كريستين ديوان ومايكل أصفهاني: نظام البحرين الجديد

كريستين ديوان سميث ومايكل أصفهاني - معهد دول الخليج العربية في واشنطن - 2016-08-26 - 3:40 م

ترجمة مرآة البحرين

أصبحت الأخبار السّياسية الآتية من مملكة البحرين الصّغيرة سريعة ومتكررة هذا الصّيف، مع سلسلة من الإجراءات اتخذتها المحاكم والبرلمان وقوات الأمن، لتعيد تشكيل المشهد السّياسي الرّسمي للبلاد. هذه الإجراءات وجّهت على ما يبدو الضّربة القاضية لاستراتيجية وُضِعت في السّنوات الأولى من حكم الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عندما تمت دعوة السّياسيين المعارضين للعودة من المنفى وإعادة تأسيس البرلمان وإعادة تشكيل الاقتصاد ليتم، بشكل أفضل، دمج مجتمع شيعي يعتمد بشكل غير متناسب على القطاع الخاص للتّوظيف.

اليوم، الائتلاف الإسلامي الشّيعي الذي ظهر من داخل الصّفقة الوطنية لميثاق العمل الوطني في العام 2001 محروم: زعيمه السّياسي في السّجن، وقد سُحِبت جنسية زعيمه الرّوحي، وصدر الأمر بحله رسميًا ونُفِّذ في بضعة أسابيع. ما الذي دفع الحكومة إلى توجيه هذه الضّربة القاضية إلى معارضة مهزومة بالفعل؟ وما هي آثار ذلك على السّياسات الإقليمية ومصالح الولايات المتحدة؟

نهاية الوفاق

في الأشهر القليلة الماضية، أزالت الحكومة البحرينية كل غموض في موقفها تجاه المعارضة الإسلامية الشّيعية. في مايو/أيار، زادت محكمة استئناف بحرينية الحكم الصّادر بحق الأمين العام لجمعية الوفاق من أربع إلى تسع سنوات. في يونيو/حزيران، علّقت الحكومة ترخيص الوفاق -واتّهمتها بخلق "بيئة للإرهاب والتّطرف والعنف". وبعد حوالي أسبوع، سحبت الحكومة جنسية الزّعيم الرّوحي للوفاق ورجل الدّين الأبرز في البحرين، آية الله الشّيخ عيسى قاسم على خلفية تهم باستغلال "المنبر الدّيني لأهداف سياسية وخدمة مصالح أجنبية". وفي 17 يوليو/تموز، ختمت المحاكم البحرينية عملها بحل الوفاق، وهي جمعية سياسية حازت في إحدى المرات على نصف المقاعد تقريبًا في مجلس النّواب المنتخب في البحرين.

الحملة ضد المعارضة الشّيعية انطلقت من قلب الإطار القانوني لتعديلات جديدة على قانون الجمعيات السّياسية، تقضي بفصل الدين عن السّياسة وتمنع وجود رجال الدّين في البرلمان. حتى الآن، تم تطبيق القانون حصريًا على المعارضة الإسلامية الشّيعية. وفي موقفها، تعتمد الحكومة على كتلة مشاركة برلمانية وطنية جديدة، "غير سياسية" وعابرة للطّوائف، تُصَوت على نحو موثوق لصالح سياسات الحكومة. وهي تُعِد أيضًا جيلًا جديدًا من السّياسيين من بين العوائل الشّيعية البارزة التي كانت متحالفة مع آل خليفة منذ الأيام الأولى للمملكة. وفي الوقت ذاته، تضع القواعد الدّاخلية الجديدة في البرلمان معايير أعلى لاستجواب وزراء الحكومة، ما يعوق السّلطات الجديدة الممنوحة للبرلمان من خلال التّعديلات الدّستورية في العام 2012. هذه التّدابير القانونية، المبنية على تلك التي حظرت في وقت سابق التّجمعات السّياسية، إضافة إلى جولة مكثفة من الاعتقالات وسحب الجنسيات التي تستهدف زعماء دينيين شيعة وناشطين سياسيين غير دينيين، تهدف إلى حصر النّشاط السّياسي ببرلمان مُسَيطر عليه على نحو أكثر إحكامًا من خلال فرض قيود على كل من المشاركة والرقابة. التّصعيد ضد معارضة منهكة أساسًا بسبب الاعتقالات ومقيدة بالقوانين الجديدة والإجراءات الأمنية حيّر الكثيرين، بمن في ذلك مسؤولين أمريكيين. مع ذلك، وعلى نحو مهم، هذه التّحركات تكمل ببساطة مسارًا سياسيًا بدأ بعد فشل المفاوضات السّياسية مع الجمعيات السّياسية الشّرعية في خضم انتفاضة العام 2011، وتغييب ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة من قبل منافسين ملكيين متمركزين في القوات الأمنية والدّيوان الملكي. العقلية السّائدة في القيادة البحرينية تفترض وجود ميول موالية لإيران لدى الحركات السّياسية الإسلامية الشّيعية، وترى في قربهم من السّلطة، الاقتصادية والسّياسية على حد سواء، تهديدًا لها. وانطلاقًا من هذا الاعتقاد، قد يكون كل من التّقدم الإقليمي من قبل إيران، والاعتماد المتزايد على السّعودية أدّيا إلى هذا القرار.

العامل الإيراني

من وجهة نظر دول الخليج العربي، كانت طهران تعزز مكانتها في الشّرق الأوسط الكبير. بالنّسبة لإيران، فإن تمرير خطة العمل المشتركة الشّاملة أو الاتفاق النّووي الإيراني، مع فشلها في الإعلان عن انفتاح سياسي مع الولايات المتحدة، سمحا بزيادة الاستثمارات من قبل جيرانها وأوروبا، بالإضافة إلى زيادة في صادرات النّفط. في سوريا، التّعاون الاستراتيجي لإيران مع روسيا وحكومة بشار الأسد في القتال ضد المعارضة السّورية والقوات الجهادية تكثف، كما أشارت لذلك ربما المعركة الحاسمة في حلب. في العراق، أثبت دور إيران في التّخطيط للهجوم الأخير على الفلوجة، التي تسيطر عليها داعش، وبالتّنسيق مع القوات المسلحة وقوات الحشد الشّعبي، كونه حاسمًا في نجاح العملية. بالنّسبة للجماعات الخليجية السّنية التي تنظر إلى الصراعات الإقليمية بازدياد من منظور طائفي، فإن وصول تعزيزات حزب الله إلى حلب ورفع الأعلام الشّيعية إلى جانب الأعلام العراقية في الفلوجة، تمثل نموذجًا مخيفًا للتّعبئة الشّيعية المدعومة من إيران في الأراضي العربية.

تصر الحكومة البحرينية على أن التّخريب الإيراني بدأ بالفعل في البلاد. في العام 2013، على سبيل المثال، زعمت المنامة أن إيران شحنت أسلحة إلى الجماعات الشّيعية المقاتلة في البحرين في قارب سريع انطلق من العراق.

وقد تردد صدى هذا الادعاء في تقرير للخارجية الأمريكية ذلك العام، مع ذلك، يبقى من غير الواضح إلى أي مدى كان التّورط الإيراني متغلغلًا في ذلك الحادث. الحكومة الآن تعزز روايتها مع محاكمة حوالي 138 شخصًا، والكثير منهم يُحاكَمون غيابيًا، على خلفية كونهم عناصر في خلية إيرانية، تُدعى لواء ذو الفقار.  

وتنفي المعارضة البحرينية وكثيرون في مجتمع حقوق الإنسان مثل هذه الاتهامات. مع ذلك، في المحادثات الخاصة والمقابلات الرّسمية، تعترف الشّخصيات المعارضة المعتدلة بأنّه مع اختفاء مساحة المعارضة الشّرعية، فإن بعض أعضاء المعارضة يوصون باللّجوء إلى الدّعم الخارجي، بمن في ذلك إيران. وأعرب نائب سابق بارز في الوفاق عن قلقه من أن وتيرة التّفجيرات العامة، مثل تلك التي حدثت في البحرين في التّسعينيات وتكررت بشكل متقطع منذ العام 2011، ستتصاعد. ويبقى السّؤال ما إذا كانت طهران سترى في التّصعيد الأخير للحكومة ضد المعارضة، وعلى وجه الخصوص ضد رجال الدّين الشّيعة، تستلزم تصعيدًا خاصًا من قبلها.

داخل إيران، قوبل سحب جنسية الشّيخ عيسى قاسم بالانتقاد من قبل الحكومة. وزير الخارجية الإيراني أصدر بيانًا اتهم فيه العائلة المالكة في البحرين بـ "مواجهة الاحتجاجات الشّعبية السّلمية بتكثيف الإجراءات الأمنية وسجن الزعماء [السّياسيين] ونشطاء حقوق الإنسان المعتدلين، وإغلاق مكاتب الجمعيات السّياسية والاجتماعية السّلمية". علاوة على ذلك، أصدر 252 عضوًا إيرانيًا في البرلمان بيانًا يدينون فيه تصرفات المملكة ذاكرين انتهاكات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

وكذلك تحركت المؤسسات الأمنية الأساسية في إيران وحلفاؤها الشّيعة. قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي، اللّواء قاسم سليماني وصف إساءة معاملة قاسم بأنها خط أحمر "لن يترك خيارًا لشعب [البحرين] سوى المقاومة المسلحة". في لبنان، صرح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن "سحب الجنسية من العالم الجليل والقائد الشجاع آية الله سماحة الشيخ عيسى قاسم عمل بالغ الخطورة". مع ذلك، أكد المرشد الأعلى في إيران آية الله علي الخامنئي -مع إدانته لمعاملة البحرين لقاسم- أن إيران لن تتدخل "بأي طريقة" بشؤون البحرين.

خطط الولايات المتحدة تفشل

قد تكون أهداف الولايات المتحدة في الخليج معقدة مع تفاقم التّوترات الإقليمية والبحرينية. واجهت واشنطن صعوبة في قياس مخاوفها الأمنية والسّياسية في ما يتعلق بالجزيرة، التي تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس.

في أكتوبر/تشرين الأول 2011، حظرت واشنطن مبيعات الأسلحة إلى المملكة ردًا على حملة القمع الوحشية ضد المحتجين الشّيعة المطالبين بالإصلاح السّياسي. وذاكرةً بعض  التّحسينات وجهود الإصلاح ذات المغزى في مجال حقوق الإنسان، من قبل الحكومة التي يقودها آل خليفة، رفعت إدارة أوباما الحظر عن مبيعات الأسلحة إلى وزارة الدّفاع في يونيو/حزيران 2015.

وفي الآونة الأخيرة، ركزت الولايات المتحدة أهدافها السّياسية على الدّعوات إلى تدابير لبناء الثّقة للتّشجيع على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام 2018 -وهي رسالة تم إيصالها على أعلى المستويات مع زيارة وزير الخارجية كيري إلى البحرين في أبريل/نيسان. مع ذلك، يقف حل الجمعية الشّيعية الأساسية كتأنيب حاد وحاجز كبير لسياسة الولايات المتحدة. ردّت وزارة الخارجية الأمريكية ببيان من كيري يشير إلى التّناقض بين تصرفات الحكومة البحرينية ومصالح الولايات المتحدة، ويدعو قيادة البحرين إلى عكس مسارها و"العودة بشكل عاجل إلى طريق المصالحة".

على الرّغم من ذلك، بدت الولايات المتحدة مترددة في استخدام نفوذها السّياسي، مثل الضّغط من أجل المزيد من الإصلاحات من قبل الحكومة البحرينية. وشّجعت مراجعة من قبل وزارة الخارجية في يونيو/حزيران لتنفيذ توصيات اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الحكومة على تنفيذ الإصلاحات في مجالي السّياسة وحقوق الإنسان، لكنّها امتنعت عن تقييم تأثير سياسات البحرين على أمن الولايات المتحدة في المنطقة، كما أوصى بذلك الكونغرس. التّوازن بين الأهداف المحلية والإقليمية لسياسة الولايات المتحدة في البحرين قد يميل بسبب التّفضيلات القوية للسّعودية، وهي بلد ذو تأثير هائل في ازدياد على البحرين.

السّعودية تهدد بشكل كبير

القرار بالقضاء سياسيًا على المعارضة يمكن تبريره بسهولة أكبر في فترة من الاضطراب الإقليمي والانقسام الطّائفي، وتحت مظلة سياسة دول الخليج العربية، بقيادة السّعودية، بالمواجهة المباشرة مع إيران. وإلى درجة تذكرنا بإعدام السّعودية لرجل الدّين الشّيعي نمر النّمر مع العشرات من المخربين في تنظيم القاعدة، فإن خطوات البحرين باستهداف المعارضة الشّيعية رافقها الادعاء على 254 شخصًا وإدانتهم على خلفية الانتماء إلى خلية لداعش.

تصرفات البحرين تعكس نموذج الحسم والحزم الإقليمي اللّذين تُرَوج لهما القيادة السّعودية الجديدة بزعامة الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. الاعتماد المتصاعد للبحرين على المملكة المجاورة من أجل الحصول على الدّعم السّياسي وعلى نحو متزايد على المساعدة الاقتصادية في فترة انخفاض أسعار النّفط والتّقشف المالي صارخ. مع ذلك، في حين تروج سياسات السّعودية لمعنى جديد للقومية السّنية العربية، تعلن البحرين حرصها على وحدة الخليج وتعبر عن تضامنها في المواجهة ضد إيران.

تعكس الاستراتيجية السّياسية للبحرين وتزيد في آن معًا من التّوترات الإقليمية بين إيراد ودول الخليج العربي وتجعل معضلات سياسة الولايات المتحدة أكثر حدة. من غير المرجح أن تتم تهدئة الغضب بشأن القيود الصارمة التي تفرضها الحكومة البحرينية على رجال الدّين الشّيعة والمعارضة الأوسع التي يقودها الشّيعة من خلال إعداد نخب شيعية تقليدية، خاصة في القرى الكثيرة الممتدة من العاصمة. مع ذلك، وعلى نحو متزايد، فإن مشاكل البحرين -على الصّعيد السّياسي والاقتصادي على حد سواء- قد تدخل ضمن ملفات السّعودية، وتنتظر مصالحة الرّياض مع عدوها الإيراني.

*كريستين ديوان سميث باحثة مقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، ومايكل أصفهاني باحث مشارك في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

التّاريخ: 19 أغسطس/آب 2016

النّص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus