تجمع الوحدة الوطنية "مقاطعة": "يا الله صبّوا هالقهوة وزيدوها هيل"!

2012-03-18 - 4:47 م




مرآة البحرين (خاص): لم يبدأ حوار خالد بن أحمد بعد، لكن "تجمع الوحدة الوطنية" أعلن مقاطعته له، يقاطع ماذا، ولماذا؟ منذ البداية لم يكن "التجمع" معنياً بالحوار بشكل أساسي. والمتأمل في بياناته يجد أن أدبياته تخلو من أية دعوة إلى الحوار.

على العكس، يبدو مكتفيا بمخرجات حوار "التوافق الوطني" الذي انسحب منه رئيسه عبداللطيف المحمود، "الطيب" - حسب وصف عبدالهادي خلف له - بعد حضوره جلسات اليوم الأول. في محاكاة "بتولية" لمواقف المعارضة، الشيعية خاصة، التي شاركت فيه بمحاورين من الصفين الثاني والثالث. فيما بدا على أنه نبوءة بعدم جديته.

وربما كان اهتمام "التجمع" بالحوار، لا يزيد عن اهتمام أفراد، في حين ترزح قاعدته في غياب كلي، أو شبه غياب. وحين يقال أفراد يُعنى بذلك، أمينه العام عبدالله الحويحي، ضعيف الشخصية - والوصف لعضوي التجمع عبدالله هاشم والعضو السابق عادل علي عبدالله - الذي اقتصر وحده، دون أي من قيادات التجمع الأخرى، على اللقاء بوزير الديوان.

في حين بان لرئيسه المحمود جلياً نأي الديوان عن اللقاء به، أو إعطائه أي وزن. ووصل به الأمر حد "البرم" والشكوى من أن "أطرافاً رسمية في الحكم تسعى إلى تهميشه"، وفق ما صرح في لقاء مع صحيفة الأيام 4 مارس/ آذار. بل أنه امتنع عن حضور الذكرى السنوية لتأسيس التجمع، ذات البعد الرمزي العميق في وجدان أنصاره، بسبب "محاولة البعض تهميش التجمع ورئيسه".

من جهة أخرى، فإن فكرة الحوار، وهي فكرة ليبرالية في الأساس وأداة دائمة لحل الصراعات لايبدو أن الشيخ تمرن عليها جيداً، ولما يزل "يلثغ" بها وهلة ورودها على لسانه، تظهر "أجنبية" في خطابه، وكذلك في خطاب بقية "صقور" التجمع من شاكلة الشيخ الأزهري ناجي العربي، الذي يكشف يوماً إثر يوم عن نزعة "برّية" تليق بـ"صبي" سنة أولى سياسة أكثر مما تليق برجل دين؛ وهي لا ترد إلا لمزاحمة المعارضة، وبمثابة حافز "طفولي" للصراخ: "نحن هنا أيضاً، لا تنسونا".

وحتى حين قام التجمع بتقديم مرئياته إلى الحوار المزمع، استنكف من أن يعترف بأنها مرئياته. وراح ينسبها إلى جمعية "الوفاق"، في سلوك غريب لايليق بـ"حزب" ذي قاعدة جماهيرية - مثلما يحاول أن يزعم باستمرار - إنما بسلوك صبية مراهقين.

فالأصل إذن، هو أن التجمع ليس معنياً بأي حوار، ولا يشكل الحوار بنداً على "ليستة" أولوياته. على خلاف أولوية المناكفة مع المعارضة، التي يبدو أنه اعتاد عليها، مستئنساً بوعي وبدونه، إلى أنها هي ما تشكل أصل وجوده. وتبقيه " نجماً " جماهيرياً في عيون أتباعه. وعلى ذلك في الأصل، جاء تأسيسه!

لم يخرج "التجمع" من عقدة الاعتراف بعد. وعلى ما صال وجال، وطرق الدول، وجاب على الأحزاب، وحاول قرع باب المنظمات الدولية، لما يزل يحيا تحت وطأة هذه العقدة التي تلازمه مثل مرض جيني. فلا دعايته عن "طائفية" ثورة 14 فبراير/ شباط قادرة على النفاذ في مكان - استثناء أولئك المهيئين أصلاً إلى تلقيها بصولات التجمع وبدونها -، ولا "تطميناته" المتكررة الساذجة إلى أتباعه: "ذهبنا إلى هذه المنظمة وقد استمعوا لنا، التقينا بهذا الحزب وقد اقتنع بموقفنا" قادرة على أن تقنع مناصريه أو تطبطب على "قلقهم"، خلا طبطبة وقتية لا يجاوز مداها أسبوعاً، ليعودوا بعدها ويمطروه بعصا "التقريع" و"البرم" و"الحلطمة".

وجاءت مزاحمة "صحوة الفاتح" له، وهي في الأساس، "صحوة" نظرائه الذين عمل على استئصالهم مبكراً من التجمع، أي السلف والإخوان، لتزيده بلبلة. فلا السلطة تبغيه، بعد أن صار يبتزها بالمنّ عليها كل ساعة ودقيقة "أنه حماها من سقوط محقق"، ولا منافسيه على تمثيل الحقل الرمزي، مقتنعين بصواب خياراته، خصوصاً وهو يعلن تمثيله الشارع السني، كل الشارع السني أو أغلبيته. فإذا كانت "عقدة" الاعتراف قد بدأت صداً من المعارضة، فهي قد صارت مركّبة الآن؛ إذ توسعت لتكون صداً من السلطة نفسها عنه، وإيصادها الأبواب في وجهه، ناهيك عن صد جزء ليس بالهين من شارعه!

يأتي رفضه المشاركة في الحوار المزمع تتويجاً ظافرياً لاستفحال هذه العقدة. وانتقالها من مرض جيني، تكاد تكون معرفته حصراً عليه والصحاب المقربين، إلى "فضيحة" مشهودة على رؤوس الأشهاد يسمع بها، أو يتندر بالتفكه وإطلاق النكات، العالم كله، والتابعون، وتابعو التابعين. وضمن الأعراض التي يصاب بها المريض بـ"اعتراف منقوص" صار فضيحة لصاحبه، استشعاره المستمر أن "شيئاً ما يدور في الخفاء". فكل صيحة هي "عدو"، وكل إنذار حوار، هو مزيد من "التهميش" ومفاقمة للعقدة، المتفاقمة أصلاً.

على هذا، ورغم أن فكرة المقاطعة قد حفلت في قاموسه بشتى أنواع التحقير، حين هي تكون أداة بين يدي المعارضة - لنأخذ مثالاً موقفه من إعلان شق من المعارضة الانسحاب من حوار التوافق الوطني ! - فإن إعلانه عن مقاطعة "الحوار" تأتي لضمان شيء من الاعتراف يطفيء به قليلاً من نار "عقدته" المستفحلة. وربما جاء تصريح أمينه العام الحويحي قبل أيام في لقائه بأهالي البديع خير دليل على ذلك: "نحن مع مبدأ الحوار، ولكن الآن اللعبة تغيرت ولدينا شروط للدخول في الحوار".

فالقصة إذن لاتعدو أن تكون شروطاً، وهي ليست سوى شروط يستطيع أن يضفي بها بعض البريق على نجمه الآفل. أما النظام، فهو بخبرته  الطويلة في التعامل مع معارضة شرسة، قادر ما من شك، على التعامل مع "مراهق" من "أهل البيت" لا يعوزه سوى بعض الثناء - مزيد من القهوة ومزيد من الهيل - يشبع به جرحاً نرجسياً أو وهماً تطوّر بالترقّي إلى مستوى عقدة، ليعود ثانية فيضع "مخه في رأسه"!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus