لسان (فضيلة المبارك): "منيرة" و"جواهر" و"دعاء" و"عائشة" عصابة التعذيب

2012-02-24 - 9:35 ص


مهدي ابن فضيلة المبارك



(فضيلة المبارك) أول معتقلة بحرينيّة حُكم عليها بالسجن بداية لمدة أربع سنوات، ومن ثم مُدد الحكم إلى سنة ونصف السنة، لكنها خرجت قبل إكمال مدة محكوميتها بحوالي ثمانية شهور. (مرآة البحرين) التقتها، فكان هذا الحوار على لسانها الذي تحدث بعفوية وبساطة...


لسان السكرانة

"من رائحة فمها، عرفتُ بأنها "سكرانة"، أمعنت تلك الشرطية في ضربي والصراخ بوجهي:" بنسوي لك نفس المؤذن اللي قصينا لسانه، بنسوي لج نفس الشي، ونفس الشرطي إلي كسرنا يده..."!!

"ثم تأتي شرطية أخرى، لتصرخ بعد أن سمعت ما تفوهت به صديقتها:"إذا قلتي لأي أحد بلي قالته لج، راح أسجر بوزج بستيجر..."!!  

من سوق واقف إلى مركز الرفاع

"كنت يومها (27 مارس/آذار2011) قد خرجت من سوق واقف بسيارتي مع ولديّ وبنات أخواتي الاثنتين، وعمريهما 14 و15 سنة، وفي الطريق لإيصالهما إلى البيت، رأيت من بعيد شرطي مرور، وما إن اقتربتُ منه حتى أوقفني، فظننتُ أن السبب يتمثّل في عدم وضعيّ حزام الامان، وبأنه سيُحرر لي مخالفة، وكان صوت الـ"سي دي" يصدح بصوت عال على أنغام أنشودة ثورية معروفة "مطالب مطالب عادلة، رصاصة رصاصة قاتلة ...".

وحين أصبحت بقربه فتحت النافذة، قال لي غاضبا:" أطفئي المسجل"، فخفضت الصوت، ثم سألته: "هل تريد رخصة القيادة؟"  فصرخ: "أقول لك بندي المسجل". فعدتُ لأخفضّ الصوت مجدداً، وسألته عما يريد، حيث كنت على عجلة من أمري، بيد أنه أصرّ على أن أطفئ المسجل، وأخذ مفتاح السيارة، فخرجت لاستعادته، ولكنه طلب لي الشرطة النسائية.

وتابعت (المبارك) لتقول:" ثم جاء شخص يرتدي لباساً أسود، دخل السيارة بسلاحه، كان يبحث عن المفتاح الذي كان بحوزة رجل المرور، الذي رفض اعطائي إياه، وقال لي إن الشرطة النسائية آتية، ثم أحضر قطعة من خشب "حطبة" ليضربني بها، فقلت له: "عيب عليك أن تضرب امرأة".
في هذه الأثناء حضر بعض منهم  ومنعوه من ضربي.

اصيب ابني بالرعب حينئذ، وبعد ذلك حضرت الشرطة النسائية لتأخذني، وقالوا لي إنهم سيوصلون الأولاد لبيوتهم. اتجهنا الى مركز الرفاع، ووجدت الاطفال بالمركز فصُدمت، قالوا انه سيتم تفتيشهم، وأخذوا من إحدى بنات أختي "جهاز البلاكبيري"، ثم اتصلنا بأختي لتحضر لتأخذهن.

ومن ثم فتشوا سيارتي، كان داخلها جهاز كمبيوتر أخذوه، وكذلك مفتاح السيارة.. وبضعة أوراق، إضافة إلى هواتفي الثلاثة وكفني الذي كان معي في السيارة أيضاً، مكتوب عليه اسماء الله الحسنى وآيات من القرآن الكريم، الا انهم رموه أرضا، وقد داس عليه أحدهم! كما كانت لدي أيضاً مصابيح كنت قد اشتريتها لبيت أختي، فقالوا لي: "بتسوين بهم متفجرات"!

لا تبتسمي

 
بابتسامتها التي أغضبتهم..
وتتابع السيدة المبارك قائلة:" ورغم ذلك كله كانت الابتسامة لا تفارق ثغري. كانوا يسألون بتعجب:"شفيها هذي كله قاعدة تتبسم؟"، فيرد آخر: "شدراني بها ما تدري شبصير فيها، نضرب وتتبسم!!".  

ثم انطلق التحقيق، ضربوني على رجليّ ورفسوني أثناء رديّ على الأسئلة، ورغم تعرضي للضرب كنتُ ابتسم، فصرخوا علي:"ما نبي نشوف أسنانك، ما نبي نشوفك تضحكين".

فعلقت:"هذه أنا، وهذه هي طبيعتي، دائماً ابتسامتي على وجهي". أجبروني على التوقيع على أوراق، لم أقرأ ما كُتب فيها، ولا ما دّون فيها. فقد غطته إحداهن بيديها.

بعد ذلك، حضر أحد المسؤولين، عصبّوا عينيّ بالكفن الذي وجدوه في سيارتي. أوقفوني عنوة وبدأت وجبات الضرب والصفع والرفس وشدّ الشعر، لدرجة أن إحداهن قالت لي:"اركعي لي وبوسي رجلي"، فقلت لها: "لن نركع إلا لله" تلك الشرطية كان اسمها منيرة.

عصابة الضرب والبصق

"منيرة" و"جواهر" و"دعاء" و"عائشة" جميعهن ضربوني، ثم زاد العدد والضرب، وكان ذلك في مركز الرفاع. بصقن على يديّ، كنت أضعها على الأرض فيدُسن عليها.  حضرت شرطية، شدّتني من شعري، وقالت: انت مجوسية، انت ايرانية، وضربنني بالجدار، وهن يصرخن والبقية تضحك، ويصورّن كل ذلك بالفيديو.

وسط الضرب والألم، كنتُ أُصليّ في قلبي لأنني تذكرتُ موعد الصلاة، وقلتُ بداخلي:" يمكن أموت فلازم أصليّ"!

هيا سبيّ واشتميّ

واصلن التعذيب النفسيّ هذه المرة، قولي:"مشيمع، وعلي سلمان ولد ..... ون ....." وغيرها من الألفاظ القبيحة، وكن يصورن بالفيديو.

كنت أرفض كل ذلك بالتأكيد، فأرد:" أهلي لم يعلموني السب"، فيعلقن: "إيه ما ترضى على شيوخها". فأرد: "انا عمري 37 سنة، وأهلي علمونّي أن احترم من هو اكبر مني". اصررن عليّ لاحقاً: "قولي عاش الملك"، فقلت، فسجلّن ذلك، ثم كررّن الطلب "قولي عاش الملك" كالببغاء، لكني رفضت، فضُربت.

صفعات بالإنابة!

ويستمر الضرب، وإحداهن كانت تقول:"للحين ما استإنسنا، بعد نبي نستانس، هاي الصفعة من عند فلان، وهذه من عند فلانة"، وهكذا ....

من السابعة حتى الحادية عشرة مساء في مركز الرفاع وأنا أضرب، ثم  أوقفت في مركز مدينة عيسى، لم أستطع النوم بسبب ألم في الرأس والوجه. وهنا كتبوا كل ما تعرضت له، ووقعتُ عليه، لكن مستشفى القلعة رفض منحيّ تقريراً بالضرب البادي على جسمي، كما أن المركز نفى تعرضيّ للضرب، وقال إني اكذب.  

 إعدام أو مؤبد

من 27 مارس/آذار إلى 27 ابريل/نيسان وانا في مركز التوقيف بمدينة عيسى، ثم اتجهوا بي الى مركز الرفاع ليتم الافراج عني، وعدتُ بعد حوالي اسبوعين الى البيت. وتمت محاكمتي عبر جلسات امتدت طيلة أسبوعين، كنت في كل جلسة أتلقى الإهانات.

وجدير بالذكر إنه تمتّ محاكمتي العسكرية دون وجود محام، وقد حاول أخي إحضار محام لي لكن دون جدوى. وبعد إصدارالحكم عليّ بالسجن لأربع سنوات، قالت إحدى الشرطيات: بس أربع سنوات حكم! وضربتني، وهي تقول:"لازم اعدام او مؤبد .. ما عنده سالفة القاضي". وقال شرطي اخر أمامي:"لازم إعدام بالرصاص"!

جمعة الزنزانة

بعد إصدار الحكم، حافظت على  ابتسامتي، لأني كنت متأكدة اني لن أُكمل السنوات الاربع  في السجن فأنا لستُ بمذنبة، ولم ارتكب جُرماً.
وبعد الاستئناف خُفض الحكم الى عام ونصف العام.

 
فضيلة تهدي ابنها ما أنجزته في السجن
وضعتُ في زنزانة انفرادية لمدة يوم واحد فقط، وكنت مع السيدة جليلة السلمان نائب رئيس جمعية المعلمين في زنزانة واحدة، واجتمعت مع كل من المعتقلتين المحررتين ريما هلال ومريم محمد، ومن ثم مع معتقلات الـ(ستي سنتر)  جمعتنا كانت حلوة، فقد سُعدتُ بالتعرّف إليهن".  

زفة الإفراج

خبر الإفراج عنيّ لم يكن مُفرحاً في حينه لي، لأني كنت أتمنى أن يُفرج عن جميع المعتقلات.

أخي علي، ونائب رئيس جمعية المعلمين السيدة جليلة السلمان، والناشطة خديجة جواد هم أول من التقيت بُعيد إطلاق سراحي، ثم اتجهت إلى عالي، حيث أُستقبلت بـ "زفة" تم قمعها لاحقاً، ثم اتجهت لزفة أخرى في قرية الكورة حيث بيت أمي، وقُمعت أيضاً، ثم إلى المقشع لساحة الحرية حيث اعتصام الجمعيات السياسيّة آنذاك، وما ان صعدتُ المنصة، وشاهدتُ الجمهور الكبير حتى أحسستُ بفرحة كبيرة، فالمنظر كان جميل جداً.

أما ابني مهدي، فلم يكن يدري بخبر الإفراج عني، لدرجة أنه عندما رآني لم يستوعب الأمر، قال: "انا ما شفت الا وحدة حضنتني، بعدين طلعتين انتين"!




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus