شاهد عيان على انتفاضة 14 فبراير: العودة إلى دوار اللؤلؤة، حلقة 2

2012-03-26 - 11:26 ص




توني ميتشيل، مدونة توني ميتشيل
ترجمة: مرآة البحرين


كان هنالك الكثير من العمل يتم خلف الكواليس - دون علمي حينها- من أجل إنهاء الاحتجاجات. وكان لولي العهد (الشيخ سلمان بن حمد) دور في ذلك، حيث إنه حاول الوصول إلى تسوية مع المعارضة تتضمن السماح بعودة المحتجين إلى دوار اللؤلؤة.

في يوم السبت  19-2-2011م كنت لازلت متحمسا لمراقبة ما يحدث حول المجمع الذي نقيم فيه (أبراج اللؤلؤ)، وكنت أتنقل بين موقف السيارات ونوافذ شقتنا في الدور العاشر، محاولا رؤية مايحدث – إن كان هنالك حدث - ولكن ما بدا لي أن العسكر كانوا في حالة استرخاء، ماكثين في أماكنهم، ماسكين بزمام الأمور في الدوار. في الأثناء، كانت هنالك رسائل متداولة في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) مفادها أن العسكر سوف يتم إجلاؤهم عن الموقع، ولكن ما بدا لي حينها أن ذلك لن يكون قريبا، ولا شيء يبدو لي أنه سيحدث. قمت أنا وزوجتي بقيادة السيارة بعيداً عن هذه المنطقة لأجل القيام ببعض الأنشطة الرياضية والتي كنا في أمس الحاجة إليها لتشتيت انتباهنا عما يحدث حولنا، حيث ذهبت أنا وزوجتي للنادي الإنجليزي، حيث لعبت زوجتي كرة الريشة ولعبت أنا السنوكر. النادي البريطاني يتواجد في منطقة قريبة من مكان إقامتنا، ولكن بدخولك  إلى هناك تبدو  بعيداً بمليون ميل عما كنا نشهده في منطقة إقامتنا.

رجعنا بأمان لشقتنا بعد الظهر، دون التعرض لأي مشاكل، الأمر الأول الذي رغبنا في عمله لدى عودتنا للشقة هو معاينة الموقف في الخارج، وبالنسبة لي كان يهمني إيصال الأخبار للآخرين عما يحدث، ولم يكن هنالك شيء يحدث حينها. مرة أخرى كانت زوجتي هي التي لفتت نظري لما يحدث في الأسفل بعد أن نزلت بنفسها لتتأكد مما رأت، عادت سريعا إلى الشقة لتخبرني بأن الجيش قد غادر المكان، وأن قوات الأمن عاودت إطلاق الأعيرة على المحتجين مرة  أخرى، شعرت بالإنزعاج (بالدرجة الأولى لكوني لم أتمكن من مشاهدة الجيش وهو يغادر، والذي كنت معتقدا أنه لن يغادر قريبا، والسبب الآخر للانزعاج هو كون زوجتي هي من رأت ذلك قبلي !!) ومرة أخرى أسرعت للأسفل، وبمعيتي كاميرا الفيديو على أمل أن أشاهد تلك الأحداث المهمة، لم أكن أفهم لماذا يغادر الجيش المنطقة؟ ولماذا تبقى قوات الأمن، لتطلق النار على المتظاهرين؟

عندما فُتح باب المصعد وهممنا بالذهاب إلى أطراف موقف السيارات لمشاهدة ما يحدث، رأينا أعداداً كبيرة من المحتجين، وهم مبتهجون، يحملون الأعلام البحرينية، وهم يتحركون مهرولين حول ساحة الدوار المزروعة بالعشب، ومنهم من يسجد على الأرض شاكراً، ومنهم من يحتضن الآخر... ويقبلون بعضا مهنئين، ومنهم من يصفق وينشد. لم أر أي تواجد لقوات الأمن، وكنت أنظر لزوجتي مدهوشاً: مستذكراً أصوات تلك الانفجارات القوية والتي رافقت اعتصاماتهم السابقة. مجموعة من قوات الأمن اللابسين للخوذات ذات اللون الأبيض بدوا خلف الأشجار في أطراف الدوار، وكانوا يحاولون إبعاد المحتفلين (لم يكونوا في حالة احتجاج، بل ابتهاج وفرح) وقد تمكن رجال الأمن من الإمساك بمجموعة منهم، كنت مدهوشاً مما يحصل، ولكن علينا التذكر بأن قوات الأمن خاضعة لسلطة رئيس الوزراء، والذي اتضح لاحقا بأنه لم يكن مؤيداً للسماح بعودة المحتجين مرة أخرى للدوار. في هذه الأثناء شاهدنا أحد الرجال وهو يفلت من قبضة رجال الأمن مهرولاً بعيدا، إلا أن أحد رجال الأمن بادر برفع رشاشه بهدوء وأطلق عليه من الخلف، ولكن الرجل توارى خلف الأشجار، وبالتالي لم نكن نعرف ما جرى له، ولكنه بكل تأكيد لم يكن قد استهدف بقنبلة غاز أو بقنبلة صوتية.

 سجلت كل ذلك بالتصوير من خلال كاميرا الفيديو لدي، وكنت أشعر حينها أن كل ما يحدث لم يكن سوى خطة مدروسة ابتداءً من سحب الجيش، والسماح بعودة الناس للدوار، ومن ثم عودة قوات الأمن ومحاصرة المحتجين، كنت متهيئاً لتسجيل كل ذلك بكاميرتي وإيصالها للعالم، ولكن في تلك اللحظة أتاني رجلٌ لم أكن قد رأيته من قبل، وطلب مني التوقف عن التصوير، كان يلبس لباساً أنيقاً، وكان يحمل جهاز الاتصال (البرقية) في يده، كنت حينها مستاءً جداً عندما رأيت شخصاً أعزل وغير مسلح يُطلق عليه الرصاص من الخلف، وكنت مستشيطاً غضباً للسماح لذلك العمل أن يحدث، الأمر الآخر هو ما الخطأ في التصوير ؟!!... بكل تأكيد كان لي الحق أن أقوم بذلك، وقد أخبرت الرجل بذلك وأنا غاضب مع عدد من كلمات الشتم، كان يبدو أنه مصدومٌ من شدة حنقي (وكذلك زوجتي كانت مصدومة) إثر ذلك باشر التحدث فوراً عبر جهاز الاتصال باللغة العربية، وهم َّ بالمغادرة، اعتبرت ذلك الموقف مؤشراً لي لمغادرة المكان، وبعد نظرة سريعة على الدوار (كانت قوات الأمن تهم بالمغادرة والمحتجين يلاحقونهم ساخرين منهم) توجهنا إلى حيث الأمن النسبي في شقتنا.

كنت حينها قلقاً بداخل شقتنا، وتأكدت بأن باب الشقة قد قُفل جيداً. كان طلابي قد حذَّروني سابقاً من إمكان القبض عليَّ واعتقالي، وأن الأمن والشرطة في البحرين ليس كمثيلتهما في أستراليا، وحتى أن بعضهم قد نصحني بإخلاء شقتي والانتقال لمكان آخر. كنت أعلم أن الرجل الحامل للبرقية قد أبلغَ بأمري لأحد ما، وتأكيداً لذلك كانت هنالك أصوات رجال خارج شقتنا لاحقاً، وتبع ذلك حتماً طرقٌ شديد على باب شقتنا. عليَّ أن أعترف أنهم كانوا بارعين في تحديد شقتي بسرعة فائقة، ولكني لم أُجب الطرق على الباب. في الواقع أنا لم أعمل أي خطأ (باستثناء استخدامي لبعض عبارات الشتم).. فليطرقوا الباب طوال اليوم !!!... الشيء الوحيد المثير للقلق حينها إذا قرروا كسر الباب، حيث إن شقتنا يملكها شخص وزوجته وهما طيبان جداً، ويعيشان في المملكة العربية السعودية. لاحقاً توقف الطرق على الباب، وتلاشت الأصوات، كنت أهمس مع زوجتي متسائلين عما يجب عمله عندما رنَّ تلفون شقتنا، وكان المتصل هو مالكة الشقة. أخبرتني مالكة الشقة أنني في ورطة كبيرة، وأنني بحاجة للذهاب لرؤية رجال الأمن فوراً. نصحتني بأن لا أكون ساذجا في الأمر، وكذلك أخبرتني بأن سجون البحرين ليست بالأماكن الجيدة للتواجد فيها. (كم أتفق معها في ذلك الآن !!).

هممت أنا وزوجتي مسرعين لرؤية الرجل ذي البرقية، ولاحقا وجدناه في موقف السيارات، وهو يتحدث إلى اثنين من  الرجال. ذهبنا لهم مباشرة، واعتذرت للرجل الذي يحمل البرقية قبل أن يتحدث الرجل الأضخم من بينهم، معرفا بنفسه على أنه مسؤول الأمن في مجمع الشقق. حقيقة لم أر أياً من الرجال الثلاثة سابقاً خلال الـ14 شهراً التي قضيتها في هذا المبنى. أخبرني مسؤول الأمن بأنني وضعته في وضع غاية في الصعوبة من خلال تصوير الاحتجاجات، لأنه كان خاضعاً لأوامر وزارة الداخلية بأن لا يسمح لأي مقيم في المجمع بتوثيق أي شيء يدور حول المبنى. كذلك أخبرني بأنه لو اكتشف بأن هنالك الكثير من التصوير قد تم فإن لديه الحق والصلاحية أن يدخل أي شقة بحثاً عن الكاميرات والكمبيوترات... وبأنه لم يكن يود ذلك، وأخبرني بأن أفضل شيء يمكن عمله هو مسح كل الأفلام التي التقطتها.

 أخبرته بأني قد حمَّلت كل الأفلام إلى يوتيوب، وحينها شهق الرجل ذو البرقية قائلا :  لاتقل ذلك،  حينها قال مسؤول الأمن بأني بحاجة للتأكيد له بأني سأتوقف عن التصوير. قال : نحن نعلم بأنك تعمل لدى كلية البوليتكنك مدرسا للغة الإنجليزية، وكذلك نعلم رقمك الشخصي، وأن تلك هي سيارتك، ونعلم كل شيء عنك !!!.. كنت أعلم أنه يُحاول إخافتي وأن تلك المعلومات قد أُعطيت له من قبل مالكة الشقة، وكذلك من قِبل الشخص المُشغل لبوابة موقف السيارات، ولكني لم أكن أرغب في تعقيد الأمور وجعلها أسوأ، ولذلك وافقت على مسح أفلام الفيديو، وأن لا أقوم بالتقاط المزيد.
 
حينها لم أكن أفكر كثيرا بالأمر، ولكني الآن مقتنع أن الرجال الثلاثة الذين تحدثت إليهم كلهم مرتبطون بوزارة الداخلية. كما ذكرت سلفا لم أر أيا منهم قبل ذلك، وأنني لم أر سوى الرجل  الثالث منهم بعد ذلك اليوم. أنا متأكد بأن الصور والأفلام التي التقطتها قد لوحظت من قبل منتسبي وزارة الداخلية، أو أخبروا عنها، وأن هؤلاء الرجال قد بُعثوا للمجمع لإيقاف ذلك. وأسأل مجددا لماذا حظر التصوير إلا إذا كان هنالك شيءٌ ما لا تود الحكومة للآخرين أن يروه أو يشاهدوه.

رافقنا الرجل ذو البرقية أنا وزوجتي إلى شقتنا، وجلس يُراقبني وأنا جالس لدى طاولة الطعام وأقوم بمسح كل الأفلام التي حملتها على الكمبيوتر وعلى كاميرا الفيديو التي لدي. سألني إن كان لديَّ أية أفلام أخرى مخزنة في مكان آخر، وكانت إجابتي : لا، وعرضت عليه أن أعطيه كاميرتي لأثبت له توقفي عن التصوير، أخذها مني، وأخبرني بأني أستطيع استعادتها ثانية ربما خلال أسابيع معدودة. أستطيع القول بأنه كان مهذبا جدا طوال الوقت الذي أمضاه معنا، وفي الواقع فإن زوجتي قد استعادت الكاميرا لاحقا.

كنت مرتاحاً أنني خرجت من ذلك الموقف الصعب في مجمعنا السكني، ولكني كنت محبطاً قليلا بأني لن أستطيع المساعدة بعد الآن في نشر الحقيقة إذا ما تمت فظاعات أُخرى في الدوار. بقيتُ مراقباً للوضع من حولنا إلى حد كبير، وكذلك زرت المكان لأرى الفعاليات والاحتفالات هناك، ولأرى بنفسي إلى أي مدى كانت الأمور تتم بشكل سلمي. إن أيامي لتسجيل ونشر ما يجري قد انتهت، ولكني لم أكن أدرك بأن مشاكلي الحقيقية قد بدأت للتو.




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus