يوم وليلة في أحد سجون البحرين، الجزء الأول.

2012-03-04 - 9:20 ص


حلقة الجزء الثاني



راديكا ساينث، موقع شاهد البحرين
ترجمة: مرآة البحرين


عندما تخرجت في كلية الحقوق، لم أتصور أبدا أنني سوف أقف  بعد سنوات قليلة للدفاع عن نفسي في البحرين، المملكة الخليجية الصغيرة  - المعروفة بأجهزتها الأمنية القمعية، وتعذيب سجنائها السياسيين - بعد إطلاق الغازات المسيلة للدموع عليّ واعتقالي وسجني، وضربي على الرأس، وتكبيل يدي، وإجباري على الوقوف المجهد وترحيلي.ومع ذلك أعتبر نفسي محظوظة.

استيقظت صباح يوم السبت، منهكة ولكن متحمسة. فاليوم سيكون أول يوم في سلسلة من المحاولات المستمرة من قبل الناشطين البحرينيين لاستعادة السيطرة على دوار اللؤلؤة، ميدان التحرير البحريني. وكان النظام قد قتل العشرات، وهدم النصب التذكاري في الدوار، وحوّل المكان  إلى منطقة عسكرية مغلقة في العام الماضي بعد أن عسكر الآلاف هناك مطالبين بالحرية والديمقراطية والمساواة في الحقوق.

وكنا قد أطلقنا ما يسمى"شاهد البحرين" وهي مبادرة للرصد والتوثيق والتضامن مع الناشطين في مجال الديمقراطية. وقبل ذلك بيوم واحد طلبت منا القيادة البحرينية للناشطين في مجال حقوق الإنسان مثل نبيل رجب، وزينب الخواجة، حضور المسيرة السلمية.

غادرنا القرى الشيعية المحيطة بالعاصمة المنامة باكرا، إلى منزل في المدينة القديمة. وكانت الشرطة  قد بدأت بإقامة نقاط تفتيش للاحتجاج الذي سيقام بعد ظهر ذلك اليوم. كان مكان التجمع سريا للغاية حتى لا تتسرب أية معلومات إلى الشرطة. وفي الوقت المعلوم عند الساعة 3 بعد الظهر، كان على نبيل أن يرسل تغريدة لمتابعيه عن مكان التجمع والذين يزيد عددهم  عن  100 ألف  شخص، أي ما يعادل تقريبا  10٪ من سكان البحرين.

ولكن كانت هناك مشكلة، فأحد الناشطين البحرينيين أخطأ عندما أعطى معلومة للصحافة عن مكان التجمع. وعلى وجه السرعة التقوا مجددا لتحديد مكان جديد. وتم إرسالها عبر تويتر.

 
وكان نبيل قد طلب من كل مراقب أن يرافق أحد الحقوقين. وعند وصولنا إلى الموقع، كل منا عليه أن يركز على مهمة محددة،  فهناك التصوير الفوتوغرافي، والتسجيل على أشرطة فيديو والتغريدات. والأخيرة كانت من مهمتي.

خرجت زينب، وتلاها نبيل. وكنت أنا برفقة سيد يوسف المحافظة وهو شاب وسيم ناشط في مجال حقوقي بمركز البحرين لحقوق الإنسان، و كان قد اختبأ لمدة شهرين في العام الماضي وفصل من وظيفته لمشاركته في الاحتجاجات الديمقراطية.

أطل السيد يوسف من الباب الحديدي على الزقاق. قال لنا "عودوا، عودوا". إن الشرطة في الزقاق! فخلعنا أحذيتنا وهرعنا إلى داخل المنزل. وبعد عدة دقائق خرجنا مرة أخرى، أنا بجانب سيد يوسف، وكانت زميلتي كايت رافائيل خلفنا مع ناصر الرس الذي أطلق سراحه مؤخرا مع أشخاص آخرين. خرجنا من المنزل، ملتفتين يمينا فشمالا، في الأزقة الملتوية، منسحبين عندما يحذرنا الناس في الشارع بأن الشرطة قريبة منا. وكان الهنود أصحاب بعض المتاجر يقفون أمام متاجرهم التي تحتوي على ملابس  الساري، والكاري، أو الأجهزة  الإلكترونية وكانت وجوههم ملونة بالفضول عندما التقت عيناي بعيونهم.

كنت أنا وسيد يوسف نركض في أحد الشوارع الواسعة في المنامة. واصلنا المسير بسرعة، نتطلع مباشرة إلى الأمام ونحن نمر بالبنوك والمباني التجارية، متجاهلة بريق واجهات قلب هذه مدينة.

أضعنا كايت وناصر والآخرين، ولكن لم نكن نريد أن نتوقف. دخلنا إلى مكان يشبه البلازا ورأينا بعض رجال الشرطة يقفون على يسارنا. كنت أتساءل إذا كان ينبغي علينا التراجع- فوجه سيد يوسف معروف جيدا، و لكنه وبكل بساطه انحرف عنهم ومشى على وتيرة المتنقلين في مدينة نيويورك. كان هناك  مصرف سيتي بانك في الطرف الآخر من  الشارع.

قال لي سيد يوسف "إذا سألونا ماذا نفعل هنا " عندها يمكننا الإجابة بأننا نريد الدخول إلى البنك، " ثم سألني، "أين هم؟" قلت، "لا أدري، لا أريد أن أظل أنظرإلى الوراء.". أومأ برأسه في إشارة إلى أنه يوافقني الرأي. وبدا الأمر مريبا.

بقينا على هذه الحال حتى رأيت أخيرا أحد المصارف الأخرى، صرافها الآلي يقع وراء نافذة زجاجية كبيرة تواجه الشارع. قلت له، "ربما أستطيع الذهاب إلى هناك وأسحب قليلا من المال، وأنت يمكنك المراقبة عبر النافذة،". أدخلت بطاقتي  بالصراف الآلي. وبينما كان الجهاز ينقلني من قائمة إلى أخرى، رأيت كايت وناصر فخرجت بسرعة. وكذلك رأيت نبيل الذي كان يحيط به حشد كبير من الناشطين يقفون أمام بنك ستاندرد.

أرسلت تغرديتين عبر  WitnessBahrain @ و بدأت المسيرة باتجاه  الدوار. كنت أحاول دائما أن أبقى على الأطراف، لأتمكن من المراقبة بشكل أفضل. كان المتظاهرون السلميون يرددون شعار "يسقط حمد" وهم يلوحون بعلم البحرين  بلونيه الأحمر والأبيض. وكثيرا ما التقينا مباشرة مع شرطة مكافحة الشغب بملابسهم الزرقاء والبيضاء  بأسلحتهم الأوتوماتيكية الكبيرة.

أطلقوا مباشرة على الحشود عدة طلقات من القنابل المسيلة للدموع، و كادت أن تسقط واحدة منها على وجه زميلتي هويدا عراف.كتبت تغريدتي، "الشرطة  تطلق الغاز المسيل للدموع  على المسيرة السلمية الآن في المنامة، البحرين". كنت أتساءل إذا كانوا سيطلقون علينا الرصاص الانشطاري كما كانوا يفعلون ذلك في السابق. لكنني حاولت أن أظل، أشاهد، وأكتب على تويتر والأدخنة تلف المكان، والحشود تركض، وأنا أتحسس  قناع الغاز المسيل للدموع الذي حصلت عليه في وقت سابق.
كانت أول تجربة لي مع هكذا نوع من المعدات ؛ ففي زيارتي إلى القرى في وقت سابق هذا الأسبوع، كنت قد استخدمت العلاجات المنزلية، مثل استنشاق البصل والخل، ووضع وشاح حول الأنف والفم، وإلقاء الحليب على وجهي. و بالتأكيد  هذه الآلة السحرية الغريبة لن تجعلني أتأثر!

 
ولكن واأسفاه لم تعطِ هذه الآلة أية نتيجة، شعرت بحرقة في عيني وأنا مكممة، ألهث أريد أن أتنفس  الهواء ودموعي الحارقة المخاط ينزلان على وجهي. كنت بحاجة أن أرسل تغريداتي ولكن لا أتمكن من الرؤية. المخاط يتساقط على الآي باد وأرى المتظاهرين  يركضون في الأزقة والشرطة تطاردهم. وبينما كانت الدموع تتدفق على وجنتي غردت: الاختناق من الغاز المسيل للدموع والشرطة  تطارد المتظاهرين السلميين  Babrain # # ARABSPRAING. التدقيق الإملائي كان فظيعا، فالكتابة على الآي باد والغاز المسيل للدموع أمران لا يجتمعان أبدا.

تبعت الناس في الأزقة، على أمل الهروب من الغازات  وبينما أنا كذلك صادفت رجال شرطة  كانوا يحيطون بامرأة ترتدي العباءة السوداء وترمي بذراعيها حول شاب، ربما كان ابنها، تصرخ باللغة العربية وهم يصرخون عليها.

حاولت أن أرسل شريط فيديو عبر تويتر عن هذا الشاب رغم الدموع وحرقتها، ولكن الآي باد كان ينزلق. وكان رجال الشرطة قد تركوا الشاب وأحاطوا بي. وكلهم باكستانيون، مرتزقة جاء بهم النظام لقمع المتظاهرين.

قال لي أحدهم، "لا يمكنك التصوير".فأجبته واضعة الآي باد على جنب "لا، لا أقوم بالتصوير، لا أستطيع تشغليه". فاقتربوا مني وكان ظهري إلى الجدار.  لقد شاهدتني النسوة الساكنات في ذلك الزقاق عبر الشرفات والزوايا.قال لي أحدهم  "أنت محظوظة لأنك هندية"، وأضاف "لو كنت بحرينية لقبضنا عليك ".

تسارعت الأفكار برأسي، ما هو شعور السنة الباكستانيين في الشرطة البحرينية تجاه هندية هندوسية في مسيرة ذات طابع شيعي؟ يبدو وكأن هناك روابط آسيوية مشتركة بينهما، قررت قول ذلك  مع الأخذ بجانب من الحيطة. فتذكرت " صحيح أنا  أميركية"، "لكن والديّ من الهند."

وبدأوا باستجوابي عن سبب حضوري هذا الاحتجاج، وكيف أذهب إلى هناك، ولماذا كنت متواجدة في ذلك المكان. وهل  كنت أعلم أن المتظاهرين كانوا يقولون أشياء سيئة عن النظام البحريني، وأنهم كانوا يهتفون يسقط حمد ". سألني أحدهم: "هل الولايات المتحدة الأمريكية تسمح لمواطنيها قول أشياء سيئة عن حكومتها؟". أومأ الآخرون تأييدا لمنطقه متأكدين أنني سوف أفهم الأعمال المخلة التي يقوم بها هؤلاء المحتجون. قلت: "بالطبع. كان الناس دائما يقولون أشياء سيئة عن الرئيس جورج بوش. كانوا يكرهون بوش. والكثير منهم الآن  يحتجون  ضد أوباما."

كانوا هادئيين، فحاولت الضغط عليهم، بإخبارهم أني كنت في بلدهم باكستان منذ بضع سنوات أدعم  حركة المحامين نحو الديمقراطية. فقلت: "الناس  يكرهون مشرف، وينزلون إلى الشارع."  بهذه الكلمات كنت آمل أن ألعب أوراقي جيدا، ولكن ماذا لو كان هؤلاء الرجال يحبون مشرف؟ ولكن اتضح لي أن لا أحد يحبه لقد شاهدت ذلك في عيونهم وهي ترمش في إشارة أنهم يؤيدون كلامي. أنهم يكرهون ديكتاتورهم، ولكنهم يدعمون نظاما آخر غير ديمقراطي.

وفي النهاية، غادروا آخذين الشاب معهم. فشكرتني الامرأة كثيرا، فلو لم أكن هناك، ربما كانوا أخذوها هي أيضا. رجعت مشيا إلى حيث كان المحتجون قد أعادوا تجمعهم. ولم أكن أعلم أن في الدقائق التالية، لن يتسنى لي الهرب بسهولة.

16 فبراير 2012


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus