ما بعد مصطفى حمدان: اغتسلنا غسل الشهادة
2017-01-28 - 2:08 م
مرآة البحرين (خاص): "في تلك الظلمة، والرصاص ينهمر حاولت أن أحتمي بجدار المنزل لحظة وصول زخة جديدة من الرصاص، هو واصل التقدم بثبات، قدمه لم تهتز، غاب عن عيني ثوان قليلة فقط ثلاث أو أربع ربما، لحظة احتمائي بجدار المنزل، التفت مجدداً لم أجده، دققت لأجده سقط على وجهه، سقط للأمام ولم يتراجع"، هذا ما قاله أحد المعتصمين في الدراز وكان رفيق المصاب مصطفى حمدان عند الفجر الدامي من يوم الخميس 26 يناير 2017.
توقف هذا الشاب رافضا إكمال شهادته، قال أريدكم أن تدونوا هذه الرسالة قبل أن أكمل شهادتي، أريدها رسالة تصل إلى السلطة وإلى الرأي العام المحلي والعالمي.
يقول هذا الشاب: رسالتنا واضحة، كلنا مصطفى حمدان، ما أقوله يمثل حرفياً المعتصمين المرابطين عند منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم، اغتسلنا غسل الشهادة، لن نعود إلى منازلنا، سنتقدم للرصاص بكل شجاعة، لن نهرب، لقد قررنا الموت دفاعاً عن قائدنا الشيخ عيسى قاسم، ولن نسلمه حتى آخر الأنفاس، واشهدوا أننا وعدناكم بذلك، ليسامحنا من له حق علينا... لقد كتبنا وصايانا، وأعددنا أكفاننا، لقد حانت اللحظة التي ستتحدث فيها دماؤنا، لقد مثّل سماحة الشيخ طوال مسيرته تاريخ العز والكرامة لهذا الوطن، والتنازل عنه هو بيع لهذا التاريخ، لم نبع يوماً تاريخنا ولا رموزه، نعرف أن عباءة الشيخ دونها ذلنا، هذه لحظة التضحية، لحظة الوقوف بوجه الظالم الأرعن مرة واحدة وإلى الأبد".
يعود لقصة ذلك الفجر، وإصابة مصطفى حمدان: بعد الثانية وثلاث وثلاثين دقيقة من فجر يوم الخميس 26 يناير 2017، وصلت سيارات مدنية متنوعة، بينها سيارة مرسيدس، وباص صغير، توقفوا قليلاً، تسللوا ناحية خيمتين كان يستخدمهما بعض الشباب للتدخين بعيداً عن الاعتصام، لكي لا يزعجوا أحداً، تسللوا بالتزامن مع وصول سيارات جيب مدنية من نوع اللاند كروزر، هجموا على الشباب، حدث تضارب بالأيدي، فرّ أحد الشباب، بدأت الطلقات تُسمع، حاولوا تقييد شاب آخر، لكنه استطاع الفرار أيضاً بعد أن تعارك مع أحد المهاجمين، بينما تم اعتقال بعض من الشباب.
قال الشباب الذين استطاعوا الفرار، إنهم لاحظوا أمرين، أن المهاجمين نوعين، الأول هم بحرينيون من موالي السلطة وقد كانت لهجتهم واضحة، الأمر الثاني أنه كان بين المهاجمين أناس ذوو بشرة بيضاء أوروبية، لكنهم لم يتكلموا، وكانت وجوههم مغطاة كما هو حال جميع المهاجمين.
يضيف"حدث استنفار بين المعتصمين، توزعوا على أكثر من مجموعة لصد المهاجمين، توجهت لأحد الممرات ظهرت أمامنا قوات الأمن المُهاجمة، رمينا الحجارة، ففوجئنا بسيل من الرصاص الحي، شاهدت بعيني بعضهم يحمل مسدسات فردية، واثنين منهم يحملان المسدس الرشاش، واصلنا رمي الحجارة والتكبير فقط، الشباب من مجموعة أخرى كانوا يرمون الحجارة، صوت الرصاص كان يصم آذاننا لم يكن لدينا خيار للتراجع، كان مصطفى أمامي وأشهد أنه كان في المقدمة، لم ترتجف قدماه رغم هول الرصاص، مرت دقائق، فوجئنا بأن المهاجمين مرتبكين جداً، صرخنا بالتكبيرات وتقدمنا خطوات قليلة، فبدأ الرعب يدب أكثر فيهم، بدأوا يتخبطون رغم إننا نبعد عنهم نحو خمسين متراً".
ركضوا وهم يطلقون النار بغزارة شديدة، حاولت أن أستند إلى الجدار أنا وأحد الأشخاص لنتقيَ الرصاص، غاب مصطفى عن عيني ثوان قليلة ربما ثلاث أو أربع ثوان فقط، عدت للمر الضيق لم ألحظه أمامي واقفاً، دققت لأجده سقط على وجهه، سقط للأمام ولم يتراجع، عدوت نحوه وطلبت من آخر أن يحمله معي، كنت أبحث عن آثار رصاص الشوزن فلم أجده، كان وجهه مدمياً، وحين رفعناه أخذ الدم يشخب بغزارة، كان الدم يسيل ونحن نركض به، غسل الدم ملابسنا، أدخلناه لأحد المنازل نفتش عن مكان جرحه، فرأينا في النهاية ما لم نتوقعه، مكان الرصاصة التي اخترقت جمجمته، المهاجمون الجبناء ركبوا سياراتهم وهم يطلقون النار وأعتقد أنهم أصابوه بينما هو بعيداً عنهم مسافة خمسين متراً تقريباً، قبل أن يتم أخذه للمستشفى فتح مصطفى عينيه لكنه لم يتكلم، وفتحها مرة ثانية لحظة إركابه السيارة، كان صامتاً أيضًا
أركب أحد الشباب المصاب مصطفى حمدان سيارته، وانطلق به عبر الممرات، ليصل به إلى المستشفى الدولي، وهناك رفضوا استقباله، وحاول الشاب الذي أوصله إقناعهم بعلاجه دون جدوى، قالوا له لا نستطيع عمل شيء، كانوا خائفين من بطش السلطة، فقال لهم الشاب اطلبوا الإسعاف إذاً، فاتصل أحد موظفي المستشفى الدولي بإدارة إسعاف مستشفى السلمانية، لكنهم رفضوا، فحاول إقناع الأطباء في المستشفى الدولي أن يوافقوا على أن يركب معه في السيارة ممرض من المستشفى، ليتابع حال مصطفى ريثما يصل به إلى السلمانية فرفضوا أيضاً، اكتفوا بفحص نبض قلبه فقط.
حمله الشاب مرة أخرى بسيارته نحو مستشفى السلمانية، وهناك فوجىء بما لا يقل عن أربعين من رجال الأمن بين ضباط وشرطة ينتظرونه، كان الدم ما يزال يسيل، ملأ دم مصطفى الأرض، من موقف السيارات القريب حتى غرفة الإنعاش ثم غرفة العمليات، كان يسيل بغزارة، أخذ الشرطة الشاب الذي أوصل مصطفى حمدان للسلمانية، صادروا معطفه المبلل بدماء مصطفى، صادروه، ليخفوا الجريمة، حضرت والدة مصطفى فحققوا معها، وحين رفضت في البداية كونها تريد الاطمئنان على ابنها، هددوها بالحبس في إحدى الغرف في المستشفى.
حين قال الطبيب المشرف على علاج مصطفى لوالدته أن هناك "جسما صلباً" داخل رأس مصطفى، صرخ الضباط في وجه الطبيب، وقالوا له لا تتحدث عن حالة المصاب، كانوا يريدون إخفاء أمر إصابته برصاصة في رأسه.
يقول شاهد العيان هذه خلاصة ما حدث تلك الليلة، كرامة مصطفى أنه تقدم ولم يفكر بالتراجع، أنا تراجعت قليلاً، أصيب هو، لقد تعلمنا الدرس، لن نتراجع، سنكون مثل مصطفى، نسقط للأمام.