أن الأخيرة نجحت في لم شتاتها واستعادة المبادرة، في حين توقفت الحركة العمالية عند رد الفعل متمثلا بتقارير الانتهاكات ووقفات المفصولين عن العمل.
في المشهد العام، تبدو النقابات بين مشلولة مختطفة، أو مذهولة مرتبكة. نقابة شركة طيران الخليج تفضل أن تكون غائبة عن المشهد تماما، بينما تتجاهل نقابة شركة ألمنيوم البحرين(ألبا)، التي ساهم نقيبها في محاكم المكارثيين، تتجاهل وقفات مفصوليها كأن لم تكن. ولا تبدو جمعية المعلمين التي اعتقل رئيسها ونائبته قادرة على المبادرة في الإطار العمالي فاستعاظت عن ذلك بدفء الاحتضان الشعبي في الفعاليات العامة.
لم يُبد الاتحاد العام لعمال البحرين الذي فصل رئيسه السابق عبدالغفار عبدالحسين من عمله وموقعه على رأس نقابة شركة نفط البحرين (بابكو) أي بوادر لمواكبة الحراك الشعبي المرتقب مع اقتراب 14فبراير. وكان الأسوأ ظهور الاتحاد كمركز للتوثيق لا التمثيل، واكتفى بعرض تقاريره للمفصولين فصلا انتقاميا واستخدام ذلك لمناشدة عنوان وحيد: وزارة العمل.
وأمام عنفوان وجرأة الحراك العمالي المصري، تبدو النسخة البحرينية خاملة. يزاوج العمال المصريون بين حراكهم والحراك الطلابي في دعوتهم للاضراب المرتقب. بينما لا يبدو أن هناك مسارات لتنظيم أي حركة طلابية، بل إن الحراك النقابي والعمالي ذاته مفقود أصلا.
المسار الثوري للشارع البحريني في تصاعد لا يقل عن مثيله طيلة فترة الإعتصام المفتوح في فبراير ومارس، وبات لدى القوى الثورية مرجعيات سياسية مكتوبة تعبر عنها. وإذا كان عمال البحرين حاضرون في الحراك الشعبي بصفة المواطنية، فإن غيابهم عن تفعيل أدواتهم انطلاقا من النقابات والاتحاد يحتاج إلى وقفة.
ماذا ينتظر العمال؟ وماذا يعيقهم؟ هل تسير بهم عاطفة الشوق للساحات والميدان أم تسيّرهم؟ وهل يمكن لأي شارع ثوري تحقيق طموحاته التغييرية بعيدا عن حراك عصيان مدني تصاعدي تشكل الحركة العمالية عصبه ومركزه؟ هل ستنتظر الثورة العمال؟ أم ينتظر العمال الثورة قبل أن يرتدو صفتهم؟
* مدون بحريني