مشاهدٌ من " قاعة محكمة " بحرينية

2012-03-18 - 12:28 م





برايان دوولي*، الهوفينغتون بوست.

ترجمة: مرآة البحرين.

                                               
هناك يجلسون، متراصين على صفين من المقاعد في المحكمة الجنائية البحرينية، 20 من العاملين في الحقل الطبيّ ممن تعرضوا للتعذيب لانتزاع اعترافات كاذبة. لقد تمّ اعتقالهم العام الماضي، بعد قيامهم بعلاج المحتجين في مجمع السلمانيّة الطبيّ، وبعد أن أخبروا العالم بحقيقة ما جرى هنا في البحرين.

لقد بدأت معاناتهم منذ سنة مضت، عندما قامت الحكومة باعتقالهم من أماكن عملهم، وعرضتهم للضرب المُبّرح والاعتداء الجنسي والصعق الكهربائي وأشكال أخرى من التعذيب بسبب دورهم المزعوم في الحركة الديموقراطية التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير/شباط 2011.

 
 
وبعد ذلك، ومنذ ما يقارب الستة الأشهر، تمّ الحكم عليهم بـ15 سنة في محاكم عسكرية. وهذه الجلسة هي لاستئناف هذا الحكم. إنهم هنا في قاعة المحكمة، عشرون من المهنيين المحترمين العاملين في الحقل الطبيّ متهمون بحمل السلاح لتنظيم انقلاب على السلطة، بالإضافة الى تُهم أخرى مُبالغ فيها.

قاعة المحكمة صغيرة وتتخذ شكل المثلث جلس القاضي في مقعده تعلوه صورة الملك حمد، الملك الذي لم تُنتحب حكومته، ويستولي على المناصب العليا فيها أفراد أسرته الحاكمة. ويرأسها عمه الذي لم يُنتخب هو الآخر، وهوالذي يشغل هذا المنصب منذ العام 1971.

ظهر القاضي في المحكمة مرتديا ملابس شبيهة بتلك التي يرتديها ملكه في الصورة، وبدا وكأنه نسخة هرمة ومضحكة عن الملك نفسه. عندما بدأت الجلسة صباحا، كان الجو في المحكمة خليطا غريبا من الإرهاب والهزل. واستُدعي المحامون مباشرة إلى غرفة خلفيّة لتلقيّ التعليمات، بينما قام بعض أفراد الطاقم الطبيّ بالهتاف: "نحن أبرياء.. أطلقوا سراحنا وحسب"، "لا تنسوا يونس عاشوري" الإداري في أحد المستشفيات المعتقل منذ عام واحد، والذي يُحاكم بشكل منفصل.

ومن بين العشرين متهما، ست نساء. رولا الصفّار التي تدربت وعملت كممرضة في الولايات المتحدة الأميركية لمدة 18 عاما. كانت ترتدي ملابس عادية، وتتحدث مع  الدكتورة فاطمة حاجي. كن يجلسن على كراسي تقع على يمين القاعة رقم 11، بينما جلس الباقي منّا من أقارب ومحامين ومراقبين من السفارات: الأميركية، والبريطانية والألمانية، جلسنا جميعا على كراسي  يسار القاعة.

بدأت النيابة بعرضDVD على شاشتي عرض تلفزيونية على جانبيّ القاضي، وادّعت بأن ذلك يُشكل دليلا  قويا ضد الطاقم الطبيّ. ويحتوي الـDVD  على صور ثابتة ومقاطع فيديو قصيرة، أُخذت على ما يبدو في العام الماضي، وتمت "منتجتها" بشكل مقتطع ومتجزأ.

ويحتوي الفيلم على الكثير من اللقطات لسيارات إسعاف عابرة، وقد ذيُلت هذه اللقطات بتعليقات مفادها بأنها- أي اللقطات-  تظهر سيارات الإسعاف وهي تنقل الأسلحة إلى المتظاهرين. ويحتوي أيضا على "اكتشاف" مصوّر لقطعتين من الأسلحة الاتوماتيكية، زعموا أنها وُجدت داخل المستشفى، وهي جزءٌ مما تدعيّ الحكومة أنه مخازن السلاح لدى الطاقم الطبيّ.    

الفيلم لم يكن مُقنعا على الإطلاق، أقله فيما يتعلق بتأريخ اللقطات التي تُظهر اكتشاف الأسلحة بتاريخ 18 مارس/آذار الساعة 11:45  مساءً، بينما يقول الأطباء إن أدلة الحكومة تُظهر على أن تاريخ العثور عليها كان في يوم السابع عشر من مارس/آذار.

وفي الفيلم أيضا، إشارات إلى جرائم أخرى، ولا بد لي من أن اعترف هنا بأنني قمتُ بخرق "برتوكول" المحكمة عندما صدرت مني قهقهة عالية على جريمة "سوء استغلال الشراشف الطبية".

في نهاية الكراسي جلس استشاري جراحة العظام الدكتورعلي العكري، مرتديا بزة رسمية وربطة عنق حمراء، تركز معظم فيلم الحكومة والتهم الأخرى على شخصه وعلى أجندته السياسية المزعومة.

وقد أخبرني بقصة اعتقاله عندما قام الجنود وكلابهم في السابع عشر من مارس/آذار الماضيّ باقتحام غرفة العمليات حيث كان يُجري عملية جراحيّة لمراهق في الثانية عشر من عمره. وكيف أنه أُعتقل طيلة الأشهر الماضية، وتم تعذيبه وحُوكم في محكمة عسكرية غير عادلة، وحكم بـالسجن لمدة 15 عاما.

تم استدعاء الشهود على دفعات، وقام القاضي باستجوابهم. أطباءٌ وعمّال آخرون بالمستشفى شهدوا لصالح الأطباء. وفي تمام الساعة السادسة بلغ عدد من تم استجوابهم من الشهود تسعة فقط، أعقب ذلك تسريع في عملية الاستجواب، وبتوجيه عدد قليل من الأسئلة إلى الشهود. ومع ذلك استمر البطء؛ لأن كاتب العدل يُسجل كل شيء بالتفصيل.

كان في قاعة المحكمة 70 شخصا ويشمل ذلك 6 من ضبّاط الأمن من ذويّ الملامح القاسية والساعات الكبيرة. عيونهم كانت ترقبنا طوال اليوم، وقد نجحوا ولو بشكل جزئي في تطبيق أمر المحكمة بعدم السماح  بكتابة الرسائل النصيّة، أو وضع الساق فوق الساق.

وعلى الرغم من خطورة الاتهامات، فإن سير المحكمة كان مُملا وخاليّا من الإثارة، ولم يشتعل الجو الا عندما أُعلن عن صفقة سيتم بموجبها إسقاط التهم عن الـ15 شخصا من الطاقم الطبيّ. وقد حكم القاضي بعدم النقاش في هذه القضية، وأيضا في قضية تعذيب الأطباء عندما حاول أحد الشهود إثارتها.

وفي نهاية المطاف منع القاضي كلام جميع الشهود الذين دفعوا ببراءتهم في المحكمة وإن كان نصف الشهود قد بقوا في المحكمة.

اليوم، جلس في المحكمة لعشر ساعات، مجموعة ٌمن الأطباء في منتصف العمر، سجنوا مع بعض، وعذبوا مع بعضهم البعض، وحوكموا مع بعضهم البعض، طيلة الاثني عشر شهرا الماضية.

وتأملت الدكتورة ندى ضيف المحكومة بـ15 عشر عاما، قائلة: "إنه يوم تاريخي سيتذكره الناس ويبكون من أجله، إنه يومٌ أظهر رجال الأمن على أنهم المجرمون، بينما أظهر الاطباء على أنهم أبطال".


 16-3-2012



* مدير برنامج هيومان رايتس فيرست.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus