خريجة العلوم السياسية زينب الخواجة: نقطة ضعفهم

2012-02-20 - 11:36 ص

 
مرآة البحرين (خاص): منذ منتصف مارس 2011 وزينب الخواجة تتنقل من قرية إلى أخرى كل ليلة، لا تستطيع زينب حصر عدد المظاهرات التي شاركت فيها في كل البحرين، ولا يوجد مكان لم تذهب إليه، سواء بدعوة أم بدون. ذات مساء مرت في قرية الدراز وتفاجأت بمسيرة ضخمة، أوقفت سيارتها وانخرطت في صفوف المتظاهرين، توجس بعضهم منها لأنهم لم يتعرفوا عليها، قالت لهم لا تخافوا "أنا بنت عبد الهادي الخواجة"

سابقا كان هذا تعريف زينب، لم يكن أحد يعرف سوى أنها ابنة عبد الهادي الخواجة (المناضل الحقوقي الكبير والمعتقل ضمن قضية قلب نظام الحكم) اليوم يبدو اسم زينب طاغيا في كل مكان، يهمس الفتيات باسمها وهن متجهات إلى مظاهرة ما، ويحفظ اسمها كل أفراد قوات الأمن. في أحد الأيام تعرضت كتيبة لمجموعة فتيات في شارع البديع وحاولت سرقتهن، صرخت إحدى الفتيات في وجوههم وبدأت تهتف، صرخ أحد أفراد الكتيبة غاضبا "علمتكم زينب الخواجة؟"

منتصف الليل: هل فقدت عيني

زينب تصل الليل بالنهار في بعض الأحيان لازدحام برنامج العمل. يتفاجأ الجميع أنها تظهر على تويتر هذه الأيام بعد منتصف الليل فقط وبشكل نادر جدا. إذا لم تكن زينب في مسيرة أو اعتصام فإنها ستكون في لقاء مع أحد ضحايا النظام، أو في زيارة لبيوت المعتقلين والشهداء، أو في مقابلة مع وسائل الإعلام، أو في ورشة عمل، أو اجتماع، بغرض التحضير والتخطيط لعمل ما.

لا تكف زينب عن العمل أبدا، لا يهمها نامت أم لم تنم، مرتاحة أم متعبة. تحس بالأسف الشديد لأن ابنتها لم تعد قريبة منها مثل السابق، لأنها لا تراها. حين أضربت عن الطعام في إبريل بعد الاعتقال الوحشي لوالدها وزوجها، تقول زينب كان العالم والناس يتعاملون معي كأي فتاة من مئات الفتيات اللواتي اعتقل آباؤهون وقتها، اليوم لم تعد قضية أبي وزوجي بالنسبة لي إلا حالة واحدة من مئات الحالات الأخرى من المعتقلين والمعذبين، ولا تهمني إلا بذات المستوى تماما.

رافقت زينب الكثير من المصابين في رحلة علاجهم، وكانت من بين من عالج المتظاهرين الذين أحرقت قوات الأمن المنزل الذي اختبأوا به في السنابس عليهم. أكثر المشاهد التي أثرت في زينب حين اصطحبت صبيا أصيب في عينه إلى المستشفى، يستأصل الدكتور عينه المصابة أمامها، يصيح الصبي فيها "قولي لي، هل فقدت عيني؟ أريد أن أرى أمي بعينين أرجوك" تتجمد زينب وتعجز عن فعل أي شيء، يبقى ما يهمها هو أن لا ينسى الناس كل هذه المظالم.


بحوث في العصيان المدني

زينب مؤمنة بقضيتها حد الموت. لا يمكن أن يدخل في نفسك شعور بأن كلامها مجرد شعارات أو عواطف، تسد زينب جميع الثغرات التي يمكن أن تزرع الشك. ليست فقط جادة صارمة، ولا صريحة جريئة فحسب، بل تعمل دائما في إطار المبدأ وتبني منه بذكاء شديد فكرة وقناعة وحجة.

قبيل 14 فبراير قامت زينب بإعداد بحوث عن "المقاومة السلمية والعصيان المدني" وناقشتها مع الأستاذ عبد الوهاب حسين وشخصيات أخرى، تستلهم زينب كثيرا من أفكار غاندي عبر مؤلفات البروفيسور الأمريكي الشهير جين شارب.

تقول زينب "لست سياسية، ولا أحب أن أكون كذلك" كثيرون قالوا لزينب أن تراعي بعض الأمور من باب السياسة،  منهم الصحفي نيك كريستوف، لكنها كانت ترفض. لا تحب زينب أن تفكر في كيف تكلم الناس بأسلوب يمكن أن يؤثر عليهم، تحب أن تكون على طبيعتها، لتبقى صادقة 100%  كما تعبر. تحب أن يحس من يستمع لها أنها تقول الحقيقة تماما وتبدي رأيها دون أية التفافات.

ليست الإرادة الصلبة هي فقط ما يملأ زينب، فقد خرجت من صميم المحنة يملأها التحدي أيضا. "أريد أن أكسر الخوف في الناس، أريد أن أريهم أنهم  يستطيعون أن يقولوا "يسقط حمد" ما دام يفعل بنا كل هذا. حين توفرت لدي أكثر من 5 حالات لأشخاص أكدوا أنهم تعرضوا للضرب والتعذيب من قبل "ناصر" و "خالد" أبناء الملك، كتبت ذلك دون تردد"

رئيستهم




لماذا هي غاضبة؟ "من حقنا أن نكون غاضبين، يجب أن لا يأتي أحد ويقول لي اهدئي، بعد كل هذا الظلم؟ هؤلاء الذين يجلسون في بيوتهم  ينامون ويأكلون ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي ولا يغضبون على ما يحدث لنا، هؤلاء هم من فيهم خلل، أما حالة الغضب فهي الطبيعية"

في عالي حين اعتقلت زينب للمرة الثانية، كان الشرطة يظنون وقوفها بهذا الشكل أمامهم "كمينا". بينما لم تكن هي تعلم في الأساس بأن أحدا ما كان يصور، ولم تأخذ معها هاتفها. استعدت لهذا الأمر بشيء واحد فقط، وهي أنها لبست قميصين حتى تخفف من ألم الضرب الذي قد تتعرض له!

يبقى حديث زينب وعملها شفافا وصادقا جدا، يبقى دقيقا للغاية رغم غزارته وعفويته. حين نصح نيك كريستوف السلطات بعدم التعرض لها إثر اعتقالها من شارع البديع، لأنها قد تصبح رئيستهم في المستقبل كما عبر، ضحكت زينب كثيرا "إنه يهذي، هل سيختار البحرينيون فتاة متحررة رئيسة لهم؟"

تتفاجأ زينب بعد يومين بالشيخ عيسى قاسم يتحدث عنها في خطبة الجمعة "لقد رأى العالم كيف تسحب الشابة المقاومة الحرة زينب الخواجة على الأرض سحبا".

يسقط حمد

خرجت زينب من منزلها في المقشع مشيا على الأقدام إلى دوار أبوصيبع، مرت من بين قوات الشغب التي ملأت كل الشوارع إبان فعالية "احتلوا شارع البديع". حين وصلت كانت القوات قد هاجمت المتجمهرين أمام مجمع "كونتري مول"، الكل كان في المجمع، لم يكن هناك أحد في الشارع، وحدهم قوات الشغب.

تربعت زينب وسط الدوار لوحدها، وبدأت تهتف وسط ذهول قوات الشغب "يسقط حمد  يسقط حمد" تشجعت فتيات أخريات وانضممن إليها، ثم جاءت القوات وأطلقت القنابل فوق رؤوسهن، غادر الجميع وبقيت هي.

وصلت الشرطة النسائية، وبدأوا بتوجيه أقذع الشتائم والسباب لها، كانت ترد عليهم ردا واحد "يسقط حمد"، كلما حاولوا إبعادها وأمروها بالقيام ردت عليهم "يسقط حمد" وجهوا إليها لكمة في وجهها، وسحبت على الأرض. لم تكن تقاوم، كانت فقط تصرخ "يسقط حمد"، نزعوا حجابها ووضعوه في فمها لتسكت، ترفعه زينب وتستمر في الصراخ "يسقط حمد"

توقعت زينب بأنهم لن يفعلوا كل ذلك بها في الشارع العام، إلا وهم مسيطرين تماما على كل الحركة، وخصوصا من جهة المجمع بعد الهجوم عليه. "لم أتوقع أنهم بهذا المستوى من الغباء صراحة" كان هناك من يصور الحدث بالكامل بكاميرا فيديو، لم تعلم زينب بذلك إلا من المحامية.

صورة درامية التقطت لزينب، وهي ترفع علامة النصر، في سكون تام، وعيناها مغلقتان،  بعد أن رش أحد الشرطة على وجهها غازا يسبب العمى المؤقت


مع امرأة مسنة في منزلها ترفع علامة النصر
 

طوال الطريق إلى المركز وهي تتعرض للرفس والضرب فوق الرأس، لا تدري من أي جهة ستأتيها الضربة فهي لا زالت لا تبصر. ترفض زينب أن تكشف عن الكلام البذيء جدا الذي تلفظت به الشرطة عليها، حتى أمام المركز لتوثيقه "أنا لا أنزل إلى هذا المستوى"

تسجن زينب 7 أيام، وتخرج قبل أن تنتهي. أول تغريدة لها هي "يسقط حمد تن تن تتن" يطلق الناس من يومها على دوار أبو صيبع "دوار زينب الخواجة" تقول زينب "إنه شرف لي، لكنه سيكون أفضل لو سمي دوار أحرار أبوصيبع"



الشرعية: نقطة الضعف


لا تتكلم زينب ضد من يستخدم المولوتوف كوسيلة للدفاع. لكنها تقول إن السلمية طريقة أقوى، وهي لا تتطور بالتحول إلى العنف، فهي أقوى من العنف وأكثر منه تأثيرا بكثير.

"المقاومة السلمية عكس الاستسلام، لكن السلمية تحتاج إلى جرأة" تقول زينب إن أفضل ما قرأته عن ذلك هو فكرة الحرب على نقاط الضعف عند الخصم لا نقاط قوته، وهو ما يفعّل الوسائل السلمية ويجعلها مؤثرة.

"نقطة قوة الديكتاتوريين والظلام عادة هي العنف والسلاح، أما نحن فليست هذه نقطة قوتنا، ولا نعرف أن نستخدم العنف. نقاط ضعف الخصم التي تميل فيها الكفة إلى جانبنا هي المبدأ "يجب أن نريهم بأن مبدأنا أقوى من مبدئهم"

مبدأ السلطات التي تبرر به استخدام القوة هو الشرعية التي تأخذها من الموالين، هؤلاء الذين نشأوا على أن الملك هو "بابا حمد" وأنه من طور البلاد وبناها، وأن آل خليفة لا بد أن يكونوا الحكام لا غيرهم، هم يحاولون أن يروجوا بين الشعب بأنهم يجب أن يبقوا طول حياتهم تحت حكم آل خليفة،  وأن إزالتهم شيء مستحيل، يصورونهم كآلهة محاطة بالقداسة أو الرهبة.

المفروض علينا كما ترى زينب أن نروج نحن إلى العكس، في صفوف كل الناس، نحن الذين نضربهم في موضوع شرعيتهم كحكومة وكنظام، هذا أقوى من أن نضربهم بالمولوتوف. لكن زينب نفسها كانت لا تتقبل هذا النوع من التفكير، وغير مقتنعة به، وترى أنه من البله، لولا ما رأته من أبيها أمام الدبابة. [1]

بكالريوس في العلوم السياسية

زينب ابنة 28 ربيعا، التي قضت سنوات المدرسة كلها في الدنمارك، ثم تخرجت من جامعة بيلويت الأمريكية العريقة متخصصة في العلوم السياسية والصحافة، ستثير إعجاب صحافي أمريكي كبير مثل نيك كريستوف بفصاحتها "إنها تتحدث بإنجليزية لا تشوبها شائبة"

لم تكن زينب في ذكرى الرابع عشر من فبراير مع الناس في الميادين، كما كانت العام الماضي حين نقلت للعالم ما جرى في أول المسيرات التي خرجت وخصوصا من سترة. لم تتراجع زينب بالطبع، ولا يوجد شيء ما يمكن أن تقبله عذرا لنفسها، سوى أن تكون خلف القضبان، للمرة الرابعة، لأنها كانت قبل يوم واحد فقط، عند الأسلاك الشائكة، التي تطوق ميدان حريتها، دوار اللؤلؤة.

هوامش:

[1] زينب الخواجة: من دوار اللؤلؤة... إلى فضاء تويتر

 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus