هل المصالحة في البحرين ممكنة؟

2012-02-22 - 6:33 م



مرآة البحرين (واشنطن): ندى الوادي

عقدت منظمة الشرق الأوسط التي تتخذ العاصمة الأميركية واشنطن مقراً لها الأسبوع الماضي ندوة هامة تناولت فيها الشأن الداخلي البحريني وعرض باحثان مهمان هما نائب رئيس مجموعة الأزمات العالمية للشرق الأوسط جوست هيلترمان، والباحث والمحاضر في جامعة جورجتاون الأميركية الشهيرة جان فرانسوا سيزنك. وقد عرض الباحثان تحليلاً سياسياً دقيقاً للأزمة السياسية في البحرين متطرقين معاً إلى إمكانية تحقيق المصالحة في أي وقت قريب. وقد اتفق كلاً من سيزنك وهيلترمان على أن أفق الحل في البحرين صعب التحقيق للغاية في ظل المعطيات السياسية الحالية، وأشارا إلى ضرورة تبدل الوضع الإقليمي أولاً علاوة على تبدل الموقف الأميركي تجاه البحرين قبل أن يحصل أي تغيير حقيقي.

وبدأ هيلترمان بتوصيف مبسط لما حدث بالضبط في العام الماضي في البحرين، مشيراً إلى أن الثورة التي بدأت في فبراير من العام الماضي تبعها قمع شديد من قبل الحكومة، وهو الأمر الذي لم يقبله المجتمع الدولي. بعدها بأشهر قام الملك برفع قانون السلامة الوطنية وأطلق سراح بعض المسجونين، كما نظمت الحكومة حواراً داخلياً شكلياً رفضته القوى المعارضة  بسبب سيطرة الحكومة عليه. فيما أشار أيضاً إلى قيام الحكومة بعمل انتخابات تكميلية بعد أن انسحبت الوفاق الكتلة الأكبر من البرلمان. وكلها في رأيه كانت خطوات شكلية.

لجنة بسيوني

 
وكانت الخطوة الأهم بنظره هي التوجه لإنشاء لجنة بسيوني التي قامت بالتحقيق فيما حصل في البحرين، وعلى الرغم من أن تشكيل اللجنة كان مدفوعاً من قبل الملك إلا أن الأعضاء كانوا مستقلين حسب وجهة نظره، وأضاف " رغم النقد الكبير وتصريحات بسيوني التي انتقدت بشكل عام، ولكن تقرير بسيوني كان جيداً للغاية، مكتوباً بشكل جيد ووثق الكثير من الانتهاكات ضد المتظاهرين والمعارضة، غير أن اللجنة لم تدخل في قضية الإصلاح السياسي، لكنها ذكرت عدم وجود أدلة عن دعم إيران لهذه الحركة".

وأوضح هيلترمان بأن المهم في التقرير هو التوصيات، وقد وضعت التوصيات في التقرير مرتبطة بالقوانين المحلية والدولية والمرتبطة بحقوق الإنسان. منوهاً إلى أهمية الخطوة التي قامت بها الملك عبر استلامه التقرير بشكل علني في المنامة الأمر الذي يعني بأنه استمع إلى كل تلك الانتهاكات من قبل حكومته، وتعهد بتطبيق الإصلاحات.  وما حصل منذ ذلك الوقت هو تشكيل لجنة لتنفيذ توصيات التقرير.

وفي تقييمه لكل ذلك أوضح هيلترمان بأن كل هذه التوصيات تبدو بشكل عام جيدة، ولكن أولاً يجب النظر إلى أي مدى سوف تصل هذه الخطوات. مشيراً إلى وجود مشكلات هيكلية رئيسية في هذه التوصيات. أولها حسب قوله :أن هذه الخطوات تبدو موجهة إلى المجتمع الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة التي كانت تجهز صفقة كبيرة للأسلحة، وقد تم وقفها مؤخراً. فمن الواضح أن الحكومة البحرينية تحاول بشكل كبير إقناع العالم بأنه تم ارتكاب أخطاء وأنها في مرحلة إصلاح الأخطاء.

المشكلة الأخرى حسب قوله هي أن هذه التوصيات مهمة وضرورية، لكنها لا تزال خطوات صغيرة جداً لن تغير من الواقع شيئاً، فنحن لم نشاهد بعد أي اعتراف حقيقي بالأخطاء والانتهاكات الفظيعة التي تمت في البحرين. ولم نجد معاقبة أي من المسئولين عن هذه الانتهاكات. وأضاف بأنه حينما تتحدث السلطة عن تحسين أداء قوات الأمن مثلاً، تتناسى مشكلة هيكلية تتعلق بتوليفة قوات الأمن في البحرين، فالجميع يعرف بأن قوات الأمن ليست محلية بل هي مستوردة من أفراد من دول عربية أخرى أو باكستان غالبيتهم من السنة وذلك على حساب الأغلبية الشيعية في البلاد، وهي المشكلة التي تم طرحها كثيراً من قبل المعارضة في السابق.

الحاجة إلى حل سياسي

المشكلة الأكبر حسب رأيه أن كل هذه التوصيات تركز على انتهاكات حقوق الإنسان، في حين أن البحرين بحاجة ماسة إلى حل سياسي. فحتى لو تم تطبيق كل هذه التوصيات بحذافيرها، ستبقى الأزمة السياسية قائمة وسنعود إلى مطالب 14 فبراير 2011.

وأضاف " لو كان اتخاذ هذه الخطوات من أجل إعادة بناء الثقة، فهذا جيد، ولكن الثقة من أجل ماذا؟ يجب عمل خطوات جدية سياسياً للخروج من الأزمة. وأول هذه الخطوات هو العودة إلى حوار وطني حقيقي، فقد قام ولي العهد بالدعوة لحوار وطني في فبراير وتم عرض الكثير من النقاط على طاولة الحوار، وفي النهاية وضع ولي العهد سبع مبادئ على الطاولة من أجل الحوار، وتضم برلمان كامل الصلاحية. كما يجب الاعتراف تماماً بكافة الأخطاء وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمت في البحرين، ولا بد أن يتم تصحيح القانون الانتخابي، ويجب أن تتم خطوات حقيقية لمحاربة الفساد،  والأهم من كل ذلك يجب معالجة المسألة الطائفية".

ويرى هيرلتمان بأن المشكلة في البحرين أنها جزء من منطقة مضطربة، وحالياً هناك صراع بين القوى في المنطقة وهما إيران والسعودية، وفي النهاية السعودية تمسك بقبضتها على البحرين، وقد أرسلت قواتها للبحرين وتسيطر تماماً على اقتصادها ، والنظام البحريني لا يمانع ذلك على الإطلاق، وكل ذلك مبني على أساس التهديد الإيراني. غير أن من الضروري حسب رأيه الاعتراف بأن لدى المعارضة البحرينية بشكل عام فهم بأن البحرين سوف تبقى ضمن حدود الفلك السعودي، وأنه لا مجال لها حالياً للخروج من هذا الفلك.

ويضيف هيرلتمان بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالذات يبدو أنهما غير مرتاحتين لما حصل في البحرين، ولكنهما ينظران إلى إيران على أنها العدو، ويجدون أنفسهم في جهة دعم النظام، وهذا هو العامل الأكبر المتحكم في الموقف الدولي تجاه البحرين. غير أنه يعود ليقول بأن هذه الأنظمة مقتنعة بأن  الحل هو في الإصلاح السياسي، إذ إن قمع المتظاهرين لن يؤدي إلى أي نتيجة بل سيرمي المتظاهرين ربما "حضن إيران".

تأثير الضغط الدولي والاعتصامات

وحول ما يمكن أن يحدث بين هيرلتمان بأن من الواضح بأن حكومة البحرين تتأثر كثيراً بالضغط الدولي، كما أن استمرار الاعتصامات في الداخل يضعها في ضغط داخلي. لذلك يبدو هيرلتمان مقتنعاً بأن التغيير قادم لا محالة، لكنه لن يأتي بسهولة، والأهم من وجهة نظره حالياً هو تقوية أصوات أولئك الذين يدعون حالياً إلى العودة إلى طاولة الحوار مع ولي العهد.

من جانبه تحدث سيزنك  حول تقرير بسيوني ووصفه بأنه كان "مميزاً جداً" ، لكنه أضاف " إنني أخشى بأنه تقرير تجميلي فقط وأنه لن يطبق على الإطلاق. وهذا هو الأسلوب الذي دأب النظام البحريني على اتباعه منذ عقود. التعذيب في البحرين ليس جديداً، عندماً كنت أعيش في البحرين في السبعينيات كان هناك تعذيب ايضاً".  

مفاتيح الحل الثلاثة

 
ويرى سيزنك بأن هناك تعقيدات كبيرة لحل المسألة، فإذا أردنا الحديث عن المصالحة يظهر لنا البعد الطائفي، وهو بعد لم يتم توظيفه في الحركات السياسية من قبل، لكن تم توظيفه في هذه الأزمة بقوة كبيرة.
واقترح سيزنك ثلاثة مفاتيح رئيسية للحل والمصالحة في البحرين :
    •    يجب أن يتم اعتراف من جميع الأطراف المعنية وخصوصاً العائلة الحاكمة بأن هناك حاجة ملحة لتطبيق مملكة دستورية حقيقية. وهي شبيهة بما كان يحاول ولي العهد أن يطبقه في مارس. وهذا الأمر يتطلب بالضرورة إزالة أكثر العوامل تطرفاً في العائلة الحاكمة وهم الأطراف المتحكمة في ديوان رئيس الوزراء التي ترى بضرورة القضاء على الشيعة.

    •    إقامة حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الأطراف حتى المتطرفة منها. فلو لم تتمكن من وضع تنظيم يشمل جميع الأطراف وخصوصاً الشيعة المتقدمين منهم لن يصل أحد إلى حل.

    •    والأهم أيضاً أنه يجب على الحكومة أن تقوم بخطوات حقيقية لإلغاء التمييز الطائفي في الوظائف في الجيش والشرطة، بحيث تسمح للشيعة بالعمل في هذه القوات. لا يمكنك أن تقوم بمصالحة إذا لم تعترف كل الأطراف بما حصل بحيث يعمل الجميع معاً.

ويرى سيزنك أن هناك عددا جيدا من الأشخاص الذين يملكون رغبة حقيقية في تحقيق هذا الأمر من الطرفين، ولكن المشكلة الحقيقية هي أن الأطراف الخارجية هي التي تقف حجر عثرة في طريق هذا الأمر. لست متأكداً أن السعوديين أو الإيرانيين يريدون لهذا أن يحدث. وأعتقد بأن العراقيين لهم دور كبير في البحرين بشكل لا يعير له الكثيرون اهتماماً. لذلك من الضرورة أن نصل إلى حل بأن نقنع كافة هذه الأطراف الثلاثة بأن ترفع يدها عن البحرين وبالتالي تقوم البحرين داخلياً بالخطوات الثلاث السابقة.

مضيفاً بأن ما يزيد المشكلة تعقيداً هو قوة الإخوان المسلمين والسلفيين الذين بدأوا يقوون بشكل كبير، وأصبحوا أطرافاً في الحكومة. وهو الأمر الذي لم يكن موجوداً في السبعينات.  وأضاف " هناك توجه جديد من قبل الحكومة ومواليها بالقول بأن السنة اليوم هم الأغلبية وليس الشيعة، والخطير في الأمر أن هذه الأقوال ربما تكون حقيقية، فقد عملت الحكومة بشكل جدي على مسألة التجنيس ونجحت في تغيير التركيبة السكانية إلى حد ما".  

الملك لا يعرف شيئا في بلده

وقال سيزنك " تقوم الحكومة منذ فترة بخداع المعلومات وترسم المواطنين على أنهم موالين لإيران وغير قابلين للتنازل أو التفاوض، ومن المعروف بأن القوة الحقيقة في الجزيرة ليست في يد الملك، وما مقابلته الأخيرة مع المجلة الألمانية إلا دليل على ذلك. كان من المحزن قراءة تصريحاته فهي دليل على أنه لا يعرف شيئاً مما يجري في بلده. والقوة الحقيقة في يد رئيس الوزراء، وهو رجل ذكي للغاية ويستخدم الطائفية للإبقاء على قوته في العائلة، هو أسلوب خطير لكنه فعال للغاية... في البحرين الجميع سيقول لك أن رئيس الوزراء هو أكبر فاسد في الحكومة، ليس هناك دليل على ذلك ولكن هذا هو الشرق الأوسط والإشاعة في كثير من الأحيان هي خبر".

وذكر سيزنك بأن أطرافاً في الشارع السني بدأت أيضاً تستخدم لغة مناهضة للعائلة الحاكمة، بوصفها "تسرق أفضل الأراضي وتجلب الأجانب وتجنسهم" وهو ما سبب معاناة حتى في الشارع السني.

غير أن سيزنك لا يستهين بقوة العامل السعودي في الملف البحريني، إذ يقول " السعوديون هم المتحكمون الرئيسيون في موضوع البحرين، وهم يستخدمونها كجدار عازل ضد إيران.من الواضح طبعاً أنهم لا يريدون تحقيق مملكة دستورية حقيقية في البحرين لأن هذا يعني امتدادها للداخل السعودي. فهم يتحكمون في النفط في البحرين تماماً. والسبب الرئيسي وراء كون العائلة الحاكمة غير قابلة للتنازل اليوم هي الدعم السعودي، فمهما كانت الجزيرة تعاني اقتصادياً سوف تقوم السعودية بالإمدادات".

ويضيف سيزنك " في النهاية، أعتقد أن تقرير بسيوني لن يتم تطبيقه، فقد جاء على ما يبدو كشكل تجميلي للحكومة وهو بالضبط نفس الأسلوب الذي اتبع في العام 2001 . فقد جاء التقرير الذي قامت به الحكومة كخطوة رائدة  في ذلك الحين وظن الجميع أنه سيغير المجتمع  ويلغي التعذيب، وهو الأمر الذي وقع عليه الجميع في ميثاق العمل الوطني في العام 2002، غير أنه لم يتم تطبيقه على الإطلاق.

وفي توصيفه للشارع السني الذي يتم الاستهانة به في النظر للملف البحريني، يرى سينزنك بأن هناك معارضة سنية تتصدرها جمعية وعد والذي يقبع أمينها العام في السجن، ولكن الشارع السني لا يعترف بها لأنها ليبرالية ولا تمثل إلا فصيللاً صغيراً. ولكن هناك خوفا حقيقيا لدى السنة خصوصاً أولئك القريبين من الإخوان المسلمين والسلفيين بأنهم مقتنعين بأن الشيعة يعملون لدى الإيرانيين، ومن الصعب إقناعهم بعكس ذلك، وخصوصاً أن القيادة للمعارضة الشيعية هم شيوخ دين. ويتساءل: لماذا يتصدر المعارضة رجل دين شيعي؟ هذا الأمر يجرح مصداقية المعارضة ومطالبها. والسنة اليوم يقولون بقوة بأنهم الأغلبية، ربما لا يكونون كذلك لكنهم يشعرون بأنهم الأغلبية، ويقولون أيضاً بأن المعارضة أو الوفاق هي المسئولة عن تضييع فرصة التفاوض مع ولي العهد. هذه الأصوات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بحسب قوله.
والأمر المثير للجدل بحسب رأيه الآن أن الكثير من السنة اليوم يقفون ضد آل خليفة بدورهم، والبعض يرى بأنهم قد يساهمون في قلب نظام آل خليفة عند تفاوضهم مع الشيعة، وهو ما يزيد من حدة الأزمة.

وفي نهاية حديثه قام سيزنك بتشخيص الوضع الإقليمي الذي يؤثر بشكل مباشر على موضوع البحرين بقوله " إيران والسعودية سوف تقاتل في البحرين حتى آخر بحريني، بلا شك، وهذا لا يهمهم خصوصاً لأنهم دول كبيرة. والعراق دولة مؤثرة جداً في البحرين، ويجب الاهتمام لدورها وتأثيرها، لذلك يتطلب الحل تحييد كافة هذه الأطراف الثلاثة، ومن ثم ترك البحرين لشأنها، والقيام بالخطوات الثلاثة السابقة على الصعيد الداخلي".

وأضاف سيزنك بأن  ولي العهد فقد الكثير من القوة في العائلة الحاكمة، مؤكداً على أهمية القيام بخطوات أكثر جدية لإزالة رئيس الوزراء، ورغم أن الجميع يقول إن هذا الأمر ليس سهلاً إلا أن الملك نظرياً يملك القوة المطلقة ويجب أن يقوم بخطوة جريئة مثل هذه.





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus