مسيرة 9 مارس: هيهاااااااااااااات تمحو ثورتنا

2012-03-10 - 7:49 ص



مرآة البحرين (خاص): كان شارع الثورة البحرينية أمام تحدٍ كبير يوم أمس الجمعة 9 مارس. هذا الشارع الذي عبر عنه أحدهم، أنه لا يعدو أن يكون شرذمة لا تمثل أحداً شيئاً (الشِّرْذِمةُ: القليل من الناس، وقيل: الجماعةُ من الناس القليلة). وراهن عليه بعضهم بقوله إن الثورة انتهت وماتت بعد أن أطبقت السلطة بمجنزرات قواتها على أنفاسه بالكامل. وزايد عليه كثيرهم، أن ثورته "ثورة طائفة انتهت ولم تكسب تعاطفاً دولياً لأنها قامت على باطل". وسخر منه سخر، أنه ليس هناك غير "الكثير من الأطفال يخوضون تجربة مع الشرطة". كان على شارع الثورة أمس أن يسخر من كل هؤلاء، وأن يريهم من يكون وماذا يكون وكيف يكون، يريهم كل ذلك بالفعل المشهود، لا بالهراء الناقص الغبي.

كان على شارع الثورة أمس، أن يُري العالم أين هو بعد عام طويل ومنهك ومهلك، مورست خلاله أبشع الانتهاكات التي يمكن لنظام ديكتاتوري أن يمارسها ضد شعبه في هذا القرن، بعد كل القمع الأمني المفرط والهستيري الذي جوبهت به حركته المطلبية، بعد كل القتل والاعتقال والتعذيب والتخوين والتشهير والإذلال والمحاكمات العسكرية والتجويع وقطع الأرزاق.

 بعد تأليب شركاء الوطن عليه وتأليب الكراهية والأحقاد والعداوات، بعد تقسيم المجتمع ومحاولة حرفه نحو حرب طائفية، كان على شارع الثورة من السنة والشيعة، أن يُري العالم أثر كل ذلك على مطالبه بعد عام؟ أن يري العالم أين هو الآن؟ وكيف هو صموده؟ وهل نجح النظام فيما ظن أنه قادر على فعله بالقوة والبطش والتلفيق؟

بثقة كبيرة، نستطيع أن نقول إن يوم الجمعة 9 مارس، قد لخص الإجابة كلها بكلمة واحدة فقط: "هيهات". لقد أعلنها "هيهااااااااااات" قاطعة وغير قابلة للتشكيك.

في خطبة صلاة الجمعة يوم 2 مارس، وجه الشيخ عيسى قاسم أبرز رجال الدين الشيعة في البحرين، دعوة مؤكدة للمشاركة في مسيرة الجمعيات السياسية قائلاً  "مطلوب لها أن لا تكون مسيرة جميعات سياسية فحسب، وإنما مسيرة شعب عامة، وأوسع ما يمكن أن تكون عليه، شاملة لكل الأطياف وجماهير الشعب الطموحة للإصلاح والتغيير، ذلك لا للمبارزة والاستفزاز، وإنما للتأكيد على أن المطالب السياسية ليست خاصة بشرذمة قليلة كما قد يروج له الإعلام".

 
بين الجمعتين، لم يكن هناك حديث في شارع الثورة غير مسيرة 9 مارس. صارت أيقونة وحدها. الشارع المثخن بجراح عام مهلك طويل، نفض عنه آثار جراحاته وهب قائماً، نهض ليُنهض ثورته وكأنها للتو بدأت، لكن بوعي عام كامل، وبخبرة عام كامل، وبتجربة لا تأتي إلا مرة واحدة في عمر الإنسان، كما عبر عن ذلك ذات مرة أحد أهم قادة الثورة وملهميها، وهو إبراهيم شريف.

تصميمات مختلفة لهذا اليوم أعدها شباب التكنولوجيا، بوسترات متنوعة في مواقع التواصل الاجتماعي، في تويتر احتلت صورة هذا التاريخ مكان صور الناشطين والفاعلين، النقاش والجدل لم يتوقفا حول تاريخية المشاركة في هذه المسيرة، القوى الفاعلة المختلفة بكل أطيافها وتلاوينها قدمت رؤيتها وتصوراتها، الجمعيات المنظمة جندت كل كوادرها للعمل استعداداً لذلك اليوم، بدورها بادرت القرى المطلة على شارع البديع بالإعلان عن فتح بيوتها ومضائفها ومآتمها للمشاركين يوم الجمعة، الجميع مدعو ليكون ضيفاً عليها في هذا اليوم منذ الصباح، وبدورهم أيضاً، بدأ المشاركون تجهيز أنفسهم للذهاب في مجموعات، من أجل توفير أكبر عدد من السيارات التي ستدخل هذا الشارع، بعضهم اتفق مع حافلات نقل صغيرة، آخرون في سياراتهم الخاصة الكبيرة الحجم.
 
هكذا مر الأسبوع الفائت حتى أتى يوم أمس، بدأ الزحف نحو شارع البديع منذ الساعة العاشرة صباحاً، تزايد عند الثانية عشرة، وامتلأ تماماً عند الساعة الثانية ظهراً، بينما كان لا يزال باقياً على المسيرة ساعة ونصف، (مرآة البحرين) ستنشر تفاصيل هذا الزحف في شهادة مفصلة. فكانت المسيرة الأكبر في تاريخ البحرين حتى الآن، تجاوزت الـ 400 ألف مشارك من النساء والرجال من مختلف الأعمار الذين توافدوا من مختلف مناطق البحرين ليصرخوا معاً بأعلى أصواتهم من أجل الحرية، وضد الديكتاتورية.

وبعيداً عما حاولت جهات ترويجه للتقليل من حجم الطوفان البشري الذي امتد على طول شارع البديع من الجهتين يوم أمس، فإن فيديو المونتاج المرفق بهذا التقرير، والذي نشره الشباب الثوري على اليوتيوب، يظهر بوضوح خط امتداد هذا الطوفان البشري الذي لا تُدرك بدايته، ولا تُرى نهايته.

لقد عادت الدماء لشارع الثورة الذي خرج ليقول كلمته: هيهااااااات، لستُ قابلاً للموت. لقد خرج ليقول للنظام الذي أراد طمسه واجتثاثه بالكامل: أنا مثل نخل هذه الأرض أموت واقفاً شامخاً لكن لا أنحني.

 ربما تقتلني بكل خططك القذرة وأساليبك القميئة، ربما تعذبني بأوطأ أنواع التعذيب وأبشعها، ربما تقطع علي رزقي وتجوعني وتحرمني من أقل حقوقي، ربما تجعلني مهدداً في نفسي وأهلي ونسائي كل لحظة، ربما تكذب وتكذب وتتهمني بالعمالة والخيانة والولاء للخارج، ربما تتغطرس أكثر وتأخذك الرعونة أكثر وتتكبر أكثر، ربما تقدر أنت على كل هذا، لكني سأظل قادراً على شيء واحد أضمنه لك، أن أبقى رغم كل ما تفعل صمووووووود، وأعاهدك أن أبقى فيك شوكة لا تخرج ولا تنكسر، حتى تستجيب لمطالب شعبك، أو لتخرج أنت، ولتنكسر.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus