التعليق السياسي: نعم، نحن مستهدفون!!

2016-07-20 - 12:19 م

مرآة البحرين - خاص:  نعم مستهدفون. مستهدفون في وجودنا وهويتنا ومعتقداتنا وشعائرنا وفرائضنا، يكفي أن تكون شيعياً لتصير محطّ استهداف مطلق ومحطّ تخوين وتهميش وعزل وإقصاء، طالما أنت شيعي فأنت مشروع قتل أو اعتقال أو محاكمة أو إسقاط جنسية أو نفي أو تهجير أو تضييق أو محاربة في الرزق، طالما أنت شيعي فأنت مهدّد في حياتك ووجودك ومعتقدك، أنت لست مواطناً ولا أصيلاً، أنت مشروع خائن. وكل نقد توجهه للسلطة أو رفض للظلم والفساد أو مطالبة بالمشاركة في العملية السياسية يحيلك إلى عميل مرتهن للخارج.

ليس في هذا سرّ ولا مواربة ولا ضحك على الذقون. السفهاء الذين يحاولون تحريف هذه الحقيقة أو تعميتها يجعلون من أنفسهم مهرجين في سوق النخاسة لا أكثر. ليس في الأمر ما يمكن التغطية عليه، فإجراءات النظام السافرة تعلن ذلك بكل وقاحة أمام كل العالم ولا تبالي. لم يعد أي من أنظمة العالم الديمقراطي المتحضر يشكّك في حقيقة الاضطهاد الطائفي التي يعاني منه الشيعة في البحرين. التهم الواهية التي تطلقها السلطة لا تقنع أحداً سوى نظائرها الطائفيين وأبواقهم الناعقة وراءهم.

أيضاً، ليس الأمر وليد أحداث 2011 كما يحاول بعض تصويره أو تسويقه سذاجة أو تمويهاً، ليس الأمر انتقاماً أو عقوبة. فالانتقام من احتجاجات الشهر الواحد (14 فبراير-15 مارس 2011) قد تجاوزت مداها الأقصى منذ إعلان قانون الطوارئ وفتح باب المكارثية على مصراعيها، والعقوبات سارية منذ ذلك اليوم بأحكامها المغلّظة والقراقوشية لكل من شارك في هذه الأحداث.
الأمر ليس انتقاماً ولا عقوبة بل هو أكثر من ذلك. قد يكون صحيحاً أن النظام وجد في هذه الأحداث فرصته ليكشف عن وجهه الحقيقي الذي كان يخفيه تحت مسمّى «المشروع الإصلاحي»، تلك الكذبة الذي تفاجأ الشيعة في البحرين وهمّ في غمرة تصديقهم لها أنها مجرد قناع أملس لوجه مشوّه قبيح، ومؤامرة تدار في السرّ والخفاء.

منذ ذلك اليوم في سبتمبر 2006 استفاق الشيعة الآمنون في البحرين على فضيحة قلبت كيانهم وهزّت وجدانهم؛ مؤامرة يديرها مسؤولون حكوميون ينتمون إلى العائلة الحاكمة لإثارة الفتنة الطائفية وتهميش الطائفة الشيعية، إنها مؤامرة تستهدف الشيعة في وجودهم وتعمل بشكل محموم على (تسنين) المناصب والمراكز والوظائف الحساسة وتجنيس مئات الآلاف من الوافدين من الأصول المختلفة بشرط أن يكون سنياً بهدف تغيير الهوية الديمغرافية للبلاد!! هذه المؤامرة وفق التقرير الذي أصدره مستشار وزير شؤون مجلس الوزراء حينها صلاح البندر تتضمن خلية استخبارات سرية للتجسس على الشيعة، ومنظمات مدعومة من الحكومة ومنظمات غير حكومية وهمية، ومنتديات ومواقع على انترنت تحرض على الكراهية الطائفية، ودعم المهتدين الجدد المتحولين من الطائفة الشيعية إلى الطائفة السنية، بالإضافة إلى مدفوعات لتزوير الانتخابات. وفقا للبندر قام الوزير بتفعيل خمس بنود بتكلفة وصلت إلى أكثر من مليون دينار بحريني (2.7 مليون دولار أمريكي).

بعد انتشار التقرير الفضيحة وما أعقبه من ضجة كبرى رُحّل البندر قسراً إلى المملكة المتحدة، ومنعت جميع الصحف من التطرق إلى التقرير كما منعت مجرد ذكر اسم المستشار الذي فضحها.

كان ذلك كافياً ليحدث هزّة في وجدان كل شيعي في البحرين أدرك متأخراً، أن الملك الذي وثق به وصدّقه ورفعه على أكتافه وأعطاه صوته في الميثاق وقرّر أن يتجاوز معه العقد التسعيني المرّ بكل ويلاته وآهاته، أن هذا الملك نفسه، يحيك له من الخلف ما لم يخطر له على بال، وأن ما سمي بالمشروع الإصلاحي بدلاً من أن ينعش روح المواطنة والمساواة والعدالة بعيداً عن المذهب والطائفة، وبدلاً من أن يوحّد بين مكوني المجتمع من السنّة والشيعة، فإنه راح يكيد ويكيل بمكيال الخديعة والضغينة والكراهية والطائفية.

إلا أن البحرينيين حينها قرروا أن يتجاوزوا الفضيحة ويكملوا ما بدؤوه من العمل على التغيير السياسي عن طريق المشاركة، لقد (تجاهلت) المعارضة هذه الفضيحة لكي لا تعطيها الفرصة بعرقلة مسيرتها، وشاركت في الانتخابات البرلمانية 2006 وخاضت تحدي اللعبة الديمقراطية معوّلة على الشارع، وكان للوفاق نصيب الأسد من الأصوات الشعبية، تلك التي قامت السلطة اليوم ضمن مشروع الاستهداف بحلّها وتصفية ممتلكاتها، واعتقال أمينها العام ومحاكمته بالسجن 9 سنوات.
هنا نستحضر فيلسوفة الثورات ومؤرخة الاضطهادات الشمولية (حنا آرندت) لنصوغ شعارها على مقاس استهدافنا: عندما يُهاجم الإنسان هنا كمواطن شيعي، فإنه يجب عليه الدفاع عن نفسه كمواطن شيعي، ليس كبحريني أو كمواطن أخر. وعمليا يعني هذا: ماذا نستطيع أن نفعل في هذه اللحظة؟

يوم الاثنين 18 يوليو/ تموز 2016، أصدر 4 من كبار العلماء الشيعة هم الشيخ عيسى قاسم (المسقطة جنسيته والمحال إلى المحاكمة والمهدّد بالنفي والترحيل) والسيد عبدالله الغريفي والشيخ عبدالحسين الستري والشيخ محمد صالح الربيعي بيانا بمثابة إعلان للمجتمع الدولي، أعلنوا فيه "إننا كمكون أساسي وأصيل من مكونات هذا الوطن (المكون الشيعي) باتت قناعتنا كبيرة بأننا مستهدفون في وجودنا وهويتنا ومعتقداتنا وشعائرنا وفرائضنا" وطالبوا بوقف هذا الاستهداف. في اليوم التالي أصدر 217 رجل دين شيعي بياناً أكدوا فيه ما جاء في البيان الأول، ومن فورهم خرج مئات المواطنين المحتجين في الدراز مؤكدين رفضهم لهذا الاستهداف الطائفي، الذي صار سافراً خليعاً في البحرين، بلا حياء، ولا مراعاة لأي عرف إنساني أو مجتمعي أو دولي.

نعم إننا مستهدفون في وجودنا، ونطالب بتدخل دولي مسؤول لوقف الاستهداف ضد الشيعة في البحرين.