خطوط التماس بعد مارس: التعايش المستحيل بين مواجهات الشعب وقمع الشغب

2012-03-27 - 10:02 ص


 

مرآة البحرين (خاص): "النظام يصارع لفرض سيطرته على سترة" هكذا بدا عنوان تقرير رويترز عن أحداث سترة، وهكذا تحولت معظم التغطيات الإخبارية الدولية لمسيرات الجمعة لتتكلم بالتفاصيل الدقيقة عن "اندلاع المصادمات" بين قوى الأمن والمحتجين، على عكس مسيرة 9مارس التي كان معيارها اللافت الحضور الضخم والاستثنائي.
 
ويوم أمس اختارت صحيفة لوس أنجلس تايمز صورة لمتظاهر بحريني يركل قنبلة غاز مسيلة للدموع تجاه قوى الأمن بعد أن أطلقت عليه، اختارتها على أنها "صورة اليوم المذهلة"! بينما ذهب جون تيموني بحيرته إلى وسائل الإعلام ليصرح بأن عدد قنابل الغاز يطلق بالتناسب مع عدد قنابل المولوتوف!
 
فشل التكتيك العسكري
 
 
مدرعات الرعب وسط القرى ( اضغط للتكبير)
رغم مضي عام كامل، فإن النظام في البحرين لا زال لا يستوعب أن الحلول الأمنية قد فشلت بكل أنواعها. ليست هذه فرضيات أدبية وخطابية تستند إلى حكايا تاريخية، فهذه الحلول في البحرين لم تفشل فحسب على أرض الواقع، بل بدأت تستنزف، وتتطور إلى حيث تأخذ الصراع إلى مرحلة فارقة.
 
مدرعات وزارة الداخلية استبدلت مدرعات الحرس الوطني ودبابات الجيش التي نشرت الرعب والظلام في شوراع البحرين على مدى ثلاثة أشهر. مع دخول هذه المدرعات في المشهد، صار انتشار قوى الأمن وتعاملها مع المحتجين يتبع تكتيكا مختلفا حسبما يصف مراقبون وحسبما يروي شهود عيان.
 
لقد فشلت كل هذه التكتيكات، واختلت الموازين في الشارع فعلا. ليس فقط لأن فتاة من سترة بلغ بها الأمر أن تلتقط قنابل الغاز وترميها في وجه القوات وهي تجري، ولا لأن شابا صعد على ظهر المدرعة في قرية جدحفص وحاول الدخول إليها، ولكن لأن مظهر المواجهات وتطورها بدأ يأخذ شكل المقاومة المدنية فعلا.
 
لقد بدت المدرعات ضعيفة جدا، لم يكن يستطيع العساكر أن يخرجوا من فوهتها ليطلقوا قنابلهم بسهولة إلى الشارع، كانت تتراجع، تتعرقل، تحترق، تتوقف، كما لو أنها تريد أن تستسلم. لقد سقطت هيبة العسكر منذ أن نزل الأمراء يصولون ويجولون في ميدان اللؤلؤة رغما عن الأسلاك الشائكة، منذ أن صار الشبان يلاحقون المدرعات والمرتزقة لا العكس، ومنذ أن صار فضاء الهيليكوبتر عبثا لا داعي له، لقد سقطت هيبة العسكر منذ أن غلّ موقف المعارضة السياسي المتقدم كثيرا من أياديه.

ولعل جملة خليل المرزوق المساعد السياسي لأمين عام للوفاق تختصر بإيجاز كل ذلك "بالمفهوم العسكري الذي لا يفهم النظام غيره: فالجيش قد انهزم، منذ أن احتل الناس الشوراع والميادين مجددا"

 
خط التماس
 
 
فنون الشباب مع مسيلات الدموع (اضغط للتكبير)
لم يكن ذلك ضعف ميداني ولا عسكري، ولكنه ضعف محسوب ومقصود فليس لأجهزة الأمن القدرة على أن تكون اليوم أقوى وأعنف، هي أكثر من يعي بأن الزيادة عن هذا الحد، ستعني بلا شك هذه المرة الزيادة من شراسة مقاومتها، وتحول الشوراع إلى ساحة حرب حقيقية، فالأمر لا يمكن أن يقارن بمارس 2011، حين استيقظ الناس على الدبابات تباغت بيوتهم.
 
ولأنها صارت تخشى أن تكرر عار السلامة الوطنية بكل تفاصيله، ولأن أهم ما تغير في هذه التفاصيل هو فقدان الناس للخوف وخروجهم للشارع بشكل عارم حتى إلى خط التماس، لم تقرر السلطة بعد استخدام كل ما في المدرعات الجديدة من تجهيزات قتالية متقدمة، من ضمنها أسلحة رصاص حي، كما أنها قللت كثيرا من الاعتقالات واقتحام البيوت خصوصا في سترة، وهي تحاول أن تنهي مهمتها في أسرع وقت وتغادر، ورغم كل ما تقوم به من قمع وحصار لا يمكن أن يخفى ما يسيطر عليها من حذر وخشية تجعلها في موقع الضعيف.
 
خط التماس صار يحدده المتظاهرون لا قوى الأمن: لا تدخلوا قرانا، واخرجوا من دوار اللؤلؤة. بخلاف ذلك فليس هناك سوى الصراع والتحدي دون أن تهم أية اعتبارات أخرى. السلطة تتعايش مع المواجهات، وقد تعتبرها حدا أدنى من الاستقرار يمكن التعايش معه، لكن الناس لا تتعايش مع القمع، بل تطور بشكل مذهل تقنياتها وأدبياتها في مواجهته حتى إن لم تأخذ شكلا تنظيميا حتى الآن.
 
جهر المعركة وسرها
 
لماذا يصفها مراسل رويترز "أندرو هاموند" بالمعركة، لماذا يهتم بنقل كل تفاصيلها؟ أجهزة الأمن تضحي الآن بالمرتزقة، تستسلم مجبرة (إجبارا سياسيا) لقنابل المولوتوف، الأمر الوحيد الذي لا زالت تعتقد أن بإمكانها أن تقوم به وتستفيد من إنجازاته هو إغراق كل الأحياء بالغاز لقتل الناس سرا! هي لا تطلق على من في الشارع من المتظاهرين مثل ما تطلق على البيوت!
 
قوى الأمن لم توفر الأمن قط لكل مدن وقرى البحرين في يوم من الأيام، أما بعد 15 مارس 2011 فقد كانت تعمل وتتصرف بشكل واضح كقوى احتلال، خصوصا مع كون الغالب الأعم من عناصرها مرتزقة أجانب، ومركباتها الجديدة تقترب في شكلها من الشكل العسكري (المدرعات)، وهي تجتاح قرى وشوارع داخلية تقطنها جماهير المعارضة بنسبة 100%، ولا توجد بها أية مرافق مهمة للدولة.
 
على مدى عام، صار من غير المعقول أن لا يتعامل الناس مع هذه القوات كجيوش احتلال، وأن لا يجهروا بذلك، خصوصا وأنها مدعومة في الثكنات من قوات أجنبية بحتة كذلك، تبيت مستنفرة وعلى وضع الاستعداد دوما.
 
9 مارس وستيفان وليامز
 
 
جاء 23 مارس بعد أسبوعين من 9 مارس. 9 مارس كان خط تماس آخر، لكنه افتراضي. قبل 9مارس بلور الزعيم الديني الشيخ عيسى قاسم نظريا مبدأ "السحق بالسحق" [1] لكن ذلك لم يجد التطبيق العملي المنظم، رغم أن هناك من دعا فعلا إلى تشكيل لجان حماية أهلية للدفاع عن الأعراض التزاما بما يمكن أن يعد فتوى فقهية، إلا أن ذلك لم يحدث.
 
أما الشارع، فقد كان الحس المناهض للعدوان يتحرك فيه ضمن سياق طبيعي قبل دعوة السحق بوقت طويل، لكنه وجد في هذه الدعوة غطاء  يمكّنه من الإعلان عن أعمال "الدفاع المقدس".
 
ويوم أمس، قامت نائبة السفير الأمريكي بزيارة لجرحى قوى الأمن في المستشفى، ونقل عنها أسفها لاستهدافهم. بالطبع، لم تقم ستيفان ويليامز بزيارة إلى أي جريح من المتظاهرين طوال أكثر من 13 شهرا قضتها في البحرين معهم، ولم تعلق على شكاوى الناس في مارس 2011 من أنهم لا يعلمون أين نقل مصابوهم، أو أنهم يمنعون من زيارتهم في مستشفى السلمانية.
 
لكن أهم ما نسته ويليامز أو تناسته، هو أن بلادها دافعت باستبسال في مجلس الأمن عن حركات المعارضة المسلحة في سوريا، واعتبرت ذلك حدا مقبولا ولا غنى عنه من التسلح بغرض الدفاع عن النفس!


 
هوامش:
 
[1] مرآة البحرين: عيسى قاسم يبني "توازن الرعب": السحْق بالسحْق.. والحليم إذا غضب!


خطوط التماس:


 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus