» رأي
تظاهرة 9 مارس.. سيكون تضييعا لها القول: نحن هنا فقط!
عباس بوصفوان - 2012-03-05 - 10:04 ص
عباس بوصفوان*
إلى أي مدى يمكن تحويل مسيرة التاسع من مارس إلى نقطة فاصلة ونوعية لتجديد انطلاقة حدث 14 فبراير التاريخي؟ دون شك فإن أحد أهداف المسيرة أن تجدد الحركة الوطنية التأكيد بأن ثورة اللؤلؤ ماضية في طريقها، وأن شباب 14 فبراير ليس وحدهم في الميدان، وأن الحركة أعم من ذلك بكثير، وهي تحظى باحتضان المرجع الديني الأعلى في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم، كما تحظى بدعم الجماعات السياسية الرئيسية، وعلى رأسها الوفاق ووعد، إضافة إلى التجمع القومي والوحدوي والاخاء، والتي لم يفت في عضدها النهج الأمني الرسمي، فيما القطاعات الشعبية التي استهدفت بعمليات «التطهير» مازالت «صمود».
هذه الرسائل بالغة الأهمية في ظل ادعات متتالية للملك حمد، الذي بات رسميا الخصم الرئيسي لحراك 14 فبراير، ادعاءاته بأن المعارضين لنظامه الدكتاتوري شرذمة قليلون. ولنتصور أن 300 ألف يخرجون في الشوارع في التاسع من مارس المقبل، فإن ذلك سيعد ليس فقط استفتاء شعبيا كبيرا لحجم الرفض للسياسات السلطوية القائمة، بل لهيكلة الحكم الذي تحتكره عائلة آل خليفة.
بيد إني آمل آن لا تكتفي المسيرة بذلك! ودعوني أطرح معكم فرصة أن تحمل المسيرة رسائل أكبر داخليا وخارجيا. فمثلا، سيكون مفيدا جدا ضمان وجود الدكتور علي فخرو والنائب في برلمان 1973 جاسم مراد ضمن المسيرة، للتأكيد على الحالة الوطنية للمطالب التي تريد السلطة تحجيمها طائفيا، عبر استمرار سياسات التمييز وتوزيع «الغنائم» بطريقة تعمق الجراحات، وتلعب على الوتر الطائفي.
وسيكون ملفتا الحرص على أن يكون فخرو ومراد في مقدمة المسيرة بكتف آية الله قاسم والإسلاميين المحافظين، إلى جانب القيادي في حركة التسعينات علي ربيعة وقيادات اللقاء الوطني، وقيادات اللوبي الدستوري السابق وعلى رأسهم الدكتور حسن رضي، وعموم القيادات السياسية والعمالية والحقوقية.
سيظهر ذلك قيادات السنة والشيعة جنبا إلى جنب، كما يظهر الطيف الليبرالي والعلماني مساند للحراك الداعي للديمقراطية، فليس الشيعة فقط وليس الإسلاميين فقط هم المعنيون بالحدث التاريخي الراهن.
كما سيكون مفيدا حضور وزير الصحة السابق د. نزار البحارنة ووزير الإسكان والعمل السابق د. مجيد العلوي والمحافظ السابق أحمد سلوم وكل الجماعات التي عاقبتها السلطات لرفضهم سياسات القتل في 17 فبراير و16 مارس 2011.
أما حضور جماعات العصفور والمدني فإنه يعني أن الحالة غير المسبوقة لانتفاضة 14 فبراير مازالت قائمة. وتقدم الدكتورة منيرة فخرو المسيرة أو الجانب النسائي منها، إلى جانب رولا الصفار وعصمت الموسوي وفريدة غلام وجليلة السلمان وأحلام الخزاعي وزينب الخواجه وكل الناشطات والحرائر اللاتي أبرزهن حدث اللؤلؤة الفريد ستكون رسالة بالتزام المرأة من كل الفئات بالخط النضالي، رغم التضحيات الجسام.
ودعوني أقترح هنا أن يكون الرجال خلف النساء في هذه التظاهرة التي يراد لها أن تكون غير، بما يعنيه ذلك من تقدير للحرائر والتزام بحقوقهم. وقد تكون التظاهرة هذه فرصة مهمة لاستعادة الدكتور حسن مدن والجناح الإصلاحي داخل المنبر التقدمي، ليكون جزءا من نشاط يستهدف تحقيق مصلحة عليا للبحرين، حتى مع توقع أن لا يعني ذلك عودة كاملة للتحالف السداسي كما كان سائدا إبان اعتصمات دوار اللؤلؤة الحاشدة، بين منتصف فبراير ومارس 2011.
وسيعطي معنى مهما للتظاهرة أن يحضر الوسطيين ورجال الأعمال من أمثال فيصل جواد وجاسم عبالعال وفاروق المؤيد وعادل المسقطي، ومختلف البيوتات التجارية والعائلية والقبلية المعروفة.
فيما سيكون حضور«الأفندية» والتكنوقراط من أطباء ومعلمين وكتاب وشعراء وإعلاميين وغيرهم تأكيداً على أن عقل الثورة مازال يرفدها بالأفكار والقيم والمثل، فيما حضور الرياضيين والعمال وأصحاب التكاسي والطراريد والتيلرات وغيرهم إشارة لا للبس فيها على أن العودة للبيوت غير مطروحة دون إحداث تغيير جوهري في هيكلة الحكم ونمطه.
أعرف أن فيما ذكر أعلاه الكثير مما هو وغير واقعي بنظر البعض. بيد أن أقوى ما في هذه الحركة أنها تخطت حدود ما هو متوقع ومألوف. وتلك نماذج فقط، تعطي فكرة عما يفترض العمل على أن تمثله وتحققه التظاهرة المرتقبة، لتكون معبرة عن البحرين: أطيافا سياسية ومذهبية ومناطقية، وتجمعات سياسية ومدنية، وأجيال عمرية من الجنسين.
على أن ذلك دونه الكثير من الجهد والنشاط الدؤوب الذي يمكن أن يحول بعض هذه المقترحات وغيرها إلى واقع. وفي الحقيقة، فإنه بينما استنفدت السلطات الكثير من أوراقها الأمنية والسياسية، في ظل عالم يدرك النمط الدكتاتوري للحكم القائم في البحرين، فإن أمام المعارضة مساحات كبيرة لم تستنفذ بعد.
وقد توجه انتقادات للمعارضة بشأن تحفظها الذي قد يكون مبالغ فيه في بعض الأحيان، لكن مقولة التلويح بالشيء خير من استخدامه قد تصدق على الإجراءات التي لم تمض فيها المعارضة بعد. ومن هنا فإن هذه التظاهرة يمكن أن تكون مجالا مثاليا للإعلان عن جملة من الخطوات الجريئة والرصينة في ذات الوقت، والتي يمكن أن تشكل تحد للسلطة الغاشمة، التي تثبت كل يوم بغيها وجورها، خصوصا حين تستمر بالتجنيس وتهدد بإلحاق البلد بالسعودية، وتمضي في نهج أمني بائس، ولا ترى حرجا في تجويع المواطنين، وهدم المساجد، واللعب بمصير البلد طائفيا.
إنها لحظة فريدة، سيكون تضييعا لها إن كان هدفها قول: نحن هنا فقط. في الواقع لقد تجاوزنا ذلك، منذ تمكنت الوفاق من تجميع الجمهور في سار بعد انتهاء حالة الطوارئ، وتجدد تأكيد حضور الجماهير على مدى عام، وسيتجدد في 9 مارس، بيد إن على الجماعات السياسية هذه المرة عبء قول مختلف، ليس على مستوى الشعار السياسي، فمقولة الملكية الدستورية تعني فعليا يسقط حمد الدكتاتور، لكن المطلوب التفكير فيما إذا كانت اللحظة مؤاتية لإعلان خطوات تكسر الكلاسيكية التي تتسم بها التظاهرات القائمة، وتخرج الفعاليات المعارضة من الصندوق التقليدي الراهن، لتتخذ خطوات تصفع النظام، الذي يدعي فهمه نسق اتخاذ القرار ومداه في أروقة المعارضة، وتقول له: شحوااال!.
*صحافي بحريني.