"المرّ" في مصنع السكر الوحيد في البحرين.. أموال "التأمينات" وإتجار بالبشر
2017-01-25 - 10:29 م
مرآة البحرين (خاص) تدور حالياً محاولات رسمية لإخفاء مخالفات جسيمة بحق عمال بحرينيين وأجانب في مصنع الشركة العربية للسكر المُقام في منطقة الحد في البحرين، وذلك بعد تعرض المشروع لنكسة تسببت بها أطراف يُعتقد أنها تريد الاستيلاء على المشروع الذي تساهم فيه هيئة التأمين الاجتماعي التي تستثمر في مدخرات العمال، بنسبة معتبرة، عبر شركة أصول التي أنشأتها هيئة التأمين لغرض الاستثمار.
ففي الشق العمالي هناك فضائح كبيرة تجري بحق العمال، يرقى بعضها إلى جريمة الاتجار في البشر دون أية شبهة، إذ ينتظر 170 عاملاً في المصنع مصيراً مجهولاً، إذ لم يتسلم العمال رواتبهم منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2016، وقد توقف معظم العمال البحرينيين عن العمل رغم حضورهم، لكن هناك نحو 80 عاملاً ينتمي أغلبيتهم لجنسيات دول إفريقية، مضطرون للعمل بطريقة "السخرة"، إذ يذهب هؤلاء يومياً للمصنع للعمل 12 ساعة متواصلة، لأن إدارة المصنع تقدم لهم وجبة الغذاء فقط، ولهذا السبب فإن العمال الأفارقة يعملون 12 ساعة متواصلة مقابل وجبة طعام واحدة، وهو ما يعد جريمة واستغلالاً ينتمي للاتجار بالبشر واستعبادهم.
علاوة على عدم دفع الرواتب، لم تقم إدارة المصنع بدفع ايجارات بناية عمال الشركة الأجانب لمدة 6 أشهر وهو ما يُهدِّد بطرد العمال من مكان سكنهم.
كما أن إدارة الشركة رفضت طلب العمال البحرينيين الذين يحوز أغلبيتهم شهادات جامعية، بتسليمهم شهادات فصل من العمل، ليتمكنوا من الذهاب لوزارة العمل والمطالبة بحقهم في التأمين ضد التعطل، والبحث عن وظائف جديدة، بل اشترطت عليهم أن يتقدموا باستقالات من قبلهم لكي لا يطالبوا بحقوقهم لاحقاً في الحصول على نحو خمسة رواتب لقاء فصلهم المفاجيء وإنهاء العقد من طرف واحد.
وفي شق آخر من الموضوع، تدور شبهات حول ما آلت إليه أوضاع المصنع الذي كان نجاحه مضموناً وفق ما يقول خبراء، فهو ثالث أكبر مصنع للسكر في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تأسس بأموال خليجية مشتركة إذ فاقت كلفة تأسيسه 160 مليون دولار أمريكي، وتملك شركة أصول التابعة لهيئة التأمين الاجتماعي في البحرين الذي تدير مدخرات العمال للتقاعد نسبة 10 في المئة من رأس المال، ويملك بنك الاستثمار الدولي، ومقره البحرين، حصة تبلغ أكثر من 22 في المئة (تقود مجموعة شركات الفهيم الإماراتية المساهمين في بنك الاستثمار الدولي، الذين يبغ عددهم 45 مساهما، اذ تمتلك 24 في المائة من إجمالي الأسهم، كما يساهم في البنك أحمد سالم بقشان من جدة، ومن الكويت تساهم شركة العقارية والصالحية، ويقتسم النسبة المتبقية مستثمرون أفراد ومؤسسات من كل من البحرين، قطر، الكويت، المملكة العربية السعودية والإمارات).
وتعرض المصنع لظروف غير طبيعية، ويبدو أن هناك نية للاستحواذ عليه من جهات لم يتم تحديدها، بعد تصريحات صحفية سربها بعض مسؤولي المصنع عن الصعوبات التي عانى منها المصنع.
ومن القرارات الغريبة التي تم اتخاذها خلال العامين الماضيين، فقد كان المفترض بحسب دراسات جدوى المشروع وتصاميم المصنع، أن يبني المصنع لنفسه رصيفاً بحرياً خاصاً بعد أخذ الترخيص اللازم، ليتسنى له استلام البضائع من السفن التي تجلب المادة الخام للسكر مباشرة، لكن عدم منح التراخيص اللازمة لإنشاء الرصيف البحري الخاص أدى لارتفاع التكاليف التشغيلية، مما أدى إلى رفع كلفة الطن مقارنة مع مصانع تكرير السكر في المنطقة التي تمتلك أرصفة بحرية لاستيراد السكر الخام وإعادة تصدير السكر بعد تكريره.
وبلغت كلفة استئجار رصيف بحري في ميناء خليفة نحو 90 ألف دينار للسفينة الواحدة التي تأتي لافراغ الحمولة، وبعدها شحن هذه الحمولة في شاحنات باتجاه مخازن المصنع.
بحسب أحد المسؤولين، فإن وجود مرفأ خاص يعني أن تحميل طن السكر الوارد إلى المصنع لن يكلف أكثر من دولارين فقط، لكن الآن فإن دخوله من خلال الميناء يكلف نحو 13 دولاراً، في حين أن عملية تحميل طن السكر المكرر لتصديره للخارج يكلف حوالي 19 دولاراً للطن، وهو ما يعني أن كلفة الطن الواحد الآن (19 دولار)، تفوق الكلفة المفترضة بأكثر من 9 أضعاف.
ومن المشاكل الأخرى التي يعاني منها المصنع هو تقاعس أحد البنوك الذي تم الاتفاق معه، على تسليم القرض المتفق عليه لاستكمال بناء المشروع مما أدى لاستخدام رأس المال، فقد تأخر البنك في سداد قيمة القرض اللازمة لبدء الإنشاءات والتي تزامنت مع الأزمة المالية العالمية التي انفجرت شرارتها في 2008، وعليه قررت الشركة المضي في أعمال الإنشاءات باستخدام رأس المال الذي ضخه المساهمون ريثما يتم تسلم قيمة القرض.
وقد نجح المصنع في إنتاج سكر بمستوى جودة عالي، واستحوذ على نسبة مهمة من السوق في البحرين والسعودية، لكن المساهمين لم يكملوا تمويلهم للمشروع مما ساهم في تعثره بشكل كبير، ويعتقد أنها قد تكون لعبة في داخل مجلس الإدارة للاستحواذ عليه من قبل بعضهم بالاتفاق مع أطراف أخرى خارج الشركة العربية للسكر التي تعتبر شركة مقفلة.
يعتبر مصنع السكر البحريني هو الأفضل على مستوى الشرق الأوسط
وخلال فترة التعثر تم اتخاذ قرارات ارتجالية دون دراسة ودون تدقيق، مثل القرار الذي اعتبر حلاً مؤقتاً، والذي تم بموجبه الاتفاق مع إحدى الشركات في لندن على تزويد السكر للمصنع من دون مقابل على أن تتم إعادة تصديره للشركة نفسها، ولم تكن هذه الاتفاقية تدر الربح على الشركة، لكن قيل أن الغرض منها كان الإبقاء على المصنع يعمل لكي لا تتعطل المعدات من توقفها ولكي يتم توفير السيولة لدفع أجور للموظفين على الأقل، إلا أن هذا الحال لم يكن ليستمر طويلاً.
وفي ظل هذه الأوضاع، وقفت الحكومة طوال الأشهر الماضية موقف المتفرج رغم ما يعنيه السكر من سلعة اقتصادية أساسية وهامة، وتقدمت حالياً شركتان بعرضين للمساهمين للاستحواذ على نسب مسيطرة على معظم أسهم الشركة، في حين كان أحد العروض يحتوي على شروط قاسية؛ الأمر الذي دفع مجلس الإدارة إلى الدعوة لتعديل الشروط التي اعتبرت غير مناسبة. وتنتظر الشركة يتبلور عرض ثانٍ قد ينقذ وضع الشركة ويضخ أموالاً جديدة، ولم تتضح بعد من هي الجهات التي ترغب بالإستحواذ على المصنع.
وينتج المصنع، السكر المكرر، ودبس السكر، وذلك بجودة عالية، وكان المصنع ولا يزال مرشحاً لتزويد عدد من المصانع المقامة أو المزمع إقامتها بالسكر، بينها مصنع للبسكويت الذي يجري إنشاؤه في منطقة الحد الصناعية أيضاً.
أحد مستودعات الشركة العربية للسكر