الرسائل المسربة من عتمة الزنازين، دروس وطن

2012-02-14 - 2:28 م


فاطمة وأم مهدي


مرآة البحرين (خاص): تبدأ رحلتها سراً، تواصل الاختباء يد إلى يد، وفي محطّتها الأخيرة، بعد أن تنجح في الإفلات من أعين الرقابة، تعبر نحو الخارج، لتزهر بين يدي محبيها. بعضها يُكشف للعلن في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الإلكترونية، وأخرى يقفل عليها في دواخل قلوب الأحبة، يؤنسون بها أرواحهم كلّما تسلّلت إليهم الكآبة، ففيها من عبير "الخصوصية" ما لا يجيد استنشاقه إلاّ المسمّاة باسمائهم.

إنها رسائل المعتقلين المسربة من ظلام السجن إلى نور الأحبة، ورغم التشديد الذي يمنع الورق كما يمنع القلم، إلا أنها لا تزال تأتي. تختلف موضوعاتها ومقاصدها، وتختلف خصوصيتها أو عموميتها، أن تُنشر أو تُحفظ، وحده المعتقل صاحب الرسالة المسربة، يحدد الغرض والمساحة التي يريدها لتداول رسالته.

■ غربة فاطمة

 
"يريدون بسجنهم لي الآن، أن يكسروني وينتقموا منّي، فقمت باعتصار الألم والدموع داخل جفوني، ولحبّك يا وطني ها هم ذا يلوموني، فقلت لهم، أنا فداءٌ لوطني فلا تحاجّوني" هكذا كتبت المعتقلة فاطمة في رسالتها المسربة ذات مرة. أرادت أن تعبر خارج سجنها، فلم تجد سوى حرف يسعفها وريشة رسم. في لوحتها الفنيّة، رسمت فاطمة البحرين تنزف من شمالها إلى جنوبها، فيما فتاة تطأطئ برأسها في ظلام يكتم الأنفاس، ربما كانت تعني نفسها. توشّحت فاطمة وحشّة الزنزانة الضيّقة، وراحت تخاطب وطنها: "إليك أشكو معاناتي وهمومي، فأنا لطالما حلمتُ بالعيش بكرامة ونيل حرّيتي، وددت أن أحس بانتمائي لأرضكَ يا وطني لأشعر باللذّة في مواطنتي، وليس بغربتي في موطني". هي زفرة غربة، مرّرتها "فاطمة" إلى الضوء في لحظة انزواء، بقلم ممنوع من الوصول إلى أناملها، وورقة بيضاء مُرّرت للداخل سراً، وخرجت سرّاً.

■ امتحان علي وأوراق حسين

المعتقل (علي) غاب عن عائلته لأشهر طويلة، لذلك فإن الفقد هو قلب رسالته المسربة. كتب إلى عائلته يقول: "والدي العزيز الغالي، أمي العزيزة الحانية، إخواني أخواتي الأعزاء (...)، يحتار القلم وتعجز العبارات وتكلّ الكلمات عن وصف مدى شوقي لكم وجلوسي بينكم ومعكم، لكن الله قدّر وما شاء فعل، وما هو إلا امتحان لنا ولكم واختبار لمدى صبرنا على البلاء الذي يمتحن الله به المؤمنين، فإن صبروا يوفيهم أجور الصابرين ". (علي.ع.م، الحوض الجاف، 1 فبراير 2012)

أتاح المعتقل لـ(علي) الكثير من الصفاء الذهني والعبادة والوصول إلى جواهر الأشياء، وكما قال الكاتب الفرنسي جوهاندو "إن السجن ليس سجناً، بل هو المهرب والحرية، ففيه يستطيع الإنسان الهرب من تفاهات الحياة كي يعود إلى جوهرها"، من أجل ذلك .. حرص "علي" على طمأنة أحبائه "اطمئنوا، فإني أحمد الله الذي فرّغني للعبادة وقراءة القرآن أكثر من ذي قبل، والالتفات لما فات وكنت عنه غافلاً والاستغفار .. "، يضيف "لا أنساكم أحبتي في كل صلاة ودعاء، لأن صوركم لا تفارقني دائماً، وصوتكم في مسامعي، وأنا أستذكر دائماً المراحل التي عشتها ..."، إلى أن يقول "سامحوني أحبتي عن كل تقصير عمداً كان أو سهواً".

أما حسين الذي تنشق نسيم الحرية منذ أيام، فقد كان يحرص في كل مرة تحضر زوجته لزيارته، أن تحضر له ورقاً وقلماً. يقول في إحدى رسائله: "لا تتيح الزيارات السريعة للأهل أن أفرغ بعض ما في جعبتي من مشاعر وأحاسيس لأحبابي، ولذلك في كل زيارة تحضر زوجتي أوراقاً لأسجّل فيها بعضاً من ولهي لأهلي وأصحابي".

ويضيف "أكتب أحياناً لأمي، أو لأبي، أو إخوتي وأخواتي، أفتّش عن مناسباتهم لأرسل لهم التحيات والتبريكات والأمنيات، أشعر أن السجن وثق علاقتي بأهلي وأصدقائي أكثر من خلال الرسائل التي كتبتها".

■ قلب فضيلة وذكريات أحمد

"فضيلة المبارك"، الأم التي قضت 10 أشهر في السجن بسبب سماعها لشريط ترانيم الثورة البحرينية، لم تنقطع عن بوح مشاعرها عبر الخواطر والرسم وتسريبه إلى أحبابها، وحين انقطع ابنها الأكبر "مهدي" عن الذهاب لأمه لأنه لا يتحمّل رؤيتها في السجن، أرسلت له في عيد ميلاده "قلبها"، وهل أجمل وأغلى من قلب "أم".   رسمت فضيلة قلبها الممتلئ حناناً وأمومة متوقّدة، فيما بدا في وجهها -الذي رسمته ريشتها- بعض انكسار.انكسارٌ لأنها لن تتمكن من حضور حفل عيد ميلاد حبيبها كما اعتادت كل عام، وبداخل "القلب" كتبت فضيلة   هذه العبارة "عيد ميلاد سعيد يامهدي".

أما (أحمد.ع.م)، فكتب إلى زوجته  في الخامس من فبراير الجاري، في كارتونة صغيرة "تذكرين العام الماضي، أحيينا مولد النبي محمد (ص) في ميدان الشهداء، كوني من أوائل العائدين إلى الدوّار حبيبتي، وتذكريني، سأعود حتماً وسنجلس معاً في الدوّار".

■ سلمية المحروس

"تذوّق الموت"، تجربة أحسّ بها أغلب المعتقلين في رحلة العذابات والشقاء الذي صاحبهم في ظلام الطوامير المغيّبة بباطن الأرض، هناك في مبنى "أمن الدولة"، حيث كانت "شهوة الانتقام" قد بلغت أوجها في أشهر مارس وأبريل ومايو، انقطعت أخبار كل المعتقلين، سوى أخبار "الموت".

بعد تلك التجربة "المريرة" وما قابلها من إنكار حكومي "قاطع" بحدوث أي انتهاك، بدأت تتسلّل قصص الفظائع التي ارتكبتها عصابات النظام في ظلام السجون بأقلام الضحايا، وفيما دعا النظام في الثاني والعشرين من يونيو بعض الدبلوماسيين والحقوقيين والإعلاميين الحكوميين لحضور جلسة النطق بالحكم ضدّ الرموز الأربعة عشر في قضيّة إسقاط النظام، وحاول إيهامهم بـ"حضارية" إجراءاته وتعامله مع المعتقلين، وصف الشيخ ميرزا المحروس في رسالة من داخل المعتقل ما جرى بعد النطق بحكم السجن المؤبد ضدّه، حينما هتف مع زملائه داخل المحكمة "سلمية، سلمية"، يقول: "فجاء لنا عناصر من الجيش وأخرجونا بعنف من قاعة المحكمة ثم انهالوا علينا بالضرب والسب والشتم وتم تكبيل أيدينا إلى الوراء وتوقيفنا بالشمس وأخذوا يضربوننا، وقد تم الاعتداء علي بالضرب على رأسي وظهري وعيني فشعرت بألم شديد وأحمر بياض العين وأسود محل الضربة وتورمت عيني (...)، نقلنا بالسيارة الى السجن فلما وصلنا قاموا كذلك بضربي وركلي بالأرجل وسقطت من شدة التعب والإرهاق".

■ برد شريف

الأمين العام لجمعية العمل الوطني "وعد" المناضل إبراهيم شريف، والمتهم هو الآخر مع المحروس بإسقاط النظام، قرّر في وقت مبكّر بعد اعتقاله تسريب رسائله "الثلاث" الشهيرة حول ماجرى له منذ اعتقاله، شرح معاناته في الاعتقال الذي تم في السابع عشر من مارس 2011، حين "وجدتُ مجموعة من رجال المباحث الملثمين بالإضافة الى شرطة يحملون أسلحة وملثمين (...) تم إلقاء القبض علي وأخذي في السيارة المدنية ثم وضع القيود وعصبة العين".

ويتناول شريف في رسالته الأولى ما حصل له في سجن "القرين"،   "وصلنا سجن   القرين في حوالي الساعة الخامسة صباحا وتم إخراجنا من السيارة ووقفنا في الساحة معصوبي الأعين فيما وجه لنا المسؤولون والسجانون الألفاظ النابية والتهديدات، وقد سمعتهم يشتمون الأخ حسن مشيمع "طز فيك وفي أئمتك الاثني عشر" بعدها أدخلنا الى إحدى الغرف وتم تجريدنا من الثياب".

وفي الرسالة الثانية يتناول وجبات التعذيب الانتقامية التي تعرّض لها والتحقيق "تم سكب المياه الباردة علي وعلى الفراش الإسفنجي والوسادة واللحاف وكان المكيف شغالا والغرفة باردة وأصبح النوم مستحيلا مع الماء الذي امتصته الاسفنجة والوسادة واللحاف (...)، استمروا على هذا المنوال حوالي أسبوع كامل".

كما يتناول شريف في رسائله خلفيات المحاكمة والجلسة الأولى "تم إبلاغنا بوجود محكمة لنا في اليوم التالي وقبل منتصف اليوم حضر ملازم من الجيش وقدم أوراق "أمر الإحالة" (...)، لم يتسنَ لنا مقابلة المحامين إلا في يوم عقد جلسة المحكمة فيما لم نتمكن من استلام نسخ من ملف الدعوة أو تزويدنا بالأقلام والأوراق للمساهمة في الدفاع عن انفسنا".

■ حالات الأطباء


 
الأطباء هم الآخرون، ممّن عانوا الأمّرين من الفجور والإفراط في التعامل اللا إنساني منذ الاعتقال مروراً بالتعذيب والتحقيق المهين، واستمرّت أوضاعهم المزرية في المعتقل.. وفي شهر رمضان حيث الحرّ والجوع والعطش وانعدام الراحة، مرّروا رسالة نشرتها (مرآة البحرين) تناولت أحوالهم المتردية "بعد أن كان كل من الطبيبين غسان ضيف وحسن التوبلاني يعانيان من الضغوط النفسية، ما أدى لوصف أدوية مضادة للاكتئاب لهما، أضيف إليهما طبيبين آخرين هما محمد أصغر وأحمد عمران، لكن ما حدث للطبيب سعيد السماهيجي اليوم كان الأكثر ألماً"، وتسرد الرسالة ما تعرّض له السماهيجي الذي "اشتكى من ألم شديد في الرأس أعقبه ترجيع مستمر، ثم ازداد الألم وأصبح لا يتحمله (...) اتضح أنه أصيب بشلل في العصب المخي السادس، وعدم تساوي فتحتي بؤبؤ العين مع علامات لتهيج الغشاء المحيط للمخ، مما يدل على احتمال نزيف في المخ".

■ سيارة الطويل

صنفٌ من المعتقلين، تمّ فبركة قضايا جنائية ضدّهم، أرهبوهم، روّعوهم، عذّبوهم حتى الموت. أرغموهم على كتابة اعترافات باطلة على أنفسهم، كتبوا للتنفيس عن الشعور بمرارة "المظلومية". ليس سهلاً على الإنسان أن يعيش تلك التجربة وهو يعلم علم اليقين بأنه "بريء" .. بعضهم لم يكن له أي نشاط سياسي، فضلاً عن أن يتورّط في مهاجمة رجل أمن في مظاهرة بقصد القتل، المحكوم بالإعدام علي الطويل، سرب رسالة شرح فيها ما تعرض له: "تم سحب سيارتي الخاصّة بي من قرب بيت أختي، لم يكن بها أي أثر لحادث قبل اعتقالي وذلك بشهادة جميع أهلي وجيراني، ولكنهم أحدثوا بها حادثاً في مؤخرتها من الجهة الأمامية، ولا تزال السيّارة محتجزة عندهم، وادّعوا أن هذا الحادث هو محاولة لدهس الشرطي مع أنه حادث مفتعل"، سرد في تلك الرسالة قصّة اعتقاله والفظائع التي تعرّض لها لإرغامه على الاعتراف بجرم لم يرتكبه "كانوا يهدّدوني باغتصاب أختي إذا لم أستجب إلى ما يملون عليّ من أقوال، مما أحدث لي اضطراباً وخوفاً"، جرى ذلك التهديد بعد صنوف الإرهاب الذي تعرّض له   على مدى أسابيع بحسب ما يسرد الطويل في رسالته.

■ معتقلو المنامة


معتقلو المنامة العشرة، هم الآخرون سردوا تجربة مظلوميتهم في رسالة سرّبوها ونشرتها (مرآة البحرين)، ففي الفجر "تم الهجوم على غرف النوم عن طريق ملثمين مدنيين والعديد من قوات مكافحة الشغب، بعض الأشخاص المراد القبض عليهم كانوا من غير ملابس"، جرى ذلك في السابع عشر من نوفمبر، أي قبل أيام من نشر لجنة تقصي الحقائق الملكية برئاسة بسيوني تقريرها.

ويفيد المعتقلون العشرة في رسالتهم "اتهمونا بتهمتي إغلاق الشوارع وحرق الإطارات أمام الداخلية، وقد اعترف بعض الأشخاص في النيابة بسبب الخوف من التهديد بإرجاعنا إلى الغرف السوداء"، وتتابع الرسالة "على أي أساس تم إلصاق التهم بنا ولا يوجد دليل واحد يثبت تورطنا في أعمال الشغب فيتم اعتقالنا من منازلنا ونخسر أعمالنا ودراستنا ويبعدونا عن أهلنا وزوجاتنا وأبناءنا على اتهام باطل؟!!".

المعتقل علي جاسم المقهوي، المحكوم بالسجن 10 سنوات، بتهمة اختطاف باكستاني، قال في رسالته التي سرّبها من السجن، وبعد أن استعرض صنوف التعذيب والإهانات والفظائع التي تعرّض لها منذ اعتقاله في الثالث والعشرين من أبريل "كانت يداي مقيدتان وعيناي مصمدتان، وقرأ المحقّق علي القضيّة المتهم فيها، قلت له لا علم لي بها، فقال بأني إذا لم أعترف بالكلام الذي قرأه فسوف يقوم بتعليقي بالفيلقة والتعذيب بالكهرباء، ثم أحضر شخصاً آخر وقال تكلّم الآن، فقلت الرواية التي أملاها عليّ".

■ متابعة الساحات

تسجّل بعض الرسائل "المسرّبة" وخصوصاً من "الرموز السياسية" حضورها ومتابعتها لمستجدات الساحة السياسية، أغلب تلك الرسائل تخرج "شفوية" يحّملها الرموز إلى أهليهم لإيصالها للجماهير، وأحد أسباب تلك "الشفوية" الإجراءات الأمنية المشدّدة المفروضة على سجن جو الذي يرزح فيه أغلب الرموز.

"حسين" ابن الأمين العام لتيار الوفاء الإسلامي الأستاذ عبدالوهاب حسين، و"حسين" ابن الأمين العام لجمعية أمل الإسلامية الشيخ المحفوظ، يوصلان عبر حسابيهما في "تويتر" الكثير من الرسائل التي تعكس متابعة الرمزين آنفي الذكر لمستجدات الحالة السياسية، بعض تلك الرسائل توجيهية الطابع كالتوصية المستمرّة بـ "السلمية"، وأخرى تحفيزية وتشجيعية، وأخرى لمتابعة المستجدات، فمرّة -على سبيل المثال- كتب حسين على لسان أبيه الأستاذ عبدالوهاب حسين "اطلعنا على وثيقة المنامة وقمنا بدراستها وهذا شيء طبيعي"، ويضيف "لايوجد لدينا اتجاه حتى الآن بإخراج رأي حول الوثيقة".

فيما كتب أمين عام حركة "حق" الأستاذ حسن مشيمع مرّة رداً على ما نشرته الصحف الحكومية بأن الأخير التقى شخصية يُزعم أنها تنتمي إلى الحرس الثوري الإيراني قبل مجيئه للبحرين في مارس الماضي، هو "غلام شكوري"، ردّ مشيمع في رسالته بالقول "يشهد الله تعالى أني لا أعرف ولم ألتقِ بأي شخص بهذا الاسم مطلقاً ولم أعرف وجود مثل هذه الشخصية إلا مؤخراً من خلال ما قرأت في الصحافة المحلية وهو كذب وافتراء، ومحاولة كيدية واضحة، الغرض منها تشويهي وتشويه المعارضة بأساليب رخيصة (...) وليس من الأخلاق أن تنطلق الماكينة الإعلامية بمثل هذا الهجوم على أشخاص لا يملكون الحرية ولا تتاح لهم الفرصة للرد على تلك الأكاذيب".

■ برويز ناصحاً

أما أكبر معتقل سياسي، محمد جواد المعروف شعبياً بـ "برويز"، فكتب ناصحاٌ ابنة أخته الشورية سميرة رجب إثر ظهورها المتكرّر في وسائل الإعلام للدفاع عن الفظائع والانتهاكات التي يقوم بها النظام والهجوم على الحراك الشعبي ونعته بأقذع الصفات، "ابنة اختي، علامَ تبذلين جهدكِ و تدفعين الغالي والنفيس في سبيل إعلاء باطلٍ قد انحدر إلى أسفل السافلين؟ (...)،   لا أزالُ أنا - خالكِ - أقضي تحت أقسى أغلالَ الظلم، وقد حكم عليَ القضاةُ الجائرين ظُلماً حُكماً يصل إلى خمسة عشر عاماً دونَ جرمٍ سوى أني طالبتُ كغيري بالحرية والإصلاح وحقوق الانسان وكل ذلك بالطرق السلمية".

ويضيف في رسالته   "لقد قضيت أربعة أشهرٍ مريرة لحد الموت تحت التعذيب والتنكيل القاسي، قضيتُ شهرين بدمائي التي جعلت لحيتي تتحول من بيضاء الى حمراء من دون استحمامٍ أو صلاة فكنتُ أصلي بعيني اثناء التعليق والتعذيب ومن دون وضوء أو طهارة ونزل وزني لما يقارب الثلاثين كيلوغراما، وها أنتِ كأنكِ لستِ ممن يسمع ويرى ومن ثم تقولين في قناة الـBBC أن الشعب لا يريد تغيير رأس الفساد رئيس الوزراء؟!".

■ صمود  


"أصدقائي، سامحوني لأنكم تجاهدون في ساحات القرية ليلياً ضدّ المرتزقة، أما أنا فقد صرتُ هنا في السجن، أدعو الله أن يفكّ أسري لأكون معكم" (حسين، 23 ديسمبر 2011، الحوض الجاف).

رغم العذابات، والإهانات، والإمعان في استخدام كل أدوات كسر الإرادة والتحبيط والتيئيس .. "إلاّ أن جاسم المحكوم بالسجن سبع سنوات يستقبلنا ويودعنا بكلمة (صمود)"، يقول أخوه، إنها الرسالة الشفوية التي يطلب كل المعتقلين من أهليهم إيصالها لكل من يسأل عنهم.

الطالب الجامعي جواد المحاري، الذي قال عنه أستاذه في جامعة البحرين د.عيسى الخاقاني في منتدى "الوفاق" عن أحداث جامعة البحرين "قمت برفعه في الساعة الثالثة ظهراً مضرجاً بدمائه من حديقة الجامعة، والآن يحاكم بتهمة حرق الجامعة ويحكم عليه بالسجن 15 سنة!!"، في رسالته التي وصفها بأنها من "جسم معتقل وروح تحلّق في السماء" كتب: السلام على كل المرابطين، السلام على كل الصامدين، (...)، لا أدري ماذا أقول لكم، لكن الذي أعرفه أننا مقصرون جدا معكم، (...) أحببت أن اقول لكم إننا هنا صامدون ان شاء الله، حتى ينصرنا الله أو يأخذنا في أمانته، ويضيف   المحاري: وعدُ من الله عز وجل سيأتي النصر من عنده .. كما قال سبحانه في كتابه الجليل (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)،   (أحبكم جميعاً، جواد المحاري، 22 أغسطس 2011، الحوض الجاف).

جاسم الحليبي، كتب في رسالته المسرّبة في سبمتبر الماضي "أما عن أخباري، فأنا صابر على البلاد، ومتيقّن أن الفرج قريب (...)، أمي العزيز أهنئك على صبرك واحتمالك لهذا الفراق الذي طال، وهذا أنا صابر لامتحان الله والذي علمتيني إياه منذ الصغر".

المعتقل السنابسي، يوسف محمد، كتب في 11 أكتوبر رسالته المفعمة والمليئة بحيوية المناضل المكافح الصامد "أبلغكم أحر التحيات من داخل السجون الخليفية، وسلامي وبقائي على العهد في أشدّ الظروف، أيها الأحبّة الأحرار الصامدون خارج المعتقل، الباقين على المطالب، كم أنا خجل منكم، لا أستطيع إلاّ شكركم بالطريقة التي تعلمناها في الميدان (شكراً لكم)".

أما الرسالة التي أبكت كثيرين، وألهمت كثيراً، رغم قلة عدد حروفها وكلماتها، إلاّ أنها كانت حبلى بلغة التحدّي والمواجهة، فكانت رسالة المحكوم بالإعدام عبدالعزيز عبدالرضا، حين كتب إلى والدته بعد النطق بالحكم بأيام "إن الحكم لا يهزنا، وكل ما كتبه الله لنا فنحن نقبل به"، مضيفاً "أيها الشعب، إننا صامدون، وهذا الحُكم لن يُركعنا".

■ دروس الحب

هكذا نجد رسائل المعتقلين والمعتقلات تفيض بالوطنية، بالإخلاص للوطن، للمبادئ التي خرجوا من أجلها، إنها دروس "عملية" في "حب الوطن". هكذا يفهم المعتقلون الانتماء الحقيقي للوطن، هذا الانتماء لا تعبّر عنه الأغاني الوطنية والأهازيج والرقص والمهرجانات، اختبار "الانتماء" و"الحب" يكون حين يتطلّب منك الوطن أن تضحّي من أجله وأن تبذل الغالي والنفيس في سبيل ترابه، وفي سبيل أن تعيش الحريّة والكرامة والإنسانية فيه.

"لبيّكِ يا بحرين، لكِ الفداء"، انطلقت من قعر الألم والعتمة والعذابات وبعد أشهر من الاعتقال في رسالة "فاطمة"، وقد كُتبت في القلب واستوطنت الروح وتجسدت في الجوارح قبل أن تكتبها بقلمها "البنسل" المسرّب خفية، فيما سطّرت "فضيلة" بذات القلم في أوّل رسالة خطّتها "أنا أم مهدي، وأريد حرية وطني وأريد أن أعيش بسلامة وأن لا يؤخذ حقي وأن أحافظ على حقوق أولادي".

وكتب معتقل آخر "لا فرق أن أكون هنا داخل الزنزانة، أو خارجها .. فكل الوطن مكبّل بالظلم والديكتاتورية، ولكننا هنا صامدون".

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus