» رأي
غداة تسليم الملك تقرير تنفيذ التوصيات: وهم الانتصار يضيع فرص التسوية
عباس بوصفوان - 2012-03-22 - 11:23 ص
عباس بوصفوان*
تعتقد السلطة أنها باتت في موقع المبادر الأوحد، وهي تحتفي بادعاءاتها الكاذبة والملفقة بتنفيذ توصيات بسيوني، التي لو طبقت فعلا لسقط النظام. (راجع مقالي: لأن تطبيق توصيات بسيوني يسقط النظام.. سيعلب الملك لعبة اللجان).
وقد بث تلفزيون البحرين الرسمي وقائع احتفال تسليم تقرير تنفيذ التوصيات على الهواء مباشرة، كما نشر تقاريرا وعرض آراء تعكس الرأي الحكومي، كدلالة لا لبس فيها على أن العديد من التوصيات لم تنفذ كليا، أولم تنفذ بالصورة التي تدعيها السلطة.
ذلك أنه بينما تحدث رئيس لجنة متابعة تنفيذ التوصيات علي صالح الصالح، وبعده الملك البحريني عن تنفيذ توصيات فتح الإعلام للجميع، استجابة لتوصية بسيوني الخاصة بمنح المعارضة الفرصة في البث التلفزيوني، فإن برامج وضيوف تلفزيون البحرين ظلوا بلون واحد، على مدار تغطية وقائع حفل تسليم التقرير، الذي أقيم الثلاثاء الماضي (20 مارس 2012) في أحد القصور الملكية، التي تكلف بناؤها مقدار مدينة تكفي لإسكان أكثر من عشرين ألف مواطن، في بلد يعج بالقصور الخليفية، التي تتزايد باضطراد مع تزايد حجم الطلبات الإسكانية، البالغة أكثر من 55 ألف طلب.
ولمن يود تصديق أن الحكومة طبقت توصيات بسيوني عليه أن يصدق ادعاءات الملك البحريني أمام ضيوفه، من ملتقى الإعلاميين العرب، قبل عدة سابيع، بعدم وجود مشكلة إسكانية في البحرين!
خلال احتفال الثلاثاء، حاول الملك حمد رسم علامات الارتياح على محياه، تفاديا للتجهم الذي ميز ملامح الملك وكبار أفراد العائلة الخليفية في حفل تسلم تقرير لجنة تقصي الحقائق في 23 نوفمبر الماضي.
والفارق كبير بين الاحتفالين: في نوفمبر 2011 تقرير يدين السلطة ويسود وجهها، وفي مارس 2012 تقرير يمجدها، أقيم تزامنا مع ذكرى قيام السلطة بأبشع صنوف القمع ضد الحشود المحتجة في دوار اللؤلؤة، للقول بأن تلك الصفحة السواء قد طويت. بيد أن التقرير الأول أعدته لجنة مرموقة دوليا، والثاني أعده رجال سلطة غير موثوقين دوليا، مع الاحترام لأشخاصهم.
وهذا الفارق يكفي ليطيح بكل الجهد والمال المبذول لتحسين صورة حكومة فقدت كل صدقيتها الدولية، خصوصا مع غياب البوفيسور شريف بسيوني وقادة المعارضة عن حفل تسليم التقرير.
وزاد من حرج السلطة أن المفوضية السامية لحقوق الانسان اختارت أن تدين الاستخدام المفرط لمسيلات الدموع تزامنا مع الاحتفال، كتعبير واضح من عدم ارتياح المفوضية من تعامل الحكومة البحرينية من تعهداتها في مجال حقوق الإنسان، ومحاسبة المتهمين بالانتهاكات. معلوم أن المفوضية رفضت طلبا للسلطات البحرينية بأن تفتح مكتبا في المنامة، لتدريب الشرطة المرتزقة على ما تسميه حكومة البحرين احترام حقوق الانسان. وتصر المفوضية، التي من المتوقع أن يزور وفدها المنامة قريبا، على أن يكون للمكتب قدرة على رصد الأحداث على الأرض، وهو ما ترفضه السلطة حتى الآن.
المفاجأة تزامنا مع الحفل، الذي تدعي السلطة أنه لبنة نحو المصالحة، تمثل في تصريح نبيل الحمر المستشار الإعلامي للملك، المحسوب على جناح التشدد والإقصاء، عن فشل التحضيرات للحوار مع المعارضة.والملفت أن تصريحات الحمر تأتي بعد إعلان المعارضة قبولها حوار غير مشروط، على أمل أن يدفع ذلك التسوية السياسية للأمام.
وتقديري بأن هذه التصريحات غير المتوقعة قد تكون تعبيرا عن الاستياء من عدم مشاركة الجمعيات المعارضة في احتفال الثلاثاء، وهو الاحتفال الذي تريد السلطة، من خلال حضور المعارضة، الادعاء بأنه تنفيذ التوصيات يحظى بدعم كل الأطراف البحرينية، في ظل ما نعرف من أن هاجس الشرعية يظل يلاحق قصر الصخير، مع التنامي الشعبي لشعار «يسقط حمد»، وتفضيله على شعار «تنحى يا خليفة»، الذي تبذل الجماعات السياسية جهودا كبيرة لإشاعته بديلا عن الأول.
