الثائرون خيموا، فكان الاعتصام: مشاهد من اعتصام الدراز
2016-07-11 - 12:25 م
مرآة البحرين- خاص: هناك في الدراز، في الباحة المقابلة لمنزل المرجع الديني الشيعي المعارض آية الله الشيخ عيسى قاسم، يرابط المئات من المعتصمين بهدوء متحضّر، لكن متحفّز.
أكثر من عشرين يوماً حتى الآن، منذ 20 يونيو/ حزيران 2016، مع صدور قرار إسقاط جنسية آية الله قاسم، والممضي بتوقيع ملكي، لم تخلُ الساحة التي شهدت من فورها تجمعاً عفوياً وغاضباً، عبّر عنه المحتجون بارتداء الأكفان وإعلان الاستعداد للموت تصدياً لأي إجراء قد تباشر به السلطة لترحيل اللشيخ قسرياً أو نفيه. لم تخلُ الساحة من يومها من الحشود، ولا المنازل المجاورة التي فتحت أبوابها على مصراعيها مستضيفة كل من قرر أن يمضي في هذا الاعتصام المفتوح. لقد اعتبر البحرينيون، أن هذا القرار هو أخطر تصعيد نفذته السلطة منذ 2011 ضد الوجود الشيعي في البحرين.
منذ ذلك اليوم، ورغم درجات الحرارة المرتفعة والشمس الحارقة، ومشقّة الصيام في شهر رمضان (القرار صدر يوم 14 رمضان)، إلا أنه استمر قوياً وحاشداً، وما زال قائماً حتى اليوم مع استطالة المدة، ومع غموض ما تنوي السلطة الإقدام عليه في القادم من الأيام.
الساحة مفتوحة، لكن الدخول إليها ليس كذلك، فمداخل منطقة الدراز محاصرة بالكامل، ولا يسمح لغير سكان المنطقة بالدخول، أو من امتلك سبباً مقنعاً لرجال الأمن المرابطين كذلك عند الدراز. قوة الحضور تتفاوت بين أوقات اليوم وساعاته؛ الالتزام بساعات العمل والالتزامات الأخرى تحول دون تمكن الكثيرين من التواجد طوال الوقت، وهناك من لا يتمكنون من العودة للدخول بعد خروجهم من (الدراز) لكن هناك المئات ممن لم يغادروا الساحة طوال هذه المدة إلا اضطراراً، أو لم يغادروها بالمرّة، إنهم مصرون على التواجد قريباً من بيت الشيخ، لكي لا تحول بينهم وبينه المسافة، متى ما استجد جديد السلطة، وقررت الاستفراد به ونفيه خارج البلاد كما فعلت مع من سبقوه ممن أسقطت جنسياتهم.
يقف المعتصمون كل يوم بعد صلاة العشائين عند باب الشيخ ويهتفون: "لبيك يا فقيه".. "بالروح بالدم نفديك يا فقيه"، يؤكدون للفقيه الدرازي أنهم لا يزالون هنا، متأهبين للدفاع عن حقه في البقاء على تراب أرضه، آمناً في مسكنه، وأن ذلك حقّ أصيل له، كما جنسيته الأصيلة، وكما هو الوجود الذي يمثله الشيخ برمزية عالية.
في اليوم الأول لتوافد الجماهير، كانت الهتافات غاضبة وغير موجهة، بعضها رددت شعارات مثل "يسقط....."، "الموت......."، لكن سرعان ما تمّ التوجيه من قبل شخصيات قريبة من الشيخ: "نحن هنا من أجل الشيخ، ويجب أن تكون الهتافات مرضي عنها من قبله، هتافات الإساءة والإسقاط لا ترضي الشيخ، فلتكن هتافاتنا مناسبة لمقامه ودفاعاً عن حقّه فقط". من يومها توحدت الهتافات وصارت تختص بإظهار مقام الشيخ الرمزي فقط. لم تعد هناك أية هتافات سياسية، أي هتاف سياسي يتم توقيفه.
خلال شهر رمضان، يزداد توافد المشاركين غالباً بعد الساعة الثالثة مساء، أي بعد انقضاء أوقات العمل والدوام الرسمي، يبقى معظم هؤلاء حتى صباح اليوم التالي، ثم يغادرون من جديد لأعمالهم بعد صلاة الفجر.
تمتلئ الساحة فيما هي تتهيأ لإقامة صلاة العشائين وتناول وجبة الإفطار. لا يعرف الناس من أين تأتي وجبات الإفطار، من الذي يتبرع بها، لكن السفرة الطويلة الممتدة على طول الشارع عامرة دائماً: التمر، الثريد، الأرز، اللقيمات، الكباب، وكل الأطباق الرمضانية المعروفة. بعد الافطار تُخرج البيوت المجاورة خيراتها للمعتصمين، أحد البيوت سيخرج طبقاً من البطيخ المقطع البارد والمنعش، آخر سيخرج طبقاً من الحلو، وثالث سيخرج شاياً، أو شراباً بارداً (شربت) وهكذا. بالإضافة إلى عدد من المضائف تم تنظيمها من قبل الشباب لتزويد المعتصمين بالماء والمشروبات والوجبات الخفيفة، مع تركيب عدد من المغاسل المؤقتة لغسل الأيدي على طوال الساحة.
قلنا إنه بعد صلاة العشائين يقف المعتصمون عند باب بيت الشيخ، يرددون الهتافات بحماس لمدة تترواح بين 15- 30 دقيقة، يكون ذلك بمثابة الاستدعاء أو النداء، تخرج النساء من البيوت ويجتمع الرجال من كل صوب ويشارك الجميع في الهتاف، ويكون ذلك انطلاقة للبدء بالبرامج الأخرى التي غالباً ما تكون خطابات قصيرة، تتبعها برامج عبادية متنوعة خاصة مع أعمال ليالي القدر خلال شهر رمضان، أو مجالس العزاء كما في ليالي ذكرى وفاة الإمام علي. وفي أسحار ليالي رمضان، تشهد الساحة جواً روحانياً خاصاً، حين ترى المعتصمين وهم يحيون الليل بالصلاة والتهجد والدعاء بشكل فردي، ويحمس بعضهم بعضاً للعبادة والذكر.
المراوح الكهربائية التي تم مدّها على طول الساحة حيث يجلس المعتصمون، ساهمت بشكل جيد في تخفيف حرارة الجو الملتهبة في المساء، لكنها حتماً لا تجدي نفعاً عندما تكون الشمس في ذروة لهيبها. غالباً ما ينام المعتصمون بعد صلاة الصبح، تستضيفهم للنوم مجالس البيوت المجاورة؛ مهيأة بأبواب خارجية غالباً، ومغاسل للأيدي، وحمّامات للاغتسال. المجالس المفتوحة بعضها صار مناطقياً، بمعنى أن معظم من فيها من منطقة واحدة، وبعضها الآخر مختلط وعام. تلك المجالس الفتوحة، فتحت الناس على الناس، فهم ينامون في المكان ذاته، ويستيقظون في المكان ذاته، ويستخدمون (الحمام) ذاته، فتعارفوا وتلاطفوا وتوطدت بينهم العلاقات الإنسانية، وصار الناس في المجلس الواحد ينظمون أنشطتهم الخاصة، بعضهم يعقدون مجلساً حسينياً، وبعضهم ينجزون (ختمة قرآنية) وهكذا، وتبقى جميع الأنشطة المقامة ذات طابع ديني ويكاد لا وجود للطابع السياسي فيها.
بعد شهر رمضان، صارت الأنشطة المسائية تترواح بين خطب قصيرة، وجلسات دعاء، وجلسات جانبية، وحلقات نقاشية مختلفة ومتفاوتة. يسهر معظم المعتصمين حتى ساعات متأخرة من صباح اليوم التالي، ينام بعضهم بعد أداء صلاة الصبح مباشرة، ويبقى آخرون لما بعد تناول وجبة الفطور (الريوق).