الثورة المضادة: اسكتوا وإلا !
إيمان شمس الدين - 2016-05-05 - 3:00 ص
إيمان شمس الدين*
لا يمكن إخماد الثورة إلا بثورة مضادة أكبر وأقوى، قد تكون هذه معادلة جوفاء قاسية، لكن هي واقع مارسته أنظمة قبلية لا تقيم وزنا للإنسان بل جل ما تفكر فيه هي السلطة والثروة.
إن توقد شعلة ثورة وحراك مطلبي ينشد التغيير لأجل قيامة الإنسان ونهضته، فهذا يعني أنك أمام شعب حي واع مدرك لمقومات النهضة وآليات النهوض، ولأن الشعب البحريني شعب ذا حضارة قديمة ضاربة في جذورها بعمق التاريخ، فهو يملك رصيدا ثقافيا رصينا يرتقي بأفكار الثورة في مكوناته العقلية.
فثورته هي ثورة إنسان ضد واقع لا يدفعه نحو استنهاض كل وجوده للإبداع والتطور ضمن سيرورته التاريخية، بالتالي أدوات ثورته بطبيعة الحال وضمن سياقه الثقافي سلمية لا تركن للعنف، كون العنف لغة همجية لا تليق بطرحه الإنساني التغييري.
فكان لابد من ثورة مضادة من قبل النظام، لكنها ثورة تتناسب مع مكوناته الثقافية القبلية، ثورة تعتمد على القوة والعنف ونظام الإغارة القبلي الشرس.
بدأتها بإسالة دماء الثوار علها تختصر الزمان فتقمع الثوار بإخافتهم وتنهي مسيرة الثورة. ثم حينما أدركت أن الموت في ثقافة الثوار شهادة في سبيل الله، بدأت في إبقائهم أحياء لكن في عداد الموتى، وذلك بسلبهم كل مقومات الحياة ودفعهم للموت على البطيء.
ما يقوم به النظام اليوم هو محاولات جادة في إخماد ليس فقط شعلة الثورة وأصوات الثوار. بل هو تشويه ممنهج لفكرة الثورة والقيام بعملية إحلال مفاهيمي بربط الفكرة بدلالات عنفية تسقطها من قاموس وتاريخ البحرين.
فتحرك النظام بعدة اتجاهات :
- اعتقال الثوار وكل من يمت لهم بصلة حتى لو لم يشاركوا في الحراك .
- لم تفرق في اعتقالاتها بين المرأة والرجل وعرضت الجميع للتعذيب الجسدي والنفسي .
- عزل كل الرموز في السجن حتى تفرق بين القيادات والجمهور كون أي ثورة لا توجد بها قيادة حكيمة مآلها للفشل.
- عاقبت كل بحريني مشتبه فيه بالمشاركة أو حتى التأييد أو حتى التلميح بالفصل والإقصاء من كل مجالات العمل، حتى الشركات الخاصة منها، وبالتالي قطعت عنه مصادر الرزق والعيش الكريم.
- عمدت لإحداث فتنة بين صفوف المعارضين لتشتيت المعارضة وتفريقها ومن ثم الانقضاض عليها بالضربة القاضية.
- عزلت مجتمع الثورة عزلا تاما عن المجتمع ومن ثم قامت بعملية تغيير ديموغرافي تهدف منه لتغيير التركيبة السكانية مذهبيا.
- سلبت مواطنية كل من شارك أو عارض أو أيد الحراك المطلبي في ثورته سواء كان في البحرين أو خارجها، وبالتالي جردته من هويته وجعلته عرضة للملاحقات القانونية في الخارج.
إذا هي باختصار حاصرت الثورة والثوار وضيقت عليهم كل المنافذ والمخارج والمداخل، واستطاعت إلى حد كبير تقليص الثورة إعلاميا وميدانيا.
هذا فضلا عن نجاحها في صرف عدد لا بأس به من الثوار النخب عن وجهتهم في الثورة وجعلتهم ينكفؤون بعيدا عنها، بل بعضهم بدأ يبني قناعاته بعدم جدوائية هذا الحراك، وبدأ يروج لهذه الفكرة ويواجهها ليتحول لأداة وصوت بيد النظام سواء بقصد أو بغير قصد.وهذا نتيجة الكم الهائل من الضغوط التي عزلته اجتماعيا وكبتت كل ما يملكه من إبداعات ومنعته التنفيس عنها، هذا الكبت في كثير من الأحيان يدفع المكبوتين للتراجع ونادرا ما يدفعهم للثبات والاصرار والمواصلة.
هذا فضلا عن انغماس كثير من نخب الثورة في مواضيع ثقافية وحقوقية تفصيلية جدفت بهم بعيدا جدا عن الثورة وأهدافها. وجعلتهم لقمة سائغة بيد النظام تضرب من خلالهم الثوار والثورة من خلال ما تملكه من أدوات إعلامية مكينة.
ولا ننكر نجاح النظام في ضرب إسفين الخلاف بين أقطاب المعارضة والجمعيات السياسية، بل بذرت الخلاف في جسد كل جمعية على حدة .
وهنا لا نعني اختلاف الآراء بين أبناء الجمعية السياسية الواحدة، بل هو خلاف قد أدى بكثير من أقطاب الحراك المطلبي إما للابتعاد أو الصمت.
اليوم النظام البحريني بثورته العنفية المضادة التي ارتكزت على سلب كل مقومات الحياة من الثوار، وتضييق الخناق على المعارضين في الداخل والخارج من خلال المال السياسي وشراء الذمم للدول والمنظمات الحقوقية، بل ومن خلال محاولة تخوين فصائل المعارضة باتهامها بالتعاطي مع الأمريكي تارة ومع الإيراني تارة أخرى، رغم أنها أداة طيعة في يد البريطانيين والأمريكيين منذ زمن استلامها للحكم في البحرين، لكن كونها قارئة لسيسيولوجيا الحاضنة المعارضة فهي تعرف أين تضرب وتفرق وتضعف موقف المعارضة والثوار.
اليوم واقعا تحتاج المعارضة في كل مرحلة من عمر الثورة مراجعة وتقييم ودراسة مكامن الخلل، وممارسة كل أنواع سد الذرائع والثغرات على النظام. ولا ننكر صعوبة موقف الثورة والثوار أمام هذا التواطىء الدولي والإقليمي ضد الثورة البحرينية بالذات، لكن هناك إمكان لإحداث انزياحات لصالح الثورة، وطالما الإمكان موجود فلا مستحيل إذا، ولكن المسألة تتعلق بإعادة النظر في الآليات والمنهج والبرنامج.
وكلنا ثقة بحكمة المعارضة ونخبها ورموزها في إكمال مسيرة هذا الحراك حتى تحقيق المطالب، وكلنا ثقة بوعي الجمهور المعارض في تفويت الفرصة لكل محاولات النظام لإسكات صوت الثورة والثوار. فسلبها لكل مقومات الحياة لا يعني الاستجابة لها والسكوت والتراجع بقدر ما يعني زيادة جرعة المقاومة والثبات والإصرار على المضي في تحقيق المطالب، لأن هذا السلب يثبت وحشية هذا النظام وعدم جدارته بقيادة دولة حضارية كالبحرين وإنسان حضاري كالإنسان البحريني.
*كاتبة كويتية.