وتجد الجماعات السياسية نفسها في وضع لا يؤهلها لحضور حفل يحتفي بتقرير أعدته لجنة حكومية سبق للمعارضة مقاطعتها، احتجاجا على تشكيلتها المخالفة لتوصية بسيوني. ولنلحظ أن تصريح الحمر تزامن مع رفض جماعات الموالاة للحوار!، مما يعطي فهما أكثر عن أسباب رفض تجمع الفاتح لحوار كانت تنادي به.
وكأن النظام وقد جر المعارضة للطاولة بدون شروط، فإنه يحاول كسب نقاط إضافية في جوهر المواقف المطلبية للجمعيات الخمس، وليس فقط في المسائل التحضير المهمة. وربما لا يكون سرا للكثيرين بأن شيئا من التباين قد اتضح بين القوى المعارضة في المرئيات التي قدمت للحكم. فبينما قدمت الوفاق وثيقة المنامة، واحتفظت بصيغ برلمان الغرفة الواحدة المحتكرة للتشريع. ذهبت مرئيات وعد والتقدمي والقومي نحو برلمان من غرفتين، على أن تكون غرفة الشورى للاستشارة، ولا أظن في ذلك خلافا جوهريا.
أما النقطة الأخرى التي تباينت فيها المرئيات، فهي المتعلقة بالحكومة. فالصيغة الوفاقية تستخدم مصطلح الحكومة المنتخبة، أما صيغة الثلاثي «الوطني» فتستخدم صيغة الحكومة المعبرة عن الإرادة الشعبية، وهو تعبير حمّال أوجه، لا تعارضه الوفاق فيما يبدو من بيان يوم الاثنين، 19 مارس 2012.
عموما، لعل تصريح الحمر يعيدنا للمربع الأول، الذي لم نغادره أصلا، كونه ينهي الحديث عن انفراجة يرى متفائلون، ولم أكن من بينهم، أنها قد تكون قادمة.
ويبني المتفائلون موقفهم ذاك على عدد من النقاط:
أولا، ما أبداه الوسيط بين الديوان الملكي والوفاق من حماس ورغبة ووعود في حلحلة الأزمة، لكن لم يتضح ماذا تعنيه هذه الكلمات فعليا.
ثانيا، أن خالد بن أحمد هو مهندس الحوار، وهو أمر قد ينظر له بإزدراء في أوساط جمهور المعارضة، كون الرجل في نظرهم من «أسوأ خلق الله». بيد أن كونه كذلك هو ما قد يعطي معنى للحوار، على اعتبار أن الحوار يتم عادة بين المختلفين والمتعاركين. فضلا عن أن الرجل صاحب قرار فعلي، لا يحتاج معه للعودة للملك، وليس كما كان ولي العهد الذي يحتاج لتقديم تقرير لحظي عن خطواته. ومع ذلك، فإني لست متأكدا مما يقال من أن ولي العهد قد همس للمعارضة بأنه إن أردتم حلا فإن وزير الديوان هو من بيده الربط.
وضمن التنظير للمفاوضات، يتم التداول كثيرا أن المتشددين، عموما، قد يكونون أكثر من الحمائم قدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. وهو المثل الذي يضرب حين قرر مناحيم بيغن زعيم حزب الليكود الاسرائيلي المتشدد توقيع معاهدة تسوية مع مصر والانسحاب من سيناء. ومن دون شك، فإن بيغن البحرين هو خالد بن أحمد.
وهنا، فإني لا أعرف إن كان ذلك هو سبب تفادي الوفاق الهجوم عليه، مع أنه صاحب السلطة الفعلية، ويقف خلف تقرير البندر وكل «فعايل السوء»، واختيار خليفة بن سلمان خصما، وهو فعليا عقيم سياسيا، ومنذ نحو عشر سنوات، رغما ما يبدو عليه من فحولة.
في كل الأحوال، وسواء عقد حوار أم لم يعقد، فإني سأكون متفاجئا بتحقيق تسوية، في ظل تخلف الحكم عن استيعاب مسار تاريخي في طور التشكل. وقد تذهب السلطة والمعارضة إلى حوار، لأسباب متعددة، لكن كلاهما سيظل ينظر إليه على أنه خطوة لإدارة الأزمة، لا احتوائها.
إن وهم النصر الآن عند السلطة، هو نفسه وهم النصر عند المعارضة قبل نحو عام (إبان اعتصامات الدوار الحاشدة).إن الطرفين ينزفان، وأعرف أن امدادات الصمود عند كلاهما متوافرة.. لكن مبادرة المعارضة للتصعيد الفعلي ليس من المبالغة القول إنها كبيرة وقادرة على خنق النظام، حتى وهي (المعارضة) تتسم بالتحفظ إلى الحد الذي يثير الأسئلة.
وفوق ذلك، فإنه يفترض بالسلطة أن تدرك أن المعارضة معنية بمجاراة شارع مازال مبكرا الاعتقاد بأنه فعله الثوري قد جف.